بسم الله القدوس
رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى فِلِيمُونَ
رسالة خاصة (لفليمون) وعامة (للكنيسة التى فى بيته). وهى تحفة أدبية تنبع من القلب، وتدل على رهافة شعور الرسول الذى كتبها بيده. عالج بشكل جديد وجميل قضية دقيقة بين سيد مسيحى وعبده الذى صار مسيحيا.
مضمون الرسالة وتصميمها :
العنوان والتحية (1- 3). فعل الشكر (4- 7) طلب المغفرة لأنسيموس، وأن يستقبله كأخ (8- 17). دين متبادل (17- 20). ثقة بولس فى فليمون (21، 22). السلامات والبركة (23- 25)
1- العنوان والتحية (1- 3)
بُولُسُ، أَسِيرُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَتِيمُوثَاوُسُ الأخُ: إِلَى فِلِيمُونَ الْمَحْبُوبِ وَالْعَامِلِ مَعَنَا، وَإِلَى أَبْفِيَّةَ الْمَحْبُوبَةِ، وَأَرْخِبُّسَ الْمُتَجَنِّدِ مَعَنَا، وَإِلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِكَ. نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلامٌ مِنَ اللَّهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
1- يشدد 4 مرات أنه سجين (1، 9، 10، 13) فلا يلجأ إلى سلطته كرسول، بل سجين يلتمس خدمة.
2- يذكر تيموثاوس ليطبع كلامه بالطابع الجماعى والكنسى.
3- ويذكر الزوجة والابن، أو الأخت والأخ فقد يكون لهما دور فى قبول العبد الهارب.
4- وذكر الكنيسة يوضح أن الإنجيل يحول العلاقات الاجتماعية، فلم يعد السيد وحده وجها لوجه مع الخادم، إنما صارت أمام الكنيسة.
5- نعمة وسلام، النعمة تهب السلام. وفليمون نال مجانا فهو مدعو ليعطى مجانا. وهما ليستا كلمتين فارغتين بل مبنيتين على ينبوعهما، الله الآب والرب يسوع المسيح.
2- فعل الشكر (4- 7)
أَشْكُرُ إِلَهِي كُلَّ حِينٍ ذَاكِراً إِيَّاكَ فِي صَلَوَاتِي. سَامِعاً بِمَحَبَّتِكَ، وَالإيمَانِ الَّذِي لَكَ نَحْوَ الرَّبِّ يَسُوعَ وَلِجَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ. لِكَيْ تَكُونَ شَرِكَةُ إِيمَانِكَ فَعَّالَةً فِي مَعْرِفَةِ كُلِّ الصَّلاحِ الَّذِي فِيكُمْ لأجْلِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ. لأنَّ لَنَا فَرَحاً كَثِيراً وَتَعْزِيَةً بِسَبَبِ مَحَبَّتِكَ، لأنَّ أَحْشَاءَ الْقِدِّيسِينَ قَدِ اسْتَرَاحَتْ بِكَ أَيُّهَا الأخُ.
1- فعل الشكر هنا يركز الرسالة، فالقضية كبيرة يعالجها الرسول كما يعالج القضية اللاهوتية. وفى بلاغة رفيعة وفهم دقيق للنفس البشرية، يهيئ للطلب الذى يلى. فإذ يمتدح إيمان فليمون ومحبته، يدعوه لأن يكون أكثر مما هو مع أنسيمس.
2- موضوع الإيمان هو السيد المسيح. ويحرك هنا الرسول لدى فليمون المحبة التى هى عمل الإيمان والتى يجب عليه أن يمارسها مع أنسيمس فيتقبل العبد الذى أخطأ حين ترك بيت سيده، فالمحبة لا تعرف الحدود بين عبد وسيد.
ولا يمكن أن تبقى المشاركة فى الإيمان مجرد تعلق عقلى أو عاطفى، بل عليها أن تتفتح فى أعمال المحبة، أى تكون فعالة.
