أبونا متياس في سطور
الاسم قبل السيامة : صموئيل فريد وهبة
تاريخ الميلاد : 15 مايو 1939 ، في عيد نياحة القديس البابا أثناسيوس الرسولي. وإن كان من الناحية الرسمية قد سجل الاسم بعدها بشهر كامل آي في 16 يونيو 1939.
مكان الميلاد : قرية قلندول مركز ملوى محافظة المنيا.
المؤهل وتاريخه : بكالوريوس الكلية الاكليركية بالقسم العالي النهارى عام 1958.
قصة السيامة: في الوقت التي كانت تقام صلوات أسبوعية خصيصاٌ من أجل سيامة كاهن للكنيسة، كانت العناية الإلهية قد رتبت هذا الشماس، خريج الاكليركية، الذي دعي ليتردد على الكنيسة للوعظ في قداسات الأحد وفي الاجتماع الروحي العام مساء كل أحد. وهذا الشاب كانت قد نذرته أمه من البطن ليكون كاهناٌ. فلما تخرج في الكلية الاكليركية، تحول عن هذا الهدف واشتاق الى حياة البتولية والتكريس للعلوم الكنسية. وكان قد رتب له نيافة الأنبا غريغوريوس المتنيح بعثة للسفر الى اليونان للدراسة والحصول على درجات علمية في العلوم اللاهوتية. الا أن الأم الناذرة، وإن كانت قد استسلمت للأمر، إلا أنها قالت له:”ليكن لك ما تريد، ولكني أصلي أن أراك كاهناٌ قبل أن أموت”وكانت استجابة السماء لها باختياره كاهناٌ لكنيسة السيدة العذراء بالفجالة في 14 ديسمبر 1962م، وذلك بعد أن امره البابا كيرلس السادس بالزواج الذى تم في 18 نوفمبر 1962م، وبعدها مرضت الأم، فكانت أول مريضة يقوم أبونا متياس بمناولتها من الجسد والدم الأقديسين. وتوفيت الأم في 25 ديسمبر من نفس العام، أى بعد السيامة ب 11 يوماٌ فقط، فكانت أول منتقلة يصلى على جثمانها أبونا متياس؛؛ وهكذا أنتقلت الى الفردوس وكأنها رددت مع سمعان الشيخ ساعة أن رأى الطفل يسوع “الآن ياسيدى تطلق عبدك بسلام حسب قولك، لأن عينى قد أبصرتا خلاصك؛؛”.
تاريخ الزواج: الأحد 18 نوفمبر 1962م بكنيسة السيدة العذراء القديمة بالأانبا رويس قبل هدمها، إذ كانت ملاصقة لكنيسة الأنبا رويس الحالية.
مكان السيامة: كنيسة السيدة العذراء بالفجالة.
وضع اليد: نيافة الأنبا إيساك مطران طنطا المتنيح، منتدباٌ من قداسة البابا الأنبا كيرلس السادس باسم القس متياس.
فترة الأربعين يوماٌ في الحجرة أعلى المذبح الكبير بالدور العلوي بالكنيسة
بعد السيامة: (حالياٌ مذبح كنيسة الملاك).
رسالة الماجستير: 1985 من جامعة أوتاوا عاصمة كندا في موضوع روحانية “الرسائل الفصحية” للقديس اثناسيوس الرسولى.
رسالة الدكتوراه: 1993 من نفس الجامعة في موضوع “قدسية الزواج عند القديس اثناسيوس الرسولى”
الخدمة في دعاه قداسة البابا شنودة الثالث للخدمة في ملبورن
استراليــا: باستراليا التي ذهب إليها في أوائل عام 1978 وقضى فيها سنتين. وفي ذلك الوقت كان لابد من سيامة كاهن أخر مع زميلة الوحيد الأب القس مينا الجاولى، فاختار الرب المهندس فيروز حبيب الذي سيم في 15/1/1978 باسم القس يوحنا حبيب.
العودة من استراليا: 1/1/1980م
الخدمة في كندا: أثناء دراسة الماجستير في السنة الدراسية 1984-1985م. كان أبونا متياس يخدم في كنيسة السيدة العذراء بأوتاوا وكنيسة السيدة العذراء بمونتريال
الخدمة في أمريكا: بدأ أبونا متياس بالخدمة في رود أيلاند أثناء دراسة الدكتوراه في سنة 1986م، ثم سان فرانسيسكو التي سافر إليها في 5 ديسمبر 1989م، وهناك أسس خمس كنائس أخرى ونظم احتفالاٌ باليوبيل الفضي لكنيسة الأنبا أنطونيوس التي تأسست في سنة 1967، الاحتفال الذي رأسه قداسة البابا شنودة الثالث في 25 أغسطس 2001م، ومازال يخدم فيها حتى الآن.
