لاهوت المسيح
نؤمن بإله واحد . إلهنا الواحد مثلث الأقانيم . الجوهر اللاهوتى واحد . الأقانيم داخل هذا الجوهر هى ثلاثه : الأب و الأبن و الروح القدس …. فما هى هذه الأقانيم
فى العهد القديم :
كان الله يتكلم فى العهد القديم بصفتين فى آن واحد : المفرد (حين يتكلم عن نفسه كجوهر واحد ) والجمع ( حين يتكلم عن نفسه
كأقانيم ) مثلاً :
+ فى البدء خلق الله ( صيغة الجمع ) السموات و الارض ( تك 1: 1 )
+ قال الله ( صيغة الجمع ) نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ( تك 1: 26 )
+ هوذا الإنسان صار كواحد منا ( تك 3: 22 ) المتحدث الهنا العظيم الواحد لكنه مثلث الأقانيم
فى العهد الجديد :
+ عمدوهم بأسم الأب و الأبن و الروح القدس ( مت 28: 19 )
+ أنا فى الآب و الآب فىَ ( يو 14: 10 )
+ الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثه الأب و الكلمه و الروح القدس و هؤلاء الثلاثه هم واحد ( 1 يو 5: 7 )
- الثلوث القدوس جوهر الهى واحد و أقانيم ثلاثه متمايزه
- الخواص الجوهريه لا يختلف فيها اى أقنوم عن الآخر لان الجوهر غير منقسم
- فالحق و العقل و الحكمه و المحبه و القوه و الفهم هى خواص للجوهر الإلهى الواحد
- اما الإبوه و البنوه و الأنبثاق فهى خواص أقنوميه لا يشترك فيها أقنوم مع الآخر . و الجدول المجاور يبين كيف تتمايز الأقانيم
بخواصها الأقنوميه و تتفق معا فى الخواص الجوهريه
- الآب هو الينبوع الذى منه الابن الوحيد بالولاده الأزليه قبل كل الدهور و منه ايضا الروح القدس بالأنبثاق قبل كل الدهور
- لذلك فالآب هو الحقانى الذى يلد الحق و يبثق روح الحق
- الآب هو الحكيم الذىيلد الحكمه و يبثق روح الحكمه
- فالحكمه هو لقب أقنوم الابن المولود من الآب الحقانى …. و هكذا … الخ
الروح القدس منبثق
” الانبثاق “ |
الأبن مولود
” الولاده |
الآب والد و باثق
” الأصل “ |
الخواص الأقنوميه
الجوهريه |
روح الحق ( يو 14: 26
15: 26 ، 16: 7 |
الحق ( يو 8: 32 /
14: 6 / رؤ 3: 7 |
الحقانى | الحق |
روح العقل ( اش11: 2 | العقل ( المولود الكلمه يو1: 1
اللوغوس : العقل المنطوق |
العاقل | العقل |
روح الحكمه (حك 1: 6
اش 11: 2 / اف 1: 17 |
الحكمه ( ام 3: 19 / 1
كو 1: 24 / رؤ 5: 12 كو 2: 3 ) |
الحكيم
رؤ 16: 27 |
الحكمه |
روح المحبه ( 2تى 1: 7 ) | المحبه ( 1 يو 3 : 16 | المحب يو 17: 24 | المحبه |
روح الحياه ( رو 8: 2 ) | الحياه ( يو 11: 25
يو 14: 6 ) |
الحى ( خر 5: 11
رؤ 1: 1 / يو 6: 57 |
الحياه |
روح القوه ( 2تى 1: 7
اش11: 2 / فى 3 : 8 ) |
القوه ( 1كو 1: 24
رؤ 5: 12 |
القوى (مت 6: 3
رؤ 18: 8 |
القوه |
روح الفهم ( اش 11: 2 | الفهم ( ام 8: 14 ) | الفهيم ( 12: 16
اش 28: 29 |
الفهم |
+ الآب هو الله من حيث الجوهر و هو الأصل من حيث الأقنوم 0
+ و الأبن هوالله من حيث الجوهر و هو المولود من حيث الأقنوم 0
+ و الروح القدس هو الله من حيث الجوهر و هو المنبثق من حيث الأقنوم 0
– جميع الصفات الجوهرية : يشترك فيها الآب و الأبن و الروح القدس0
– الصفات الأقنومية :يتمايز بها كل أقنوم عن الآخر0
+ الآب كائن بذاته و الأبن أخذ كينونته من الآب , الروح القدس أخذ كينونته من الآب 0
+ الآبن هو العقل الالهى المولود من الآب العاقل , و الآب يعلن عن نفسه بالابن المتجسد العقل المتدفق من الآب )
نطق الله العاقل نقصد به عقل الاب الناطق , نطق الآب العاقل أى الأبن العاقل ينطق بالأبن 0
+ الحياة الآلهية هى فى الآب اعطاها بالولاده للأبن و اعطاها للروح القدس بالأنبثاق 0
