2إستحالة تحريف الكتاب المقدس

إستحالة تحريف الكتاب المقدس

متى تم هذا التحريف؟ الاحتمالات الموجودة أربعة لا خامس لهم. إما قبل السيد المسيح أو بعده أو قبل الإسلام أو بعده.

فإذا كان قبل المسيح قلنا: لا يمكن للأسباب الآتية:

1- اقتبس السيد المسيح منها حين جُرب في البرية وكانت إجاباته كلها من التوراة مبتدأً بالقول “مكتوب”. فهل يمكن أن يقتبس من كتاب محرف؟!

2- قال السيد المسيح يو 5: 39 لليهود “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية هي التي تشهد لي”؟!! فكيف يحيل اليهود ليفتشوا في كتاب محرف.

3-  قال لليهود (يو 5: 46) موسى كتب عني ذاكراً التوراة فهل يمكن أن يذكر كتاباً محرفاً؟

وإذا كان التحريف بعد المسيح أي في عصر التلاميذ، قلنا أيضاً لا يمكن:

لأن التلاميذ اقتبسوا من التوراة في سرد قصة حياة السيد المسيح مستشهدين بنبوات الكتاب “كما قيل بالنبي القائل، كما قال النبي..” فكيف يستشهدون بكتاب محرف؟!!

هل يمكن قبل الإسلام؟ نقول: لا يمكن، لأن القرآن ذكر التوراة والإنجيل بخير الكلام وأحلى الصفات مُذكراً أهل الإنجيل بإقامة أحكامه، واصفاً من لم يقم بها “بالفاسقين” (مائدة 5: 47) كما أنه ينصح المؤمنين به بسؤال أهل الكتاب في حالة الشك فيما أنزل إليه (يونس 10: 94) والمؤمنين بسؤال أهل الذكر، إذا كانوا لا يعلمون (النحل 16: 43). ولم يذكر لنا شيئاً عن الكتاب المحرف ولا وصية بالبُعد والحذر منه وتنبيه المؤمنين من أهله حتى لا يختلط الأمر عليهم.

إذاً هل يمكن أن يكون تم التحريف بعد الإسلام؟

 وبتلك الدعوى يكون النبي والمسلمون قد أخفقوا في تنفيذ أمر اللَّه لهم والذي جاء في س المائدة 5: 48 مطالباً إياهم أن يحفظوا الكتاب (التوراة والإنجيل) من الضياع والتحريف – فيُسألون عن ذلك.

كما لم يعلن أحد من الأئمة والمفسرين الأولين عن هذا ويحذرون من المحرف ويروجون السليم، أو قل أضعف الإيمان يحتفظون بالسليم لأنه كلمة اللَّه ليكون شاهداً على أهل البدع والتحريف معلنين آيات التحريف أو الأجزاء التي تم تحريفها بكل وضوح وجلاء حتى لا يلتبس الأمر على المسلم الأمين بل يكون على علم يقين.

إنجيل برنابا المزيف

قالوا بعد كل هذا الجدل إن إنجيلكم محرف والإنجيل الصحيح هو إنجيل برنابا ! .. فما هو إنجيل برنابا؟

نعم هناك إنجيل يدعى إنجيل برنابا منقول إلى العربية من النسخة الإنجليزية سنة 1907 بواسطة الدكتور خليل سعادة صاحب مكتبة المنار، وقبله بعض إخواننا  المسلمين لسببين:

1 – إنه يقول إن المسيح ليس ابن اللَّه بل إنسان عادي.

2 – إنه يقول إن المسيح لم يُصلب بل أُلقي شبهه على يهوذا الإسخريوطي أحد التلاميذ الاثني عشر.

يجمع العلماء  المدققين على أن هذا الكتاب مزور ولم يكن موجوداً قبل القرن الخامس عشر، أي بعد موت برنابا ب1500 سنة، كما أنه غير موجود في مخطوطات الكتاب المقدس.

