الابن الشاطر

الابن الشاطر

          هذا الفصل الإنجيلي يقرأ لك لتعرف انك انت هو الابن الشاطر. فبعد ان جذبك التواضع، الأحد الماضي، بمثل الفريسي والعشار بات عليك مبدئيا ان تقول: انا لست بشيء لأني لا ازال انسانا دنسا. هذا يفرض ان ترى النجاسة التي فيك وانك بت عشير الخنازير. لماذا تركت بيت الآب كذاك الولد؟ ما الذي أهواك؟ حسب الابن البار الذي لم يغادر المنزل اخوه الشاب بدد ماله للزواني. خطيئة الجسد معتبرة مألوفة في سن الشباب. والحقيقة انها شائعة في كل عمر. غير انها في المثل الإنجيلي صورة عن كل خطيئة اذ يعف كثير من شبابنا. هي ليست مركز النص.

          فللنص مركزان اولهما الترك وثانيهما العودة. الترك بالنسبة إلى كل واحد يبدأ بجاذبية ما هو خارج البيت وما يغري فيه. والعودة هي التوبة اي التحرر من الإغراء والإيمان بأن محبتنا لله هي التي تحفظنا من التجربة وتجعل بيننا وبين الرب موآنسة وفرحا.

          كل منا يمر بتجارب عديدة تهزنا وتجعلنا في البدء مترددين بين الخير والشر حتى ننزلق إلى الشر ونلتذ به ونظن ان لنا فيه سعادتنا. ثم نغرق فيه غرقا عميقا بحيث لا نبقى منجذبين إلى البر. ثم يحن الله علينا حنانا كبيرا لكوننا ابناءه وينزل علينا نعمته ويجدد فينا ذكرى الطهارة التي كنا عليها فتشدنا من جديد اليها فنقوم من عمق المياه إلى سطحها فنرتمي في الطهر مرة واحدة ونسبح في بحر التوبة ونحس ان لنا فيها فرحا مجددا. ولكن المهم ان نلازمها. فتنقطع عنا ذكرى الخطيئة. والمهم، اذا تبنا، ان ننسى الخطيئة وإغراءها ولا نعود إلى سحرها لأننا اذا عدنا إلى تذكر سحرها نتعرض إلى السقوط من جديد.

          ماذا قال الابن الضال لما أحس بمرارة الطيش الذي كان عليه؟ قال: “اقوم وأمضي إلى أبي”. أقوم لأني لم أبق راضيا عن خطيئتي ولا اريد ان أبقى فيها. هذا يتطلب حركة من النفس. وهذه الحركة يحدثها الله فيك. “أقوم” تعني اني نادم ولن ابقَ مترددًا بين رعاية الخنازير وأبي. “امضي إلى أبي” اي أتحرك، اتخذ قرارا بالعودة. فكما ان السقوط كان بقرار، كذلك التوبة بقرار. ثم ماذا قال؟ “وأقول له (اي لأبي) قد اخطأتُ إلى السماء وامامك”. اي اني اعترف بخطيئة الترك لمنزل العائلة. لا مغفرة بلا اعتراف، بلا إقرار ان الإنسان اراد الشر فأخطأ. ولكون الوالد هو الذي انجرح بمغادرة الولد للمنزل اعترف له ابنه بأنه آذاه. والأذى ان الوالد احس نفسه مهجورا. جعله ابنه وحده وتفرقت العائلة. “ولستُ مستحقا بعد ان أُدعى لك ابنا”. فقد سقطَتْ في عيني الابن الشاطر بنوته.

          ولكن ماذا فعل الوالد؟ يجيب الإنجيل: “وفيما هو بعد غير بعيد رآه ابوه فتحنن عليه واسرع وألقى بنفسه على عنقه وقبّله” فكان اللقاء. لماذا رآه ابوه؟ لأنه كان ينتظره في مكان مشرف، مثل “سطيحة”. عند الرؤية تحنن لأن له قلب والد لا يقسو ولا يعرف البغض. وهو بادر بالتحية. هكذا يفعل الله بنا. فكان عناق بين الرجلين.

          اعترف الولد كما كان قرر. لم يوبخه ابوه. فقال للخدام: “هاتوا الحلة الاولى وألبسوه واجعلوا خاتما في يده وحذاء في رجليه”. زيّنه وجمّله.

          هذا الذي سميناه “مَثَلَ الابن الشاطر” هو في الحقيقة مثل الأب الحنون. من يعرف ان الله هو ابونا الحنون لا يخطئ.

Scroll to Top