+ سمى الأبن لانه مولود من الآب مثل ولادة النور من النار 000 ليست ولاده جسديه تناسليه , و سمى الآب لانه أصل الوجود 000 و سمى الروح القدس لانه منبثق من الآب مثل أنبثاق الحرارة من النار 0 ( النار + النور + الحرارة = شمس واحدة ) 0
ملاحظة : ظهرت الاقانيم الثلاثة بطريقة حسية فى عيد الظهور الالهى ( عيد الغطاس ) 000
- – الله لم يره أحد قط (يو 1: 18 ) و لكنه لما تجسد ظهر فى الجسد ( اتى 3 : 6 ) 0 قيل عن الأبن أنه صورة الله غير المنظور (كو 15:1 ) 0
( فى 2 : 5-7 ) 000 الذى به عمل العالمين الذى هو بهاء مجده و رسم جوهره 000 ( عب 10 : 2- 4 ) أى كونه الخالق بأعتبار انه
اللوجوس ( عقل الله و حكمة الله ) 0
بنوة المسيح للآب : ( ليست بنوة عادية ) 0 تحمل معنى لاهوت المسيح و يشهد على ذلك :
- 一- شهادة الآب للأبن فى مناسبة العماد ( مت 17:3 , لو 22:3 ) 0
- 二- شهادة الآب للأبن فى مناسبة التجلى ( مز 9 2-7 ) 0
ج- شهادة الآب للأبن قديمة جداً ( أنت ابنى 0 أنا اليوم ولدتك 000 ( مز 2 : 7-9 ) 0
د- هى هدف كتابه الأنجيل : بدء انجيل يسوع المسيح أبن الله ( مز 1:1) 0
ها- كانت هى سبب حكم مجمع السنهدريم عليه ( مت 26: 63 )0
و- كانت موضع حيرة الشيطان : فى التجربة على الجبل ( مت 3:4 ) 0
ز- كانت موضع بشارة الملاك للعذراء ( لو 35:1 ) 0
ح- وردت فى نبوة أشعياء ( اش 6:9 ) و فى سفر الامثال ( ام 30: 4 ) 0
ط- ورد الاعتراف ببنوته فى معجزة المشى على الماء ( مت 14 25-33 ) و اعتراف نثنائيل ( يو 48:1 ) و ايمان قائد المائه (مت 54:27 ) و فى معجزة منح البصر للمولود أعمى ( يو 9 : 35-38 ) 0
علاقة المسيح بالآب :
- 1- كون الأبن عقل الله الناطق ( 1 كو 1 : 23-24 ) 0
- 2- قال السيد المسيح (( انا و الآب واحد )) ( يو 30:10 ) و ايضاً قال ((انا فى الآب و الآب فىّ )) ( يو 10:14 ) و ايضاً (( كل ما هو لى فهو لك و كل ما هو لك فهو لىّ )) ( يو 10:17 ) 0
- 3- قال ايضاً (( لكى يكرم الجميع الأبن كما يكرمون الآب )) ( يو 2:5 )0
- 4- قال ايضاً (( أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بى )) ( يو 1:14 ) 0
- 5- قال ايضاً ((من رآنى فقد رآى الآب )) ( يو 14: 9 ) 0
- 6- جلوسه عن يمين الآب ( مت 14:26 , اع 7 : , عب 1: 2, 3 ) 0
- 7- ارساله للروح القدس : ( يو 24:4 , يو 2: 27-29 , اع 33:2 , يو 2:20 ) من ذا الذى يستطيع أن يسكب روح الله , و يرسل روح الله و ينفخ روح الله فى الناس الا الله ذاته 0 و أن كان السيد المسيح قد فعل ذلك الا يكون هو الله اذن 0
السيد المسيح و صفاته الآلهية :
- 1- قدرته على الخلق 0 2- معطى الحياة 0 3- فوق الزمان 0
4- موجود فى كل مكان 0 5- نزوله من السماء 0 6- هو الأول و الأخر 0
7- هو الرب 0 8- الايمان به 0 9- قبوله العبادة و السجود 0
10- له المجد الى الأبد 0 11- هو الصالح القدوس 0 12- يغفر الخطايا 0
13- هو الديان 0 14- فاحص القلوب و الكلى 0 15- هو المخلص و الفادى 0
16- سلطانه المطلق على : الطبيعة – الملائكة – الشياطين – الشريعة – الحياة و الموت 0 17- شهادة معجزاته 0
( والد و باثق ) الآب
ليس هو ليس هو
( مولود ) الأبن الروح القدس ( منبثق )
ليس هو
المثلث المبين رسمه يوضح كيف ان كل أقنوم هو الله من حيث الجوهر و هو متمايز عن الأقنومين الآخرين من حيث خاصيته الأقنوميه
لاهوت الروح القدس
فى أول آية فى الكتاب المقدس رأينا الثالوث الأقدس … ظاهرا عيانا بيانا :
” فى البدء خلق الوهيم السموات والأرض ” ( تك 1 : 1 ) .