بعض الخدمات والمشروعات
التي أسسها أبونا متياس
نذكرها بمناسبة
العيد الأربعين لسيامته
14/12/1962-14/12/2002
إن كان الإنسان هو صانع التاريخ، فيكون لزاماٌ علينا أن نسجل للتاريخ ما استطاع بنعمة ربنا أن يؤسسه الأب القمص متياس فريد وهبة في كنيسة السيدة العذراء بالفجالة. وفي هذه المناسبة، وفاءٌ للأجيال، وعرفاناٌ من الأبناء للآباء، واعترافاٌ بنعمة الله التي قال عنها بولس الرسول:”أنا ما أنا بل نعمة المسيح الساكنة في “نذكر بعض هذه الخدمات والمشروعات التي تأسست على يد:
أبينا المحبوب القمص متياس
1- ساهم أبونا متياس في تغيير نظام الإدارة بالكنيسة من النظام السابق، الذي فيه كان لهذه الكنيسة دون غيرها من الكنائس ما يسمي “ناظر الكنيسة”، له السلطة الكاملة في تصريف الأمور الإدارية والمالية، إلى النظام الحالي المطبق في كل الكنائس وهو نظام الإدارة عن طريق لجنة الكنيسة. ولم يكن هذا بالأمر الهين، فقد كان ناظر الكنيسة من عائلة جاد التي كانت تمت بالقرابة إلى د.كمال رمزي ستينو، وكان الوزير القبطي الوحيد في حكومة جمال عبد الناصر. ولكن قداسة مثلث الرحمات البابا كيرلس السادس قام بتشكيل أول لجنة للكنيسة. وشيئاٌ فشيئاٌ، وبعد صدام طويل، استتب الأمر وآلت أمور الكنيسة كلها إلى اللجنة، بعد أن رفعت الكنيسة شكواها إلى الوزير المذكور.
2- كان القرار الأول الذي اتخذه أبونا متياس مع لجنة الكنيسة هو إلغاء الأطباق التي كانت تجمع فيها التبرعات أثناء القداس الإلهي، وكان يصل عددها آلي أربعة، والاكتفاء بالصناديق، أولاٌ: ليكون العطاء في الخفاء، وثانياٌ: يكون ذلك بلا ضغط أو إحراج، ثالثاٌ وهو الأهم، لكي تستمر خدمة القداس الإلهي في هيبة ووقار، وبدون انقطاع أو تشتيت، وأمام إصرار أبينا وافقت اللجنة بعد أن بدأت تخوفها من نقص الإيراد، إلي أن اختبروا في الصناديق بركة الرب التي تغني ولا يزيد معها تعب.
3- كان أبونا متياس هو أول كاهن في الحي كله يقدم كل الخدمات الكنسية والطقسية بالمجان، مكتفياٌ بالمرتب الذي كان يوفر له الكفاف. فكان هذا موضوع غضب الآباء القدامى من الكهنة في الكنائس المجاورة.
4- لم يكن مستوى الحضور في الكنيسة والقداسات عالياٌ، إذ كانت سمعة هذه الكنيسة أنها كنيسة خاصة تمتلكها العائلات الغنية. ولذلك بدأ أبونا ينظم خدمة الافتقاد للعائلات على مستوى كل الحي، بما في ذلك المناطق التي تخدمها كنيستي الملاك و مارجرجس بالظاهر. وكانت هذه الخدمة أيضاٌ مثار دهشة الناس الذين لم يتعودوا أن يطرق الكاهن بابهم للزيارة. حتى أن البعض عندما كان يرسل لهم أبونا خادماٌ ليرتب جدول مواعيد الزيارة كانوا يرفضون أو يعرضوا على هذا الخادم أن يعطوه تبرعاٌ للكاهن دون أن يتعب نفسه ويحضر لزيارتهم. فأوقف أبونا هذا الترتيب، واستجمع الأسماء والعناوين المتاحة في ذلك الوقت من كشوف أولاد مدارس الأحد، وبدأ يطرق الأبواب، فكان منهم من يرفض السماح له بالدخول، ومنهم من يقبل على مضض. فيجدونه بدلاٌ من أن يجمع تبرعات يفتح حقيبته ليوزع منها هدايا مجانية من صور وصلبان وأيقونات. وفي نهاية الزيارة يرفض أبونا أن يأخذ أية تقدمه. أما من يصر فكان يخرج من جيبه دفتر تبرعات ليعطيه إيصالاٌ.
5- كان أبونا أول كاهن يلغي نظام القرابني الذي يبيع القربان للشعب، إذ وضع القربان على باب الكنيسة ليوزع بالمجان، وإلي جواره صندوق للعطاء لمن يريد أن يتبرع.
6- كانت خدمة مدارس الأحد قاصرة على الأولاد فقط، أما البنات فكانت تقوم بخدمتهم جمعية ثمرة التوفيق القبطية بالظاهر. فقام أبونا بترتيب خدمة منتظمة للبنات في مدارس الأحد واجتماعات الشابات والسيدات، هذا إلي جانب اهتمامه بخدمة مدارس الأحد عموماٌ. فكان أول كاهن يحضر الفصول بنفسه ويعلم فيها، كما كان يقوم بالخدمة في اجتماعات الخدام والشباب.
7- كانت الخطوة الطبيعية بعد ذلك هي بداية الاجتماعات المختلطة، وفيها كان أبونا سابقاٌ لعصره. وقد بدأها بالتدريج حتى يمكن للخدام أن يتقبلوا مبدأ الاختلاط. فطبق هذا النظام في اجتماع الخدام والخدمات، ثم امتد ليشمل كل الاجتماعات.
8- وبهذه المانسبة نذكر أن صحن الكنيسة كله تقريباٌ كان مخصصاٌ للرجال، أما السيدات فكن في الدور العلوي. فكان أبونا أول من يكسر هذه القاعدة، ويسمح للسيدات أن يجلسن مع الرجال كما في باقي الكنائس.