3- ويعلن ثقته فى فليمون الذى تمنحه محبته فرحا جزيلا، مهيئا لطلبه التالى فأنسيمس صار قديسا، فسيستفيد من محبة فليمون، بل إنه صار قلب، أو أحشاء بولس نفسه.
4- والمناداة أيها الأخ هى بداية الطلب، الذى هو استقبال أنسيموس أفضل استقبال، الذى يأخذ موجات متعاقبة كالآتى :
3- طلب المغفرة لأنسيموس (8- 17) وأن يستقبله فى بيته كأخ :
لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِي بِالْمَسِيحِ ثِقَةٌ كَثِيرَةٌ أَنْ آمُرَكَ بِمَا يَلِيقُ، مِنْ أَجْلِ الْمَحَبَّةِ، أَطْلُبُ بِالْحَرِيِّ إِذْ أَنَا إِنْسَانٌ هَكَذَا نَظِيرُ بُولُسَ الشَّيْخِ، وَالآنَ أَسِيرُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَيْضاً. أَطْلُبُ إِلَيْكَ لأجْلِ ابْنِي أُنِسِيمُسَ، الَّذِي وَلَدْتُهُ فِي قُيُودِي، الَّذِي كَانَ قَبْلاً غَيْرَ نَافِعٍ لَكَ، وَلَكِنَّهُ الآنَ نَافِعٌ لَكَ وَلِي، الَّذِي رَدَدْتُهُ. فَاقْبَلْهُ، الَّذِي هُوَ أَحْشَائِي. الَّذِي كُنْتُ أَشَاءُ أَنْ أُمْسِكَهُ عِنْدِي لِكَيْ يَخْدِمَنِي عِوَضاً عَنْكَ فِي قُيُودِ الإنْجِيلِ. وَلَكِنْ بِدُونِ رَأْيِكَ لَمْ أُرِدْ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئاً، لِكَيْ لا يَكُونَ خَيْرُكَ كَأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الاضْطِرَارِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الاخْتِيَارِ. لأنَّهُ رُبَّمَا لأجْلِ هَذَا افْتَرَقَ عَنْكَ إِلَى سَاعَةٍ، لِكَيْ يَكُونَ لَكَ إِلَى الأبَدِ، لا كَعَبْدٍ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ: أَخاً مَحْبُوباً، وَلا سِيَّمَا إِلَيَّ. فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِلَيْكَ فِي الْجَسَدِ وَالرَّبِّ جَمِيعاً!.
1- يتخلى الرسول عن صفته كآمر، فيقدم طلبه متضرعا، وهو شيخ، وسجين، أسلوب يحرك عواطف فليمون، بل يكشف القوة فى عمق الضعف. ففى هذا الوضع رد أنسيمس إلى الإيمان فماذا يفعل مع فليمون عندما يلتقى بأنسيموس ؟!
2- ثم يأتى ثقل الخطاب حول أنسيمس الذى أظهر له حنانا ومحبة كبيران، فهو الابن الذى ولده الرسول، ولحم من لحمه ..
3- ثم يذكر أن العبد الذى يستحق اللعنة إذ فر من بيت سيده. قد تبدل كليا بما فعله الإنجيل فيه، فصار نافعا بعد أن كان غير نافع.
4- أنسيمس أخ لفليمون من وجهتين : أولا فى المسيح الذى يقيم بين أعضاء الكنيسة أخوة حقيقية. وثانيا فى بولس الأب الروحى لأنسيمس، وفليمون معا. فبولس لا يريد منه أن يستقبل أنسيموس استقبال قاض يعاقب مجرما، ولا سيد رحيم يستعيد إلى خدمته عبدا تائبا، بل استقبال أخ يستقبل أخاه.
