العـــــذراء في الـتـقـلـيـــــد الأرثــوذكــــسـي
العذراء في الكتاب المقدس
في العهد القديم صور عديدة رأى فيها الشرح تلميحا مباشرا عن العذراء :
- حواء : سمعت كلام الحية ، العداوة بين نسليهما ، المخلص من نسل المرأة .
- العليقة الملتهبة دون أن تحترق : منها انبثق اللاهوت ومنها سمع موسى صوت الله .
- ” قامت الملكة عن يمينك موشحة بثوب مذهب ” المزامير” .
- يؤتيكم السيد نفسه آية : ها إن العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل (أشع14:7).
- رأتها البنات فغبطنها ، رأتها الملكات والسراري فأثنين عليها . من هذه المشرقة كالصبح؟ الجميلة كالقمر ، المختارة كالشمس ، المرهوبة كصفوف ” تحت الرايات ؟ ” (نشيد 8:6-9) .
في العهد الجديد العذراء :
- يقول لها الملاك : افرحي ، ممتلئة نعمة الرب معك . يا مريم لا تخافي فقد نلت نعمة عند الله ، وها انت تحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع ، وهذا سيكون عظيما وابن العلي يدعى. (لو30:1-13) أم يسوع .
- ويقول لها : الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك ولذلك فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله . (لو35:1) أم ابن الله .
- هي التي قالت للملاك : ” ها أنا أمة الرب فليكن لي حسب قولك . “
- إنها ” المباركة في النساء ” وهي ” أم الرب ” (لو43:1) التي لها الطوبى .
- كانت ” تحفظ هذا الكلام وتتفكر به في قلبها . ” (لو19:2-51)
- هي الشخص الذي يغبطه القول . ” طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما.”
- وهي التي شهد لها ابنها أنها : ” تحفظ كلمة الله وتعمل بموجبها ” .
- هي التي حنا عليها ابن الله ووكل عنايتها ليوحنا لما كانت المسامير تفعل في جسده فعلها المرير .
- وتغيب العذراء حتى تظهر في العنصرة في بدء الكنيسة .
العقائد الخاصة بالسيدة العذراء:
1-دائمة البتولية .
مريم العذراء هي “أمّ وبتول معًا”. وهي، بحسب إيماننا المسيحي، “الدائمة البتوليّة”. ويؤكّد اللاهوت والليترجيّا أنّ مريم هي بتول قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة. أي إنّها حبلت بيسوع المسيح دون مباشرة رجل: تلك هي بتوليّة مريم قبل ولادتها ابنها يسوع؛ ثمّ إنّها ولدته وبقيت بتولاً: تلك هي البتولية في الولادة؛ وبعد أن ولدته لم يكن لها علاقة مع أيّ رجل: تلك هي البتوليّة بعد الولادة. إنّ ما تكرز به المسيحيّة قد يبّدو مناقضاً للعقل. ولكن ليس من أمر يستحيل على الله. فالذي في البدء وضع نواميس الحبل والولادة لدى البشر يغيّرها الآن في الحبل به وولادته، جامعًا في أمّه أروع مفخرتين تعتزّ بهما كلّ النساء: البتوليّة والأمومة.
أ) البتوليّة قبل الولادة
كان حبل مريم بالسيّد المسيح حبلاً بتوليًّا أي دون مباشرة رجل. وفي ذلك تناغم مع إيماننا المسيحي الذي يشهد أنّ الذي حبلت به مريم هو ابن الله، كما رأينا في مختلف النصوص الإنجيليّة. فهناك انسجام بين بتوليّة مريم وعقيدة التجسّد. ثمّ إنّ بتوليّة ليست بتوليّة في جسدها وحسب، بل هي اتّحاد كلّ كيانها بالله.
ب) البتوليّة في الولادة
كانت بتوليّة أمّ الله ولا تزال موضوع فخر ومجد لدى المسيحيّين،. يؤكّد التقليد المسيحي ، ولا سيّما مع القدّيس أمبروسيوس، أنّ ابن الله خرج من أحشاء كما دخلها: في مجد الألوهة وبهاء سرّها، وقد حُفظت سالمة بتولية العذراء.