9- يعتبر أبونا أول أب روحي يهتم بسر الاعتراف في الحي كله، إذ خصص ثلاثة أيام لذلك هي الأربعاء صباحاٌ والخميس والسبت مساءاٌ. وكان آباء الاعتراف في القاهرة كلها معدودين، مما جعل الشباب يتقاطر إلي الكنيسة للاعتراف على يديه من كل أحياء القاهرة.
10- استكمالاٌ لخدمة الشباب، نظم أبونا الرحلات والخلوات الروحية للأولاد والبنات في أماكن بعيدة. وهكذا استطاع بجهد شديد أن يقنع العائلات أن يسمحوا لبناتهم أن يذهب لمدة أسبوع كامل في كل خلوة مثل خلوة دير العذراء بدرنكة بأسيوط ودير العذراء ببياض ببني سويف وكان يقود هذه الخلوات بمفرده.
11- نظم أبونا أيضاٌ رحلات لكل الشعب، وبالذات إلي الأديرة. ونذكر أن أبونا كان أول من قام برحلة كبيرة إلي ديري الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، وذلك في فترة ما بعد نكسة 1967 حين كان دخول هذه المنطقة بصعوبة بالغة وبعد استخراج التراخيص من جهاز الأمن والجهات العسكرية لمن يريد الزيارة بالنسبة للأفراد، أما بالنسبة للأعداد الضخمة فكانت الإجراءات أدق وأصعب كثيراٌ.
12- في مجال الخدمات المتخصصة كان أبونا رائداٌ في تأسيس اجتماعات خاصة للمخطوبين والمتزوجين حديثاٌ.
13- في خدمة مجال الفقراء، قام أبونا بعمل رائد شجاع في الاتصال بالجمعيات الكثيرة المنتصرة في الحي. وبعد اجتماعات متواصلة معهم وصل إلي الاتفاق بالتعاون في الخدمة وتبادل كشوف الفقراء. وكان من أول من أسس نظام البحث الاجتماعي لكل أسرة على حدة، مع الاستعداد لصرف المبالغ المطلوبة لحل مشاكلها المادية من فتح أبواب عمل، إلي الصرف إلي الجيل الجديد في المدارس والجامعات.
14- وضع أبونا أساسا لأول مكتبة البيع بالكنيسة، وكان مكانها بالركن الشرقي للكنيسة، وزودها بمختلف الكتب والهديا الدينية.
15- كان أبونا في اجتماع الأحد لدراسة الكتاب المقدس يوزع نبذه أسبوعية تشرح إصحاحاٌ واحداٌ، ثم تطورت الفكرة إلي نشر هذه التفاسير في كتب، فكان كتاب إنجيل متي وإنجيل مر قس أول ما نشر. ثن تطورت الفكرة إلي دار نشر لكتب أكبر مثل الإجبية والإبصلمودية وترتيب أسبوع الآلام، ثم ترجمات لأقوال الآباء. وبعد ذلك تم النشر لكتاب آخرين مثل كتاب الدسقولية الذي أعده العالم الراحل د. وليم سليمان قلادة.
16- عمل أبونا على سيامه أباء كهنة يشاركوه في الخدمة. فكان أولهم هو الأب الموقر القمص مينا يوحنا الجوالي في سنة 1969 في عهد البابا كيرلس السادس، ثم الأب الموقر القس يوحنا حبيب في سنة 1978 في عهد البابا شنودة الثالث، وذلك ليساعد الأب القمص مينا في الخدمة بعد أن انتدب أبونا متياس من قداسة البابا ليخدم في استراليا في عامي 1978، 1979.
17- نظراٌ لجشع جمعيات دفن الموتى. قام أبونا بتأسيس أسرة القديس يوسف الرامي للقيام بهذه الخدمة بالمجان لفقراء وبسعر التكلفة لغيرهم. كما قام ببناء مقبرة كبيرة لمن ليست لهم مقابر خاصة.
18- أهتم أبونا جداٌ بخدمة الشمامسة، فرتب أن يقود أبنه د. صموئيل زملاءه من الشباب في أن يتعلموا الألحان من المعلم إبراهيم عياد. فتكون لدية خورس قوامه حوالي 50 شماساٌ. فقاموا بالخدمة في كل القداسات والأعياد، وخصوصاٌ أن أبونا قد رفض خدمة الجمعيات الشماسية المتجولة في الكنائس.
19- كان أبونا له فكر ثاقب في أهمية توسيع الكنيسة وتوفير أية مساحة متاحة من الأرض للقيام بالخدمات المختلفة. فكان أن اشتري البيت الذي كان غرب الكنيسة وسعي في إجراءات هدمه، وهو البيت الذي مكن الكنيسة من التوسع والامتداد إلي هذا الحجم، والباقي هو فناء الكنيسة الجديد والمبنى الجديد للمكتبة. كما أشترى أيضاٌ الدكاكين الملاصقة للهيكل من الناحية الشرقية.
20- وفي نفس هذا الخط اشترى قطعتي أرض في مواجهة الكنيسة على مرتين من مالكين مختلفين، وهو المكان الذي أقيم علية مبني الخدمات الحالي. كما سعي في شراء ثلاث قطع أخري وهي المقام علية النادي الحالي. وكان له دوره الشجاع في وضع يده على هذه الأراضي وانتزاعها من التجار الذين كانوا فيها بدون وجهه حق.
