مقدمة عن القداس الإلهى
يعتبر القداس الإلهى هو أهم عمل روحى تقوم به الكنيسة، فهو عصب الحياة الروحية، ولا يمكن أن نتخيل الكنيسة بدون قداس. فالمسيحية هى التجسد، والتجسد عملياً يتجلى فى القداس، ففى القداس يوجد الجسد والدم، وشرح التجسد بدون الإفخارستيا هو مجرد كلام نظرى وفلسفى لا يستند إلى واقع عملى معاش وبالتالى تصبح قصة التجسد قصة تاريخية ومجرد رواية تروى للناس لا أكثر.
القداس جعل قصة المسيح حاضرة فى كل يوم على المذبح، وهذا ما قصده السيد المسيح حينما قال “أصنعوا هذا لذكرى” (1كو 11: 24) ففى كل يوم نذكر ونعيش حياة المسيح بكل تفاصيلها فى القداس، آلامه، موته، قيامته، صعوده، مجيئه الثانى… كل هذا حاضر فى القداس.
“أصنعوا هذا لذكرى” تعنى حضور المسيح معنا عندما نراه على المذبح نعرف أنه ليس تاريخاً ولكنه واقع معاش، وتكون شخصية المسيح واقع نعيشه كل يوم وليست شخصية سطورية، لذلك لا يمكن أن نتخيل المسيحية بدون قداس.
الكنيسة منذ البداية، منذ آبائنا الرسل، تعيش بالقداس، وحتى اليوم نلاحظ ذلك… التناول عن طريق القداس، المعمودية ليست بعيدة عن القداس، الترحيم هو فى القداس، الاحتفال بالعيد السيدى بالقداس، الاحتفال بالقديسين عن طريق القداس، إنك لن تجد شيئاً فى الكنيسة بعيداً عن القداس، حتى سر مسحة المرضى (السر الوحيد المسموح أن يتم خارج الكنيسة) مرتبطاً أيضاً بالقداس لأن الأب الكاهن يأخذ الذخيرة معه ليناول المريض. وسر الزيجة كان يتم فى القداس، ومازال حتى الآن، هناك من يتناول يوم إكليله… فكل عباداتنا مرتبطة بالقداس.
كلمة قداس من كلمة “مقدس”، وسمى بهذا الاسم لأنه يقدس، يقدس القرابين، يقدس الانسان الحاضر، ويقدس المكان (تصير كنيسة مقدسة) ويقدس كل شئ موجود داخل هذا المكان (الذى هو الكنيسة). قوة غير عادية توجد فى القداس تقدس كل شئ، كل لحظة نقضيها فى القداس هى لحظة مقدسة.. وأيضاً الستر، واللفافة، والصليب، والمذبح، والمنجلية، والكتب كلها صارت مقدسة بصلوات القداس. وقمة التقديس هى أن يتحول الخبز والخمر إلى جسد الرب الحقيقى ودمه الكريم. وأيضاً يتقدس الانسان نفسه، لذلك فى القداس “القدسات للقديسين” وهذا هو فعل القداس فينا.
فى الأواشى نقدس العالم والكون، الخليقة المادية كلها.. خلاص العالم، والمياه، الهواء، والزروع والبهائم، ليس فقط داخل نطاق الكنيسة لكن فى القداس نقوم بعمل فعل تقديسى للحياة كلها.
القداس يسمى أيضاً “ليتورجية”، وقد كان يقصد بها قديماً جميع الصلوات العامة إذ كان يقصد بها قبل المسيحية الاحتفالات العامة، لكن بعد المسيحية صار أكبر احتفال عام بقيادة الأسقف والكهنة هو القداس فسمى “الليتورجية” التى نجتمع فيها فى الكنيسة، ولأن كل الصلوات العامة أصبحت مرتبطة بالقداس، فأصبحت الكلمة تعنى “قداس”.
“ليتورجية” كلمة يونانية تتكون من مقطعين: الأول “ليتو” ويعنى “شعب”، والثانى “إرج” ويعنى “عمل” فتكون الكلمة هى “عمل على مستوى كل الناس (الشعب)” أى هى “عمل جماعى شعبى”.
وللقداس اسم آخر وهو “أنافورا” وهى كلمة يونانية أيضاً وهى تعنى “حامل مرتفع” تتكون أيضاً من مقطعين: الأول “أنا” ويعنى “صاعد أو مرتفع”، والثانى “فورا” ويعنى “حامل (حاملنى وصاعد)” والترجمة العربية لها هى كلمة “صعيدة”. ومنها كلمة “نافورة” لأنها صاعدة لأعلى. ففى القداس نرتفع مع الصلوات إلى السماء ويكون هناك استعداد قلبى وذهنى أن نرتفع مع الصلوات وندخل للسماء.
لذلك فأول عبارة بعد صلاة الصلح هى “أنو إيمون طاس كارذياس” وهى يونانية وتعنى “ارفعوا قلوبكم”، وقد تركت باليونانية فى الترجمةحتى تحتفظ بلفظ “أنو” المشتق من الأنافورا…
وقبلها يقول الكاهن: الرب معكم
ثم يرد الشعب: مع روحك أيضاً
ثم يقول الكاهن: أنو إيمون طاس كاذياس
ويقول الشعب: هى عند الرب
ويقول الكاهن بعدها: ايفخاريس تيسومين طوكيريو (أشكروا الرب)، وقد تركت باليونانية أيضاً لوجود لفظ الإفخارستيا وهو “سر الشكر”، فسر الشكر يساوى رفع القلوب (ايفخاريس تيسومين – أنو إيمون طاس كارذياس – ايفخاريس تيسومين).
وكان الكنيسة عندما نحتت (صاغت) هذه الألفاظ كانت تعبر بها عن طبيعة الصلاة، فنحن فى القداس نشكر الرب وأيضاً نرفع قلوبنا إليه، لذلك وضعت فى بداية القداس بعد صلاة الصلح. وفى بداية الأنافورا يقول الرب الكاهن ثلاثة اعلانات هى: الرب معكم، ارفعوا قلوبكم، أشكروا الرب.
وجُمعت الصلوات المستخدمة فى القداس الإلهى فى كتاب الخولاجى، وكلمة “خولاجى” أصلها “إفخولوجيون”، “إفخو” = “صلاة” و”لوجيون” = “مقدس”. فيكون الخولاجى هو “كتاب الصلوات المقدس”، وكان قديماً يحوى جميع الصلوات الكنسية ولكن لتلاشى ضخامته فُصل فيه القداس فقط.
القداس هو عبارة عن صلوات، نصلى معاً، فكل انسان له صلواته الخاصة، وهذا شئ مفروغ منه، ولكنه لا ينفى وجود الصلوات الجماعية. ففى حديث المسيح عن الصلاة تكلم عن نقطتين:
أولاً:
“متى صليت فلا تكن كالمرائين… فأدخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلى إلى أبوك الذى يرى فى الخفاء…” (مت 6: 5 – 6) فهذا عن الصلوات الخاصة.
ثانياً:
“حينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلاً”.. (مت 6: 7)، “فصلوا أنتم هكذا. أبانا الذى فى السموات… خبزنا الذى للغد… أغفر لنا ذنوبنا… كما نغفر نحن..” (مت 6: 9 – 15) كلها بصيغة الجمع، فلو لم تكن هناك صلوات جماعية لكان أحرى أن يقول “صلى أنت.. خبزى الذى للغد.. أغفر لى ذنوبى.. كما أغفر أنا..إلخ”، وهذا يعنى وجود صلوات مشتركة يصلون بها.
ففى المنهج البروتسطنتى، والذى يرفض القداس، حينما يرنمون يترنمون جميعهم بترنيمة واحدة بنغمة واحدة ترنيمة واحدة يعرفها الكل، هذا هو قداسهم. لماذا يعترضون إذاً على القداس؟!! ولماذا يعترضون على الصلوات المحفوظة؟!! ماداموا يصلون بترانيم محفوظة، والترانيم هى صلاة بالنسبة لهم!!! هذا مع الفارق طبعاً بين الترنيمة والقداس.. ولكن فقط من حيث المبدأ، مبدأ الصلوات المحفوظة الذى يعترضون عليه..
آباؤنا الرسل “كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة” (أع 1: 14)، بنفس واحدة أى بكلمة واحدة، أما إن كانت هناك صلوات متفق عليها.. فما المانع!!
البروتسطنت يريدون أن يتحرروا من قيد النصوص والكلمة المكتوبة، ولكن هذا عملياً غير ممكن. لأننا بذلك نلغى المزامير لأنها نصوص، والصلاة الربانية.. بل والكتاب المقدس أيضاً فهو نصوص. “ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة”، وحينما سُجن بطرس “اجتمعت الكنيسة كلها للصلاة بنفس واحدة”، فكلمة “نفس واحدة” تعبر عن طبيعة الصلاة فى الكنيسة، لا يتكلم كل واحد بكلامه فقط ولكن نصلى بنفس واحدة.
وقد قال السيد المسيح “مهما سألتم من الآب باسمى مؤمنين تنالونه” لذلك فالقداس هو فى منتهى القوة، للأننا نمتلك وعد من المسيح نفسه أننا ننال ما نريده حينما نقف أمامه. وقد قال أيضاً “إن اتفق إثنان منكم على شئ يكون لهم من عند أبى الذى فى السموات”، فكم بالحرى حينما تكون الكنيسة كلها متفقة فى الصلاة، كل الكنيسة تقول “فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله…”، كل الكنيسة فى صلاة واحدة. مبدأ القداس هو مبدأ الصلاة المشتركة، ففى سفر الأعمال أيضاً “وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات”… فهذه هى أجزاء القداس فتعليم الرسل هو القراءات. والشركة هى طبيعة الحياة المشتركة داخل الكنيسة، وقد تعبر عن الأغابى التى كانت تؤكل بعد التناول، أما كسر الخبز فهو التناول، والصلوات هى كل القداس.
لقد عرفت الكنيسة القداس من التقليد الرسولى، وهنا نقف قليلاً عند كلمة “تقليد” وقد أسئ فهمها كثيراً، فالانسان عدو ما يجهله، وكثيرون من الطوائف الأخرى حينما يتحدثون عن التقليد يقصدون من وجهة نظرهم أن الحرفية، والجسدانية، وعدم الروحانية، والروتيتنية، والناموسية، فلفظ “التقليد” عندهم مرادف للشتيمة.. أما هم فمبدأهم هو “الحرية”، كل انسان حر..
وكلمة “تقليد” هى فخر للكنيسة الأرثوذكسية لأننا كنيسة محافظة، كنيسة تقليدية (Traditional)، فالكلمة تعنى “تسليم” أو “استلام”. ومعيار التقليد السليم هو القدم والاجماع، فهو شئ قديم كما أن هناك إجماع من الكنيسة عليه لكى لا يأتى أحد ويبتدع شيئاً مدعياً أنه استلم ذلك، لذلك لابد أن يكون هناك إجماع وأقدمية.
وفى التقليد الرسولى استلمنا ثلاثة أشياء هامة جداً هى:
أولاً: طريقة فهم العقيدة:
لم نستلم من الآباء العقيدة فقط بل طريقة فهمها أيضاً، لأن ما يكتب فى الكتب المقدسة أو حتى التفاسير غير ما يسمع بالأذن، فكل شخص يفضل سماع الأذن على أن يقرأ وذلك لأن الاستماع فيه شرح وتوضيح وانتقال المفاهيم بوضوح من شخص لشخص وذلك غير أن تقرأ هذا الشئ إذ يُترك الفهم فى كل حالة إلى الشخص نفسه. فالتسليم هو طريقة الفهم، وأباؤنا الرسل قد كتبوا حقائق الإيمان فى الإنجيل وشرحوها وأصبح المكتوب وثائق محفوظة، وما شرحوه هو مهم جداً لأنه يشرح لنا ما هو مكتوب، وإذا فصلنا المكتوب عن شرحه (شرح الرسل له) يحدث هنا الاختلاف إذ يفهم كل شخص بطريقته الخاصة… فيكون هو من يمتلك حق الإنجيل والآخرون مخطئون… فما هو إذاً المعيار فى ذلك؟
المعيار هو التسليم الرسولى، أى كيف فهم الآباء هذه الآية، ففى التفسير البروتسطنتى يوجد مبدأ – أنا متفق معه – ولكن هناك مغالطة فى تطبيقه. هذا المبدأ يقول “إن الآيات الغامضة تُفسر بالآيات الواضحة (البسيطة)” فهذا مبدأ سليم، ولكن المغالطة عند التطبيق هى أن أى الآيات غامض وأيها واضح. مثلاً “هذا هو جسدى” هذه الكلمة واضحة أم غامضة؟ نحن نعتبرها آية بسيطة وواضحة فهو يقول “هذا هو جسدى”، والبروتسطنت يعتبرونها غامضة فهو لم يقصد جسده بل يقصد معنى آخر. على العكس “أصنعوا هذا لذكرى” هم يعتبرونها آية واضحة، ونحن نراها غامضة تحتاج إلى تفسير، فما نعتبره نحن واضح ولا يحتاج لتفسير يعتبرونه هم غامض ويحتاج لتفسير والعكس، فمن يحكم؟! ومن الصواب؟!
نحن لا نخترع (نبتدع) مسيحية جديدة، فليس المرجع فى المسيحية هو ذهنى أو ذهن أى شخص آخر، لابد أن تكون هناك كنيسة تمتلك الحق كما قال الكتاب “عمود الحق وقاعدته”، فلا مفر من وجود مرجع وهو الكنيسة، وإذا فقدنا المرجع فقدنا الأصالة. ونحن من التقليد الرسولى فهمنا الحقائق الإيمانية وهم فهموها بطريقتهم، فقوة أثناسيوس الرسولى فى مواجهة آريوس كانت تستند إلى التسليم، بينما استند آريوس إلى الآيات فقط..
“أبى أعظم منى” هذه آية واضحة ولا تحتاج لتفسير فى رأى آريوس و”أنا والآب واحد” يراها أثناسيوس واضحة ولا تحتاج إلى تفسير وذلك على عكس آريوس، و”من رآنى فقد رأى الآب”، ولكنه يرى “أبى أعظم منى” أوضح.. و”أنا والآب واحد” يراها أثناسيوس واضحة ولا تحتاج إلى تفسير وذلك على عكس آريوس.
ولكن المعيارهنا ليس هو الواضح والغامض، أو السهل والصعب، بل ماذا قال الآباء؟ وكيف فهم الآباء؟ فحين كان يدافع أثناسيوس لم يكن يستند على فلسفة فكرية أو ذكاء بل كان يعتمد على أقوال الآباء، لذلك كان فى منتهى القوة، كان ضد العالم لأنه كان يستند إلى التقليد، تقليد عمره 400 عاماً، واليوم نحن نستند إلى تقليد عمره ألفىّ عاماً، لذلك نحن اليوم فى ظروف تجعلنا أكثر صلابة من آبائنا القديسين، فأثناسيوس لم يكن قبله أثناسيوس، ونحن اليوم لنا كل ما كان لأثناسيوس ومن جاء بعده أيضاً من كيرلس وديسقورس و… و…إلخ حتى البابا شنودة الثالث.
ومن التقليد لم نفهم العقيدة (الإيمان الحى المسلم للقديسين) فقط، بل من خلاله استلمنا أيضاً…
ثانياً: نظم وترتيبات العبادة:
هل كان يحتفل آبائنا الرسل القديسين بالأعياد؟!! أم لم يذكر عن ذلك شئ؟! ففى سفر الأعمال “أعمل العيد القادم فى أورشليم” (أع 18: 21) هذا بولس الرسول، بولس الرسول الذى حارب اليهود، فما هو هذا العيد؟ هل هو عيد يهودى؟ بالطبع لا.. هل هو عيد وثنى؟! لا يمكن.. أم عيد خاص بالدولة؟!.. وهذا أيضاً لا يكون.. فماذا يكون هذا العيد؟! بالطبع هو عيد مسيحى، ولكن كيف كانوا يعيدون به؟ هذا هو الطقس..
إذاً لماذا لا يكتب فى كتب؟!… لأنه معاش. فكيف يكتب؟ فهو ينتقل من جيل إلى جيل بالممارسة، الأعياد، رشم الصليب، بناء الكنائس، وتقديس يوم الأحد، وترتيب القداسات، والأصوام، والأسرار، كل هذه الأشياء حفظت لنا فى التقليد الحى الذى نعيشه فى الكنيسة بطريقة معاشة (حية وفعالة).
ومن التقليد استلمنا أيضاً…
ثالثاً: طريقة الحياة المسيحية:
كيف تكون مسيحى؟ شكلك، ملامح وجهك، تعبيراتك وأسلوبك.
الانسان الذى يؤمن بالمسيحية حديثاً، يأخذ وقتاً حتى يستطيع أن يغير أسلوبه ليتوافق مع طريقة الحياة المسيحية.
نحن نعتمد على التقليد الرسولى، إذ أن القداس مارسته الكنيسة، صلّته وعاشته منذ العصر الرسولى الأول، ولذلك نحن نفخر بالتقليد. ونفخر بأننا كنيسة تقليدية محافظة.
وإذا كنت أنت فعلاً تفخر بذلك، وتقصده فحافظ على ما تقول، فلا تفعل أنت كخادم شيئاً يخالف ذلك فى اجتماعك الذى تخدم به (فيه)، وتخالف به الروح التقليدية للكنيسة، بالطبع نحن ننادى دوماً بالتجديد ولكن هذا لا يعنى تشويه صورة الكنيسة أو مسح تقليدها، نجدد نعم.. ولكن فى طريقة العرض، والكلام، والحوار والتعامل مع المخدوم. ولكن مع الاحتفاظ بأصالة الكنيسة، ومهما كان الشباب يغريه بريق التجديد، ولكنه يحتاج من داخله إلى شئ أصيل يتمسك به.
لذلك تعتمد كنيستنا على التقليد، نعتمد على التقليد ونحن مطمئنون، والتاريخ نفسه يشهد أن الكنيسة مارست القداس منذ البداية، هناك شهادات تاريخية وكتابات آباء يصفون اجتماعات الصلاة قديماً، وهذا الوصف مازال محفوظاً فى كتب التاريخ. ومن الأشئاء الواضحة التى تثبت أن القداس قديم جداً، إن جميع الكنائس التقليدية فى العالم كله عندها قداسات. حتى وإن اختلفت هذه الكنائس فى طريقة الصلوات، ولكن القداس هو القداس، الكاثوليك والسريان والأرمن والروم والأرثوذكس والهنود والأحباش… كلها كنائس تقليدية تصلى القداس.
فقد حدث الانشقاق فى القرن الخامس الميلادى، فإذا وجد شئ تُجمع عليه كل هذه الكنائس فى القداس فهذا أقدم وأصح لأن كل الكنائس التقليدية تجمع عليه.
ومن الناحية التاريخية، لا توجد معلومة تقول أن هناك شخص أبدع وأدخل القداس، فإن كان القداس دخيلاً، فمن أدخله!! ولكن العالم كله كان يصلى بالقداس، بسبب اجماع الكنائس التقليدية عليه.