وفى الآية الثانية مباشرة نجد لاهوت الروح القدس ” وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه ” … وعبارة يرف هنا بمعنى Brood ( أى يعطى الحياة ) .
ويقول فى سفر أيوب ” بنفخته ( بروحه ) السموات مستقرة … ” ( أى : ) .
ويقول فى سفر المزامير ” ترسل روحك فتخلق … ” ( مز : ) .
ومن سفر الأعمال يقول أن الذى يكذب على الروح القدس يكذب على الله :
” يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس ، أنت لم تكذب على الناس بل على الله ” ( أع 5 : 3 ) .
وهنا يتضح لنا بجلاء تام لاهوت الروح القدس … أنظر أيضا ( أع 8 : 19،20 ) … فما دعاه سيمون الروح القدس … دعاه بطرس الله … ” ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح إبنه ألى قلوبكم ” ( غل 4 : 6 ) … ” روح المسيح ” ( 1 بط 1 : 11 ) .
الصفات والأعمال التى يقوم بها :
أ _ الخالق
قال أيوب الصديق ” روح الله صنعتنى ونسمة القدير أحيتنى ” ( أى 33 : 4 ) .
ب _ القادر
قال بولس الرسول … ” بقوة آيات وعجائب بقوة روح الله ” ( رو 5 : 19 ) .
وقال أيضا … ” ليملأكم إله الرجاء كل سرور وسلام فى الإيمان لتزدادوا فى الرجاء بقوة الروح القدس ” ( رو 15 : 13 ) .
أنظر أيضا : ( أف 3 : 16 ) ( لكى يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه فى الإنسان الباطن )
( زك 4 : 5 ) ( لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحى قال رب الجنود )
( مى 3 : 8 ) ( لكننى أنا ملان قوة روح الرب وحقا وبأسا لأخبر يعقوب وإسرائيل بخطيته )
ج _ العليم
قال بولس الرسول … ” فأعلنه الله لنا بروحه الآن لأن الروح يفحص كل شىء حتى أعماق الله ” ( 1كو 2 : 10 ) .
أنظر أيضا : ( أع 1 : 16 ) ( الذى سبق الروح فقاله بفم داود عن يهوذا الذى صار دليلا للذين قبضوا على يسوع )
( 1 تى 4 : 1 ) ( ولكن الروح يقول صريحا أنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوما عن الإيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين )
( يو 14 : 26 ) ( وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب بإسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ماقلته لكم )
د _ موجود فى كل مكان
( يو 14 : 16 ) ( وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد )
ه _ فاحص القلوب
( 1كو 2 : 10 ) ( فأعلنه الله لنا نحن بروحه لأن الروح يفحص كل شىء حتى أعماق الله )
و _ مانح الحياه
( رو 8 : 11 ) ( وإن كان روح الذى أقام يسوع من الأموات ساكنا فيكم فالذى أقام المسيح من الأموات سيحيى أجسادكم المائتة أيضا بروحه الساكن فيكم )
( حز 37 : 14 ) ( وأجعل روحى فيكم فتحيون وأجعلكم فى أرضكم فتعلمون أنى أنا الرب تكلمت وأفعل يقول الرب )
( 1 بط 4 : 6 ) ( فإنه لأجل هذا بشر الموتى أيضا لكى يدانوا حسب الناس بالجسد ولكن ليحيوا حسب الله بالروح )
ز _ أزلى أبدى
( عب 9 : 14 ) ( فكم بالحرى يكون دم المسيـح الذى بروح أزلى قدم نفسه لله بلا عيـب يطهر ضمـائركم من أعمـال ميتة لتخدموا الله الحى )
( مز 90 : 2 ) ( من قبل أن تولد الجبال أو بدأت الأرض و المسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله )
ح _ الديان
( يو 16 : 10 ) ( وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين )
ط _ غافر الخطايا
( 1كو 6 : 11 ) ( وهكذا كان أناس منكم لكن أغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح ألهنا )
ى _ مانح العطايا
( تك 41 : 38 ) ( فقال فرعون لعبيده هل نجد مثل هذا رجلا فيه روح الله )
( حز 31 : 3 ) ( وملأته – بصلئيل بن أورى – من روح الله والفهم والمعرفة وكل صنعة )
( قض 3 : 10 ) ( فكان عليه روح الرب – عثنيئيل بن قناز – وقضى لإسرائيل وخرج للحرب فدفع الرب ليده كوشان رشتعايم ملك آرام واعتزت يده على كوشان رشتعايم )
( لو 12 : 12 ) ( لأن الروح يعلمكم فى تلك الساعة مايجب أن تقولوه )
الروح القدس وعمله فينا
من هو الروح القدس
هو روح الله القدوس “و لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء “(اف4 :30)، “ظاهرين أنكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية “(2كو3:3).