21- في سبتمبر سنة 1984 قاد الاحتفال بالعيد المئوي لتأسيس كنيسة السيدة العذراء بالفجالة، وكان ذلك في وقت حرج كانت فيه الكنيسة تجتاز ظروفاٌ صعبة، وكان قداسة البابا محتجزاٌ بدير الأنبا بيشوي.
نتقدم بالتهنئة إلي أبينا الموقر القمص متياس، راجين له من الله العمر الطويل في خدمة الكنيسة.
رفيق الطريق
القمص/ مينا الجاولي
لا أستطيع في هذه العجالة أن أسطر كل ما أعرفه عن أبينا الحبيب القمص متياس فريد. لقد ربطتني بشخصه المحبوب علاقة قوية منذ أن كان طالباٌ بالكلية الإكليريكية، وكان نابغاٌ ومتفوقاٌ رغم صغر سنه بالنسبة لزملائه فكان على ما أذكر “الأول” في ترتيبه.
وقد اصطحبته في خدمة “العضوية الكنسية بمدينة الفيوم فكان نعم الأخ والصديق والقدوة والمشجع والمدرب لضعفي في طريق الخدمة.
أمضينا فترات خلوة لا ولن أنساها كانت مثالاٌ في المحبة والإخلاص والوفاء، إلي أن تخرج من الكلية الاكليريكية، وكانت له خدماته المباركة المثمرة، أذكر منها إشرافه الروحي على بيت الطلبة واجتماع الشباب بالأنبا رويس وكذا تدريس مادة الدين في كلية البنات القبطية، فكانت له بصماته الروحية العميقة على من يرعاهم من الطلبة والطلبات، فأثمرات خدمة مباركة تمجد اسم الله القدوس.
وشاءت نعمة الله أن تمتد المحبة التي لا تسقط أبداٌ اختارني الرب للخدمة بكنيسة العذراء بالفجالة وهذا شرف عظيم لا استحقه، وكان لنا القلب الواحد والفكر الواحد الذي نما أيضاٌ بسيامة أبينا الحبيب “أبونا يوحنا” ثم “أبونا أنطونيوس” وارتبطت قلوبنا بمحبة فائقة…. الرب قادر على أن ينميها لمجد اسمه القدوس وخدمة كنيسته المقدسة.
والرب نسأل أن يحفظ حياة أبينا المحبوب القمص متياس فريد ويسانده في خدمته بكنسية القديس الأنبا أنطونيوس بسان فرانسيسكو بأمريكا… ولنا ملء الرجاء أن يعود إلي خدمته الأولى بكنيسة السيدة العذراء بالفجالة، واعتقد أن هذا هو اشتياق قلبه أيضاٌ الذي نرجو جميعاٌ أن يتم في الحين الحسن بنعمة إلهنا الصالح.
هذه إشارة صغير جداٌ اذكرها في مناسبة مباركة وهي العيد آل 40 لسيامته وأرجو أن يذكرني وأخوتي في الكنيسة وأن يرحمنا الرب ويقوينا بصلوات صاحب الغبطة والقداسة البابا شنودة الثالث أطال الله حياته بركة للكنيسة في كل المسكونة.
أربعون سنة
أبونا متياس كاهن منذ أربعين سنة، وإن كانت هذه السنين الطويلة قد زادته جلالاٌ روحياٌ وعمقاٌ وخبرة في الرعاية إلا أنه الكاهن الذي بدأ عملاقاٌ في الرعاية والخدمة بروح وتعب. فله بصمات وآثار في كل بيت وكل نفس تقابلت معه أو سمعته أو قرأت في كتاباته.
حصل على دكتوراه في العلوم اللاهوتية في جماعة أوتوا بكندا وفي الحقيقة أن أبونا متياس كان يستحق الدكتوراه قبل أن يبدأ في دراستها. فلو تم تقييم أعماله وكتاباته لنال الدكتوراه بجدارة.
أبونا متياس منحه الله مواب كثيرة في مجالات متعددة في النفس والجسد والروح، التي هي مقومات الشخصية المتكاملة. فمن حيث النفس هو نفسية سليمة قوية محبوبة من الكبير والصغير، خادم باذل. ومن حيث الجسد فواضح أنه طويل القامة الجسدية والروحية. ومن حيث الروح هو أب مملوء بالروح مرشد ومختبر، راعي أمين، ربي أجيالاٌ ومن أبنائه من صاروا آبائه وآبائنا أساقفة وكهنة ورهباناٌ.
وإن كان موسى النبي قاد الشعب في البرية أربعين سنة وأتي بهم إلي مشارف أرض الموعد. إلا أن أبونا متياس قادنا أربعين سنة ومازال يقودنا ويرينا بالروح أورشليم السمائية ويصفها لنا كشاهد عيان كمن يقول لنا:
“الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة” (1يو 1:1 ).