ووجود القداس الكاثوليك والأرثوذكس مثلاً، يثبت وجوده قبل الانشقاق، فلو كان القداس من ابتداع أى منهما بعد الانشقاق، فكان أحرى بلآخر أن لا يقبل وجود القداس، حتى ولو من ناحية الكبرياء، ولكن هذا دليل على وجوده قبل الانشقاق.
بل إن هناك تعبيرات يُقال أن القديس بولس الرسول إقتبسها من الليتورجية مثلما يقول “كما هو مكتوب ما لم ترى عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على قلب بشر…” (1كو 2: 9).
وعندما تبحث عن شاهد لها لا تجده، وأيضاً مثل “ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء” (رو 11: 33) هذه اقتبسها من نصوص ليتورجية كانت موجودة وقتها.
لذلك نحن نخلص من هذا الكلام كله أن القداس شئ أصيل وقديم فى الكنيسة، ولا يمكن أن تكون الكنيسة بدون القداس.
2- تقدمة الحمل
تقدمة : كلمة لها معنى لاهوتى ولها معنى روحى إيضاً ، فنحن نقدم ذبيحة لله والله يقدم ذبيحة عن الإنسان ، ويتلاقى الاثنان معاً فى طقس القداس . فنحن نقدم ذبيحة شكر ، والله يقدم ذبيحة خلاص .
ذبيحتنا هى تعبير عن الشكر ، فنحن نأخذ من ثمر الأرض ( الحنطة ، الخمر ) ونقدمهم ذبيحة على المذبح ، وكأننا نقول ” من يدك أعطيناك ” ونحن نعبر عن ذلك فى أوشية القرابين إذ نقول ” نقدم قرابينك من الذى لك ” فهى عطاياك يارب ونحن نقدمها لك . لذلك استخدمت الكنيسة تعبير تقدمة ، وهو لفظ يونانى ( إبروسفورا ) ومنه إبروسفارين .. الفعل من إبروسفورا ومعناه قدموا .
والشماس يقول إبروسفارين … إبروسفارين أى قدموا قدموا ، وذلك لأنه فى الكنيسة الولى ( القرون الأولى ) ، كان كل من يأتى إلى الكنيسة ، يأتى ومعه تقدمته ويقدمها حينما يقول الشماس إبروسفارين .. أى قدموا .. قدموا عطاياكم .
كان القمح والخمر يوضعان فى الهيكل ، والباقى فى مخزن الكنيسة للصرف على استخداماتها واحتياجات الفقراء . فكل من يصلى فى الكنيسة يجب أن يقدم تقدمة ( إبروسفورا ) .
ولكن التقدمة التى يجب تقديمها فعلاً هى القلب ، فتقدمة القرابين ترفع الذهن إلى أن القلب لابد أن يُقدم لله .
فنحن نقدم ” إبروسفورا ” ( التقدمة ) بطريقة ” الأنافورا ” ( الصعيدة المقدسة ) ، والصورة الحسية الخاصة بهذه التقدمة هى القربانة والأباركة ، أما الصورة القلبية العميقة ، المعنوية هى تقديم الحياة ، تقدمة حب لله .
فالكاهن يغسل يديه قبل تقديم القرابين ، وهو يقول أثناء غسيل يديه ” أغسلنى كثيراً فأبيض أكثر من الثلج ” ( مز 51: 7) ” أغسل يدى بالنقاوة فأطوف بمذبحك يارب ” ( مز 26 : 6) ، وكأنه يريد أن يقول إنه لا يستطيع أن يقدم تقدمة لله دون ان يكون طاهراً .
بالطبع ليس المقصود هو إغتسال الكاهن ، بقدر أن يكون الذهن نفسه منتبهاً أن هذه التقدمة يجب أن تقدم بطهارة القلب وطهارة اليد إيضاً ، فإذا كان القلب ملوث بالخطية تكون التقدمة مرفوضة أمام الله ، والكتاب يقول ” ذبيحة الأشرار مكرهة أمام الرب ” ( ام 15 : 8) فكم بالحرى إذا قدمت بغش .
وقانون الكنيسة قديماً كان يمنع قبول قرابين الهراطقة والأشرار ، ولكن لصعوبة التمييز الأن فهذا لا يحدث .. ولكن الله لا يقبل ذبيحة فيها غش .
تقدمة القرابين فى القداس تحمل هذه المعانى الجميلة ، فقبل تقديم ذبيحة الإفخارستيا نقدم قلباً مستعداً ، الكاهن يغسل يديه ويرتدى الكاهن والشمامسة الملابس البيضاء ( التونيه )
إشارة للنقاوة ، وهذه الملابس كانت تصنع قديماً من الكتان ، وهو القماش الذى يكفن به الموتى ، إشارة للموت عن العالم فلا يمكن تقديم الذبيحة لله إلا إذا كنا مغتسلين ، وقلوبنا طاهرة ونقية وبيضاء مثل التونية .
ومن ضمن الاستعدادات أيضاً فرش المذبح أى تهيئة المائدة الخاصة بالعريس السماوى كى تليق بالمسيح وبالرجوع إلى المعنى الروحى . كم يكون القلب الذى يقدم هذه الذبائح ، فالله لا تهمه اللفائف بقدر ما يهمه الإنسان نفسه .
كل هذا الطقس الجميل المرتبط بتقدمة الحمل يحرك القلب كى يكون مستعداً للصلاة والتناول فالكاهن يقول فى صلاة الاستعداد التى يصليها شراً .. ” أيها الرب العارف قلب كل أحد ، القدوس المستريح فى قديسيه ، الذى بلا خطيه وحده ، القادر على مغفرة الخطايا ، أنت ياسيد تعلم أنى غير مستحق ولا مستعد ولا مستوجب لهذه الخدمة المقدسة التى لك ، وليس لى وجه أن أقترب وأفتح فمى أمام مجدك المقدس ، بل بكثرة رأفتك أغفر لى أنا الخاطئ ، وأمنحنى أن أجد نعمة ورحمة فى هذه الساعة ، وأرسل لى قوة من العلاء ، لكى أبتدئ وأهيئ وأكمل خدمتك المقدسة كما يرضيك ، كمسرة أبيك رائحة بخور على الأبد ” .
نلاحظ هنا ان الكاهن يقدم توبة وقلباً مستعدا ، وإحساسا بعدم الاستحقاق والتذلل أمام الله ، كى ما يعطيه الله الأهلية والأحقية أن يخدم القداس ، فالكاهن قبل أن يقدم الحمل يجب أن يقدم قلبه .
الشعب كذلك فهو يقول أثناء التقدمة ” يا رب أرحم ” كل الشعب يقدمون قلوبهم بكلمة يا رب أرحم …
والكاهن أثناء التقدمة ينتقى أفضل القربان المقدم ، وصانع القربان كذلك يكون حريصا جدا ودقيقاً أثناء عمل القربان ، لذلك حسن قلبك وأنت واقف أمام الله ، كن حريصاً ومستعداً ومهيأ القلب كى يختاره المسيح ذبيحة مقبولة ومرضية .
فلنتخيل أن الكاهن وهو ينتقى القربان لم يجد قربانة مناسبة … ولنتخيل نفس الموقف مع قلوبنا ، لذلك فتقدمة الحمل درس لكل الشعب أن يكون مستعداً ومهيئاً ليكون مقبولاً أمام المسيح .
والقربانة التى تقدم هى نموذج للكنيسة فهى عبارة عن مجموعة كبيرة من حبات القمح ، وكل حبة تشير لكل إنسان مسيحى . فالكنيسة تجمعت معاً وكل واحد ممثل بحبة القمح ( الحنطة ) ، ثم تطحن وعملية الطحن هذه ترمز للألم الذى نجتازه فى الحياة الروحية الألم فى النسكيات والصلاة والوقوف أمام الله ، وكذلك الأضطهاد ” طوبى لكم إذا طردوكم وعيروكم ” ( مت 5: 11)
لذلك نلاحظ أن أقوى الكنائس هى التى جازت الألم والاضطهاد ، وهذا ليس غريباً ، لأنه إن كان رأس الكنيسة إلهاً مصلوباً ، فلابد أن يكون الجسد كذلك ، وإذا تنازلت عن ذلك فلن تكون كنيسة المسيح ، فلاصليب ملازم للكنيسة ، لذلك لابد أن تطحن حبات القمح وتصير دقيقاً ناعماً .
فبدون الطحن كل حبة مستقلة وغير متحدة بغيرها ، ولكن مع الطحن يصعب التمييز بينها ، فتتحول الكنيسة من أفراد متفرقين إلى جسد واحد .
ولكن الدقيق لم يصر بعد جسداً ( كيانا ) واحداً ، فما أسهل أن يتطاير متفرقاً ، لذلك يجمعه الماء الذى يرمز للروح القدس ، الماء يوحد الكنيسة ، فكما أن الروح واحد فهو يجعل الكنيسة واحدة ، فيصير الدقيق بذلك عجيناً ، وهنا لا يمكن التمييز ولا يمكن أن يتحول العجين إلى دقيق أو قمح مرة أخرى .
أى أن الكنيسة لا يمكن أن تنحل ، فلا توجد حبة قمح دخلت الطاحونة وتعود مرة أخرى إلى طبيعتها الأولى فطبيعة الكنيسة تبدأ ولا تنتهى ، تبدأ من الانعزالية إلى الاتحاد وتصير هذه هى طبيعة الكنيسة .
المنعزل لم يدخل بعد فى الألم والنسك والحياة الكنسية ، لذلك فهو فرح بذاته .
يخلط بعد ذلك العجين بالخميرة ، وهى ترمز للشر ، ففى العهد القديم كانوا يحتفلون بعيد الفطير وهو خبز بدون خميرة لأنها ترمز للشر وقد شرح معلمنا الرسول موضوع الفطير ..
لماذا إذا توضع فى القربان وهى رمز للشر ؟ ! ” هوذا حمل الله الذى يحمل خطية العالم ” ( يو1: 29)
فخطية العالم وضعت على الحمل كى يرفعها عنا .
وتوضع القربانة بعد ذلك فى النار ، ونتيجة النار تذبل الخطية وتموت فالعجين يكبر وينتفخ لأنه يختمر ، أما فى النار لا يحدث هذا ، فالنار تبطل فعل الخميرة ، فهى تموت لأنها كائن حى ( فطر )
المسيح حمل خطايانا بجسده وصعد بها إلى الصليب ، ليميت الخطية ، والقربانة فعلا فيها خميرة ولكنها خميرة ميتة ، الكنيسة فيها خطية ولكنها ميتة ، الكنيسة معصومة من الخطأ ولكن أعضائها يخطئون ، فلا يستطيع أحد أن يدعى أننا ونحن على الأرض معصومين من الخطأ .
والقربانة لا يوضع فيها ملح ، لأن المسيح قال ” أنتم ملح الرض ” فالكنيسة ملح العالم كله ولكن ” إذا فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح بعد لشئ إلا أن يطرح خارجاً ويداس من الناس ” ( مت 5: 13)
ولا يدخل الهيكل إلا قربانة واحدة ويوضع الباقى خارج الهيكل ، سواء قبل القداس أو بعده فالقربانة التى دخلت الهيكل ترمز للمسيح ، والذى دخل الأقداس العليا هو المسيح فقط . لا توضع على المذبح غير قربانة واحدة هى المسيح ، فهى مختارة من عدة قرابين قدمت أمام الهيكل ، لذلك يوضع الباقى خارجاً ولا يدخل غير المسيح الحمل .
أما بالنسبة لعدد القربان المقدم فهو لابد أن يكون عدداً فردياً ، ومعظم الكتب تفسر ذلك على أن عدد ثلاثة يرمز للثالوث ، وعدد خمسة يرمز لذبائح العهد القديم والعدد سبعة يرمز لأسرار الكنيسة السبعة أو لذبائح العهد القديم مضافاً إليهم العصفورين ، ولكن ماذا عن التسعة والأحد عشر والثلاثة عشر و …. ؟
مع قبولنا لهذا التفسير ، ولكن … إن كان الثلاثة يرمزون للثالوث ، فنحن ننتقى واحدة ، والقربانة ترمز للجسد فإذا كان للابن جسد فهل للآب والروح القدس جسداً ، ولكن الثلاثة رمزاً للثالوث فهو رمز ناحية العدد فقط .
كما أن الآب والابن والروح القدس ثلاثة أقانيم متمايزة ، وليست منفصلة ، والقربان منفصل .
كما أن ذلك قد يعنى أن عملية الصلب مثلاً كانت يمكن أن تأتى من نصيب الآب أو الروح القدس ، ولكن القرعة كانت من حظ الابن ، بينما المشورة الأزلية هى أن الابن خاص بالتجسد والفداء .
أيضا ذبائح العهد القديم ، سواء المحرقة أو التقدمة أو ذيحة السلامة أو … فأيهم أخذناها لنضعها على المذبح ، فالمسيح مجموعة فيه كل هذه الذبائح .
كذلك الأسرار السبعة ما هى علاقتها بالقربانة ؟!! فهل نضع المعمودية مثلا على المذبح ؟!
نخلص من ذلك أن العدد الفردى يرمز للمسيح ، المسيح كفرد ، وما عداه فهم تلاميذه ، فالمسيح كان يرسلهم ” أثنين أثنين ” كما أن جسد بطرس مثل جسد إندراوس مثل جسد المسيح ، والذى يوضع على المذبح هو المسيح نفسه لماذا إذا لا نضع 13 قربانة دوماً ؟!!!
هذا شئ مرتبط بعدد الشعب ، فإذا زاد الشعب يزيد القربان اثنين فهو يوزع لقمة بركة على الشعب بعد نهاية القداس ، أما إذا كان الحاضرين قليلين فالعدد اثنين يكفى ..
وزيادة القربان الموزع على اثنين له معنى ، فهذا يعنى أن هناك من إفتقدوا الشعب والذين افتقدوهم هم الخدام ( الآباء الرسل ) ، ومكافأة لهولاء الخدام هى وضع قربانة بجوار المسيح كى يكون بركة لكل الشعب ، فكل خادم يتعب ويرهق نفسه فى الخدمة تمجده الكنيسة وتكرمه إذ تضعه بجوار المسيح فى صورة اثنين اثنين الذين أرسلهم المسيح . ولكن مهما زاد عدد القربان فهناك فى الوسط قربانة واحدة متميزة هى المسيح ، ولا يمكن أن يكون هناك أفضل منها ، فهو ” معلن بين ربوة ”
وبعد أن يختار الكاهن القربانة يرشمها بالأباركة ، ويرشم بعدها بقية القربان ولكنه يبدأ بالقربانة المختارة للحمل ويختم بها أيضا ” أنا هو البداية والنهاية ” … ” أنا هو اللف والياء ” (رؤ1: 8) ويوضع بقية القربان خارج الهيكل ، فلم يدخل للأقداس العلياء إلا المسيح ، أما القديسين فهم فى الفردوس .
ويرشمها الكاهن بالأباركة على اعتبار أن الأباركة ستكون هى الدم ” هذا الجسد لهذا الدم وهذا الدم لهذا الجسد ” وبعد ذلك يمسح القربانة المختارة بالماء ، ويعتبرها البعض رمزاً للمعمودية ، وبالطبع فإن أى حركة طقسية لابد أن يكون لها معناها اللاهوتى والذى ينطبق على حياة المسيح لذلك قيل عنها إنها رمزاً للمعمودية ، أما الهدف فهو تنقية القربانة من الشوائب .
بعد ذلك يلفها الكاهن باللفافة ، وقيل أنها ترمز لتقميط الطفل يسوع ، أو تكفين المسيح ، ولكن أيهما أولاً؟!!
ذلك لا يهم لأن المسيح حاضر على المذبح بكل حياته فالصينية يمكن أن نعتبرها المزود لذلك ما يوضع فوق الصينية يسمى النجم ، أو يمكن اعتبارها القبر ، لذلك يعتبر الأبروسفارين هو الحجر الذى وضع فوق القبر ، واللفافة المثلثة هى الختم وأياً كان فهو المسيح القائم .
وفى أخر القداس يوزع القربان على الشعب وهو يسمى ” أولوجيا ” أى بركة ، وكى يوزع لابد أن يقطع ، أنت أيضاً لابد أن تقطع ، فقربان التقدمة له كرامة خاصة .
تقديم الحمل
يقول معلمنا بطرس الرسول فى رسالته الأولى ” عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التى تقلدتموها من الأباء . بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح ” ( 1 بط 1 : 18-19 )
” حمل بلا عيب و لا دنس ” فأثناء تقديمة الحمل ,ينتقى الكاهن أفضل القربان , أى بلا عيب و هنا إشارات لذلك فىالعهد القديم ,فحينما كانت تقدم الذبيحة كان يفحصها الكاهن ، وإن كان بها عيب ترفض ،واذا وجدها بلا عيب تذبح… هكذا ينتقى الكاهن القربانة ، بلا عيب ، كاملة الاستدارة ، ليس بها شقوق أو عيوب فى ثقوبها أو الختم ، الإسباديكون لا يكون مكسوراً ، فالكاهن يراقب أشياء معينة ، إن وجدها سليمة يقدم القربانة .
نلاحظ أن هذا كله قد تم مع المسيح نفسه ، فقصة محاكمة المسيح وصلبه تستدعى الانتباه ، فأى مجرم يقبض عليه
ويحاكم عن طريق الجهات المختصة بذلك وهى الشرطة والقضاء ، ولكن المسيح قبض عليه وحاكمه رؤياء الكهنة
ومجمع السنهدريم ، كان يفحصونه ، هل هو خروف بلا عيب ؟ !!
إن كان به عيب فلن يصاح أن يكون ذبيحة ولذلك فهذا أعجب حكم خرج من محكمة دينية ،” بفحص المتهم
وجد أنه برئ وبار وبلا عيب ، ولذلك حكم عليه بالإعدام ” .
فالمحكمة ليست أرضية ولكنها دينية ، القاضى فيها رئيس كهنة ،ورئيس الكهنة حتى ذلك الوقت كان معتبراًفى نظر الله رئيس كهنة ، ولكن بعد المسيح بطلت وظيفته ، حتى الكتاب يعلق ويقول :” يموت واحد ولا يهلك كل الأمة
( يو 11 : 50 ) ” لم يقل هذا من ذاته بل لأنه كان رئيس كهنة فى تلك السنة تنباء أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة ” ( يو 11: 51 ) . فقد حاولوا أن يجدوا به عيب ولم يجدوا، حاولوا أن يجدوا شهود زور
“ولم تتفق شهادتهم ” (مر 14: 59 ) ، ففحص الخروف يبدأ بأفتراض وجود العيب ، يُختبر إن لم يوجد فنبحث عن عيب آخر ، وهذه هى طريقة المنهج العلمى ، للوصول لليقين ابدأ بالشك ، ولكن المسيح لأنه بلا عيب ، كان كثيرون يفحصونه ، يبحثون فيه عن عيب ، ولأنه بلا عيب ، لذلك فهو يستحق الموت ( الذبح ) .
ويصير ذبح المسيح ليس هو موتاً ، ولكنه يصير ذبيحة لأنه بلا لوم .