ويكتب الدكتور سال في ترجمته الإنجليزية للقران أنه وجد نسخة من هذا الكتاب باللغة الأسبانية كتبها رجل يدعى مصطفى العرندي الذي يدَّعي أنه ترجمها من النسخة الإيطالية، جاء في مقدمتها:

1 – راهب يدعى فرمارينو كان مقرباً للبابا إسكستوس الخامس دخل ذات مرة سنة 1585 ميلادية مكتبة البابا فعثر على رسالة للقديس إيريناوس يهجو فيها الرسول بولس مسنداً تنديده إلى إنجيل برنابا. فتحرَّق شوقاً لرؤية هذا الإنجيل. وحدث أن دخل يوماً إلى المكتبة البابوية مع البابا إسكستوس، وفيما هما يتحدثان استولت على البابا سِنة من النوم، فاقتنص الراهب الفرصة وبحث عن الكتاب فوجده وأخفاه في ثيابه ولبث جالساً إلى أن استفاق البابا من النوم، فاستأذنه بالانصراف حاملاً معه إنجيل برنابا0

هذه القصة لا نصيب لها من الصحة لعدة أسباب:

1 – من يراجع مؤلفات القديس إيريناوس لا يجد فيها إشارة إلى إنجيل برنابا ولا إلى نقد للرسول بولس.

2 – وقوع سبات على البابا بناء على صلاة الراهب وعثوره على الكتاب وسرقته دون أن يراه أحد، كلها تصرفات أقرب إلى الروايات المصطنعة، وليست تصرفات مؤمنين وأصدقاء. وهل يستجيب اللَّه لصلاة غرضها السرقة؟ !!!

  3 – مكتوب في سفر الأعمال أن برنابا نفسه كان رفيقاً لبولس في كرازته في أورشليم وأنطاكية وإيقونية، مما يدل على أنه كان مؤمناً بإنجيل المسيح الذي يتلخص في “المسيح مات كفارة لخطايانا وقام في اليوم الثالث”.

ويميل بعض العلماء المدققين إلى الاعتقاد بأن كاتب إنجيل برنابا هو الراهب فارمارينو نفسه بعد أن اعتنق الإسلام وتسمى باسم مصطفى العرندي. ويميل بعض آخر إلى الاعتقاد بأن النسخة الإيطالية ليست النسخة الأصلية بل منقولة عن أصل عربي، لأن مطالع الكتاب يرى أن للكاتب إلماماً واسعاً بالقرآن لدرجة أن نصوصه تكاد تكون ترجمة حرفية لآيات قرآنية.

    على أي حال فالثابت أن هذا الإنجيل يروي تاريخ المسيح بأسلوب يتفق مع نصوص القرآن، ويغاير محتويات الأناجيل الصحيحة، مما يحملنا على الاعتقاد بأن الكاتب نصراني اعتنق الإسلام للأسباب الآتية:

1 – تفضيله محمد على المسيح: فقد جاء في الفصل 44: 30، 31 أ المسيح قال “ولما رأيته امتلأت عزاء قائلا: يا محمد ليكن اللَّه معك، وليجعلني آهلاً أن أحمل سير حذائك، لأني إن نلت هذا صرت نبياً عظيماً وقدوساً. وفي الفصل 97: 10 قال المسيح: “مع أني لست مستحقاً أن أحمل حذاءه فقد نلت نعمة ورحمة”.

2 – فيه عبارات تتفق مع كتابات المسلمين القدماء: الفصل 98: 14-18 أجاب يسوع أن اسم مسيا عجيب، لأن اللَّه نفسه سماه لما خلق نفسه ووصفها في بهاء سماوي قال: اصبر يا محمد لأني لأجلك أريد أن أخلق الجنة والعالم وجمعاً غفيراً من الخلائق ، التي أهبها لك، حتى أن كل من يباركك يكون مباركاً، وكل من يلعنك يكون ملعوناً. ومتى أرسلناك إلى العالم أجعلك رسول للخلاص وتكون كلمتك صادقة، حتى أن السماء والأرض تهنان ولكن إيمانك لا يهن أبداً. إن اسمه المبارك محمد، حينئذ رفع الجمهور أصواتهم قائلين يا اللَّه أرسل لنا رسولك، يا محمد تعال سريعاً لخلاص العالم.

على أن هناك أدلة تثبت أن كاتب إنجيل برنابا لا صلة له برسل المسيح ولا تلاميذه:

1 – جهله بجغرافية فلسطين والبلاد التي كانت مسرحاً للأحداث:

  1.   في الفصل 20: 1، 2 ” وذهب  يسوع إلى بحر الجليل ونزل في مركب مسافراً إلى الناصرة، مدينته، فحدث نوء عظيم في البحر (والمعروف أن الناصرة مدينة  على جبل مرتفع في الجليل وليست مدينة بحرية).
  2.   الفصل 63: 4-7 “اذكروا أن اللَّه عزم على إهلاك نينوى لأنه لم يجد أحداً يخاف اللَّه  في تلك المدينة، فحاول الهرب إلى طرسوس  خوفاً من الشعب، فطرحه اللَّه في البحر، فابتلعته سمكة وقذفته على مقربة من نينوى.