مبروك يا أبونا وتعيش وتخدمنا وتعلمنا وترعانا،
ابنك
القس/ يوحنا حبيب
عملاق خرج من قمقمه
جاءت رسامة أبونا متياس على كنيسة السيدة العذراء بالفجالة بداية لخدمة ونشاط لم تعرفه الكنيسة من قبل. حقاٌ كان هناك آباء قديسين خدموا في الكنيسة قبل أبونا متياس ولكن لم تعرف الكنيسة الخدمة النشيطة قبل أبونا متياس. ويمكن القول أن ما قبل أبونا متياس كان عصر الخدمة الاستاتيكية فحولها أبونا متياس بنشاطه غير العادي إلي خدمة ديناميكية.
عرفنا في أبونا متياس نموذج الخدمة النشيطة الباذلة والإيمان القوى والمحبة الأبوية الصادقة والاهتمام بكل نفس والصلاة الحارة من القلب والفهم الواعي لمتطلبات العصر والعظات النارية والفهم العميق للكتاب المقدس… باختصار أبونا متياس هو كاهن يصعب تكراره.
فقد عرفت كنيسة العذراء بالفجالة على يد أبونا متياس، فقد كنت من قبل أتبع كنيسة مارجرجس بالظاهر واجتذبتني محبة أبونا متياس الذي صار أباٌ لي عشرات السنين إلي أن استراح من خطاياي الكثيرة المتعبة وحولني إلي أبونا يوحنا نظراٌ لسفره المستمر وكنت أتمني أن استمر في تلمذتي له واتعلم منهجه في الخدمة ولكن هيهات لمثلي أن يصل لهذا العملاق.
هناك كلمات لطيفة اجتذبتني لأبونا متياس، ففي بداية خدمته كنت مازلت طالباٌ في الجامعة وكنت أتغيب كثيراٌ عن الخدمة فكان دائم السؤال عني فأعتذر بأنني مشغول في الدراسة فكان له رد لطيف: “ربنا مايقعدش مديون” أي إذا أعطيت الله بعض الوقت فإن الله سيبارك في بقية الوقت. وكان أبونا متياس هو أول من طبق هذا القول على نفسه فكم سهر الليالي في الاعترافات وحل المشاكل والخدمات المتعددة دون أن يسأل عن صحته، ولأنه يؤمن أن الله لن يظل مديون فلقد بارك الله في خدمته كل هذه الباركة فامتدات خدمته لثلاث قارات.
ومن المعروف أن من لا يريد الجهاد في حياته الروحية يغير دائماٌ أب اعترافه كأن العيب في أب اعترافه، ويتعلل هؤلاء بأن أبونا هذا ليس عنده سوى صلي وأقرأ الإنجيل، وكان رد أبونا متياس هو: “يا حبيبي ليس في دكاننا سوى هذه البضاعة، الإنجيل والصلاة” ولكن صلوات أبونا متياس وإنجيل أبونا متياس كنا مختلفين، فإذا صادفتني مشكلة لم أكن أجد راحة سوى بصلوات أبونا متياس. أما عن فهم أبونا متياس للإنجيل فلم أجد مثله.
أخيراٌ أختم بقول فيه ابتسامة فكنيسة السيدة العذراء بالفجالة تقع في شارع الوزير علاء الدين وهي كانت كقمقم علاء الدين الذي خرج منه هذا العملاق ليملأ الدنيا خدمة. كل سنة وأنت طيب يا أبونا متياس وعقبال 100 سنة خدمة و يارب نجد من يستطيع أن يعيد هذا العملاق ‘لي قمقمه في حارة الوزير علاء الدين.
ابنك
قس / أنطونيوس فكري
نقطة تحول
ارتبطت كنيسة السيدة العذراء بالفجالة منذ الستينات باسم أبونا متياس فريد، حتى في فترة غيابه في خدمته بالولايات المتحدة “فالمحبة لا تسقط أبداٌ” والذي زراعة أبونا منذ سيامته في ديسمبر 1962 يرويه الآباء المحبين السائرين على درب المحبة النقية أبونا مينا قمص الكنيسة ومدبرها وآبائنا المباركين أبونا يوحنا وأبونا أنطونيوس.
وكما في التاريخ توجد “نقط تحول” هامة هكذا كانت سيامة الشماس صموئيل فريد باسم القس متياس نقطة تحول هامة في تاريخ كنيسة السيدة العذراء بالفجالة. لذا فكثيرين عندما نذكر لهم اسم كنيسة العذراء بالفجالة يرددون “عند أبونا متياس؟”.
.. في ذكرى سيامتك آل 40 نذكر لك يا أبانا محبتك للآباء الكهنة شركائك ولأبنائك في التربية الكنسية ولشعبك فلك رصيد كبير من المحبة والتقدير هو نتاج تعبك وسهرك ومثابرتك وخدماتك الكثيرة التي أسستها بنعمة إلهية وبشافعة العذراء الطاهرة أم النور شفيعتك وشفيعتنا كلنا.
الرب يديم كهنوتك، اذكرنا على مذبح الرب
أبناء التربية الكنسية
عنهم م. عادل رمزي جر جس
أمين الخدمة
في العيد الحادي والثلاثين لتتويج قداسة البابا
ذكرياتي مع قداسة البابا شنودة
القمص/ متياس فريد
أود أن أسجل بعضاٌ من خبراتي الشخصية وذكرياتي مع أبي المحبوب، أب الآباء وراعي الرعاة، قداسة البابا شنودة الثالث.
سماع الأذن سمعت عنك !!