لو كان الخروف المقدم للذبح فيه عيب ، فهو سيذبح على أن يؤكل لا أن يقدم كذبيحة ، وما ينقذ الخروف من أن يقدم على المذبح هو أن يكون به عيب ، وبالتالى يباع بثمن رخيص ويؤكل .
ولو كان المسيح إنساناً عادياً ، فسيكون به عيب وملوم ، ولن ينفع كذبيحة ، وسيعيش كإنسان عادى ، ويموت مثل أى إنسان ، ولكن الميزة أنه حينما فحص أمام رؤساء الكهنة ،اتضح أنه بلا عيب ولذلك ذبح .
هكذا مع القربانة ، فلابد أن تكون كاملة الاستدارة ، واستدارة القربانة ترمز إلى الأبدية ، فلا نستطيع أن نقول أن للدائرة بداية ونهلية ، فهى ترمز للانهاية ، فالمسيح المتجسد بلا نهاية ، لا نستطيع أن ندرك بدايته ولا نهايته فهو بلا حدود .
النقوش التى بداخل القربانة تعبر عن نكوين الكنيسة ، فقد قلنا إن كل واحد هو حبة من حبات القمح التى فى القربانة، تطحن وتعجن بالروح القدس ، فتكون القربانة المقدسة على المذبح هى نموذج للكنيسة ، فى الوسط الصليب الكبير ” الإسباديكون “( الجزء السيدى ) ، ففى وسط الكنيسة يوجد المسيح ، وهو مثل مغناطيس يجمع حوله كل أولاده ، وإذا فارقها المسيح تكون الكنيسة بلا كيان ومبعثرة ، لذلك نقول “عمانوئيل إلهنا فى وسطنا الآن”
وجود المسيح فى المركز هو سبب تجمع الكنيسة ، ووجوده بكل قوة يكون من خلال الإفخارستيا ، فسر وحدة الكنيسة هو وجود المسيح فى الوسط .
والكنيسة القبطية الأرثوذكسية ظلت كنيسة واحدة طوال الزمن بسبب الإفخارستيا ، فهو سر التجمع الذى يجمع الكنيسة ، بينما الذين رفضوا الإفخارستيا تفرقوا ، لأنه لم يوجد لهم سر تجميع .
المسيح في الوسط ، وهذا موقع الإفخارستيا بالنسبة لحياة الكنيسة ، وحول المسيح يوجد 12 صليباً هم الآباء الرسل
والنموذج الأول للكهنوت ، 12 صليباً يرمزون للكهنوت فى الكنيسة ، ومنهم يستمد الكاهن قوة كهنوته ، المسيح حوله الكهنوت .
فلا توجد إفخارستيا بدون كهنوت ، ولا كهنوت بدون إفخارستيا ، لذالك حينما رفض البعض الإفخارستيا ، رفضوا الكهنوت أيضاً.
ورقم “12 “هو رقم رمزى ، فهو يرمز للعبادة المنظمة ، وهو حاصل ضرب 3 ( الثالوث) × 4 ( أقطار الأرض )
فيكون ” 12 ” هم كل البشر من أقطار الأرض الذين يتحدون بالله من خلال عبادة الثالوث .
لذلك كان فى العهد القديم “12” سبطاً ، وحينما أفرز الله ” سبط لاوى ” ليكون خادماً للأقداس والخيمة ويكون نصيباً للرب ، صار العدد ” 11″ ولكي يجعله “12” جعل يوسف اثنين ، منسى وأفرايم ، فكأنهم “13” مفرز منهم واحد للكهنوت . …… وكان لاوى هو الــــ “13” رمزاً للمسيح ” المفرز من بين اخوته ليكون رئيساً للكهنة ” ، وتلاميذ السيد المسيح بعدما سامه سهوذا ، صاروا “11” تلميذاً ، وكان من المنطقى استمرارهم بهذا العدد ، ولكنهم لابد أن يكونوا “12” رمزاً للعبادة المنظمة ، وكان أمامهم اثنين بنفس الكفاءة ولكنهم اختاروا واحداً فقط .
وفى سفر الرؤيا هناك المائة وأربعة وأربعين ألفاً يقدمون ذبيحة لله ( ذبيحة التسبيح) وهذا أيضأ له معنى رمزى فالرقم 144000 عبارة عن 12 ( العهد القديم ) × 12 ( العهد الجديد ) × 1000 ( الحياة الأبدية ) ، فالكتاب يقول :” يوم عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد ” ( 2بط 2:3 ) أى أن كل الذين يعبدون الله فى العهد القديم والعهد الجديد لهم الحياة الأبدية .
ومكتوب حول “الأسباديكون ” ” قدوس الله .. قدوس القوى .. قدوس الحى الذى لايموت ” ، وهى تعنى أن الكنيسة تعيش بالقداسة ، والمنظر كما لو كان حزاماً يربط القربانة بقداسة السيرة ، والروح القدس الذى يملأها بالطهارة …
و قدوس الله .. قدوس القوى .. قدوس الحى الذى لايموت ” هى اعتراف الإيمان المسيحى ، الله إلهنا قوى لايموت ،
هو حى لا يموت ولكنه لأجلنا قد مات ، ولأنه حى كان لابد أن يقوم ولا يمكن للموت أن يمسكه .
وبقية القربانة ترمز إلى بقية شعب الله ، والكهنوت هو الذى يربط الشعب بالمسيح ، وهناك – للأسف- من يصورون
للبسطاء أن الكهنوت معوق أو حاجز بينهم وبين المسيح ، ولكن القربانة تشرح لنا كيف أنه يربط ويوصل ولا يمكن أن يكون عائقاً أو حاجزاً .
ولا يمكن أن يكون فى ضمير الكنيسة أن تضع عائقاً بين الله والناس ، يكون هو الكهنوت بل تقول “تصالحوامع لله” والكتاب يصف الكهنوت أنه ” خدمة المصالحة”
القربانة مليئة بالمعانى الاهوتية والتعاليم الكنسية الدقيقة ، فيمكن أن ندرس كل علم الأكسيولوجيا ( الكنسيات ) من خلال القربانة .
يأخذ الكاهن بعد ذلك القربانة المختارة ويعمدها ، ويضع يده عليها واضعاًعليها كل عبء الخدمة ، مشاكل أبنائه
واحتياجاتهم ، أنينهم وخطاياهم ، يضع الكل فوق رأس المسيح ، فهو فى هذه اللحظات يضع فى ذهنه أبنائه ، ويحس
وقتها بالأمان ، لأنه وصل الرسالة للحمل الذى يحمل خطايا العالم ، ولا يوجد أب كاهن لا يعرف كيف تذوب كل المشاكل حينما يضعها على القربانة ، فهذه هى التعزية الأولى للكاهن .
وعلى غير العادة يتجه الكاهن ناحية الغرب ، لشعبه ويقول : مجداً وإكراماً ، وإكراماًَ ومجداً للثالوث القدوس سلاماً وبنياناً لكنيسة الله الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية آمين ” فنحن حينما نصلى نتجه ناحية
الشرق ، ولكن حينما يتجه الكاهن ناحية الغرب ، يكون ذلك إما للتعليم وإما للإعلان ، وهنا هو يتجه نحو الغرب ، فهو الآن لايقدم مجداً وإكراماً ولكنه يقدم إعلاناً فلو كان يقدم مجداً لكان يتجه ناحية الشرق ، وكان يقول : “المجد والإكرام للثالوث القدوس … ” وهذا يتضح فى اللغة القبطية ، فالصيغة واضحة أنها صيغة إعلان المجد وإعلان هدف العمل ( المقدس ) ، فالكاهن ينبه الشعب أن يشترك معه فى تمجيد وإكرام الثالوث ، وفى سلام وبنيان الكنيسة ، فإذا أراد أحد أن يقدم تمجيداً للثالوث ليس امامه إلا أن يقدم ذبيحة الإفخارستيا فى الكنيسة ، وإذا أرادت أن تكون خادماً تسبب سلاماً وبنياناً للكنيسة ، فوسيلتك هى المشاركة فى الإفخارستيا.
فإن كل أحد يرفض الإفخارستيا ، ولكنه يمجد الله فى حياته وسلوكياته وتعاليمه فمجده باطل ، وهناك من يخدم ويفتقد
ويتعب نفسه في الخدمة ، ولكنه يعتبر الإفخارستيا شيئاً هامشياً ، ولا يستخدمها وسيلة لتجميع شعب الله .. واكن كيف تخدم وأنت تعزل الإفخارستيا عن خدمتك ؟ !! .
كيف يتمجد الثالوث بالإفخارستيا ؟
الله ممجد فى ذاته ، وهذا المجد يتجلى فى أعمال الله وفى خليقته ، السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه ” 0(مز 19: 1 ) ” لأنه قال فكانت ” ، ولكن مجد الله هو خلاص الإنسان ، وكل هذا المجد لا يقارن بالمجد الذى يوصف به الله عند خلاص إنسان واحد .
فقد قال أحد الآباء : ” إن خلاص نفس إنسان أصعب من خلقة السماء والأرض ” فالسماء والأرض خلقتا بكلمة ، أماخلاص الإنسان يحتاج إرادة اإنسان نفسه .
والمسيح حينما تحدث عن الروح القدس يقول الكتاب : ” قال هذا عن الروح القدس … لأنه لم يكن قد حل بعد لأن يسوع لم يكن مجد بعد ” ( يو 7 : 39 ) ، ومجده هو الصليب وخلاص الإنسان .
والكاهن يقول : ” يعطى عنا خلاصاص وغفراناً للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه ” ، فكم يكون مجد الله حينما يكون الخلاص بالإفخارستيا ، لذلك تصير الإفخارستيا مجداً وإكراماً للثالوث القدوس .
الكاهن أعلن أن ما سيقوم به هو تمجيد وإكرام للثالوث ، وتطبيقاً لهذا الكلام يتجه ناحية الشرق ، ويرشم القربانة بعلامة الصليب ويقول : ” باسم الآب والابن والروح القدس مبارك الله الآب ضابط الكل آمين ..وذلك فى أول رشم .. وفى ثانى رشم مبارك ابنه الوحيد يسوع المسيح .. آمين .. وفى الرشم الثالث مبارك الروح القدس المعزى .. آمين ..
ثم يرد الشعب : “المجد للآب والابن والروح القدس ”
فالكنيسة كلها ، الكاهن والشمامسة والشعب تشاركوا فى تقديم المجد للثالوث ، وهذا إعلان أن القداس لا يختص بأقنوم الابن المتجسد ، ولكنه شركة الثالوث القدوس ، الثالوث كله حاضر ، لذلك حينما يفتح الكاهن الستر مع صلاة باكر يقول : ” ارحمنا يا الله الآب ضابط الكل ” ، ثم يقول بعدها ” ايها الثالوث كلى القداسة ارحمنا ”
فقد فتح هيكل الآب ، وطلب الرحمة منه ، وهو هبكل الله الآب لأن الآب قد صنعه لابنه الوحيد ودشنه بالروح القدس،
كما كان يكتب على حجاب الهيكل فى الكنائس الأثرية ” السلام لهيكل الله الآب ” ، ونحن نتعامل بذلك مع الثالوث القدوس كله فى القداس .
أريد أن أقول إن الذى حفظ الكنيسة هو وجود الإفخارستيا ، فهى التى تحقق الترابط بين أجزاء الكنيسة ، وتجعلها بنيانا قوياً متماسكاً ، فالمسيح يقول : ” من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىَ وأنا فيه ” (يو 6: 56 )
فأنا أكلت الجسد وثبت فى المسيح وأنت كذلك ثبت فى نفس الجسد ، جسد المسيح ، والآخرين ثبتوا فى جسد المسيح ، فالذى يبنى الكنيسة هو الإفخارستيا.
لذلك اجتهد يا صديقى :أن تكون خدمتك مرتبطة بالكهنوت والإفخارستيا ، لابد أن تكون خدمتك مرتبطة ارتباطاً وثيقاً قوياًبالعمل الكهنوتى .
فأنا أتعجب كثيرا ممن ينادون بأن التربية الكنسية بعيدة عن الكهنوت ، والكهنوت بعيد عن الخدمة ، وللأ سف هناك أمناء خدمة يفكرون بهذا المنهج العقيم ..
ولكن كيف تخدم وأنت تعزل الكهنوت عن خدمتك ؟
لانكتفى بالاجتماعات ولا بالتعليم ، فلا بد من دخول الكهنوت ، ودخول المخدومين للإفخارستيا ، وإلا مهما فعلت فأنت تفعل شيئاً غريباً ، وكما قلنا فإن الكهنوت هو الذى يربط ويوصل شعب الله بالمسيح .
مزج الاباركة بالماء
عندما تكلمنا عن القربانة, قلنا أنها عبارة عن حبات من القمح وكل حبة تمثل أحد المؤمنين, فيتكون الجسم الواحد, ويمكننا أن نضع نفس التأمل عن الاباركة, فالمسيح هو الكرمة ونحن الأغصان, وكل كنيسة عبارة عن عنقود عنب , يضل في الكرمة الكبيرة الممتدة التي تغطى كل وجه الأرض, وكل حبة من عنقود العنب هي أحد المؤمنين , يجمعون مع بعض في كأس واحدة ويعصر العنب ليصبح اباركة, ويوضع على المذبح فيصير دم المسيح ونشربه نحن في القداس فنتحد بدم المسيح, ثم نعصر ثانية وهكذا يصير الدم الذي يجرى في عروقنا هو دم المسيح.
أما مزج الاباركة بالماء , فذلك لان دم المسيح اختلط بالماء حينما طعن بالحربة, فنزل من جنبه دم وماء, ففتح جنب المسيح رفع أذهاننا إلى انفتاح جنب أدم لما خرجت حواء من ضلعه, صارت حواء لحم من لحمه وعظما من عظامه(تك23:2)
فلما فتح جنب المسيح إدراكنا أن هذا هو أدم الجديد, وان الخارج من جنبه هو حواء الجديدة, وحواء الجديدة هي الكنيسة.
وإذا كان الخارج من جنب المسيح هو دم وماء, فمعنى ذلك أننا نستطيع أن نلخص الكنيسة في الافخارستيا والمعمودية, فالخارج من جنب المسيح هو عروسته الكنيسة, ممثلة في الأفخارستيا والمعمودية , وهما أهم سر وهذا بالطبع لا يقلل من قيمة الأسرار الأخرى.
ولكن لان المعمودية هي باب الأسرار, والأفخارستيا تاج الأسرار, فالكنيسة تلخص فى هذين الفعلين دم وماء . وهذا أول معنى لمزج الاباركة بالماء.
وهناك معنى أخر لمزج الاباركة بالماء, وهو أن الماء يرمز للروح القدس فالسيد المسيح قد قال ” من أمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه انهار ماء حي, قال هذا عن الروح القدس الذي كان المؤمنين به مزمعين أن يقبلوه (يو7: 38-39) .
فالروح القدس مشبه في الإنجيل بالماء, الاباركة تمثل بالمؤمنين, والماء بالروح القدس الذي ينسكب عليهم , فالا باركة والماء يمتزجان ببعضهما امتزاج كامل, والروح القدس حينما يحل علينا, يتغلغل فينا ولا يستطيع أحد أن يفصله منا, فيكون فينا ويجمعنا ويصيرنا واحدا . فهذا هو المعنى الجميل لمزج الماء بالا باركة.
يصلى الكاهن بعد ذلك صلاة الشكر ويغطى المذبح. وهناك صلاة تسمى سر التغطية, أي أن تغطى المذبح لها معنى, فتغطية القربان تشير إلى أن جزء كبير من حياة المسيح على الأرض كان مختفيا وغير واضح, وهذه إشارة أيضا إلى أن شخص المسح مهما كنت مرتبطا به – هناك الكثير جدا الذي لا نعرفه عنه.
في سفر الرؤيا حينما كان يكشف الملاك للقديس يوحنا اللاهوتي, أسرار الأبدية والسماء والأحداث التاريخية التي سوف تحدث, أحيانا كان يقول له “اختم على هذه الأقوال ” أي أنها أسرار لن تعلن, حتى يظل الإنسان طول وقته انه لا يعرف, ويقول معلمنا بولس الرسول ” من يظن انه يعرف شيئا فليحسب هذا في نفسه انه لم يعرف بعد كما يجب أن يعرف (1كو2:8) فلا يثق أحد في نفسه, ويظن انه يعرف شيئا.
المسيح حينما كان يتحدث عن معرفة الأب كان يقول ” هذه هي الحياة الأبدية آن يعرفوك” (يو3:17).
فالمسيح أولا: لاهوته كان محتجبا ولم يعلن بوضوح إلا بالقيامة, حتى بالنسبة لآبائنا الرسل, فهم أنفسهم لم يكونوا مدركين أنه هو اله الظاهر في الجسد, فهم قد عرفوه ذلك بعد القيامة, يقول بولس الرسول عن السيد المسيح” الذي صار من نسل داود من جهة الجسد وتعين ابن اله بقوة من الله من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات(رو4:1)
لذلك حينما يرفع الابروسفارين بعد صلاة الصلح , نعتبر ذلك رمزا للقيامة وإظهار للاهوت السيد المسيح فآباؤنا الرسل كانوا ملتفين حول المسيح يتعلمون منه على انه المعلم الصالح, آو النبي آو المسيا لكن أن يكون هو يهوة فهذا لم يكونوا يفكرون فيه.
فقد قال بطرس الرسول للمسيح ” أنت هو المسح ابن الله الحي” ولكن المسيح قال له ” إن لحما ودما لم يعلن لك لكن أبى الذي في السموات”(مت16:16) فالروح القدس قد نطق على لسان بطرس الرسول, الأب السماوي قد أعلن له هذا.
أما هم فقد عرفوا انه الله بالحقيقة بقيامته من الأموات, فلاهوت المسيح كان محتجبا طوال حياته وكان يظهر في صورة معجزات, فقد كان كل من حوله مغمضين الأعين.
وهذا واضح في قصة تلميذي عمواس, فقد قيل عنهما “أمسكت أعينهما عن أن يعرفاه” (لو16:24), ولكنهما عرفاه حينما كسر الخبز… فليست هناك وسيلة لمعرفة الله إلا بالافخارستيا.
ونحن نمثل هذه الجزئية في الافخارستيا بطريقة جميلة, فالكاهن يضع القربانة في الصينية ويغطى المذبح فلا نرى شيئا, ثم يرفع لاابروسفارين بعد صلاة الصلح ويهزه ثلاث هزات فيحدث صوتا بالجلاجل التي فيه وهذا رمز للزلزلة التي حدثت مع قيامة المسيح, ويعلن لاهوته بالقيامة, ويصبح الغامض مكشوفا.
ثانيا :
سيرته وحياته: 30 سنة مابين ميلاد المسيح ومعموديته كانت محتجبة,…. ماذا تعرف عن حياة المسيح قبل المعمودية؟ ففي إنجيل متى ذكرت قصة الميلاد والهروب إلى مصر والعودة وكلها باقتضاب دون تفاصيل, دون أن يذكر ماذا حدث في مصر مثلا, ثم في الإصحاح الثاني يذكر لنا قصة المعمودية.