 ( المعروف أن مدينة نينوى كانت عاصمة للإمبراطورية الآشورية وقد شيدت على الضفاف الشرقية من نهر دجلة على فم رافد اسمه رافد الخسر، فهي إذاً لم تكن على البحر الأبيض المتوسط).

2 – كتابته لقصص لا أساس  لها في الأديان  السماوية (الفصل 35: 25-27)

    حينئذ قال اللَّه لأتباع الشيطان: توبوا واعترفوا  بأني أنا اللَّه خالقكم، أجابوا: إننا نتوب عن سجودنا لك لأنك غير عادل.. ولكن الشيطان عادل.. وبريء.. وهو ربنا.. وبصق الشيطان حين انصرافه على كتلة التراب، فكان للإنسان بسبب ذلك  سرة  في بطنه. (والمعروف أن سرة الإنسان هي مكان اتصال الجنين بالآم وتقطع حينما يولد وهو ما يعرف باسم الحبل السري).

الفصل 51: 4-20 أجاب يسوع الحق أقول لكم: إني عطفت على الشيطان لما علمت بسقوطه، وعطفت على الجنس البشري، الذي يفتنه ليخطئ، لذلك صليت وصمت لإلهنا الذي كلمني بواسطة ملاكه جبريل: ماذا تطلب يا يسوع وما هو سؤالك؟ أجبت: يا رب أنت تعلم أي شر كان الشيطان سببه، وأنه بواسطة فتنته يهلك كثيرون وهو خليقتك.. فارحمه يا رب. أجاب اللَّه: يا يسوع انظر فإني أصفح عنه فاحمله على أن يقول فقط: أيها الرب إلهي لقد أخطأت فارحمني، فأصفح عنه وأعيده إلى حالته الأولى. قال يسوع : لما سمعت هذا سررت جداً موقناً أني قد فعلت هذا الصلح. لذلك  دعوت  الشيطان فأتى قائلاً: ماذا يجب عليَّ أن أفعل لك يا يسوع؟ أجبت: إنك تفعل لنفسك أيها الشيطان لأني لا أحب خدمتك، وإنما دعوتك  لما فيه صلاحك. أجاب الشيطان: إذا  كنت لا تود خدمتي فإني لا أود خدمتك لأني اشرف منك، فأنت لست أهلاً لكي تخدمني، أنت يا من هو من طين أما أنا فروح.

3 – جاء في الفصل 97 أن اليوبيل يقع كل مائة عام مع أنه كل خمسين عام حتى وجود المسيح على الأرض (لاويين 25: 11). أما كل مائة عام هذه فكان بأمر البابا بونيفاس الثامن سنة 1300 ميلادية.

 4 – جاء في الفصل 320 أن نيقوديموس وضع 100 رطلاً من العطور على جثة يهوذا ظناً منه أنه المسيح. مع أن العثمانيين كانوا أول من استعمل الرطل في القرن 14 ثم نشروها في البلاد التي فتحوها مثل إيطاليا وأسبانيا.

5 – جاء في الفصل 161 أن السماء 9 طبقات عاشرها الفردوس.

     جاء في الفصل 93، 210 ان الجحيم مكون من  سبع طبقات

    جاء في الفصل 270 أن خطايا البشر تعود في النهاية كنهر إلى إبليس لأنه مصدرها، مع أننا إذا رجعنا إلى الكتب الدينية والفلسفية لا نرى أحداً قال هذا سوى في الكوميديا الإلهية للشاعر الإيطالي دانتي نرى أن محتويات الكتاب تدل على أنه كتب بعد القرن 15 كما أن كاتبه لم يكن من أهل فلسطين، لكن من أهالي غرب أوروبا وبالتحديد من أهالي أسبانيا وذلك لسببين:

1 – جهله بالكثير من جغرافية فلسطين. في  الفصل 19 ، 20  ، 157 ، 166 يقول إن الناصرة وأورشليم ميناءان على البحر، مع أن الناصرة مدينة في السهل وأورشليم مدينة على الجبل.