هو روح الله “و كانت الأرض خربة و خالية و على وجه الغمر ظلمة و روح الله يرف على وجه المياه “(تك1 :2)، “قوة ايات و عجائب بقوة روح الله حتى أنى من أورشليم و ما حولها إلى الليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح” (رو19:15).
بل الروح القدس هو الله لأن الله روح “لله روح و الذين يسجدون له فبالروح و الحق ينبغي أن يسجدوا ” (يو24:4).
لاهوته
هو المعزى الذى حل على التلاميذ فى يوم الخمسين
هو روح الله وهو “روح ابنه”. (أع 1: 2-4). “ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا يا أبا الآب ” (غل6:4)، “روح المسيح” باحثين اي وقت او ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم اذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح و الأمجاد التي بعدها “(1بط11:1).
هو “روح الرب”، “روح السيد الرب” و يحل عليه روح الرب روح الحكمة و الفهم روح المشورة و القوة روح المعرفة و مخافة الرب ” ” روح السيد الرب علي لان الرب مسحني لأبشر المساكين ارسلني لاعصب منكسري القلب لانادي للمسببين بالعتق و للمأسورين بالإطلاق ” (اش2:11،1:61).
هو “روح الحق” روح الحق الذي لا يستطيع العالم ان يقبله لانه لا يراه و لا يعرفه و اما انتم فتعرفونه لانه ماكث معكم و يكون فيكم “(يو17:14).
ويثبت لاهوت الروح القدس:
(1) أنه فى الثالوث القدوس: أنه واحد مع الآب والابن ” (مت 9:28).
(2) أنه المحيى، ومعطى الحياة، ويسمى “روح الحياة” “لان ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقني من ناموس الخطية و الموت ” (رو2:8) ، هو الذى يحيى الموتى ” فقال لي تنبا للروح تنبا يا ابن ادم و قل للروح هكذا قال السيد الرب هلم يا روح من الرياح الاربع و هب على هؤلاء القتلى ليحيوا فتنبات كما امرني فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على اقدامهم جيش عظيم جدا جدا (حز9:37،10).
(3) أنه مصدر الوحى “الناطق فى الأنبياء” قانون الإيمان.
صفات الروح القدس اللاهوتية:
(1) اشترك مع الآب والابن فى عملية الخلق: “ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض” (مز30:104) قال أيوب الصديق ” روح الله صنعتنى ونسمة القدير أحيتنى ” ( أى 33 : 4 ).
(2) صفة الأزلية: “فكم بالحرى دم المسيح الذى بروح أزلى قدم نفسه لله بلا عيب” (عب14:9) ( عب 9 : 14 ) ” فكم بالحرى يكون دم المسيـح الذى بروح أزلى قدم نفسه لله بلا عيـب يطهر ضمـائركم من أعمـال ميتة لتخدموا الله الحى “( مز 90 : 2 ) ” من قبل أن تولد الجبال أو بدأت الأرض و المسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله ” ( مز 90 : 2 ) .
(3) وجوده فى كل مكان: “اين اذهب من روحك و من وجهك اين اهرب “(مز7:139) يعمل فى المؤمنين ويحل فيه “وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد ” ( يو 14 : 16 )
(4) أنه عالم بكل شئ: “يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم” (يو26:14) قال بولس الرسول … ” فأعلنه الله لنا بروحه الآن لأن الروح يفحص كل شىء حتى أعماق الله ” ( 1كو 2 : 10 ) .