في سبتمبر 1954 سافرت إلي القاهرة لألتحق بالكلية الإكليريكية بالقسم العالي النهاري وبعد أن انتظمت في الدراسة إذا بزملائي الطلبة يحكون الكثير من القصص الجميلة والمثيرة عن الأستاذ نظير جيد الذي كان يدرس مادة العهد الجديد، وكيف أن محاضراته كانت عميقة ودسمة، لا من الناحية الدراسية فحسب بل ومن الناحية الروحية أيضاٌ. فاشتاقت نفسي أن أراه حتى بعد أن انتظم في سلك الرهبنة بدير السريان باسم الأب أنطونيوس السرياني. وأحسست بسوء الطالع أنه ترك الإكليريكية قبل السنة الدراسية الأولي لي فيها فطلبت إلي الله أن يعوضني هذه الخسارة بعد أن سمعت عنه سماع الأذن.
في الأديرة
لم تكن زيارة الأديرة في ذلك الوقت بالأمر الهين بالنسبة لطالب رقيق الحال فقد كنا نستقل الأتوبيس إلي الرست هاوس ومن هناك نسير على الأقدام في الصحراء في طريق رملي غير مرصوف حوالي أكثر من ثلاث ساعات. ولكنها كانت بالنسبة لي خبرة جديدة ونافعة، وفرصة للخلوة الروحية الهادئة. وفي هذه الزيارات كنت أراه من بعيد. ومررت بقلا يته في إحدى المرات عن طريق الصدفة فسمعت صوت بكاء لم أكن أدري له سبباٌ. ولكن في وقت لاحق عندما تيسر لي أن أقرأ في كتابات آباء البرية، عرفت أنها دموع التعزية في زيارة من زيارات النعمة حسب التعبير الآبائي.
لقاء في المغارة
لكن لم يسمح لي الله بلقاء شخصي مع أبي الحبيب إلا في مغارته التي تبعد عن دير السريان بحوالي ثلاث ساعات سيراٌ على الأقدام. فاستقبلني بترحيب كبير.
وهناك في المغارة غمرني إحساس بالرهبة، وشملني الذهول. فتطلعت إليه وأحسست أني رجعت بالتاريخ إلي الوراء قروناٌ طويلة، لكي أمتع نفسي برؤية آباء الرهبنة المتوحدين لابسي الصليب، هؤلاء الذين نقرأ عنهم ونقرأ لهم، أما الآن فقد رأتهم عيناي. وكان حديث أبي عميقاٌ لازلت أذكره حتى الآن. فكانت كلماته عن الحب الإلهي الجهاد الروحي والتعصب نفاذة إلي أعماق النفس. ومن ذلك الوقت تاقت نفسي إلي الرهبنة. فأعددت نفسي لهذا الطريق، وأعلنت ذلك لأسرتي. فعارضني أبي، أما أمي فقالت: “ليكن لك ما تريد. ولكن ما أطلبه من الله هو أن أراك كاهناٌ قبل أن أموت.” وكان باب السماء مفتوحاٌ لطلبتها، ففي أواخر سنة 1962م. رشحت للكهنوت، وذهبت للقاء قداسة البابا كيرلس السادس، وإذا به يأمرني بالزواج السريع. فتزوجت في ظرف شهر واحد في 18 نوفمبر وتمت سيامتي في 14 ديسمبر، وماتت والدتي في 25 ديسمبر من نفس العام، بعد أن حضرت السيامة وكأنها كانت تقول مع سمعان الشيخ: “الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام”.
سيامة الأنبا شنوده أسقفاٌ للتعليم
وهكذا قد انفتح لي الباب على مصراعيه، إذ أن أبي، بدلاٌ من أن تكون لقاءاتي معه بين الحين والآخر، حينما يتيسر لي الذهاب إلي الدير فهل هو أبي على مقربة مني حتى أن شعرت يوم أن حضرت سيامته أسقفا للتعليم الكنسي في 1962م أنه سيم أسقفاٌ خاصاٌ لي. وما هي إلا أيام حتى اختارتني العناية الإلهية للكهنوت المقدس على مذبح العذراء بالفجالة وهنا بدأت العلاقة في صورة أقوى كثيراٌ فبالإضافة إلي التوجيه الروحي من أبي على مستوي شخصي كانت الناهضات الروحية لشعب الكنيسة والأيام الروحية للشباب والخدام، مما أثار حفيظة المتطفلين ومروجي الإشاعات، حتى أنني اضطررت للصدام مع قداسة البابا كيرلس السادس. ولكن نفسه قد هدأت عندما شرحت له كفاءة أبي وإخلاصه في الخدمة وتأثيره الروحي على الشباب وأنه لا توجد أية أهداف جانبية أو شخصية لهذه الخدمة. لقد كان أبي سنداٌ لي في فترة عصيبة وهي أوائل عهدي بخدمة الكهنوت. وازدادت العلاقة توطداٌ حتى أننا بدأنا معاٌ نراجع الكتب الكنسية مثل كتاب الخولاجي وغيره.