2 – في الفصل 261 أن الحقول والأودية في فلسطين تكون جميلة في الصيف مع أن فلسطين كانت قاحلة في الصيف حيث لا تسقط الأمطار، لكن في الشتاء فقط. أما هذه  الحالة فهي في غرب أوروبا.

3 – في الفصل 116 أنه في فلسطين توجد مقاطع للأحجار والرخام، مع أنه لا توجد في فلسطين بل توجد بكثرة في إيطاليا وأسبانيا.

4 – في الفصل 167 اليهود يضعون الخمر في براميل ثم يدحرجونها، مع أنهم كانوا يضعونها في زقاق من الجلد (يشوع 9: 13) أما البلاد المشهورة بحفظ الخمر في براميل فهي غرب أوروبا وخاصة إيطاليا وفرنسا وأسبانيا.

5 – جاء في الفصل 153 أن العساكر كانوا يتدربون على الفنون الحربية في زمن السلم. مع أن هذا التدريب لم يكن مألوفاً في فلسطين أثناء حياة المسيح بل في بلاد غرب أوروبا.

والخلاصة ان هذا الكتاب  يحتوي على كثير من الخرافات و المتناقضات والمبالغات والتجاديف0

     وأذكر لك  شهادة بعض العلماء المعاصرين على أنه إنجيل مزيف:

أولاً: كتب الأستاذ عباس العقاد في صحيفة الأخبار الصادرة في 26 أكتوبر 1959 موضوعاً عن هذا الإنجيل به  أربع نقاط رئيسية:

  1.     لوحظ في كثير من عبارات الإنجيل المذكور أنها كتبت بصيغة لم تكن معروفة قبل شيوع اللغة العربية في الأندلس وما جاورها.
  2.    أن وصف الجحيم في الكتاب يستند إلى معلومات متأخرة لم تكن شائعة بين اليهود والمسيحيين في عصر الميلاد0
  3.    أن بعض العبارات الواردة به تسربت إلى القارة الأوروبية نقلاً عن المصادر العربية، وليس من المألوف أن يكون السيد المسيح قد أعلن بشارته أمام الألوف باسم  “محمد رسول اللَّه”

4  –  تتكرر في هذا الإنجيل بعض أخطاء لا  يجهلها اليهودي المطلع على كتب قومه0 ولا يرددها المسيحي المؤمن بالأناجيل المعتمدة في الكنيسة الغربية، ولا يتورط فيها المسلم الذي يفهم ما في إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين نصوص القرآن.

ثانيا : قال الدكتور محمد شفيق  غربال  في الموسوعة العربية الميسرة تحت كلمة “برنابا” ما يأتي:

       إنجيل مزيف وضعه أوروبي في القرن الخامس عشر. وفي وصفه للوسط السياسي والديني في القدس أيام المسيح أخطاء جسيمة، كما أنه يصرح على لسان عيسى أنه ليس المسيح، إنما جاء مبشراً بمحمد الذي سيكون المسيح.

إزاء هذه الأقوال نقول  إن برنابا الحقيقي:

  1.   لم يكن من تلاميذ المسيح إذ أنه آمن  بعد صعود المسيح (أع 4: 36)
  2.   قانونية كاتب سيرة السيد المسيح تتطلب أن يكون شخصاً عاش مع المسيح وعرف بنفسه كل شئ عنه.
  3.   الأشخاص الذين استخدمهم اللَّه لتدوين الكتاب كانوا يحاولون دائما إخفاء أنفسهم ولم يذكروا أسماءهم أو شيئاً من أعمالهم الهامة. وإن اقتضى الأمر ذكر الاسم يكون للضرورة لتسجيل حقيقة وليس للدعاية.

أما كاتب إنجيل برنابا فهو شخص لم يكن مسيحياً بل يهودياً عاش في القرن 15 في أسبانيا (الأندلس) وكانت له فرصة للاتصال بعلماء المسلمين حينما وقعت الأندلس تحت حكم العرب ( 711 – 1472 م ) فاعتنق الإسلام ودرس العربية والقرآن كما درس الأحاديث النبوية والعلوم الصوفية والفلسفة الإسلامية وعمل بنفسه إنجيلاً جديداً اختار له اسماً لتكون له أهمية خاصة، ولفق قصة الراهب فارمارينو. ويعتقد البعض أنه سمى نفسه ( مصطفى العرندي).

Scroll to Top