وفى إنجيل لوقا ذكرت بعض التفاصيل , مثل بشارة الملاك للعذراء والميلاد وزيارة الرعاة. والتي افرد بذكرها معلمنا لوقا فقط.,
فان تكون هذه الفترة من حياة المسيح مختومة هو شئ مقصود, فيصير المسيح هو الله المحتجب, مهما كان هو الله المحتجب, مهما كان هو الله الظاهر في الجسد, فلا زال محتجبا, فهو الله فمن يعرف الله.
فان كان”لا يعرف روح الإنسان إلا روح الإنسان الساكن فيه” فلا أحد يعر\ف الله إلا روح الله. وقد قال السيد المسيح “ليس أحد يعرف الأب إلا الابن ولا أحد يعرف الابن إلا الأب ومن أراد الابن يعلن له” (مت37:11).
فيكون اختفاء الثلاثين سنة من حياة السيد المسيح هو للتعبير عن غموض شخصيته, أو بالأحرى عجز الذهن البشرى عن إدراك كامل حقيقة السيد المسيح, ونلاحظ أن معظم الهرطقات التي ظهرت في تاريخ الكنيسة كانت بسبب عدم فهم للمسيح ذاته, فلا يوجد ذهن بشرى يستطيع أن يستوعب كامل حقيقة الله.
إن لاهوت السيد المسيح كان محتجبا وشخصه أيضا كان محتجبا, كما تشير تغطية القرابين أيضا إلى: الثلاثة أيام الخاصة بالدفن, لأنها تنتهي برفع الابروسفارين الذي هو القيامة لان المسيح كان محتجبا في القبر ثلاثة أيام.
أولا فنحن نكشف المسيح في ميلاده:
الله ظهر في الجسد فكل الأحداث المرتبطة والملازمة لميلاد المسح تكشف عن لاهوته.
ثانيا فى المعمودية: (عيد الظهور الإلهي)
ففيه ظهر الثالوث الإلهي لأول مرة بوضوح , فهو إعلان عن لاهوت المسيح.
ثالثا في القيامة: ظهر لاهوت المسيح بقوة لا يستطيع أحد أن ينكرها. .
وفى القداس نجد الثلاثة أحداث, فتقدم الحمل تكون أمام كل الشعب وهى ترمز لميلاد المسيح فالمكان الذي يصنع فيه القربان يسمى “بيت لحم” ثم تعميد الحمل, ثم يختفي تحت الأبروسفارين ويعلن مع القيامة.
ونلاحظ أن كل القداسات لها نفس الاحتفال, ففي عيد القيامة لانلغى تقدمة الحمل, وذلك لان المسيح حاضر على المذبح بكل حياته, وهذا الذي قاله المسيح “اصنعوا هذا لذكرى” (لو19:22) فكلمة ذكرى هي (امنيسيس) هي التذكار الحي, أي حضور حي على المذبح بمزوده وميلاده ومعموديته, وموته وأكفانه وقيامته وعرشه كل هذا حاضر في القداس.
وهذه نعبر عنها بقولنا ” ففيما نحن أيضا نصنع ذكر آلامه المقدسة وقيامته من الأموات وصعوده إلى السماوات وجلوسه عن يمين الأب ومجيئه الثاني….”, فالكنيسة فعلا على مدار السنة تصنع أعيادا للمسيح, وتركز كل تعاليم الكنيسة في إبراز هذا الحدث من حياة المسيح, لكن فيما تصنع الكنيسة ذلك , ففي كل يوم يكون هناك حضور حي للمسيح في القداس بكل حياته.
ثم يصلى الكاهن سرا تحليل خاص بكل الحاضرين في الكنيسة, وهو التحليل الذي يقرأ على رأس المعترف. وهنا أود أن اذكر نقطتين هامتين:
- 1- اعتاد الأباء الكهنة أن ينبهوا الشعب, أن الذي لم يحضر قراءة الإنجيل لا يتقدم للتناول, ولكن أتمنى أن يكون أن الذي لم يحضر تقدمة الحمل لا يتقدم للتناول, فهو لم يحضر التحليل المقروء لكل الناس.
- 2- اعتاد البعض أن يحضروا للكاهن كي يقراء لهم التحليل في أثناء القداس, وأحيانا يكون قبل التناول, هذا خطأ شائع, فكيف يجرؤ الكاهن أن يعطى حلا لأي إنسان والمسيح حاضر على المذبح؟! فكيف يعطى الكاهن حلا لأحد وهناك أسقف حاضر, أو الأسقف في حضور البطريرك؟!
فيجب أن لا يطلب تحليلا مادام حضر القداس, إلا إذا كان يريد الاعتراف, والوضع الأفضل هو الاعتراف خارج القداس, ولكن الاعتراف سر ليست له قاعدة, فقد يكون هناك شيئا ضروريا ويحتج الشخص للاعتراف.
تحليل الخدام
بعد أن يقرأ الكاهن هذا التحليل, يسجد الجميع أما الهيكل, وان كان هناك اكثر من كاهن حاضر يقرأ الكاهن الشريك تحليل الخدام, وذلك لا الكاهن الخد يم هو محتاج اكثر. وان كان الأسقف حاضرا يعطى هو الحل, وان كان البابا حاضرا يعطى هو الحل.
وتحليل الخدام هام جدا فأول شئ نلاحظه فيه:
أولا: انه يعتبر الشعب من ضمن خدام القداس.. “عبيدك يارب خدام هذا اليوم, القمامصة والقسوس والشمامسة والاكليروس وكل الشعب….” فالشعب محسوب فى ضمير الكنيسة من ضمن خدام القداس.
ثانيا: أن أسماء الآباء الذين يذكرون في تحليل الخدام هم أباء قديسين كهنة, فلا تذكر فيه السيدة العذراء مريم, فهي ليست كاهنا, وليس لها سلطان أن تعطى الحل, لذلك لا يوجد كهنوت للمرأة, ولا يذكر فيه قديسين غير كهنة او أسماء قديسات.
ثالثا: لماذا هؤلاء الأباء المذكورين في تحليل الخدام؟ وذلك لأن هؤلاء هم أبطال الإيمان الذين دافعوا عن الإيمان الأرثوذكسي.
يجب أن نعرف أن هناك نوعان من التحليل في الكنيسة:
- 1- تحليل الخطية, وهو يقرأ سرا, وهو تحليل للتناول , لمغفرة الخطايا.
- 2- تحليل الخدام, وهو تحليل للخدمة, أي أن هناك من تقول له الكنيسة انك ممنوع من الخدمة والذي يمنع عن الخدمة هو الهرطقة.
فالكاهن يعطى للشخص حلا من ناحية الخطايا, ولكن من ناحية الهرطقة لابد من وجود مجمع, لذلك لابد أن يطلب الكاهن حلا قبل تقدمه على المذبح من مجمع نيقية وقسطنطينية وافسس, وكأن الكنيسة تشترط في الكاهن كي يقدم ذبيحة أن يكون أرثوذكسيا , والبرهان هو الحل الذي يأخذه من الأباء.
الكاهن يقول “عبيدك يارب خدام هذا اليوم… يكونون محللين من فم الثالوث القدوس…” الثالوث القدوس هو أساس الإيمان , اريوس مثلا غير محالل من فم الثالوث لأنه أنكر الثالوث, وقال أن الابن اقل من الأب, مقدونيوس عدو الروح القدس, فكيف يأخذ حلا من الثالوث.
واليوم الادفنتست وشهود يهوة محرومين من فم الثالوث, لأنهم ينكرون لاهوت الابن, أي يفرقون الثالوث, فهم يقولون انه يوجد اله واحد هو الأب,
والابن هو درجة ثانية, والروح القدس هو نائب رئيس جند الرب. فالذين ينكرون الثالوث هم محرومون. وقد قال معلمنا بولس الرسول ذلك حينما قال “ليكن اناثيما”(1كو22:16), فالثالوث القدوس لا يوجد تهاون فيه.
وحتى الآن هناك قاعدة لقبول أي كنيسة لعضوية مجلس الكنائس العالمي, هي أن يقبلوا الثالوث القدوس, لذلك فكل الكنائس أعضاء ماعدا شهود يهوه والسبتيين والنساطرة, فهم غير مقبولين كأعضاء. فالكاهن يصلى في صلاة من الصلوات” ثبتنا في اليمان الثالوثي باسمك القدوس” فالإيمان بالثالوث أساس, لذلك فالثالوث القدوس يعطى حلا لكل الناس.
وبعد ذلك يكمل الكاهن ” ومن فم الكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية, ومن افواه الأثنى عشر رسولا, ومن فن ناظر الإله الإنجيلي مر قس الرسول الطاهر والشهيد….”
فيأخذ الحل من فم الكنيسة كلها ثم من الأباء الرسل , وبعد ذلك…
والقديس ساو يرس الانطاكى, فهو بطريك سرياني ولكنه تعب كثيرا من اجل حفظ الإيمان الأرثوذكسي في الكنيسة السريانية, أتعبوه كثيرا لدرجة انه هرب إلى مصر, وقطعوا له لسانه لذلك فالكنيسة تقدر له تعبه هذا.
وبعد ذلك “ومعلمنا ديوسقورس” ويقال معلمنا ديوسقورس قبل اثناسيوس,مع أن اثناسيوس أولا من ناحية التاريخ, ولكن لان ديوسقورس هناك من يعتبره هرطوقيا. لدرجة أن هناك بعض الليتورجيات تلعن ديوسقورس في بعض الكنائس وذلك لان اوطاخيا خدع البابا ديوسقورس وكتب الإيمان الأرثوذكسي السليم فقبله البابا ديوسقورس فظنوا أن البابا ديوسقورس اوطاخى فى إيمانه ولكن لما اكتشف ذلك البابا ديوسقورس حرم اوطاخى.
كما أن هناك بعض دراسات قام بها بعض علماء غير أقباط اثبتوا أن ديوسقورس نفى لأسباب سياسية لذلك فان الكنيسة تريد أن تؤيد أرثوذكسية ديوسقورس.
والقديس اثناسيوس الرسولى والبابا بطرس خاتم الشهداء …. والبابا بطرس هو أول من حارب الأريوسية. والقديس يوحنا ذهبى الفم بطريرك القسطنطينية… ثم كبرلس وباسيليوس أسقف قيصرية كباد وكية وغريغوريوس الثيئولوغوس وأباء نيقية والقسطنطينية وافسس, ثم من فم أبينا البابا شنودة الثالث أسقف الايبراشية, فى الايبراشيات.
وذلك لكى يطمئن الشعب أن الكاهن اخذ الحل من فم الثالوث والكنيسة والأباء القديسين, ومن فم بابا الكنيسة أسقف الأيبراشية…. وبعد ذلك يقف الجميع وتبدأ الصلاة.
البخور فى الكنيسة
بعد ان يقرأ الكاهن تحليل الخدام يبدأ جزء القراءات ، وهذه القراءات تكون مصحوبة برفع بخور على المذبح ( سر البولس وسر الكاثوليكون ، وسر الإبركسيس ) لذلك فمن اللائق أن نتحدث عن البخور فى الكنيسة .
فالبخور شئ يحس بالحواس البشرية ، ولكنه له معنى روحانى ، شرحه سفر الرؤيا إذ قال ” الذى هو صلوات القديسين ” ( رؤ 8: 4)
أيضا قد نعتبر أن كل عضو فى الكنيسة هو حبة من حبات البخور ، ورائحة البخور تظهر عندما يوضع فى النار فرائحة البخور مرتبطة بروحانية الصلاة وأحاسيسها .
فإن كنت أنت حبة البخور ، فلكى تفوح الكنيسة برائحتك الجميلة ، التى هى رائحة المسيح ” أنتم رائحة المسيح الذكية ” (2كو 2:15) ، يجب أن توضع فى النار ، حتى تشتم رائحتك ، فأنت كابنالله ، الذى يظهر رائحة المسيح فيك هو الجهاد والألم والتعب لأجل المسيح .
ونفس الشئ ينطبق على المسيح نفسه ، فالكاهن أثناء قوله ” تجسد وتانس ” يضع البخور فى الشورية ، فالتجسد والتأنس والفداء ، مثل وضع البخور فى الشورية الذى يخرج رائحة خلاص للكنيسة ، تفوح فى الكنيسة كلها .
وفى الطقس الأصيل ، يضع الكاهن بخورا ” بالمستير ” وهذا يتضح فى القداس الغريغورى . فحينما يقول الكاهن ” أقدم لك ياسيدى مشورة حريتى ” يذكر الخولاجى أنه يأخذ ” بالمستير ” يد بخور ثم يمسحها ويضعها مكانها ، وهذا الكلام ينطبق ايضا على القداسين الباسيلى والكيرلسى .
وفى هذا معنى جميل ، فالكاهن يأخذ بالمستير من كرسى الكأس وينزل بها ، وفى هذا رمز للتنازل والتجسد ، ثم يأخذ بها بخورا ويضعه فى الشورية ، رمزا للفداء ويصعد بالمستير إلى الكرسى رمزا للصعود وجلوس المسيح عن يمين الآب .
يعد ذلك يبخر الكاهن يديه بالبخور استعدادا لمسك الجسد ، ولكن ما العلاقة بين البخور ومسك الجسد ؟! تبخير يديه هنا تعنى أنه يتطهر .. وهو يتطهر بصليب المسيح ودمه وآلامه ، ورائحة المسيح الذكية .
وأثناء تبخير يديه يقول ” أقدم لك يا سيدى ” لذلك فالبخور له معنى روحانى ، يجعلك أنت مثل الذبيحة ، ويفهمنا كذلك ذبيحة المسيح وأثرها الخلاصى ، فالكاهن يقول ” تجسد وتأنس وعلمنا طرق الخلاص … ” وفى هذه الأثناء تكون رائحة البخور متصاعدة فى الكنيسة ، والتى هى رائحة الخلاص .
والكنيسة منذ العصور الأولى وهى تستخدم البخور أثناء الصلوات ، فقد أمر الرب موسى أن يصنع مذبحاً للبخور بمواصفات خاصة : ” وتصنع مذبحا للبخور لإيقاد البخور . من خشب السنط تصنعه ، وتغشيه بذهب نقى .. وتصنع له إكليلا من ذهب حواليه … وتجعله قدام الحجاب … فيوقد عليه هرون بخورا عطرا كل صباح .. بخورا دائما أمام الرب فى أجيالكم ” ( خر 30: 1-10) .
وحينما يسمى مكان وضع البخور مذبحا ، يكون البخور بذلك معتبر فى ضمير الله ذبيحة مقدسة ولو كان غير ذلك لأسماه موقدا .
وفى العهد القديم كانت هناك ذبيحة دموية أو خبز أو بخور ، ويجتمع الثلاثة معاً ليشيروا لذبيحة السيد المسيح فنحن نقول فى اللحن ” هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب .. فاشتمه أبوه وقت المساء على الجلجثة ” ، فالمسيح هو فعلا بخورنا ومذبح البخور هو الصليب المقدس .
وقد استمرت الكنيسة تستخدم البخور حتى الان ، لأنها تؤمن أن فكر الله لا يتغير ، ولكنه قد يعلن بصورة متدرجة فالعهد القديم محترم فى نظر الكنيسة ، ولكن هناك نوع من الترقى أو النمو ، فقد حدث هناك تغييرا للأكثر سموا كنوع من التدرج .
فالمسيح نفسه كان يشارك فى العبادة بصفته الناسوتية ، ومن ضمن الذبائح التى كانت موجودة ذبيحة البخور والتى لم يعترض عليها المسيح أو يوبخ الكهنة ، فهو لم يلغها أو تكلم عنها بشىء .
فالذبائح لم تلغى ولكنها تبدلت ، فأصبحت هناك الإفخارستيا بدلا من الذبائح والمعمودية بدلا من الختان ، فالأشياء التى كانت ترمز للمسيح قد بطلت بمجئ المرموز إليه ( المسيح ). كما أن هناك أشياء قد استمرت ، ومن ضمنها البخور ، والذى ظلت تستخدمه الكنيسة حتى الآن .
وقد اتهم البعض الكنيسة بالعودة للوثنية ، باستخدامها للبخور ، ولكن ماذا عن العهد القديم هل كانت العبادة فيه وثنية ؟!
فقد كان الأولى بهؤلاء أن يتهموا الكنيسة بالتهود ، لا الوثنية ، كما يقولون أيضا إن البخور كان يستخم كى يلغى رائحة الذبائح والدم فى العهد القديم .
ولكن بذلك فلنستخدم نحن الآن معطرات الجو بدلا من البخور ، فهم بذلك يلغون المعنى الروحانى للبخور .. وماذا أيضا عن السماء ؟!
وقد ينتهى بهم القول : إن البخور كان موجودا فى العهد القديم ، ولا داعى لاستخدامه الأن .
وكى نجيب ع ذلك ، دعنا الآن نتساءل عما يتنبأ ملاخى النبى ؟
” لأنه من مشرق الشمس إلى مغاربها اسمى عظيم بين الأمم ، وفى كل مكان يقرب لاسمى بخور ، وتقدمه طاهرة ، لأن اسمى عظيم بين الأمم قال رب الجنود ” ( ملا 1: 11)
لاحظ ما تحته خط ( كل مكان ، الأمم ) .. هل يتكلم النبى عن البخور الوثنى .. فى كل مكان ، وبين الأمم ؟ .. بالطبع لا .. لأنه يتكلم عن بخور ( لاسمى ) اسم الرب .. فهل هو البخور اليهودى ؟ أيضا لا لأنه يتكلم عن ( الأمم ) ..
إنه هنا يتكلم بروح النبوة عن البخور المسيحى الذى يقدم فى كل مكان لاسم الرب وليس فى أورشليم فقط أو للأوثان .
إن البخور الإلهى يتميز عن البخور الوثنى فى أنه :
أولا : يقدم لاسم الرب .
ثانيا : يقدم فى أورشليم فى الهيكل وليس خارجه ..
يكمل ملاخى النبى قائلا : ” أما أنتم فمنجسوه بقولكم إن مائدة الرب تنجست وثمرتها محتقرة طعامها ” ( ملا 1: 12) ، هؤلاء هم الذين ينكرون الإفخارستيا .
والبخور المستخدم فى الصلاة والعبادة ، كانت له مواصفات خاصة وله قدسيه خاصة ، حتى أنه لا يجوز لإنسان يصنع مثله أو يستخدمه فى منزله .. ” وقال الرب لموسى : خذ لك أعطارا . ميعة واظفارا وقنة عطرة ولبانا نقيا . تكون أجزاء متساوية ، فتصنعها بخورا عطرا صنعه العطار مملحا نقيا مقدسا ، وتسحق منها ناعما ، وتجعل منه قدام الشهادة فى خيمة الاجتماع حيث اجتمع بك . قدس أقداس يكون عندكم . والبخور الذى تصنعه على مقاديره . لا تصنعوا لأنفسكم ( مثله ) ( بل ) يكون عندك مقدسا للرب . كل من يصنع مثله ليشمه يقطع من شعبه ” ( خر 30: 34-38)
تاريخ استخدام البخور :
- 1. منذ البدء نسمع عن نوح أنه بنى ” مذبحا للرب .. وأصعد محرقات على المذبح ، قتنسم الرب رائحة الرضا ” ( تك 8: 21) لعل عبارة ” تنسم الرب رائحة الرضا ” هى أول أشارة للبخور فى تاريخ الإنسان .. حيث صاحب تقديم الذبيحة ، رائحة عطرة من أدهان الذبيحة ودخان حريقها .. اشتمه الرب كرائحة بخور يرضى عنها . وكانت هذه أول إشارة فى الكتاب المقدس تشير أن الله يحب أن تكون حياتنا وصلواتنا وذبائحنا مثل رائحة بخور أمامه .