5- رغم سلطة بولس الرسول فى استبقاء أنسيمس معه حيث هو أب للاثنين فى الإيمان، لم يرد أن يفعل شيئا دون رغبة فليمون. ليتخذ قرارا حرا لا بالإكراه. بل يطلب من فليمون أن يهنئ نفسه من أجل فرار أنسيموس فعودته تعطيه فرصة امتحان قوة الأخوة أمام الإهانة.
6- الكلام هنا لا يعارض واقع وجود عبيد بقدر ما يعارض روح العبودية. والحديث عن الحرية والتحرر لا كفرض من الخارج، بل كثمار لإيمان ومحبة تلغى روح العبودية وتنقلها إلى الأخوة والمحبة قبل أن تُمس أشكاله الخارجية. إن بولس لا يدعوا إلى ثورة خارجية مثل اسبارتاكوس فى القرن الأول ق. م. بل دعا إلى ثورة تبدل القلوب، وهذا ما تم مع فليمون الذى تخلى عن عبده واعتبره أخا حبيبا له، حرره وأعاده لبولس، وصار فيما بعد أسقفا.
4- دين متبادل (17- 20) ينقل.. ويتذكر.. :
فَإِنْ كُنْتَ تَحْسِبُنِي شَرِيكاً فَاقْبَلْهُ نَظِيرِي. ثُمَّ إِنْ كَانَ قَدْ ظَلَمَكَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاحْسِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ. أَنَا بُولُسَ كَتَبْتُ بِيَدِي. أَنَا أُوفِي. حَتَّى لا أَقُولُ لَكَ إِنَّكَ مَدْيُونٌ لِي بِنَفْسِكَ أَيْضاً. نَعَمْ أَيُّهَا الأخُ، لِيَكُنْ لِي فَرَحٌ بِكَ فِي الرَّبِّ. أَرِحْ أَحْشَائِي فِي الرَّبِّ.
1- الرسول يستند فى طلبه إلى العلاقة التى تربطه بفليمون وهو أن يستقبل أنسيمس كما يستقبله هو شخصيا. ولكى يكون هذا القبول على أسس صحيحة أقر بالتزامه الشخصى برد ما له عند أنسيمس، وهنا نرى توحيده بين أنسيمس وبين نفسه. كما يذكر فليمون أنه هو أيضا مدين للرسول، مدين بنفسه، مدين بإيمانه بالمسيحية.
2- وإذ يثق بالاستقبال الذى سيناله أنسيموس، وبالنتيجة التى تنبع فرحا وسلاما، يؤكد أن فليمون سيفعل أكثر مما يطلب. وهنا تأتى العبارة مضخمة لتحرك حرية فليمون وكبر قلبه.
5- ثقة بولس (21، 22) فى فليمون، وفى الإفراج
إِذْ أَنَا وَاثِقٌ بِإِطَاعَتِكَ كَتَبْتُ إِلَيْكَ، عَالِماً أَنَّكَ تَفْعَلُ أَيْضاً أَكْثَرَ مِمَّا أَقُولُ. وَمَعَ هَذَا أَعْدِدْ لِي أَيْضاً مَنْزِلاً، لأنِّي أَرْجُو أَنَّنِي بِصَلَوَاتِكُمْ سَأُوهَبُ لَكُمْ.
هل يقصد هنا طاعته كرسول ؟ أم يقصد طاعة مبدأ المحبة، والتى هى تعبير عن الإيمان الذى يترجم فى التزام ملموس فى الحياة اليومية ؟ أعتقد الاثنين معا. ويختم بولس بثقته فى الافراج وطلب تجهيز منزل والسلامات والبركات.
6- السلامات الأخيرة والبركة :
يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَبَفْرَاسُ الْمَأْسُورُ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَرْقُسُ، وَأَرِسْتَرْخُسُ، وَدِيمَاسُ، وَلُوقَا الْعَامِلُونَ مَعِي. نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ رُوحِكُمْ. آمِينَ. (إِلَى فِلِيمُونَ، كُتِبَتْ مِنْ رُومِيَةَ، عَلَى يَدِ أُنِسِيمُسَ الْخَادِمِ)