وفي هذا يقول القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص:
“يا لَلْمعجزة الرائعة: العذراء تصير أمًّا وتبقى عذراء. لا البتوليّة حالت دون الولادة ولا الولادة أزالت البتوليّة. ولقد كان من الملائم أنّ الذي صبار إنسانًا لينقذ البشريّة من الفساد يستهلّ عمله بتلك التي ولدته فيحفظها من الفساد”.
وعلى النحو نفسه قال القدّيس إيرونيموس:
“مريم هي أمّ وبتول: بتول قبل الولادة وبتول بعد الولادة. الدهشة تغمرني: كيف من هو بتول يولد من البتول؟ وكيف بعد ولادته تبقى أمّه بتولاً؟ أتريد أن تعرف كيف ولد من عذراء وبقيت أمّه عذراء بعد الولادة؟ عندما دخل يسوع على تلاميذه من بعد قيامته “كانت الأبواب مغلقة” (يو 20: 19). لا تعرف كيف حدث ذلك لكنّك تقول: هذه قدرة الله. وكذلك عندما تعلم أنّ يسوع وُلد من عذراء وبقيت أمّه عذراء بعد الولادة قل: هذا عمل قدرة الله”.
ج) البتوليّة بعد الولادة
إنّ الكنيسة بتأكيدها بتوليّة مريم العذراء حتّى بعد ولادتها ابنها يسوع، تعلن عن اعتقادها أنّ مريم لم يكن لها علاقة جنسيّة مع أيّ رجل لا قبل ولادتها يسوع ولا بعدها، وأنّه لم يكن لها أولاد غير يسوع. تلك الحقيقة دافع عنها آباء الكنيسة، وبنوع خاصّ القدّيس إيرونيموس والقدّيس أمبروسيوس في الغرب وقبلهما أوريجانيس في الشرق. وقد أجاب هؤلاء على بعض اعتراضات وردت من تفسير خاطئ لبعض نصوص العهد الجديد وأوضحوا معنى هذه الحقيقة على صعيد العقائد.
” ولم يعرفها حتّى ولدت ابنها فسمّاه يسوع ” (متّى 1: 25)
قد يعترض البعض: فقول الإنجيل “ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” يعني أنّ يوسف عرف مريم بعد ذلك.
على هذا الاعتراض نجيب مع التقليد الكنسي: استنادًا إلى مقاطع أخرى من الكتاب المقدّس، هذا التعبير هو توضيح فقط لما حدث قبل ولادة يسوع، أي إنّ يوسف لم يعرف مريم قبل ولادتها يسوع وأنّ يسوع إذن وُلد بشكل بتولي. ولكنّ هذا التعبير لا يعني مطلقًا أنّه عرفها بعد ذلك. ولنا مثل على هذا التعبير قول الكتاب المقدّس إنّ “ميكال ابنة شاول لم تلد ولدًا حتّى ماتت” (2 صم 6: 23). فهل يعني ذلك أنّها ولدت ولدًا بعد موتها؟.
البرهان اللاّهوتي
هناك برهان لاهوتي يستند إليه إيرونيموس وأمبروسيوس وأوريجانيس، لتأكيد بتوليّة مريم العذراء بعد ولادة يسوع. فيقولون: هل يُعقَل أنّ التي حملت في أحشائها ابن الله، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، دون مباشرة رجل بل بقدرة الروح القدس، أن تراودها، بعد ذلك الاختبار الديني الفريد، إرادة العيش كسائر النساء ورغبة إنجاب أولاد آخرين؟ إنّ الله قد امتلك كل كيان مريم العذراء، فلا بدّ أن تكون قد كرّست لله ذاتها بكلّ قوى جسدها ونفسها وروحها. إنّ الذين يختبرون الله في اختبارات روحيّة خاصّة فيظهر لهم المسيح كما ظهر لبولس الرسول أو النسّاك الذين يختبرون الاتّحاد بالله بعمقٍ، لا يعودون يشعرون بأيّ رغبة في الزواج، بل يسلكون طريق البتوليّة. فكم بالحريّ يمكننا تأكيد بتوليّة مريم العذراء بعد ولادتها يسوع وعلى أثر هذا الاتّحاد العميق بالله وهذا الاختبار الفريد في تاريخ البشر لقدرة الله تملأها وتبذر في أحشائها الحياة البشريّة؟
2-والدة الالة “ثيوتوكوس “.