قداسة البابا شنوده بطريركاٌ للكنيسة
لقد كانت فكرة الأسقف العام جديدة بالنسبة لي على الأقل وإني بسبب هذا الجهل لم أكن مستريحاٌ لفكرة ترشيح الأسقف العام للبطريركية، سواء كان هو نيافة الأنبا شنوده أو نيافة الأنبا صموئيل نيح الله نفسه. وما أن علم أبي بذلك حتى حدثني بروح الأبوة وشرح لي برفق وضع الأسقف العام في الكنيسة. وهكذا استراحت نفسي جداٌ، وازداد تعلقي بأبي الحبيب. وما أن صدر الأمر الإلهي باختيار السماء لأبي ليكون بابا الكرازة حتى غمرت الفرحة قلبي. وبدأ كل الشعب بفم واحد يقول لي: ” حبيبك اختير بالقرعة. حبيبك سوف يكون بطريركاٌ “.
سند روحي ورعوي:
بعد تتويج أبي وجلوسه على كرسي مار مر قس في 14 نوفمبر 1971م بآت أعيش في الخدمة في أحلي سنواتها. فصارت التلمذة ليس على مستوي عام بل على مستوي متخصص من اجتماعات الكهنة إلي اجتماعات الخدمة وإعداد الخدام.
أما على المستوي الشخصي فكان أبي سنداٌ كبيراٌ ضد كل المقاومين وأصحاب الوشايات. وكان المبدأ الذي نادى به وعاشه هو “أنا لا أصدق آذني بل أصدق عيني”. وهكذا بتعضيده لي تم شراء أكثر من منزل في شارع الكنيسة، أقيم عليها فيما بعد مبني الخدمات الشاهق، وتوسيع الكنيسة، ثم نادي على أعلي مستوى على مسطح كبير من الأرض حتى قال أبي مبتسماٌ “أنت هاتشتري الشارع كله!!” فقلت له: “ذلك بركة صلواتك وتعضيدك يا سيدنا”.
أيام الشدة
لقد عاصرت اليوم المشئوم، يوم السبت 5 سبتمبر 1981م حين أعلن الرئيس السابق أنور السادات قرار تنحية البابا. وإذا بي في اندفاع الحب أتحدث علناٌ مع الشعب في اليوم التالي أن هذا قرار ظالم وغير قانوني. لأن اختيار البابا هو من السماء. وليس هو معيناٌ من رئيس الجمهورية حتى يسحب تعيينه، وإننا لا نعترف بما يسمي باللجنة البابوية. وتأكيداٌ لذلك طلبت من الشعب أن يذهب معي في نفس اليوم إلي الدير لكي نعلن هذا عملياٌ وجهاراٌ. فكان أن خرج الشعب كله معي وسافرنا إلي دير الأنبا بيشوي في نفس اليوم. صحيح أن قداسة البابا في حكمة لم يقبل أن يلقانا، ولكن رسالة الحب هذه قد وصلت له.
حصار!!
لقد فوجىء المسئولون بتمسك الشعب بأبيه قداسة البابا. فأمروا بحصار الدير بالقوة العسكرية بعد زيارتنا هذه وأن أي نوع من الزيارة قد منعت تماماٌ. ولكن لم يمكن لهذه الموانع أن تقف أمام تيار الحب الذي في قلبي نحو أبي فذهبنا إلي البطريركية وأخذت أصرخ في الجميع بصوت مسموع لرجال المخابرات الذين كانوا يملأون الدار البطريركية وأقول “إما أن نسجن جميعاٌ أو نخرج جميعاٌ. لا بديل لقداسة البابا”. وعبثاٌ حاول أحد تهدئتي.
في دار مباحث أمن الدولة
كان من الطبيعي أن أستدعى إلي مبنى رئاسة مباحث أمن الدولة. وهناك بدأ المسئول يهددني بالاعتقال أسوة بزملائي، فإذا بي أصرخ في وجهة وأقول: “ماذا تفعلون؟ كيف تحجزون قداسة البابا في الدير؟ كيف تسجنون آباء أفاضل من أساقفة وكهنة وكثير من العلمانيين في زنزانات السجن؟!! إن التاريخ لن يغفر لكم هذه الجرائم” وهنا وجدت أن الضابط ( … ) غير من لهجته ويحاول أن يهدئ من روعي ويسألني عما أريد. فتعجبت: ما سر هذا التحول؟! وأدركت فيما بعد أن صراخي في وجهه في عقر داره وعلى مسمع من رئيسه الذي اكتشفت أخيراٌ أن مكتبه مجاور لمكتبه كل هذا يعتبر فشلاٌ له. حتى أنه ترجاني ألا أقول لأحد عما حدث!! المهم في الموضوع أني انتهزت الفرصة لأطلب طلباٌ واحداٌ وهو أن أزور قداسة البابا في الدير!!
يوم تاريخي في حياتي
ما هي إلا أيام حتى تلقيت مكالمة من هذا الضابط أنه يمكنني أن أزور أبي. فتهللت جداٌ وذهبت يوم الجمعة عقب القداس الإلهي وهناك على أول الشارع الذي يؤدي إلي باب دير الأنبا بيشوي، أوقفني ضابط أخر يطلب تصريحاٌ مكتوباٌ. فأدركت اللعبة أن الضابط الأول أراد أن يتشفى ويرد الضربة فأرجع خائباٌ. ولكني رفضت الاستسلام، وقلت له “سأظل هنا داخل سيارتي حتى الصباح إلي أن يأتي التصريح بالتليفون”. وظللت على هذا الحال حوالي أربع ساعات، إلي لأن مل من إلحاحي وسمح لي بالدخول لزيارة الدير والعودة في نفس اليوم.