أنظر أيضا : ( أع 1 : 16 ) ( الذى سبق الروح فقاله بفم داود عن يهوذا الذى صار دليلا للذين قبضوا على يسوع)
( 1 تى 4 : 1 ) ( ولكن الروح يقول صريحا أنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوما عن الإيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين )
( يو 14 : 26 ) ( وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب بإسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ماقلته لكم )
.
(5) قادر على كل شئ: أنه “روح القوة” “لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحى قال رب الجنود” (زك6:4) قال بولس الرسول … ” بقوة آيات وعجائب بقوة روح الله ” ( رو 5 : 19 ) .
وقال أيضا … ” ليملأكم إله الرجاء كل سرور وسلام فى الإيمان لتزدادوا فى الرجاء بقوة الروح القدس ” ( رو 15 : 13 ) .
أنظر أيضا : ( أف 3 : 16 ) ( لكى يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه فى الإنسان الباطن )
( زك 4 : 5 ) ( لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحى قال رب الجنود )
( مى 3 : 8 ) ( لكننى أنا ملان قوة روح الرب وحقا وبأسا لأخبر يعقوب وإسرائيل بخطيته ).
(6) أنه مانح المواهب الفائقة: “أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد” (اصحاح 1كو12).
(7) يمكث معكم إلى الأبد: (يو16:14،17) “لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه” (يو17:14).
يسمى “روح النعمة” (عب29:10)، “روح القداسة” (مز50)، “روح الحكمة والفهم” (اش2:10)، “روح الحكمة والإعلان فى معرفته” (اف17:1).
أقنومه: أحد الأقانيم الثلاثة (أقنوم = شخص) فهو:
يتكلم: “لست أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم” (مت20:10)، “افرزوا إلى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه” (اع3:13).
يعلم ويذكر ويرشد ويبكت ” و اما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء و يذكركم بكل ما قلته لكم ” (يو26:14).
يقود المؤمنين جماعات وأفراداً ” لان كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله “(رو14:8).
يقيم الرعاة “احترزوا اذا لانفسكم و لجميع الرعية التي اقامكم الروح القدس فيها اساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه “(اع28:20).
يعزى المؤمنين ويشفع فيهم “و كذلك الروح ايضا يعين ضعفاتنا لاننا لسنا نعلم ما نصلي لاجله كما ينبغي و لكن الروح نفسه يشفع فينا بانات لا ينطق بها ” (رو26:8).
انبثاقه:
نحن نؤمن بأن الروح القدس ينبثق من الآب “و متى جاء المعزي الذي سارسله انا اليكم من الاب روح الحق الذي من عند الاب ينبثق فهو يشهد لي “(يو26:15)، وهذا ما يقوله قانون الإيمان المسيحى “نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيى المنبثق من الآب”، وهذا ما قرره مجمع القسطنطينية المسكونى سنة 381.
ولكن الكاثوليك يقولون “المنبثق من الآب والابن” وهذا ضد مفهومنا للثالوث القدوس. وكما قال البعض أنها تجعل فى الثالوث ابنين وأبوين. إن كان الروح القدس يعتبر ابناً للابن إن كان منبثقاً منه ويكون الابن أباً له أيضاً.
هناك فرق كبير بين الإرسال والإنبثاق:
الإنبثاق أزلى. والإرسال فى حدود الزمان.
رموز الروح القدس:
1 – الحمامة:
“رأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه” (مت16:3).
“كونوا بسطاء كالحمام” (مت16:10) وهذه صفة الناس الروحيين.
“روح الله يرفرف على المياة” (تك2:1).
2 – الماء:
الله ذاته شبه نفسه بينبوع الماء الحى (ار13:2).
“من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حى” قال هذا عن الروح القدس (يو37:7) ويظهر ذلك فى المعمودية حيث نولد من الماء والروح (يو5:3).
3 – الزيت:
فى سر المسحة المقدس أو سر الميرون. بالمسحة المقدسة كان الأنبياء قديماً يمسحون الكهنة والملوك فيحل عليهم روح الرب ويعطيهم الروح مواهب، وكان يتقدس بهذه المسحة بيت الرب وكل مذابحه وأوانيه، هكذا كان يتقدس به الكهنة أيضاً “و تمسح هرون و بنيه و تقدسهم ليكهنوا لي و تكلم بني اسرائيل قائلا يكون هذا لي دهنا مقدسا للمسحة في اجيالكم (خر30:30،31). وكان مع المسحة المقدسة حلول روح الرب على الممسوح مع موهبة من الروح القدس هى موهبة النبوة (1صم13:16) وأن إيليا النبى مسح ملكين ونبياً هو إليشع.
