من أقوال الآباء في ألوهية السيد المسيح |
الأستاذ كوستي بندلي
القديس يوحنا الذهبي الفم
ماذا أقول؟ كيف أتكلم؟ إن معجزة كهذه تجعل الدهش يأخذ مني كل مأخذ. القديم الأيام قد صار طفلاً صغيراً، الجالس على العرش الأسمى في أعلى السماء مستلق في ذود، المستحيل لمسه، البسيط، غير المركب، عادم الجسد، تلمسه أيد بشرية. الفاك قيود الخطيئة مقيّد بقمط لأنه قد شاء ذلك، قد إعتزم أن يحوّل الحقارة إلى شرف، أن يلبس العار مجداً وأن يُظهر أن حدود التواضع هي حدود القوة. من ثم قد إحتمل ذل جسدي لأتمكن من الإتحاد بالكلمة الأزلي. يأخذ لحمي ويعطيني روحه، وبالعطاء والأخذ يهيئ لي كنـز حياة. أخذ لحمي ليقدسني، يعطيني روحه ليخلّصني (الميمر2 على الميلاد)
” والكلمة صار جسداً وحلّ فينا”. الإنجيلي بعدما قال أن الذين قبلوه مولودون من الله وصاروا أبناءه، يوضح لنا سبب ذلك الشرف الفائق الوصف، وهو أن الكلمة قد صار جسداً، وأن الرب قد إتخذ حالة عبد. في الواقع قد جعل ذاته إبن الإنسان، بينما كان بكل الحقيقة إبن الله، ليصيّر الناس أبناء الله. حين يلتفت العالي المقام إلى السافل الحال، فذلك لا يمس مجده بأدنى ضرر، وغايته أن يرفع السافل من سفالته، هذا ما حدث في المسيح. بنـزوله من السماء لم ينقص شيئاً من طبيعته الإلهية، غير أنه رقّانا إلى مجد لا يوصف، نحن الذين كنا على الدوام في العار والظلمات. تجري الأمور على هذا المنوال حين يخاطب ملكٌ متسولاً فقيراً بعطف واهتمام، فهو لا ينتهك شرفه البتة، بل يجعل المتسول وجيهاً ممتازاً في عين كل الناس . (من الميمر 11 على إنجيل يوحنا )
القديس يوحنا الدمشقي
ليس الإله الواحد معدوم الكلمة. وهذه الكلمة لا تختلف عنه إذ إنها أقنوم، هي أزلية وأبدية، ليس لكيانها بدء ولا إنتهاء، لأن الله الأزلي الأبدي لم يكن يوماً بدون كلمته بل كانت كلمته منذ الأزل مولودة منه ودائمة الولادة بدوامه هو
غير أن كلمة الله ليست مثل كلامنا البشري الذي يشترك معنا في كياننا وجوهرنا، والذي يخرج عنا إلى ما ليس نحن. كلمة الله أقنوم حي كامل لا يختلف عن ذات الله ولا يفارق الله قط، لأنه إن خرجت كلمة الله عنه فإلى أين يمكن أن تخرج وأين يمكن أن تكون؟ وإذا كانت كلمة الإنسان لا تشاركه كيانه وجوهره فذلك لأن كيان الإنسان لا يكفيه هو لأن ذلك الكيان يقف عند حدّ وينقطع. أما الله،إذ هو تام وواهب للكيان، فقد حوى كلمته في ذاته كأقنوم دائم الحياة، له كل ما لأبيه أقنوم الآب.
القديس غريغوريوس النـزينـزي
إن ما تحتقره الآن كان قديماً فوقك، وما كانه قديماً فقد بقيه، وإتخذ ما لم يكنه. ولد ولكنه كان مولوداً منذ الأزل، ولد من إمرأة، ولكنها عذراء : فثمة لاهوت وناسوت معاً، ليس له على الأرض أب، ولا له في السماء أم. هذا ما يختص باللاهوت فقط . حملته أمه في حشاها، ولكن عرفه النبي وهو في حشا أمه، واهتز مسروراً لمجيء الكلمة خالقه. لفِّفَ بالأقماط، ولكنه خرج من الكفن عند قيامته. أنيم في معلف ولكن مجّدته الملائكة، وبشّر بميلاده نجم، وسجد له مجوس. لم يكن له عند اليهود منظر ولا جمال، وكان عند داوود بهياً أجمل من أبناء البشر، وسطع على الجبل أكثر إشراقاً من الشمس. واعتمد كإنسان ومحا الخطايا كإله. جُرِّبَ بكونه إنساناً وانتصر بكونه إلهاً، وهو يدعونا إلى الثقة لأنه غلب العالم. جاع ولكنه أشبع جماهير، وهو خبز السماء الحي . وعطش ولكنه صاح
قائلاً: من كان عطشاناً فليأت إليَّ ويشرب، ووعد من يؤمنون به أنهم يصبحون ينابيع ماء حي. عانى التعب، ولكنه راحة المتعبين والمثقلين. كان مثقلاً بالنعاس ومشى على البحر، وزجر الرياح، وأنهض بطرس الذي كان موشكاً على الغرق في المياه . دفع الضريبة ولكنه أخرج المال من حلق السمك، وهو سيد من يطالبونه بدفع الضريبة. قالوا: إنه سامري وأنه “مسكون” ولكنه خلّص من كان نازلاً من أورشليم ووقع بين أيدي اللصوص، وعرفته الشياطين فهربت من وجهه. أرادوا أن يرجموه ولكنهم لم يقدروا أن يصيبوه. يصلّي، ويستجيب صلاة من يدعونه. يبكي ويكفكف دموع الباكين. يسأل أين وضعتم لعازر، لأنه إنسان، ويبعثه حياً لأنه إله. بيعَ بثمنٍ بخسٍ، بثلاثين من الفضة، ولكنه اشترى البشرية بثمن عظيم، بثمن دمه. يقاد كالنعجة إلى الذبح وهو راعي الأرض كلها. صار كالحمل وهو الكلمة التي بشّر بها صوتٌ صارخٌ في البرية !! هو عليل وجريح ويشفي كل مرض وعلة. رُفِعَ على عود الصليب وسُمِّرَ عليه، ولكنه يعيد لنا حقنا في شجرة الحياة، يخلّص اللص المصلوب بجانبه ويُغرِق في الظلمة جميع المنظورات. سُقِيَ خلاً ومراً، ولكن من ذا؟ هو من يحوّل الماء خمراً… أسلم نفسه وله السلطان لأن يستعيدها. إنشقَّ حجاب الهيكل عند موته، وتصدعت الصخور، وقام الموتى من القبور. يموت ولكنه يحيي، وبموته هدم الموت، دُفِن ولكنه قام . نزل إلى الجحيم و لكنه أخرج منه نفوس الأبرار وصعد إلى السماء وسوف يأتي ليدين الأحياء والأموات ويخزي أدلة المارقين. فعسانا أن نظل ثابتين إلى حين ظهور من هو موضوع رجائنا، بالمسيح ربنا الذي له المجـد إلى دهـر الدهور آمين