لا أستطيع يا عزيزي أن أصف لك مدى الفرحة التي غمرتني. فدخلت إلي الدير والدموع في عيني. وجلست في صالة الانتظار وإذا بأبي يأتي ليباركني. وتعجب لأني كنت أول من زاره الكهنة. وتساءل أبي على الأخبار، فعرفته أسماء الآباء والأساقفة والكهنة وبعض العلمانيين الذين في سجن أبي زعبل وحكيت له ما في ذهني من أخبار الكنيسة. وبعد قليل طلب مني العودة حسب أوامر الحرس، ففوجئ أبي أني قررت البقاء في الدير لمدة أيام، مهما كلفني الأمر!!
صراع!!
لا يتسع المجال ألان يا عزيزي لأحدثك عن الاجتماعات التي كنت أقودها مع الآباء الكهنة في داخل البطريركية القديمة وفي دير القديس أبي سيفين نطالب بها برجوع قداسة البابا غلي كرسيه، مما أزعج مباحث أمن الدولة فاستدعوني وبعضاٌ من زملائي الكهنة مرات عديدة. ولكي يرضوني أعطوني وعداٌ أن أي شخص وأي عدد يريد زيارة قداسة البابا فلا مانع، فقط أن أعطيهم الأسماء لاستخراج التصريح..فانتهزت الفرصة، وكنت أذهب كثيرا أنا وزوجتي تسوني نادية، إلي أن تطور الأمر وبدأت اصطحب معي من يريد من الشعب في سيارات ثم في أتوبيسات، وكان أبي كريماٌ معي، يفرح بزيارتي، ولا يأكل وجبة إلا ويستدعيني وزوجتي لنأكل معه، وبعد الأكل كان يحلو حديثه معنا ويطول دون أن نشعر بالوقت.
معجزة شاهدتها بعيني
وفي ليلة من هذه الليالي التاريخية الحلوة التي لا تنسى، دخل أحد الآباء الرهبان بخطاب إلي قداسة البابا فإذا به ينظر إلينا ويقول:”أنا خائف من هذا الخطاب لئلا يحمل أخباراٌ سيئة. لأنه من أب له ابنة مريضة بتهشم في العظام” فقلنا جميعاٌ أن الأخبار خير بأذن الله. فقرأ أبي الخطاب وشكر الله ووضعه في جيبه. فقلنا جميعاٌ بدافع حب الاستطلاع: ما الأخبار يا سيدنا؟ وبما لي من دالة خاصة طلبت أن يعطيني الخطاب لأقرأه فسمح لي بذلك. وإذا بالخطاب يحكي معجزة حدثت بصلاة البابا وبالزيت الذي أرسله لهذه المريضة فما هي تفاصيل هذه المعجزة؟!!
أصيبت هذه الفتاة بكسر في المفصل العلوي لرجلها فتهشم المفصل إذ أن عظامها كانت هشة كما ذكرت وقبل عملية استبدال المفصل بآخر صناعي، أرسل البابا زيتاٌ لتدهن به هذه الفتاة. وبعد وقت قصير في العملية خرج الطبيب ليقول لوالد الفتاة: ما أسمك؟
فصرخ الأب: هل ماتت ابنتي؟ فقال كلا ولكن ما اسمك؟
فتساءل الأب: ما الموضوع؟ ولماذا تسأل عن اسمي؟ ماذا حدث؟
فقال الطبيب: الذي حدث هو أنني بعد أن فتحت مكان المفصل إذا بصليب من نور فوق الجرح تماماٌ. فظننت أنه انعكاس ضوئي، وحركت الرجل شمالاٌ يميناٌ فكان الصليب يتابعني ويقف فوق الجرح تماماٌ، فتجاهلت الأمر وبدأت أستعد لوضع المفصل الصناعي، وإذا بهذه العظام الهشة تتجمع معاٌ بصورة خارقة للطبيعة، فلم يكن أمامي سوي أن أقفل الجرح دون أن أفعل شيئاٌ، حتى أني تحديت طاقم الأطباء الذين معي إن استطاعوا أن يروا أثرا للكسر في الأشعة بعد العملية!! فما اسمك!! فقال الأب: أنا مسيحي، والمعجزة حدثت من ذهنه زيت مقدس أرسله لنا قداسة البابا.
فرد الطبيب: إن أولياء الله الصالحين ممكن أن يقوموا بذلك.
وأعطاني أبي قارورة من الزيت المقدس حسب طلب الأب، وذهبت إلي المستشفي ورأيت المريضة بعيني رأسي وهنأتها بالمعجزة ورشمتها بالزيت وأعطيتها البقية لتتبارك به.
هذا قليل من كثير
يعوزني الوقت يا عزيزي لو استرسلت في الكتابة عن المحبة الفائضة التي غمرني بها قداسة البابا، وكيف أنه شجعني على الدراسة، وأعطاني من جيبه الخاص، وكان يتابعني ويجيب على أسئلتي حتى أتممت دراسة الماجستير في سنة 1985م والدكتوراه في سنة 1993م.
ختاماٌ أدعو الله أن يطيل في عمر قداسة البابا، أباٌ وراعياٌ وقدوة ومثالاٌ وسنداٌ ودعماٌ للروحانية والخدمة في الكنيسة في عصرنا الحديث.