- 2. استخدمت الشعوب الوثنية البخور فى عبادتها المنحرفة ” وأبطل من موآب يقول الرب من يصعد فى مرتفعة ومن يبخر لآلهته ( إر 48: 30) ” واقيم دعواى على كل شرهم، لأنهم تركونى وبخروا لآلهة أخرى ” ( إر 1: 16) ” آثامكم وآثام آبائكم معا قال الرب الذين بخروا على الجبال ” ( إش 65 :7) ” ذهبوا من أمامهم يذبحون للبعليم ، ويبخرون للتماثيل المنحوتة ” ( هو 11: 2) .
ومن الملاحظ هنا أن الله لم يعترض على البخور ، ولكنه اعترض على التبخير لآلهة غريبة ، فالبخور ذى ذلك – شأنه شأن باقى الوسائط العبادية من ذبائح وصلوات وأصوام وأعياد وغيره – استخدمتها الشعوب استخداما منحرفا لعبادة المخلوق دون الخالق .. وطبيعة الأمر أن استخدامهم لهذه الوسائل لا يبغها بالصبغة الوثنية .. فليست الصلوات تراثا وثنيا لأن الوثنين صلوا ، وكذلك الأصوام ولا الكنائس لأنهم بنوا معابد ، وايضا ليس البخور عملا وثنيا ..
- 3. قنن الله ونظم استخدام البخور المقدس داخل الاجتماع فى عهد موسى النبى ، كما ذكرنا ، واستمر الوضع هكذا فى الهيكل أيضا بعد بنائه فى عهد سليمان الحكيم .. حتى أننا رأيناه فى الهيكل قبيل ولادة السيد المسيح فى قصة زكريا الكاهن ” فبينما هو يكهن فى نوبة فرقته أمام الله ، حسب عادة الكهنوت ، أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر .. فظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور ” (لو 1: 8-11 )
- 4. قدمه المجوس للرب يسوع المولود ضمن هداياهم النبوية والرمزية ، حيث فسر الآباء أن الذهب كان رمزا لملكوته ، والمر رمزا لآلامه وموته ، أما البخور ( اللبان ) فكان إشارة لكهنوته وألوهيته ” ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا : ذهبا ولبانا ومرا ” ( مت 2: 11)
- 5. رأينا فى تسلسل التاريخ أن هناك بخورا أيام نوح وبخورا أيام موسى وهارون ثم بخورا أيضا فى المسيحية .
فهل هناك بخور فى السماء ؟ هذا ما يشرحه القديس يوحنا الرائى إذ رأى أربعة وعشرين قسيسا فى السماء ” لهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخورا هى صلوات القديسين ” (رؤ 5: 8) وكذلك رأى ملاكاً أخر جاء ” ووقف الذى أمام العرش ، فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله ” ( رؤ 8: 3، 4)
إذا فالبخور مستخدم فى عبادة الله منذ البداية وإلى الآن … والسؤال الذى يطرح نفسه الآن …
لماذا البخور ؟
- 1. الأحساس بحضور الله فى الكنيسة ” مادام الملك فى مجلسه أفاح ناردين رائحته ” (نش 1: 12)
وسحابة دخان البخور تشير إلى أن الله محتجب وغير مرئى .. كما حدث وقت تدشين هيكل سليمان ” وكان لما خرج الكهنة من القدس ، أن السحاب ملأ بيت الرب . ولم يستطيع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب ، لأن مجد الرب ملأ بيت الرب . حينئذ تكلم سليمان : قال الرب إنه يسكن فى الضباب ” (1مل 8: 10-12) . إنه يسكن فى الضباب بمعنى أنه غير مرئى وسطنا ويصلى الكاهن سر بخور عشية قائلا : ” أيها المسيح إلهنا العظيم المخوف الحقيقى الابن الوحيد وكلمة الله الآب طيب مسكوب هو اسمك القدوس ، وفى كل مكان تقدم لاسمك القدوس صعيدة طاهرة ”
- 2. شغل كل حواس الإنسان بالعمل الروحى … فلا نكتفى فقط بصلاةالعقل ، بل تنشغل العيون بالأيقونات البديعة ، وتنشغل الآذان بالألحان الشجية والموسيقى الروحية ، كما تتقدس الأنوف برائحة البخور العطرة … فيرتفع القلب فى هذا الجو ليسكن السماويات .
- 3. والبخور فى الكنيسة يشرح ويعبر عن روح الصلاة .. فاٌٌلإنسان فى ذبيحة التسبيح يقدم أفخر ما لديه : الجهد والوقت والحب … ويطرحها فى حب وتسليم تحت قدمى المسيح كالبخور الذى يطرح على الجمر .. فتتصاعد روائح عطرة تملأ الكون الفسيح برائحة المسيح الذكية ” لتستقم صلاتى كالبخور قدامك ” ( مز 141 : 2) ، والكاهن فى سر بخور عشية يصلى قائلا : ( نسألك يا سيدنا اقبل إليك طلباتنا ولتستقم أمامك صلاتنا مثل بخور ) ، ( نطلب إليك يا محب البشر أن تستنشق طلباتنا التى نقدمها لك مع البخور مثل ذبيحة نوح )
- 4. وسفر الرؤيا يكشف لنا عن ارتباط البخور بصلوات القديسين (رؤ 5: 8 ، ) لذلك كلما ارتفع البخور فى الكنيسة يرتل الشعب ذكصولوجيات وتسابيح خاصة بالقديسين لنشارك معا فى الصلاة والتسبيح والفرح بالمسيح ” من هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان وبكل أذرة التاجر ” ( نش 3: 6)
- 5. يرمز البخور ايضا إلى التطهير من الخطية وإلى التوبة ورائحة القداسة والبر .. وهذا تعلمناه من قصة حدثت فى العهد القديم حيث تذمر الشعب فأصيبوا بالوبأ .. ” ثم قال موسى لهرون خذ المجمرة واجعل فيها نارا من على المذبح وضع بخورا واذهب بها مسرعا إلى الجماعة وكفر عنهم لأن السخط قد خرج من قبل الرب . قد ابتدأ الوبأ ، فأخذ هرون كما قال موسى وركض إلى وسط الجماعة وإذا الوبأ قد ابتدأ فى الشعب ووقف بين المتى والأحياء فامتنع الوبأ ” ( عد 16: 41-50)
ولعل هذه القصة هى السر فى أن الكاهن يأخذ الشورية ويبخر بها بين الشعب فى الكنيسة ..إنها لحظات تطهيرية ، لذلك يقف الشعب وينحنى برأسه ويعترف سراً بخطاياه ويعود الكاهن إلى الهيكل ليصلى ( سر اعتراف الشعب ) ، وفى صلاة بخور باكر يقول الكاهن : ” اقبل إليك هذا البخور من أيدينا نحن الخطاة رائحة بخور غفرانا لخطايانا مع بقية شعبك ” كما نقول فى لحن ” شارى إفنوتى ” إن الله يرفع هنالك خطايا الشعب من قبل المحرقات ورائحة البخور ” ولعل إشارة البخور إلى التطهير تفسر لماذا يبخر الكاهن يديه قبل أن يمسك القربانة فى القداس . كذلك تعبر أوشية القرابين عن أن البخور يرمز إلى روح العطاء فتقول : ” أقبلها إليك ( القرابين التى قدمناها ) على مذبحك المقدس الناطق السمائى رائحة بخور تدخل إلى عظمتك التى فى السموات ) . وخدمتنا لله عموما هى بخور عطر يتنسمه الله رائحة رضا ، ففى سر الاستعداد يقول الكاهن : ( لكى ابتدئ وأهيئ وأكمل خدمتك المقدسة كنا يرضيك كمسرة إرادتك . رائحة بخور ”
إن البخور هو ذبيحة تكفر وتغفر وتمنع وبأ الخطية ، ولئلا يظن البعض خطأ بذلك ، أقول أنت تؤمن أن الخطايا تغفر بدم المسيح وحده فقط ، ولكن هل معنى ذلك أن الصلوات لا تغفر الخطايا ؟! وكيف ذلك وقد سأل المسيح ” متى صليتم فقولوا أبانا الذى .. أغفر لنا ذنوبنا ” ( لو 11:2) ، ولكن كل ذلك وقد سأل المسيح ” متى صليتم فقولوا أبانا الذى .. أغفر لنا ذنوبنا ” ( لو 11: 2) ، ولكن كل ذلك يستمد قوته من ذبيحة المسيح ، وكل هذا سواء صلاة أو صوم أو عبادة وتذلل أو بخور لابد أن يقدم بروح التوبة ، فلا يوجد طقس من طقوس الكنيسة إلا ونأخذ فيه الغفران ، فكل صلوات الكنيسة هدفها هو غفران الخطايا ، ولكن بقوة دم المسيح وبروح التوبة .
- 6. والبخور ايضا هو شركة مع السمائين الذين يرفعون البخور أمام الحى إلى أبد الآبدين … لذلك عندما يرتل الشعب لحن ( آجيوس ) قبل أوشية الإنجيل يمسك الكاهن الشورية ويضع بها يد بخور ويقف أمام باب الهيكل ليبخر .. مشاركا بذلك السمائين فى تسبيحهم وبخورهم .
- 7. يجب كذلك أن نعرف أن التبخير فى الكنيسة هو عمل كهنوتى لا يجوز للشماس أو الشعب أن يقوم به ، فعندما تجرأ قوم قورح وداثان وأبيرام وقدموا بخورا للرب ” خرجت نار من عند الرب وأكلت المئتين والخمسين رجلا الذين قربوا بخورا ” ( عدد 16: 35) ” تذكارا لبنى إسرائيل ، لكى لا يقرب رجل اجنبى ليس من نسل هرون ليبخر بخورا أمام الرب فيكون مثل قورح وجماعته ” ( عد 16: 40) ، وقيل كذلك عن عزيا الملك إنه ” لما تشدد ارتفع قلبه إلى الهلاك وخان الرب إلهه ، ودخل هيكل الرب ليوقد على مذبح البخور ، ودخل وراءه عزريا الكاهن ومعه ثمانون من كهنة الرب بنى البأس وقاوموا عزيا الملك وقالوا له : ليس لك يا عزيا أن توقد للرب ، بل لكهنة بنى هرون المقدسين للإيقاد . أخرج من المقدس لأنك خنت ، وليس لك من كرامة من عند الرب الإله . فحنق عزياوكان فى يده مجمرة للإيقاد ، وعند خنقه على الكهنة خرج برص من جبهته أمام الكهنة ، فى بيت الرب بجانب مذبح البخور .. فطردوه من هناك .. ” ( 2أخ 26: 16-30)
ونال بذلك جزاء تعديه وعدم احترامه للعمل الكهنوتى ” شكرا لله الذى يقودنا فى موكب نصرته فى المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته فى كل مكان ، لأننا رائحة المسيح الذكية لله ” (2كو 14 : 5)
إن البخور يرمز للتجسد والفداء ، وهو يرمز للجهاد الروحى الذى يجعل رائحة المسيح تفوح من خلالك ويرمز أيضا لصلوات القديسين ، كما يرمز للسمو الروحى الخاص بالإنسان المسيحى ، وذلك البخور يصعد لأعلى ويملأ الجو بالرائحة العطرة .
قداس الموعظين
نلاحظ دائما ان حركه الكاهن حينما يخرج بالشوريه ليبخر, تكون دائما ضد حركه عقارب الساعه وهذا هو اتجاه اى دوره فى الكنيسه, وهذا معناه ان الكنيسه فوق الزمن فهى ليست خاضعه له ,لانها دخات الابديه .
اما فى دوره الابركسيس فتكون الحركه مع حركه عقارب الساعه او حركه الشمس , فبالرغم من ان الكنيسه هى فوق الزمان الا انها موجوده كى تخدم الزمان , و الابركسيس هو اعمال الرسل , والرسل دورهم هو تحويل العالم المادى الى عالم روحانى ,ولاشرار الى قديسين …. فالكنيسه لابد ان تنزل الى العالم كى ترفعه للابديه , الكاهن ينزل الى العالم ليكرز و يبشر , و يرجع ثانيه للهيكل ليقدم هذا الشعب لله.
كما ان دوره يهوذا ايضا تكون مع عقارب الساعه , فيهوذا بسبب خيانته صار زمنيا خاضعا للزمن وغير متمشيا مع الكنيسه .
اما كل حركات الكاهن و الشماس داخل الهيكل فهى ضد عقارب الساعه , و الكاهن حينما يضع اصبعه على حافه الكاس يلف بها ضد حركه عقارب الساعه ,وكل ذللك اشاره للابديه ودخول الكنيسه فى اللازمن.
ومع بدايه رفع بخور البولس , يبدا قداس الموعظين او قداس القراءات و قد كان هذا القداس فى العصور الاولى للمسيحيه يمكن ان يكون جزءا منفصلا بذاته , يجتمعون معا للقراءه و الصلاه ,ولكن مع حلول القرن الرابع او الخامس الميلادى اصبحت الاغلبيه فى مصر مسيحيه . فلم يعد هناك موعظين .
وذللك عكس القرون الاولى و التى كانت بها نسبه كبيره من الموعظين , مما استدعى ظهور طقس خاص بهم ومع ذللك فقد احتفظ هذا الجزء بكيانه , لانه خاص بالمؤنين ايضا .
و الموعوظون هم اناس امنوبالمسيح ولكن لم يعتمدوا بعد , فالكنيسه متانيه عليهم- وليس ذلك رفضا منهم- حتى يتعلموا, وقد كانت تستمر هذه الفتره سنه او اثنتين او اربع سنوات ,وقد كانت تصل فى بعض الاحيان الى اطول من ذلك.
وهم كانوا يخرجون فى نهايه هذا الجزء, فلم يكن يسمح لهم بحضور الاسرار المقدسه , فقد كانوا يحضرون القداس حتى فى نهايه العظه وقانون الايمان, واحيانا حتى صلاه الصلح قبل رفع الابروسفارين.
و الكنيسه لم تكن تتكلم معهم عن موضوع الافخارستيا, الا بعد معموديتهم, فقبل المعموديه كان تعليم الكنيسه لهم عن المعموديه , خصوصا فى فتره الصوم الكبير , ونلاحظ ذلك فى اناجيل الصوم الكبير , فكل الاناجيل تقريبا تتحدث عن تهيئه الانسان للمعموديه , وتصل لذروتها يوم احد التناصير ثم يوم العيدفهو موت وقيامه مع المسيح.
وكان موسم معموديتهم هو يوم سبت النور .
وفى الخماسين تتحدث الاناجيل عن الافخارستيا , (نور العالم, خبز الحياه, الماء الحى ..) وكلها من معانى الافخارستيا . اما قداس الموعظين فهو يحتوى على ثلاثه اشياء:
1-تعليم
2- تسبيح
3-صلاه
على الرغم من كونهم لم يعتمدوا بعد , لكن لامانع من ان يصلوا ,لحين ان ياخذوا قوه صلاتهم من معموديتهم , وكان الكنيسه تقول لهم ” ان طريقه كرازتنا ليست بالوعظ و التعليم او بالكلام الفلسفى فقط , فقبل كل ذلك يجب ان نصلى ” وكانت القراءت ( البولس –الكاثوليكون – الابركسيس) تقرا بلحن بسيط, وهذا اللحن:
- 1) يعنى ان القراءه بالنسبه لنا هى صلاه , بدليل اننا نرتل امام الله .
- 2) ان النغم يساعد على التركيز , فالقرءة بدون نغمقد تجعل السامع لا يركز مع القارى, ولكن القراءه تكون بنغم بسيط ودون تجويد , حتى لا ينشغل الناس بحلاوة الصوت دون حلاوة الكلمات.
والقراءات فى الكنيسه منظمه ومرتبه حسب الاعياد الكنيسه , و توجد هذه القراءت فى ” القطمارس” و هى كلمه اصلها اليونانى وتعنى ” مرتب حسب الايام “.
وفى الكنيسه انواع من القطمارس :
- 1) القطمارس السنوى .
- 2) قطمارس الاحاد
- 3) قطمارس الصوم الكبير ( هدف القراءات فيه هو الاعداد للمعموديه و ذللك للموعظين اما بالسنبه للمومنين فالهدف هو التوبه على اعتبار ان التوبه هى عوده الى عهد المعموديه.
- 4) قطمارس الخما سين ( القراءات تركز على الافخارستيا و الحياه ومع تركيزها على الافخارستيا تركز على لاهوت المسيح بالقيامه من الاموات).
- 5) قطمارس البصخه ( القراءات مركزه على الام المسيح وقصه صليبه خطوه بخطوه ).
وتكون القراءات فى الايام مرتبطه بالقديس , ففى اعياد الشهداء تكون عن الاستشهاد وفى اعياد الملائكه تكون عن الملائكه , وفى اعياد البطاركه نجدها تتحدث عن الرعايه.
ولكن ايام الاحاد تكون لها خطه خاصه , فهى تظهر عمل الثالوث القدوس من اول توت حتى اخر السنه.
فى كل يوم من ايام السنه نجد هناك مجموعه من القراءات فى عشيه وباكر و القداس , كلها يربطها خيط واحد,وجميل ان نعرف سبب اختيار هذه القراءات و الربط بينها.
واثناء الصلوات عموما هناك صلوات سريه يصليها الكاهن , محورها ان يفتح الله عيون قلوب الشعب ليفهموا وهذه الجزئيه هامه جدا…
فاستماع شخص للموسيقى وهو لايعرف شيئا عن المسيقى , كان يسمع مثلا مقطوعه موسيقيه لبيتهوفن فهو قد يعبر هذا نشاذا او شيئا لا طائل منه , وهذا يختلف عن استماع شخص يحب الموسيقى و يستطيع ان يكتشف مواطن الابداع فيها, وايضا مثل كره القدم فهناك من يحبونها جدا , وهناك من لايعرفون عنها شيئا , فيعتبرونها شيئا لا جدوى منه .
هذان المثلين يمكن تطبيقهما على الانجيل , فقد يكون الانجيل بالنسبه للك هو شى جميل , مشتهى بالنبه للك, وهناك من لايتاثر به.
لذللك الكاهن يصلىاثناء القراءات , كى يفتح الله عيون قلوب الشعب .
ومن ضمن القراءات ” السنكسار” وعاده يقراه الاب الكاهن , وذلك لان الانجيل و الاسفار المقدسه تاخذ قوتها من ذاتها, اى ان سلطان نابغ من الانجيل نفسه , فالشعب يستمع لان الذى يقرا عليهم هو سفر من الاسفار المقدسه ,هم مطمئنون لها .
اما السنكسار فياخذ قوته من فم قارئه, لذلك يقراءه الكاهن .
و السنكسار يحوى سير القديسين , وكما ذكرنا ان القراءت تكون مرتبطه بالقديس لذللك فان هذا الارتباط بين القطمارس والنكسار له معنى مذدوج.