4 – النار:
فى يوم البندكستى أن الروح حل على التلاميذ كألسنة من نار (اع3:2).
الكتاب يقول “إلهنا نار آكلة” (عب29:12).
فى الكنيسة حالياً الشموع إلى جوار السرج ونفس القنديل (الزيت والنار) نجده فى سر مسحة المرضى الذى يعمل فيه الروح القدس.
5 – الريح:
نقول “الريح تهب حيث تشاء” “الروح يهب حيث يشاء” (يو18:3).
إن السيد المسيح منح الروح القدس للتلاميذ فى سلطان الكهنوت بأن نفخ فى وجوههم وقال “إقبلوا الروح القدس” (يو22:2). وهذا يعمل أثناء رسامة الكاهن ينفخ الأسقف فى فمه ويقول له ” إقبل الروح القدس ” (مز119).
الروح القدس فى العهد القديم والعهد الجديد
(1) منذ بدء الخليقة: “روح الله يرف على وجه المياه” (تك2:1).
(2) اشترك الروح فى عملية الخلق: “ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض” (مز30:104).
(3) روح الله هو الذى تكلم فى أفواه الأنبياء: “الناطق فى الأنبياء” – “حسن كلم الروح القدس آباءنا بأشعياء النبى”(اع25:28).
(4) مقاومة اليهود الأنبياء كانت مقاومة للروح القدس ” يا قساة الرقاب و غير المختونين بالقلوب و الاذان انتم دائما تقاومون الروح القدس كما كان اباؤكم كذلك انتم اي الانبياء لم يضطهده اباؤكم و قد قتلوا الذين سبقوا فانباوا بمجيء البار الذي انتم الان صرتم مسلميه و قاتليه (اع51:7،52).
(5) روح الرب كان على موسى وانتقل من موسى إلى الشيوخ فحل عليهم روح الرب فتنبأوا.
(6) قال الرب لموسى النبى “خذ يشوع بن نون رجلاً فيه روح” (عد 18:27).
(7) شمشون الجبار قيل عنه أن الرب باركه”وإبتدأ روح الرب يحركه” (قض25:3).
(8) كذلك حل روح الرب على شاول الملك (1صم10:11 – 9).
(9) حل روح على الصبى داود لما مسحه صموئيل النبى ملكاً على إسرائيل ” فاخذ صموئيل قرن الدهن و مسحه في وسط اخوته و حل روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعدا ثم قام صموئيل و ذهب الى الرامة ” (1صم16 :13).
(10) المسحة المقدسة التى كان يحل بها روح الرب وكان يمسح بها الكهنة والملوك والأنبياء ومسح بيت الرب.
(11) السيد المسيح مُسح من روح الرب ملكاً وكاهناً ونبياً ” روح السيد الرب علي لان الرب مسحني لابشر المساكين ارسلني لاعصب منكسري القلب لانادي للمسبيين بالعتق و للماسورين بالاطلاق ” (اش1:61).
(12) كان روح الرب فى العهد القديم يفارق أحياناً من يحل عليه مثل شاول (1صم16:4).
فترة ما بين العهدين:
(1) أهم عمل للروح القدس كان عمله فى التجسد الإلهى (مت18:1).
(2) فى البشارة لزكريا بميلاد يوحنا المعمدان: “من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس” (لو15:1).
(3) إمتلاء أليصابات من الروح القدس (لو41:1).
(4) إمتلاء زكريا الكاهن من الروح القدس (لو67 – 64:1).
(5) عمل الروح القدس فى سمعان الشيخ: “الروح القدس كان عليه” (لو27 – 25:3).
(6) الروح القدس قبيل العماد وأثناءه (لو22:3).
الروح القدس فى كنيسة الرسل:
حلول الروح القدس كان بدء عمل الكنيسة المسيحية فى اختيار الإثنى عشر والسبعين رسول (مت6 – 1:10).
الروح القدس هو الذى منح القوة اللازمة للعمل الكرازى (يو26:14).
الروح القدس يعمل فى الخدام وهو الذى يعينهم (اع3:6)، (اع2:13).
الروح القدس كان هو الذى يحرك الخدام (اع28:8،29 ).