وقد ورد هذا اللقب عند كثير من آباء الكنيسة ممّا يبرهن عن شيوعه في الكنيسة الجامعة منذ القرون الأولى. نذكر بعض أقوالهم:
القدّيس أثناسيوس الرسولى: (“إنّ الكلمة هو نفسه قد ولد بالجسد من مريم والدة الإله“
القدّيس كيرلّس الأورشليمي :“رئيس الملائكة جبرائيل يشهد لله في حمله البشارة إلى مريم، والعذراء والدة الإله مريم تشهد له أيضاً”
القدّيس غريغوريوس النيصي : “إنّ ابن الله قد اتّخذ لنفسه جسدًا من العذراء، لذلك حقّ للعذراء أن تُدعى والدة الإله”.
القدّيس غريغوريوس النزينزي: “إن كان أحد لا يؤمن أنّ القدّيسة مريم هي والدة الإله، فهو غريب عن الله”
3-لها شفاعة توسلسية.
وتتّخذ شفاعة القدّيسين في العهد الجديد بعدًا جديدًا بقيامة السيّد المسيح التي بها انتصر على الموت. فالذين يقدّمون حياتهم شهادة للمسيح، إمّا بالاستشهاد وإمّا بحياة البرّ والقداسة، “يحيون ويملكون مع المسيح… ويكونون كهنة لله وللمسيح ويملكون معه”، كما جاء في سفر الرؤيا (20: 4- 6)، ومعه يتشفّعون لأجل الأحياء. فإذا كان القدّيسون في السماء يتشّفعون مع المسيح لأجل الأحياء، فكم بالحريّ مريم العذراء
لسيدة العذراء تخلّص بشفاعتها وصلواتها لأنّها والدة الإله الفائقة القداسة، ولأنّها أمّنا جميعًا، ولأنّها تقف كملكة الى يمين ابنها، حسب ما جاء في المزمور 44
العذراء في الفن الأرثوذكسي
أ. مكان أيقونة العذراء في الكنيسة : في كل الكنائس الأرثوذكسية عن يسار الباب الملوكي، مرتبتها الثانية بعد المخلص وقبل جميع
القديسين .
ب. ليس في الأرثوذكسية أيقونة للعذراء ليس عليها ابنها المخلص .
ج. ثلاث نجوم تزين كتفي كل أيقونة وجبهتها .
د. لها أيقونات تدل على انتقالها .
هـ . وهنالك بعض أيقونات تمثل دخول العذراء الهيكل .
هذه هي بعض الأيقونات وكلها تعبير خاص عن أمر يقين يؤمن به أولاد الكنيسة المقدسة.
من الأيقونات وحدها يمكننا استنتاج بعض العقائد الأرثوذكسية ومنها :
أ. شفيعة لجنس البشرية : يقترن اسم العذراء بالكنيسة حيث وجدت ولا كنيسة بدون العذراء .
ب.والدة الالة ( ثيوتوكوس ) : إن العذراء في الكنيسة لتعلو كل قديس وكل ملاك وكل روح متقدس ، كل هذا من جهة ، ومن جهة
أخرى العذراء أم ، وفي أمومتها تربض قيمتها ، وهذه القيمة مقدورة بالنسبة إلى الطفل يسوع . في العالم قيمة الطفل يستمدها
من أمه ، في الكنيسة قيمة العذراء الأم تستمدها من ولدها .
ج. دوام بتوليتها: ترمز اليه النجوم الثلاثة في لغة الرسامين : فهي بتول قبل الولداة أثناء الولادة وبعد الولادة .