الاول : هو ان حياه القديس قد سبق ان كتبت فى الانجيل من زمن .ولنبحث عن سيره الانبا انطونيس مثلا فى الانجيل وسنجد انها كلها مكتوبه فيه.
الثانى :هو انك ان اردت ان تشرح نصا من الانجيل ,فالشرح الحقيقى هو ان تراه فى حياه القديسين .فنحن نجمع سيره القديس من الانجيل فى حياة القديس كى نقول انه انجيلى السيرة ، و نفسر الانجيل فى حياة القديسين كى نقول انه انجيل تطبيقى.
بعد قراءه السنكسار قد يكون هناك تمجيد للقديس, ولكن عاده يقال لحن ” تريس اجيون ” ( الثلاثه تقديسات)..
اجيوس .اجيوس .اجيوس ..واول اشاره له نجدها فى سفر اشعياء “قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده مل كل الارض” (اش3:6).
وايضا فى سفر الرؤيا ” قدوس قدوس قدوس الرب الاله القادر على كل شى الذى كان والكائن و الذى ياتى(رؤ8:4)وهى اشاره للثالوث … واشعياء حينما راى السيرافيم وهم يقولون قدوس قدوس قدوس قال : ويل لى انى هلكت لانى انسان نجس الشفتين وانا ساكن بين شعب نجس شفتين (اش5:6)
وقوله “ويل لى انى هلكت لانى انسان نجس الشفتين و انا ساكن بين شعب نجس الشفتين (اش 6:5) .
و قوله “ويل لى انى هلكت” تعنى التوبة ، لذلك فكل ربع فى اللحن ينتهى بكلمة “اليسون ايماس” (ارحمنا) ، فهذا احساسك انك واقف امام الله القدوس و انت لا تستحق ان تقف امامه.
و فى هذا اللحن نجد ان الثلاثة تقديسات هى مقدمة للابن (الذى ولد ، والذى صلب ، و الذى قام).
“قدوس الله ، قدوس القوى ، قدوس الحى الذى لا يموت ، الذى ولد من العذراء”.. هذا اعتراف رائع جدا باتحاد اللاهوت و الناسوت بدون افتراق ، فاروع تعبير عن الطبيعة الواحدة ، نجده فى هذا اللحن “قدوس الله ..القوى .. الحى الذى لا يموت.. الذى ولد من العذراء..”.
فكل اللحن يتحدث عن اقنوم الابن.
و لكن لماذا وضع هذا اللحن فى هذا الجزء ؟
نحن نمجد الله الذى صنع كل الاشياء ، و نرفع نظرنا للمسيح و نقول له: “انك انت صانع كل هؤلاء ، صانع بولس و الرسل و القديسين” .
و الكنيسة تعلمنا فى محبتنا للقديسين و انشغالنا بهم – و هو الشئ الذى ياخذ من وقت و حب الكنيسة ، و الذى تعيبه علينا بعض الطوائف – ان لا ننشغل بهم بطريقة منحرفة ، و لكن بالعكس كلما راينا القديسين يرتفع نظرنا للمسيح قائلين: “اجيوس” .
بعد لحن “اجيوس” يصلى الكاهن اوشية الانجيل ، و هنا يصلى الكاهن صلاة علنية و صلاة اخرى سرية هى سر الانجيل ، فالكنيسة تضع الانجيل (حياة المسيح) فى الدرجة الاولى فى الكتب المقدسة و ان الكنيسة تؤمن ان هناك حضور سرى للمسيح فى الكنيسة من خلال الانجيل .
و الكاهن يصلى و يقول “ايها السيد يسوع المسيح الهنا الذى الذى قال لتلاميذه القديسين المكرمين و رسله الاطهار: ان انبياء و ابرارا كثيرين اشتهوا ان يروا ما انتم ترون و ان يسمعوا ما انتم تسمعون و لم يسمعوا اما انتم فطوبى لعيونكم لانها تبصر و لاذانكم لانها تسمع ، فلنستحق ان نسمع و نعمل باناجيلك المقدسة بطلبات قديسيك”.
و هذا الكلام لم يكن للتلاميذ فقط ، بل لنا نحن ايضا و هذا معناه ان المسيح الذى كان حاضرا مع تلاميذه يعلمهم ، سيحضر الان كى يعلمنا نحن ايضا (المسيح المعلم) ، لذلك توضع المنجلية على مكان عالى “و لما راى الجموع صعد الى الجبل” (مت 1:5)
و الكاهن و هو يدور حول المذبح و هو يحمل البشارة يردد قائلا : “الان يا سيدى تطلق عبدك بسلام” ، و هذا ما فاله سمعان الشيخ لما حمل المسيح ، فالكاهن يعتبر نفسه يحمل المسيح و لا عجب فى ذلك فالانجيل هو كلمة الله المقروءة ، اما المسيح فهو كلمة الله الذاتى ، المسيح هو جوهر الانجيل ، و نحن حينما ننظر للانجيل لا نرى غير المسيح فقط .
و يقدم الكاهن البخور للانجيل باعتبار ان الانجيل هو حضور من نوع ما للمسيح ، و ينادى الشماس “قفوا بخوف امام الله” ، اعلانا عن حضور المسيح ، و الوقوف هنا له ثلاثة معانى:
(1) الاحترام.
(2) الوقوف هو مرادف للقيامة ، الفعل “يقف” = الفعل “يقوم” ، فالكنيسة تريدنا ان نحيا حالة قيامة دائمة ، بالنصرة على الخطية ، لذلك و نحن نصلى نكون واقفين اشارة للقيامة .
(3) الاستعداد للعمل و التنفيذ و كاننا نقول للمسيح :” ان كل ما تقوله سننفذه.
ثم يقراالمزمور و الانجيل وهناك علاقه قويه بين المزمور و الانجيل فالكنيسه قد اظهرت كل براعتها و ابداعها فى اختيارها للمزامير السابقه لللانجيل .فلم يكن هناك كمبيوتر و لا قاموس لكتاب المقدس . ولا فهرس للكتاب
وعل ذللك فهو اختيار رائع مؤيد بالروح القدس
وفى مقدمه المزمور يقال ” ابصالموس تو دافيداى مزمور لداود و فى اليونانيه تعنى “هذا المزمور يتكلم عن داود هو جد المسيح بالجسد
والمسيح له اسم شفرى , فى النبوات . فكما يقول القديس اوغسطينوس كل المزامير تتكلم عن المسيح ما لم يكن غير ذللك بوضوح
وبعد قراة الانجيل تكون العظه وهى جزء اساسى وفى صلب القداس و ليست اضافه وبالطبع فان شرح الكلمه يجب ان يكون متماشيا مع تقليد الكنيسه اى كيف فهم الاباء هذه الايه.
فهو فكلر الاباء وليس فكر شخصيا
فالاسف فى الغرب حاليا هناك بعض الكنائس تسمح بالشذوذ الجنسى , اى لا تحرمه , وهى تسمح بالزواج لمثل هولاء داخل الكنيسه, وهم يقراؤن فى هذا الزواج قصه محبه داود ليونثان
وهكذا عندما ينحرف الواعظ او المفسر عن تقليد الكنيسه.
الثلاثة أواشى الكبار
أوشية تعنى طلبة ؛ نقدمها حينما يكون المسيح حاضرا ؛ طالبين منه طلباتنا ؛ و المسيح حاضر فى الكنيسة باستمرار اذ هو بصفته اللاهوتية يملأ الوجود 00 و أثناء قراءة الانجيل يكون هناك حضور للمسيح المعلم ؛ هو حضور خاص ؛ متميز ؛ و حضور المسيح يدفع الكاهن أن يقدم له الطلبات 0 آخر طلبة و أهمهم هى النص الكامل لأوشية الموعوظون و التى يقول فيها ( اذكر يا رب موعوظى شعبك ؛ ارحمهم ثبتهم فى الايمان ؛ كل بقايا عبادة الأوثان انزعها من قلوبهم ؛ ناموسك وخوفك و وصاياك ؛ و حقوقك و أوامرك المقدسة ؛ ثبتها فى قلوبهم ؛ امنحهم أن يعرفوا قوة الكلام الذى وعظوا به ؛ و فى الزمان المحدد فليستحقوا حميم الميلاد الجديد ؛ لغفران خطاياهم ؛ اذ تعدهم هيكلا لروحك القدوس ) 0
كل الأواشى مختصرة ؛ و لكن فى الموعوظين تقال الأوشية كاملة ؛ و ذلك لأن بعد هذه الأوشية يخرج الموعوظين ؛ فالكنيسة تطلب من الله أن يثبتهم فى الايمان و ينزع من قلوبهم بقايا عبادة الأوثان ؛ و عبادة الأوثان هنا تعنى من ناحية الفكر أو من ناحية السلوك ؛فهى ضد الحياة المسيحية ؛ اذ يعتبر تعلق قلب الموعوظ بالمال أو الجسد أو الذات أو شئ من العالم هو نوع من بقايا عبادة الأوثان 0
و قد يبدو للبعض أن هذه الأوشية انتهت ؛ و ليس لها مكان 000 فأين الموعوظين ؟!! و لكن قد يكون هناك بقايا من عبادة الأوثان عالقة بالقلوب 00 قد تكون داخل قلب المؤمن و ذلك على الرغم من أنه ليس موعوظا 0 ( امنحهم أن يعرفوا قوة الكلام الذى وعظوا به ) و ذلك لأن هناك من يفهم الكلام ؛ ومن يفهم عمق الكلام و قوته 00 أى أن هناك من يصل الى مستوى الفعل و الكلام 0
كل هذه الأوشية يصليها الكاهن سرا و هو يبخر بالشورية أمام المنجلية ؛ أثناء قراءة الانجيل ؛ و ذلك تأييدا لفكرة حضور شخص المسيح فى أثناء قراءة الانجيل ؛ مع ملاحظة أن ينتهى الكاهن من قراءة سر الانجيل قبل بداية قراءة الانجيل نفسه ؛ اذ لا يجوز أن ننشغل بأى شئ آخر أثناء قراءة الانجيل 0
و بعد أن يقرأ الانجيل و العظة ؛ يقف الكاهن أمام باب الهيكل ؛ و رأسه منحنية ؛ متجها ناحية الشرق و يصلى صلاة الحجاب سرا ؛ و قد سميت “صلاة الحجاب ” لأنها تصلى أمام حامل الأيقونات ؛ و فى أثناء
ذلك يقول الشعب مرد الانجيل 0
و مرد الانجيل يكون عبارة عن تنغيم لآية من آيات الانجيل الذى قرأ ؛ و للأسف فهناك نصوص كثيرة بطل استخدامها و لكنها ما زالت موجودة فى كتاب ” ترتيب البيعة ” مثلا انجيل حماة سمعان ؛ هو انجيل يكرر كثيرا فى العشيات ؛ و مرد هذا الانجيل هو ( يا من أقام حماة سمعان من مرضها الشديد ؛ اشفى قلوبنا من حمى الخطية ) 0
هناك مرد أخر لانجيل ” فى البدء كان الكلمة و كان الكلمة الله00 ” (يو 1:1 ) و المرد يقول : (الذى ليس له جسد أخذ جسدا ؛ الكلمة صار له جسدا ؛ الذى ليس له بداية بدأ ؛ غير الزمنى تحت الزمن )0
و مرد الانجيل ليس للتسلية ؛ بل هو شئ تعليمى يأخذ قوته من الانجيل الذى يقرأ ؛ و لكن للأسف أن هذه المردات لا تستخدم الآن 0
و صلاة الحجاب التى يصليها الكاهن و هو أمام الهيكل ؛ و كأنه وقف هذا ليقول ( أنا يا رب داخل للأقدس ؛ كى أقدم ذبيحة الشكر و التسبيح و نستقبل منك ذبيحة الغفران ؛ كى أقف أمامك فى مهابة و خشوع و أنا عارف أنى غير مستحق للوقوف أمامك ) 0
فهو يقول ( يا الله الذى من أجل محبته للبشر ؛ التى لا ينطق بها أرسلت ابنك الى العالم ليرد اليه الخروف الضال ؛ نسألك يا سيدنا لا تردنا للخلف ) 0 و كأن الكاهن يقول لله ، أنت يا رب لم ترفض الخروف الضال ، لذلك اعتبرنى خروفاً ضالاً و أتوسل اليك أن تنظر إلى بعيت الرحمه و التحنن .. ( إذ نضع أيدينا على هذه الذبيحه المخوفه غير الدموية ، لأننا لا نتكل على برنا بل على رحمتك ).
فأنا لست هنا يا رب لانى بار ، بل أنا متكل على رحمتك ، لأننى لو أتكلت على برى فلن ادخل من باب بيعتك … فالقداس كله فيه طلب الرحمة . ( هذه التى بها أحييت جنسنا ، نسأل و نتضرع إلى صلاحك يا محب البشر هذا السر الذي دبرتة لخلاصنا (التناول) لأ يكون دينونة لنا ولأ لشعبك أجمع ، ولكن محوأ لخطايانا وغفرانا لتكاسلنا ، ومجدآ و إكرامآ لأسمك القدوس ، أيها الأب والأبن والروح القدس) فالكاهن يتفق مع اللة قبل أن يدخل إلي الهيكل ، أن لأ يكون يارب الذي أعطيتني إياة للخلأص هو للدينونة ، لأن معلمنا بولس الرسول يقول:ّاي من اكل هذا الخبز ، او شرب كأس الرب ، بدون استحقاق ، يكون مجرما في جسد الرب ودمة ّ (اكو 27:11) .
ليس امامنا يارب سوى الوقوف امامك ، لأنك علمتنا أنك تبحث عن الضال ، ليس أمامنا غير أن نقف أمامك ونقول لك إننا لسنا بارين ، بل لأننا خطاة يارب نحن أمامك ، فعلآ نحن اتعبناك بأثامنا وخطايانا ، ولكن لنا ثقة فيك أنك تسامح وتغفر … هذة النغمة الجميلة تعلمتها الكنيسة من فم المسيح حينما قال لنا مثل الفريسى والعشار …
ليس المهم أن نقف أمام اللة بدون خطية ، المهم أن نقف أمام اللة بالتوبة ، الأمر الخطير أن يكون وقوفنا أمام اللة ولدينا إحساس أننا مستأهلين ومستحقين لهذة الأمور ، فوقوفنا دائمآ يكون بعدم استحقاق ولكننا معتمدين علي نعمة اللة ورحمتة . بعد ذلك تقال أرباع خاصة ، بقديسي اليوم الذين نحتفل بة ، ويدخل الكاهن إلي الهيكل ، ويصلي الأواشي الكبار والفرق بين الأواشي الكبار والصغار هو حجم الصلأة نفسها : فالأواشي الثلاثة الكبار يقالوا بعد الأنجيل فى القداس ، والأواشى الصغار يقالوا أثناء دورة البخور حول المذبح : أما السبع الصغار فهم الموجودين فى صلب القداس بعد التقديس وقبل المجمع
والأواشى الثلاثة الكبار هم :
1_ أوشية السلام : نصلى فيها عن سلام الكنيسة العالم .
2_ أوشية الآباء : نصلى فيها من أجل البابا والاساقفة وأسقف الأيبارشية وكل الاكليروس والشعب .
3_ أوشية الاجتماعات : نصلى من أجل الاجتماعات أن يباركها الله ؛ و هذه الأواشى قد اعتدنا صلاتها سرا ؛ و هذه الأواشى تحمل معان جميلة فى صلواتها ؛ و قد أوصى المجمع بصلات
هم جهرا كلما كانت هناك فرصة ؛ و لنتكلم عنها واحدة واحدة 0
أولا أوشية السلام :
يقول فيها الكاهن : ( هذة الكائنة من أقاصى المسكونة إلى أقاصيها ، كل الشعوب وكل القطعان باركهم …) .
فالكنيسة تصلى من أجل الجميع ، وهى على قدر اعتزازها بارثوذكسيتها ، ولكنها تصلى لأجل الجميع ، وهذا يوضح أن الكنيسة هى جامعة ، ولكنها متمايزة إلى شعوب وقطعان ، وكل قطيع يرعاة أسقف ، وكلهم خاضعين لراعى الرعاة الأكبر وهو المسيح .
ويصلى فى هذة الأوشية من اجل ( رئيس الدولة والجند والرؤساء والوزراء والجموع وجيراننا ومداخلنا ومخارجنا ، زينهم بكل سلام ) .
هنا الصلاة من أجل المسئولين ليست نوعآ من الدبلوماسية أو التملق ، لأنة لايمكن أن يحدث هذا أمام اللة العارف قلوب اجميع ، فالكنيسة فعلآ تصلى من أجل رئيس الدولة والمسئولين . ولنتخيل ذلك فى عصور الاضطهادات ، فقد كان الأباطرة والملوك يضطهدون الكنيسة ، ورغم ذلك يقف الكاهن والأسقف وهم يصلون لأجل رئيس الدولة أو الامبراطور أوالملك .
فالكنيسة تعلمنا الخضوع للرياسات وحتى ولو كانت ضد الكنيسة ، نحن نطيعهم ولكن فى الرب ، والصلاة من أجل الرؤساء هي وصيه كتابية، كما أوصانا معلمنا بولس الرسول :”لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة ،لأنه ليس سلطان إلا من الله “(رو13:1)، كما ذكر في الكتاب أن :”في سلامهم سلامنا ” فاستقرار الأحوال هو من سلام الكنيسة و أيضآ لمصلحتها.
يكمل الكاهن : ( يا ملك السلام أعطنا سلامك ،لأن كل شئ أعطيتنا ، اقتتنا لك يا الله مخلصنا لأننا لا نعرف آخرا سواك ، اسمك القدوس هو الذي نقوله فلتحيا نفوسنا بروحك القدوس ،و لا يقوي علينا نحن عبيدك موت الخطية ، ولا علي كل شعبك ).
في قولنا “لا نعرف آخرا سواك ” لا نكذب و لكننا نصبح مسار .
يصلي الكاهن بعد ذلك :
ثانيا أوشية الآباء :
و هي تعني أن أكثر فئة تحتاج إلي صلاة في الكنيسة هم الآباء ، فالكنيسة تقدر موقع الآباء فيها ،لذلك تصلي من أجل البابا و من أجل الأسقف ،وهذا ما قاله معلمنا بولس الرسول : “مساعدون لنل بالصلاة ”
كما أن المناداة باسم البابا أو الأسقف هى برهان أرثوذكسية الكنيسة و أنتمائها ويدل أيضا على
أرثوذكسية الكاهن الذى يصلى ، كذلك نحن نذكر أسماء بطاركة الكنائس المتحدة معنا في الايمان مثل السريان وأريتريا . والكاهن يصلى من أجل البابا ويقول : ( مفصلآ كلمة الحق باستقامة ، راعيآ شعبك بطهارة وبر ، وجميع الأساقفة الأرثوذكسيين والقمامصة والقسوس والشمامسة وكل امتلاء كنيستك الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية ) هنا هو يصلى من أجل أن يكون البابا متبعآ التفسير السليم والرعاية المستقيمة ، ومن أجل جميع الأساقفة الأرثوذكسيين أى الذين ليسوا هراطقة ، أى المحافظين على الايمان ، الذين لم ينحرفوا ، أى أن كلمة الأرثوذكسيين لا تعنى تعصبآ للكنيسة ، فاللفظ يحمل معنيين هما :
( 1 ) عنوان الكنيسة .