عمل الروح القدس:
يسمى سفر أعمال الرسل سفر أعمال الروح القدس وذلك لأن روح الله كان يتعامل فى آباءنا الرسل طوال حياتهم وبعد أن حل عليهم وملأهم يوم الخمسين وعلى مدى سنوات خدمتهم التالية كان “القوة التى انتظرها الرسل فى حالة صلاة دائمة” فأخذوها ونالوها. وكان القائد الذى يوجه كل تحركاتهم، وخدماتهم، وأفكارهم، وكان الفعل الذى استطاع أن يغير الناس، وكهنة اليهود، وشعوب الأرض لتؤمن بالسيد المسيح إلهاً متجسداً، وفادياً، ومخلصاً. وهذه مجرد أمثلة:
1 – قوة الشهادة:
وعد الرب تلاميذه بحلول روحه القدوس عليهم فقال “ولكنكم سوف تنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (اع8:1).
فى الاصحاحات من 7 – 1 كانت البشارة منحصرة فى أورشليم حتى رجم اسطفانوس فى ص8 حدث فى ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التى فى أورشليم فتشتت الجميع فى كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل (اع1:8).
وفى ص17 نسمع عن الخدمة فى السامرة وتنتشر الخدمة إلى كل الأرض من خلال رحلات الرسل الأطهار خصوصاً الرسول بولس حتى قيل عنهم أنهم فتنوا المسكونة.
2 – الملء الدائم:
استخدم سفر أعمال الرسل تعبيرات أو أزمنة مختلفة ليشرح لنا أن الملئ بالروح القدس هو جهاد الحياة كلها. لذلك نجد أن الرسل “امتلئوا من الروح القدس يوم الخمسين” (اع4:2). ثم تحدد الملء مع معلمنا بطرس حين وقف أمام اليهود بعد شفاء المقعد “حينئذ امتلأ بطرس من الروح القدس” (اع8:4). الشمامسة المختارين كانوا ممتلئين من الروح القدس وحكمة (اع3:6). ثم يقول السفر عن التلاميذ أنهم كانوا يمتلئون من الفرح والروح القدس (اع53:13). إذن فهناك إمتلاء (أكثر من مرة)، فالملء ميكانيكياً وليس أقنومياً، بل هو عمل الروح القدس المتجدد فى جميعنا نأخذه من خلال الإلحاح فى الصلاة قائلين “تفضل يا رب وحل فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا”.
3 – عمل روح الله:
إن روح الله يقوم بأعمال جوهرية فى حياة المؤمن نذكر منها على سبيل المثال:
أ – يبكت الإنسان على خطاياه ليتوب عنها (يو8:16).
ب – يرشد الإنسان إلى طريق الخلاص (يو13:16)، (يو26:14).
ج – يقدس الإنسان ويطهره من أدناس الخطية (اع3:2).
د – يقودنا: فالذين ينقادون بروح الله أولئك هم أبناء الله (رو14:8).
هـ – يعزينا: فهو الباركليت المعزى فى كل ضيقة أو حزن (يو26:15).
و – يثمر فى الإنسان ثمار روح الله القدوس (غل22:5).
ز – يعطى مواهب للخدمة من أجل بنيان الجسد الواحد (1كو11 – 7:11) ويعطى مواهب للإنسان فى كل ضيقة تقابله (يو6:14).
+ إن الرب قد جهز لنا الفداء على الصليب وروح الله ينقل بركات الفداء إلينا لنصير أبناء الآب الذى بذل ابنه الوحيد من أجلنا.
لذلك فالجهاد الأساسى للخادم أن يطلب ملء الروح المتجدد ليستطيع أن يخدم بالروح وتكون خدمته روحية.
+ يقول الرسول بولس: “إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبنى الذى به نصرخ يا أبا الآب”. الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله، فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً، وورثة الله، ووارثون مع المسيح. إن كنا نتألم معه لكى نتمجد أيضاً معه (رو17 – 15:8).
مقاومة الروح القدس:
إن الروح القدس يعمل فينا ولكنه لا يلغى حريتنا. إنه يقودنا إلى الخير ولكنه لا يرغمنا على فعله. إنه يعطينا قوة ولكننا نبقى أحراراً نستخدمها أو لا نستخدمها.
1 – إطفاء الروح: إذا تكاسل الإنسان وتراخى يطفئ حرارة الروح فى قلبه (1تس19:5).
2 – أحزان الروح: إذا أخطأ الإنسان وسقط يحزن روح الله الساكن فيه “لا تحزنوا روح الله القدوس الذى به ختمتم” (اف30:4).
نحن نحزنه لأننا أثناء الخطية نرفض الشركة مع روحه القدوس. ولذلك فالله عندما نسقط يحاول ارجاعنا إليه، فهو يبكتنا على الخطية (يو8:21)، روحه الصالح يهدينا (خر43).