( 2 ) وصف الايمان .
فالكلمة أساسآ كانت وصفآ للايمان وصارت عنوانآ للكنيسة ، فهو ليس تعصبآ ولكنة تمسك بالايمان المستقيم .
واقتران كلمة أرثوذكسيين بكلمة أساقفة ، ذلك لأن الأسقف هو الذى يقود الكنيسة فإن كان أرثوذكسيآ ، كان القمص والقس والشمامسة كذلك ، فهو رأس التعليم فى الكنيسة .
يكمل الكاهن ويقول : (أنعم عليهم وعلينا بالسلام والعافية فى كل موضع ، وصلواتهم التى يرفعونها عنا وعن كل شعبك ، وصلواتنا نحن أيضآ عنهم ) .
وهنا يمسك الكاهن درج البخور و يرشم بة الشعب ،ولأن البخور هو الصلوات :فكأن الكاهن يأخذ صلوات الشعب من أجله ومن أجل الأسقف والبابا ، و يضعها بعد ذلك في الشورية ، وهو يقول : ( أقبلها إليك علي مذبحك الطاهر المقدس الناطق السماوى رائحه بخور ).
و مثلما يملأ البخور الكنيسه بالرائحة العطرة ، كذلك صلوات الشعب من أجل الآباء تملأ الكنيسة بالرائحه العطره ، فنحن نصلى و نقول فى إحدى الصلوات : ( أعطى بهاء للإكليروس ) ، و ذلك حتى تكون رائحة الكنيسه رائحه ذكيه وجميله ، فنحن نصلى لأجلهم وصلواتنا عنهم تكون رائحة بخور على المذبح الناطق السمائى ، و تكون الكنيسه مجمله بالحق و الأيمان و الطهاره .
ثم يكمل الكاهن ويقول : (سائر أعدائها الذين يرون و الذين لا يرون اسحقهم و أذلهم تحت اقدامهم سريعآ). و هذا قد ذكر فى سفر الرؤيا ” هئنذا أصيرهم يأتون و يسجدون أمام رجليك ،و يعرفون انى انا احببتك ” (رؤ3 : 9 ) . فهذا وعد من الله أن اعداء الكنيسه يخضعهم تحت اقدام الأباء . ثم يقول الكاهن ( وأما هم فلحفظهم فى سلام وعدل فى كنيستك المقدسه ).
ثالثآ أوشية الاجتماعات :
و هذه الأوشيه يصليها الأسقف أو البطريرك إذا كان حاضرآ ، و فيها يقول الكاهن : ( أذكر يا رب اجتماعاتنا باركها ، اعط أن تكون لنا بغير مانع و لا عائق لنصنعها كمشيئتك المقدسة الطوباوية، بيوت صلاة بيوت طهاره بيوت بركة انعم بها علينا و على عبيدك الآتين بعدنا إلى الأبد).
لنصنعها كمشيئتك المقدسة ، هكذا يجب أن تكون اجتماعاتنا ، لآن هناك من يلجأون إلى طرق ملتوية لجذب المخدومين ، و لكننا يجب أن نقول لله : أنت يا رب هو الذى تجعل الأجتماع قوى و حسب مشيئتك .
و نلاحظ أنه لأجيال كثيرة كانت الأجتماعات ممنوعة فى الكنائس ، و لكن المؤمنون كانوا يجتمعون فى أى مكان فالكنيسه تعيش بقوة هذة الأوشية الجميلة .
“و بيوت صلاه ، بيوت طهاره ، بيوت بركه ” هذا سلم جميل وضعته الكنيسة ، فنحن نبدأ بالصلاه وهى . تعطينا الطهاره فمنح حياتنا البركه ، وكلمة بيوت هنا يقصد بها الكنائس وأيضآ بيوت المؤمنين.
والكاهن و هو يقول هذه العبارة ، يرشم بالشورية فوق الكأس علامة الصليب .
“أنعم بها يا رب علينا وعلى عبيدك الآتيين من بعدنا إلى الأبد” هذا تواصل جميل للكنيسة ، نحن اليوم نصلى من أجل الأجيال القادمه ، بينما لازالت ترن فى آذان السماء صلوات الأجيال السابقة لنا ، والتى هى معيننا و سندنا .
ثم يصلى الكاهن : ” عبادة الأوثان بالكامل أقلعها من العالم ، الشيطان وكل قواته الشريرة ، اسحقهم و أذلهم تحت اقدامنا سريعآ ،الشكوك فاعلوها أبطلهم و لينقض افتراق فساد البدع ، أعداء كنيستك المقدسة فى كل زمان و الآن أذلهم” .
فأعداء الكنيسة الأوائل هم الهراطقة ، أخطر شىء على الكنيسة ، فالحكام مثلآ ينتهون و تبقى الكنيسة ، و لا يذكر لنا التاريخ أن حاكمآ وقف ضد الكنيسة ومات ميته مقبولة ، لذلك فالكنيسة لا تخاف من الحكام ، و لكن الهراطقة هم أعداء الكنيسة الحقيقيين ، و هذا أيضآ عمل الشيطان فالهرطقة هى عبادة الأوثان ، هى تمرد و عناد ، ففى سفر صموئيل : ” لأن العناد كالوثن و التمرد كالوثن و التر فيم ” ، أى أن الإنسان المتمرد على إيمان الكنيسة مهما ادعى أنه مسيحى فهو وثنى .
(أعداء كنيستك المقدسة مثل كل زمان ) إذ لا يوجد من وقف ضد الكنيسة من الهراطقه منذ أيام آبئنا الرسل حتى الأن و يبقى ، و من يريد أن يحفظ سلامه فليحفظ إيمانة .
” حل تعاظمهم ” فرأس الهرطقة هو التعاظم .
” أبطل جسدهم و سعايتهم و جنونهم و شرهم ونميمتهم التى يصنعونها فينا ” فهذه هى طرق الهراطقه .
” أجعلهم كلهم كلا شىء و بدد مشورتهم يا الله الذى بدد مشورة أخيتوفل ” .
” عرفهم ضعفهم سريعآ ” وكأن الكنيسه لا تفقد رجاء فى عودتهم ، طالبة لهم أن يعرفوا ضعفهم ، فهم ان عرفوا ضعفهم سيرحعون ثانية .
“قم ايها الرب الإله و ليفرق جميع اعدائك و ليهرب من قدام وجهك كل مبغضى اسمك القدوس ” . اول من قال هذة الطلبة هو موسى النبى ، و يكمل الكاهن : (و اما شعبك فليكن بالبركة ألوف ألوف و ربواتربوات يصنعون إرادتك ).
ويكون و هو يقول هذة العبارة يبخر بالشورية ناحية الشعب ، و قوله ألوف ألوف و ربوات ربوات ، ليست كثرة فقط و ليكن يصنعون إرادة الله .
و بعد أوشية الاجتماعات يرفع الكاهن الابروسفاين و يبخر و يقول سرا :” بالنعمة و الرأفات اللواتى لابنك الوحيد 00 ”
و كأنه يقول أن قوة الصلوات التى تقال هى مستمدة من الابن الوحيد الموضوع على المذبح 0
و أثناء رفع الابروسفارين يكون الشماس واقفا ووجهه للغرب رافعا الصليب ؛ و يكون الكاهن و الشماس بذلك يرمزان للملاكان واحد عند رأسه و الآخر عند قدميه 0
صلاة الصلح
بعد الواشى يقال قانون الإيمان ، وهو يقال قبل الدخول فى صلب القداس ، أمو مابين ما يسمى بقداس الموعوظين وقداس المؤمنين ، وكأن الكنيسة تقول : ( إنه غير مسموح لأحد لا يؤمن بهذا القانون أن يتناول ) ، وكأنه هو البوابة التى تسمح للإنسان أن يشترك فى الإفخارستيا .
إن اهتمام الكنيسة بأرثوذكسية الإيمان أمر جميل ، فكم مرة تؤكد فيها الكنيسة على ذلك ؟!!
لا يمكن لأحد أن يحضر القداس وهو لا يؤمن بقانون الإيمان ، وما جاء فيه ، غير مسموح لأحد الاشتراك فى الإفخارستيا قبل أن يتلو قانون الإيمان ، فنحن نصلى أن يحفظنا الله فى الإيمان الارثوذكسى إلى النفس الخير ، والكاهن يقول ( أؤمن واعترف إلى النفس الأخير أن هذا هو الجسد المحيى )
بعد تلاوة قانون الإيمان يصلى الكاهن صلاة الصلح ، وموضوع صلاة الصلح يشرح لنا ما تم على الصليب بالموت والقيامة ، وفى القداس الغريغورى يفصلها فى ثلاثة اتجاهات :
- 1. صالحت السمائين مع الأرضيين .
- 2. صالحت الشعب مع الشعوب ، أى اليهود مع الأمم .
- 3. صالحت النفس مع الجسد .
هذا هو موضوع الصلح ، عاملاً الصلح بدم صليبه ، فالآن تتم مصالحتى مع السماء ، وأيضا اتصالح مع إخوتى وكذلك مع نفسى ، جميل أن تفكر فى هذه الاتجاهات وأنت حاضر القداس .
وصلاة الصلح موجودة فى كل الليتورجيات القبطية ، وإن اختلفت الكلمات فهو نفس المعنى ، المصالحة ، لذلك فهى تنتهى بالقبلة المقدسة ، والصلح يمثل قيامة المسيح من بين الأموات ، لذلك فى نهايتها يُرفع ُُُُُالإبروسفارين إشارة لقيامة المسيح ، كما يعبر ذلك عن انكشافات لاهوت المسيح .
لذلك نحن فى قداس خمي العهد لا نصلى صلاة الصلح وكذلك فى سبت النور ، لأن المصالحة ( القيامة ) لم يكن قد تمت بعد ، كذلك لا توجد قبلة لأنها علامة الحب والمصالحة ، وكذلك استنكار لقبلة يهوذا ، فهى ضد هذا المعنى الجميل ، فالكنيسة لا يوجد بها تقبيل من ليلة أربعاء البصخة ، لا نقبل الإنجيل ولا يد الكاهن ولا يقبل المذبح والشماس لا يقبل القطمارس وفى دورة البخور لا يقبل الكهنة أيادى بعض فى قداس خميس العهد وسبت النور ، وذلك لأن أسبوع البصخة أسبوع تعبيرى .
نحن لا ندخل القداس إلا بعد القبلة ، فالكنيسة قد اطمأنت على إيماننا وايضا اطمأنت على مصالحتنا مع بعضنا البعض ، وبذلك نكون مستعدين للأنافورا ، كما أن القبلة تعبر عن الاحترام والحب فنحن نقبل الصليب ونقبل يد الكاهن ، كما كانوا حتى وقت قريب يقبلون يد الكبار سناً والشئ الجميل أن القبلة موجودة منذ العصر الرسولى ولم تستمر إلا فى الكنيسة القبطية والحبشية وفى أثناء تقبيل الأيدى يخرج الموعوظون .
بعد القبلة يقول الشعب ( بشفاعة والدة الإله القديسة مريم .. ) ، وفى نهاية هذا اللحن نؤكد على الإيمان الثالوثى ( نسجد لك أيها المسيح مع أبيك الصالح والروح القدس لأنك أتيت وخلصتنا ) .
فمن لا يسجد للمسيح لا يستحق أن يأكل من جسده ، ومن لا يسجد للمسيح وهو لا يعتبر أن المسيح إله فقد سقط فى عبادة البشر ، ومن يسجد له باعتباره إلهاً اخر غير مساؤ للآب فى الجوهر ، فقد سقط فى تعدد الألهة ، لذلك نقول ( نسجد لك أيها المسيح مع أبيك الصالح والروح القدس ) باعتبارهم إله واحد ، وهذا هو اساس الإيمان الثالوثى .
ويختم اللحن بـ ( رحمة السلام ذبيحة التسبيح ) ، رحمة السلام هى الإفخارستيا فالله قد أعطانا رحمة عن طريق الرسول ” فلنقدم به فى كل حين لله ذبيحة التسبيح ، أى ثمر شفاه معترفة باسمه ” ( عب 13 : 15)
وهنا تبدأ النافورا ، وينادى الكاهن نداءاته الثلاثة :
- 1. الرب معكم
- 2. ارفعوا قلوبكم
- 3. فلنشكر الرب
نحن فى القداس نحتفل بحضور الرب ، وأننا سنصعد للسماء معه ، كما سنقدم له الإفخارستيا ( الشكر ) هنا تبدأ النافورا .
والكنيسة استعداداً لهه اللحظة ، وهى منذ العشية وحتى هذا الوقت فى القداس ، وهى تتأكد من صحة الإيمان وأرثوذكسيته ، كما استمعنا كلام الله ، الذى ينقى القلب ويطهر الحواس ، كما طردت المتخاصمين والهراطقة لذلك فالكنيسة الآن هى جماعة أنقياء يليق بها أن تصعد إلى السماء .
كم هو جميل أن نتذكر هذه الأحاسيس ونحن فى القداس ، فحينما يقول الكاهن ” فلنشكر الرب ” ويرد الشعب ” مستحق وعادل ” فهو مستحق لكل شكر وكل تمجيد ، وهو عادل فى كل أحكامه وتدابيره .
هكذا يفعل الأربعة والعشرون قسيساً حينما تعطى الأربعة الحيوانات المجد والكرامة للجالس على العرش ، يطرحون أكاليلهم أمام العرش ويسجدون قائلين ” أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة ، لأنك أنت خلقت كل الأشياء ، وهى بإرادتك كائنة وخلقت ” (رؤ4 : 11)
بعد ذلك تقال القطع التى تمجد الله فى عمل الخليقة ، ونجدها فى القداسات الثلاثة بنفس المعنى ولكن بألفاظ مختلفة ، وفى وسط هذه القطع نجد نداءين للشماس هما :
- ± ” أيها الجلوس قفوا ” وهو موجود فى كل الليتورجيات .
- ± وإلى الشرق انظروا “
هنا الوقوف – كما سبق أن ذكرنا – هو علامة القيامة من الأموات ، فإن كنت فى حياتك الروحية نائم أو جالس فهذا النداء ينهضك ، نهضة القيامة ، الوقوف أيضاً علامة الاحترام وايضا علامة الاستعداد وتنفيذ الوصية .
وبعد النداء الأول يقول الكاهن ( الذى يقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكة والرياسات والسلطات والقوات … ) ، فلسنا نحن فقط الواقفين أمامه ، وهذا يعطينا إحساساً بالشركة ، فلسنا وحدنا .
إن الفخارستيا سر عظيم يفتح السماء على الأرض ، ويوحد الناس مع بعضهم ، وهو كالصمغ او الغراء ، وهو السر الذى يجمعنا ، وأروع ما فيه أن يكون لنا شركة مع السمائيين ، لذلك فالكاهن يقول فى القداس الغريغورى : ( الذى ثبت قيام غير المتجسدين فى البشر ، الذى أعطى الذين على الرض تسبيح السيرافيم ، اقبل منا نحن ايضا أصواتنا مع غير المرئيين ، احسبنا مع القوات السمائية ) .
شركة بين السماء والأرض ، هم يشاركونا فى التسبيح ونحن نشاركهم كذلك فيه ، هم يسبحون تسبحة الغلبة والخلاص الذى لنا ، ونحن نقول صلاتهم ( قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت ) وأصبحت لا توجد حواجز بين السماء والأرض ، فنحن نرتقى إذ يقول ( احسبنا مع القوات السمائية ) ، وهى فى القبطية تعنى ” عدنا ” أى لا يجد حواجز أو سدود .
لذلك فهذه القطعة تنتهى بالمرد الشاروبيمى : ( الشاروبيم يسجدون لك والسيرافيم يمجدونك صارخين قائلين قدوس قدوس قدوس رب الصاباؤوت ) ، تسبحة الثلاثة تقديسات ، فهى قيلت مرة قبل الأنجيل ومرة أخرى فى صلب الأنافورا .
ثم نداء الشماس الثانى : ( وإلى الشرق انظروا ) وهو نداء قديم فى الليتورجيات القديم ، فهو تقليد رسولى ، إنه حينما نصلى لابد أن نتجه للشرق ، ونحن نتجه للشرق الأن :
- – الشرق يرمز للنور ، والمسيح هو نور العالم وشمس البر .
- – الشرق يرمز للرجاء ، فشروق الشمس يحمل كل يوم أمل جديد .
- – الشرق يرمز للفردوس ” شرقى جنة عدن ” ( تك 2: 8)
- – من الشرق سوف ياتى المسيح ” انه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضاً مجئ أبن الإنسان ” ( مت 24: 27 )
والغرب طبعاً عكس ذلك ، فهو يرمز للموت والنهاية ، يرمز للظلام واليأس والخطية والشيطان ، لذلك فنحن نتجه فى صلاتنا نحو الشرق ، فنحن ننظر النور ، لأننا أبناء النور والأمل والرجاء ونعطى ظهرنا للغرب أى لليأس والخطية والشيطان .
واذكر أن أحد الآباء المعاصرين والذى كان يعد رسالة دكتوراه فى هندسة بناء الكنائس مما اضطره ذلك إلى أن يجول كل كنائس القطر المصرى تقريباً ، قال لى ( إنه لا يوجد واحد مشترك بين كل الكنائس غير أنها جميعها تتجه نحو الشرق ، قد تكون هناك أيه اختلافات لكن جميعها تتفق فى اتجاهها نحو الشرق ) .
وفى كل قداس تكرر الكنيسة علينا هذا النداء ، فهى تقول ( انظروا للنور والمل والرجاء إلى القيامة ومجئ المسيح الثانى ) ، فقد كان المسيحيون يعزون بعضهم البعضبقولهم ( ماران آثا ) أى ( الرب قريب ) ، كما أن النظر للشرق يعبر عن حالة تاهب لاستقبال المسيح ، فليس من اللائق أن يكون المسيح سيأتى من الشرق لا أترقب قدومه ، والتعبير المستخدم فى قانون الإيمان ( وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى ) هو بالقبطية ” تين جوشت ” أى نترقب ونتطلع متلهفين : وذلك مثل ” أطلع علينا ” ( جوشت ) .
فالكنيسة فى حالة تاهب لمجئ المسيح الثانى ، والنظر للشرق ايضا موجود فى حياة الكنيسة منذ العصور الولى ، فالمسيحيون كانوا يدفنون على أن يكون وجه المتوفى ناحية الشرق ، فهو مستعد لقدوم المسيح ، وكذلك الرهبان فى الديرة يجهزون أماكن نومهم على أن تكون وجوههم ناحية الشرق ، فالكل فى تطلع دائم لمجئ المسيح .
حركة اللفائف :
إن الكاهن يضع اللفافة الموجودة على الإبروسفارين والتى تشير للختم على يده اليسرى ، ويأخذ اللفافة الموجودة على الصينية ويضعها على يده اليمنى ، ويبارك بها الشعب قائلاً : ( فلنشكر الرب ) .
وكأنه يبارك الشعب بقوة الذبيحة ، فقد أخذ البركة من على الصينية وبارك بها الشعب والخدام وبارك ذاته .
ثم يرشم الشعب ثانية بكلمة ” آجيوس ” وهنا يأخذ اللفافة الموضوعة فوق الكأس ، ولكن قبل ذلك يبدل يديه بمنظر الصليب ويضع اللفافة الموجودة على يده اليمنى فوق يده اليسرى ، ويضع اللفافة الموجودة على يده اليسرى فوق يده اليمنى ، وهذا معناه أن الصليب نقلها من اليسار إلى اليمين .
فاللفافة التى ترمز للختم تمثل أيضا خطايا البشر ، فالكاهن يضعها أمام عينيه فهى تحجبه عن الله ، لأنها هى الختم الذى يحجز الله عنا ، الذى جعل الله ميت بالنسبة لى ومدفون فى القبر ومختوم عليه ، فأنا لن أخلص إلا مع قيامة المسيح فهو الذى سيفك هذا الختم وينزع عنى خطيتى ، لذلك فى صلاة الصلح يدى الكاهن لا يكونا مغطاتين .
فالكاهن حينما أخذ هذه اللفافة ( التى تشير للختم ) وضعها على يده اليسرى ( الشمال يرمز للخطية ) ، وعلى يده اليمنى اللفافة الأخرى ( الموضوعة فوق الصينية ) والتى هى علامة بر المسيح .
وحينما تبدل الوضع أصبحت يده اليسرى عليها اللفافة الموجودة فوق الصينية ، واليمنى عليها اللفافة التى كانت فوق الكأس ، وأما اللفافة التى كانت فوق يده اليسرى ( ترمز للخطية ) فقد وضعها فوق الكأس ، فقد وضع خطايانا على دم المسيح .
والكاهن يغطى يداه باللفافتين اللتين كانتا موضوعتين على الإفخارستيا ، وكأنه بذلك يقول ( إن الذى يغطى خطايانا ويستر ضعفنا هو الإفخارستيا ) ، ( يعطى عنا خلاصا وغفرانا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه ) ، وكلمة تغطية هى Cover أى كفارة فآدم حينما أخطأ تعرى ولكنه أكتسى ببر المسيح ، وفىالفردوس صنع له الله أغطية ( كساء ) بجلد الذبيحى التى كانت ترمز للإفخارستيا .
حينما قال الكاهن ( الرب معكم ) كانت اللفافة التى على يده اليمنى هى من على الصينية ، وكأنه يقول إن حضور المسيح فى الكنيسة هو بهذا الوضع ، فهو قد كشف الصينية وبذلك فهو يقول ها الرب معانا والكنيسة لا تعرف حضوراً للمسيح إلا بهذا الشكل .
إن الكاهن حينما يقول ( آجيوس آجيوس آجيوس ) فهو يعكس وضع الرشومات فهو يرشم ذاته أولاً ليتقدس هو ثم الخدام ثانياً ، ثم الشعب ، ( وقدوس قدوس قدوس ) معناها أن هناك طاقة من القداسة آتية من دم المسيح ، ( ودم المسيح أبنه يطهرنا من كل خطية ) .
ولذلك فالكاهن بدأ بنفسه ، لأن فاقد الشىء لا يعطيه ، فقبل أن يقدس الشعب يتقدس هو بدم المسيح .
إن حركة اللفائف هى حركة بسيطة ، ولكنها تحمل معانى جميلة ، ولابد فى حضورى القداس أن تكون هذه المعانى حاضرة فى ذهنى .
بعد ذلك يحكى الكاهن قصة الخلاص ، يحكى قصى الخليقة والسقوط وتدبير الفداء ، وتنتهى القصة بأن المسيح سوف يجئ فى مجيئه الثانى ليدين الحياء والأموات ، ويصرخ عندها الشعب ( كرحمتك يا رب وليس كخطايانا ) ، فالكاهن يقول ( ويجازى كل واحد فواحد كنحو أعماله ) ، فيرد الشعب ( كرحمتك يا رب وليس كخطايانا ) .
فالعقد شريعة المتعاقدين ، فإن كنت تدين كل واحد فواحد كأعماله ، فنحن نطلب منك أن تكون بحسب رحمتك وليس كخطايانا ، وكأننا نتفق مع الله ، لأنه بدون الرحمة من يستطيع أن يخلص ؟!!
فالكتاب يقول ” تأتى ساعة يسمع جميع الذين فى القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة ” ( يو5: 28)
الجزء التأسيسى :
وبعد ( كرحمتك يا رب … ) يبدأ الجزء التأسيسى للقداس ، وهو استعانة بالنصوص الكتابية التى أسس بها هذا السر ، وهذا الجزء موجود فى كل الأسرار الكنيسة ،وهذا يبدأ من ( ووضع لنا هذا السر العظيم الذى للتقوى ) .
وفى قصة تأسيس السر نجد آيات تشرح لنا السر ، حتى فى صلب الصلوات ، وذلك بخلاف القراءات ، فنحن نقوم بعمل شئ المسيح له المجد هو الذى أمرنا به ، وهو الذى عمله أولاً والكاهن حينما يقول ( ووضع لنا هذا السر العظيم الذى للتقوى ) يشير للصينية والكأس .
ونحن لن نستطيع أن نعيش فى التقوى ومخافة الله إلا من خلال الإفخارستيا ، وبعد ذلك يبخر الكاهن يديه على الشورية مع كلمة ( التقوى ) وكأنه يغسل يديه بالبخور كعلامة للتطهير .
ويقول الكاهن بعد ذلك ( أخذ خبزاً على يديه الطاهرتين اللتين بلا عيب ولا دنس الطوباويتين المحييتين ) ففيما هو يشرح القصة إذ به يعلن حقيقة لاهوتية هامة جداً ، وهى الطبيعة الواحدة واتحاد الطبيعيتين فاليد المحيية هى يد الله … ولكن هل الله له يد ؟!! نعم لأنه تجسد ، فأصبحت يد المسيح التى هى يد إنسانية هى يد الله ، فيد المسيح المولود فى المزود هى اليد التى خلقت العالم !!
وتعبير ( يديه الطاهرتين اللتين بلا عيب ولا دنس ) يمكن أن يكون المقصود بها أى قديس ، ولكن ( المحييتين ) فهذه لابد أن تكون يد الله ، فهنا فى هذا التعبير الصغير وضعت الكنيسة عقيدة اتحاد الطبيعتين ، وهنا أعطى المسيح للخبز قوة الحياة ، فالكنيسة تستخدم التعبير لوصف ما حدث ولكن أيضا ليتناسب مع المفاهيم اللاهوتية
ثم تأتى بعد ذلك الرشومات الثلاثة ، والمنيسة تقصد بالعدد ثلاثة ” الثالوث ” فعلا المسيح هو الذى تجسد ولكن الفداء هو قصة الثالوث كله ، لذلك فكل رشومات الكنيسة ثلاثة أو خمسة وهنا تكون أول ثلاثة رشومات تشير للآب والابن والروح القدس والآخريين يقول فيها ( مجدا وإكراماً ومجداً للثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس ) .
يقول الكاهن بعد ذلك ( وقسمة وأعطاه … ) وهو يقول كلمة قسمه بلحن يكون متمشيا فيه مع حركة إصبعه وهو يقسم القربانة ، وهذا ما يعبر عنه بالقول ( أما السكين فنطقية وغير جسمية ) ، فنحن لا نستخدم سكيناً جسمية ، فالروم الأرثوذكس يستخدمون حربة لتمثيل ما حدث ، أما فى الليتورجية القبطية فهو يقول الكلام بلحن يتناسب مع حركة يده وهو يقسم ، فهو يقسم بسكين معنوية وليست حسية .
وهو يقسم بدون انفصال ( انقسام ) بحيث يكون ظهر القربانة سليماً ،وهى تقسم إلى ثلث وثلثين بحيث لا ينقسم الاسباديقون ( المسيح ) ، ثم يفصل جزء فى رأس القربانة وجزء فى أسفلها اسمهما الطراف ، كل ذلك وظهر القربانة سليماً فالكنيسة واحدة لا تنقسم فهى جسد المسيح ، أما هذا الفصل من الأمام فيشير إلى تمايز الأعضاء فكل واحد غير الآخر ، لكننا فى النهاية واحد فى المسيح .
ثم يكرر الكاهن قصة التأسيس مع الكأس قائلاً : وهكذا أيضا الكأس بعد العشاء مزجها من خمر وماء وشكر، وبارك ، وقدس ، وذاق ، وأعطى تلاميذه القديسين ورسله الأطهار المكرمين قائلاً ( خذوا منه كلكم … )
هنا نعلن قوة السر ، من خلال المسيح نفسه ، فهناك بعض اللاهوتيين الذين يعتقدون أن فى هذه اللحظة يتحول الخبز والخمر إلى جسد الرب الحقيقى ودمه ، وذلك رغم ان الثابت فى ضمير الكنيسة أن التحول يتم فى حلول الروح القدس .
لكن الكلمة التى قالها المسيح ( هذا هو جسدى ) ن ( هذا هو دمى ) هى كلمة محولة ليس بالإيمان فقط ولكن بالحقيقة .
وبعد ذلك يكون جزء ( الأنامنسيس ) وهى كلمة يونانية معناها الذكرى ، ذكرى لشخص حاضر حى ، وهى عكس ذكرى شخص ميت غائب ، وبالنسبة للمسيح طبعاً لا يليق به أن يكون له تذكار بهذا المعنى ، فالمسيح معنا كل الأيام ” أنا معكم وإلى انقضاء الدهر ” .
لماذا إذا نصنع ذكرى ؟!! ليس ذلك بمعنى عدم وجود المسيح ، ولكن بمعنى ذكر له ، نذكر ما عمله المسيح ، فهو قد قال ( أصنعوا هذا لذكرى )
وبعدها ( ففيما نحن أيضا نصنع ذكر نزولك على الأرض وموتك وقبرك ثلاثة أيام وقيامتك من الأموات وصعودك إلى السموات وجلوسك عن يمين أبيك وظهورك الثانى ) ” القداس الغريغورى ”
كلمة ظهورك الثانى ، تكشف لنا أن الذكرى تشمل حياة المسيح بما فيها المجئ الثانى ، فهو حاضر معنا على المذبح ثم يهتف الشعب بعدها ” آمين آمين آمين ..بمزتك يا رب نبشر … ” ونلاحظ أنه لحن عسكرى ، فمرنميه خارجين كى يكرزوا بالإنجيل وهم حاملين راياتهم .
وهذا فى أخر الأنامنسيس ، وقصة التأسيس والأنامنسيس وحلول الروح القدس ، الثلاثة مرتبطين معا ونطلق عليهم ” الجزء التقديسى ” .
وبعد ذلك يسجد الكاهن أمام المذبح ويطلب حلول الروح القدس قائلا : ” علينا ( واضعا يده على رأسه ) وعلى هذه القرابين الموضوعة .. ” فيحل الروح القدس على القرابين وهذا هو سر تقديس الكنيسة وسر تقديس الشعب ” صيرنا أطهاراً بروحك القدوس ” فالروح القدس يحل على القرابين كما يحل على الشعب كى يهيئه للتناول .
السؤال الذى يطرح نفسه هو ، متى يتم التحول ؟
هلى التحول يتم فى حلول الروح القدس ، أم حينما يقول ” هذا هو جسدى ” ، ” هذا هو دمى ” ، أم يتم التحول أثناء تقديم الحمل كما يقول البعض ؟!!
ببساطة ودون سفسطة ، فأن اللاهوت القبطى هو لاهوت بسيط لا توجد به تعقيدات وببساطة فى المر فنحن فى نهاية القداس نتناول جسد الرب ودمه ، فمتى يحدث التحول ليست هذه هى القضية .
فالمسيح حاضر من بداية القداس ، والقداس كله وحدة واحدة ، كما أنه لا يوجد فى الطقس ما يسمح بتغيير القربانة أثناء القداس ، وذلك لأن القداس وحدة واحدة والتناول يتم فى نهاية القداس .
وذلك وإن كان التعامل مع الذبيحة يختلف بعد حلول الروح القدس ، فقبل حلول الروح القدس كان مسموح للكاهن أن يرشم القربانة والكأس ، ولكن بعد حلول الروح القدس هو لا يفعل ذلك فهو حتى لا يرشم الشعب أو أى شئ أخر ، وذلك باعتبار أن رئيس الكهنة الأعظم موجود معنا على المذبح ..
وفى الخولاجى نجد أنه فى سر حلول الروح القدس يرشم الكاهن ثلاثة رشومات بسرعة عند قوله : ” وهذا الخبز أجعله جسداً مقدسا له ” وعن حلول الروح القدس .. هناك من يسأل ، هل الذى يحل هو الروح القدس أم الكلمة ؟ بالطبع لا يوجد إنفصال فى الثالوث ، ولكن هنا الحديث عن حلول الروح القدس عن الخبز والخمر حتى يتحولا إلى جسد الرب الحقيقى ودمه ( جسد الكلمة ) وذلك مثل حلول الروح القدس على العذراء مريم فالروح حل عليها ولم يتجسد ، فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله ( الابن ) .
كذلك الروح القدوس يحل فى القداس فيحول الخبز والخمر إلى جسد ودم ، وهذا بالطبع لا ينفى دور الابن ، بدليل قولنا فى القداس الغريغورى فى سر حلول الروح القدس : ” أنت بصوتك وحدك حول هذين ” بصوتك .. لذلك يشترك معها صوت المسيح فى القداس قائلا :” هذا هو دمى ” فالأقانيم الثلاثة لا تنفصل لا فى العمل ولا فى الحضور ونحن نعتبر أن صوت المسيح هو الذى يحول مع الروح القدس ، لأننا نذكر فى قصة التأسيس ما قاله المسيح بالحرف فالكاهن يقول :” وقسمه ” … لذلك فالمسيح هو الذى يقسم الآن ..
وهذه نعبر عنها فى القداس الغريغورى : ” يا الذى بارك فى ذلك الزمان الآن أيضا بارك ، يا الذى قدس فى ذلك الزمان الآن ايضا قدس ، يا لاذى قسم الآن أيضا قسم ” .
وبعد حلول الروح القدس تصلى الأواشى والمجمع … وهذه تعبر عن طبيعة الكنيسة الحاضرة الآن على المذبح ، المتحد بالمسيح ، وذلك باعتبار أن الكنيسة هى جسد المسيح والواشى التى تصلى هى : ” السلام والآباء وأوشية الموضع التى نطلب فيها من أجل خلاص العالم وهذه المدينة وأوشية الهواء والماء والزرع ومقدمة القرابين ” .
والهدف من الواشى هو تقديم طلبات لله الحاضر معنا ، ونختتم بالمجمع معلنين بذلك حضور الكنيسة الجامعة كلها ..
وفى المجمع نذكر الآباء الأرثوذكسين وفى أخر المجمع يذكر الترحميم للذين رقدوا وهذه علامة شركة وحب ، وأن هؤلاء الذين نذكرهم هم أحياء .
ثم يقول الكاهن : ” أولئك يا رب الذين أخذت نفوسهم نيّّّحهم فى فردوس النعيم فى كورة الأحياء إلى الآبد .. ونحن الأحياء ” يرد الشعب قائلا: ” كما كان وهكذا يكون من جيل إلى جيل وإلى دهر الدهور آمين ” جيل مضى وأخر يأتى وأخر يكمل إلى أن ندخل ملكوت السموات … هكذا جيل ثم جيل إلى أن ندخل الملكوت ” واهدينا إلى ملكوتك ” .
وبذلك يكتمل القداس ، ثم صلوات القسمة والاعتراف ، وفى القسمة يبدأ الكاهن بتقطيع الجسد فهو يفصله بعد أن كان غير مفصول ، وهذا الفصل يعبر عن آلام المسيح وايضا لإ[راز أعضاء المسيح ، ولذلك تكون نغمة القسمة حزينة نوعا حتى فى العياد وتكون مردها قول الشعب : ” كيريى ليسون ، كيريى ليسون ، كيريى ليسون ” ورغم هذا الفصل فالجسد لا ينفصل فكل جوهرة تصير جسدا كاملا للمسيح وكل الجواهر هى جسد واحد .
والكاهن يقسم الجسد إلى 12 جزءا ورغم ذلك فهم ليسوا 12 جزءا بل جسد واحد فكل إنسان يتناول هو يتناول جسدا كاملا وكل الشعب يتناول من جسد واحد .
وهذا ما يشير إليه خروف الفصح فى العهد القديم ” خروف الفصح ” ليسوا ” خراف الفصح ” .
وبعد ذلك يعلن الكاهن اعترافه أن الذى أمامه هو جسد حقيقى ودم حقيقى ، ويشترك الشعب فى هذا الإعتراف بكلمة آمين ، وفى الإعتراف يرفع الكاهن الصينية ويذكر التفاصيل : ” هذا هو الجسد لمحيى الذى أخذه إبنك الوحيد وجعله واحدا مع لاهوته بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير ” .
بعد ذلك نتقدم للتناول ، وفى أثناء ذلك تكون التسابيح والتى تعبر عن حالة الفرح التى تعيشها الكنيسة بإتحادها مع المسيح ، فالتناول هو إشارة لأتحادنا مع المسيح وجلوسنا عن يمين الآب وبعد التناول يختفى المسيح من الصينية وهذا إشارة للصعود ، ونكون نحن المتحدين بالمسيح جالسين معه عن يمين الآب ، ونخرج بعد الصعود إلى العالم لنخدم احتياجات العالم ، ونكرز باسم المسيح .
ثم ينتهى القداس بقول الكاهن : ” أمضوا بسلام وسلام الله يكون معكم ” – أمضوا بسلام هى رسالة تضعها الكنيسة على اكتاف المؤمنين ، وكأنها تقول لكل واحد : ” إنك كما شبعت بالنعمة أشبع بها الناس ، وكما أخذت النور فكن نوراً للعالم ، كما تلامست مع المسيح أذهب وخبر به كل الناس ” ، فالخروج من الكنيسة هو إرسالية .
بعد ذلك يرش الكاهن الشعب بالمياه . وهو يضع المياه بيده على يمين المذبح ثم يرشم بها ملاك الذبيحة وبعد ذلك يرش الناس إشارة إلى إمتلاء الكنيسة وعمل الروح القدس ، وهذا المنظر الذى رآه حزقيال : ” والمياه النازلة من تحت جانب البيت الأيمن عن جنوب المذبح .. وعند خروج الرجل نحو المشرق والخيط بيده قاس ألف ذراع وعبرنى فى المياه والمياه إلى الكعبين ثم قاس ألفاً وعبرنى فى المياه والمياه إلى الركبتين . ثم قاس ألفا وعبرنى والمياه إلى الحقوين . ثم قاس ألفا وإذا بنهر لم أستطع عبوره لأن المياه طمت مياه سباحة نهر لا يعبر ” ( حز 47: 1-5 )
وكأن الكاهن يعلن أن الروح القدس قد ملأكم . فهيا أخرجوا ، كما أنها وسيلة لإعطاء بركة كما أننا نحن أبناء الماء ( المعمودية ) .