3 – مقاومة الروح: إذا رفض الإنسان عمل الروح فإنه يقاوم الروح، لذلك وصف الشيطان بأنه المقاوم وكذلك أعوانه (2تس4:2).
4 – التجديف على الروح القدس: هذه الخطية لا غفران لها (مت31:12). التجديف على الروح القدس هو رفض كل عمل الروح القدس فى القلب والعقل والإرادة رفضاً كاملاً دائماً مدى الحياة، لا يمكن أن يتوب. والمعروف أنه بالتوبة تغفر الخطايا “لا توجد خطية بلا مغفرة إلا التى بلا توبة”. هو رفض من الإنسان لروح الله رفضاً كاملاً مدى الحياة – يؤدى إلى رفض الله لهذا الإنسان فيتسلمه الشيطان بالتمام.
الروح القدس ـ الباراكليت
قالوا إن يوحنا هو الوحيد بين الإنجيليين الذى سجل حديث المسيح فى العشاء الأخير وصلاته الوداعية (يو14-17). وعلى الرغم من أن كلام المسيح فى هذا الجزء يعالج أمور إمانية أساسية فإنها لم ترد فى الثلاثة أناجيل الأخرى التي لمتى ومرقس ولوقا…
أما ردنا على ذلك فهو أن كل بشير”انجيلى” كتب عن المسيح من زاويته الخاصة ولغرض خاص…يضاف إلي ذلك أن القديس يوحنا كتب بشارته “انجيله” بعد كتابة الثلاثة بشائر”اناجيل” الأخرى التي لمتى ومرقس ولوقا… لقد كتب انجيله أواخر القرن الأول الميلادى,وكانت بدع وهرطقات خاصة بلاهوت المسيح قد ظهرت. وألح المؤمنون المسيحيون على آخر الرسل ـوهو يوحناـ الذى كان ما زال على قيد الحياة,أن يكتب انجيلاً يفند فيه هذة البدع والاضاليل… ومن المعقول أن يكتب يوحنا تكراراً لما جاء بالاناجيل الأخرى التى كانت قد تداولت بين أيدى المسيحيين.
لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد،بل زعم البعض،أن كلمة”براكليت” المستخدمة للتعبير عن الروح القدس ـروح الله ـ لا يقصد بها الروح القدس,لكنها نبوءه عن إنسان آخر تنبأ المسيح عن مجبئه…!!وقد أولوا هذا الزعم والادعاء كل اهتمامهم وكأنهم اكتشفوا شيئاً عظيماً…لكننا سنرى ماذا تعنيه كلمة براكلت, وماذا يعنيه زعمهم…
سوف نقرأ بالنص الآيات التي ذكرها يوحنا فى انجيله على لسان المسيح الخاصة بالروح القدس “البراكليت”. وكلمة براكليت كلمة يونانية تعنى المعزى وهى صفة للروح القدس…لنقرأ إذن هذة الآيات التى وردت فيها كلمة براكليت لنرى هل هى تعبر عن روح الله,أم إنها تصلح لتكون وصفاً لإنسان يأتى بعد المسيح برسالة دينية!! (إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياى.وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم الى الابد.روح الحق الذى لا يستطيع العالم أن يقبله,لأنه لا يراه ولا يعرفه.وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم… وأما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب بأسمى فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم…ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا اليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى إنه خير لكم أن أنطلق.لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم.ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية,وعلى بر,وعلى دينونة.أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بى. وأما على بر فلأني ذاهب الى أبى ولا تروننى أيضاً.وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين.إن لى أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن.وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه.بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتيه.ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لى ويخبركم).”يو14: 15- 17, 26/ 15: 26/ 16: 7- 14″.
لكن كيف حدث هذا الخلط؟ وكيف ما يوصف به روح الله يصلح أن يكون وصفاً لإنسان؟! كان الإدعاء التقليدي أن الكلمة اليونانية براكليت تعنى “المحمود”…لكن هذا خطأ لغوى فاضح…فكلمة براكليت لا تعنى “المحمود” .
الكلمة اليونانية براكليتوس وهى نفس الكلمة فى القبطية, ووردت فى العهد الجديد خمس مرات. أربع مرات قيلت عن الروح القدس ووردت فى(يو14, 15, 16).وجاءت بمعنى المعزى أو المعين,وهو المعنى الأصلي للكلمة فى اللغة اليونانية.وفى المرة الخامسة ذكرت عن المسيح بمعنى الوكيل فى القضاء أو المحامى. ووردت فى(1 يو2: 1)”يا أولادي اكتب اليكم هذا لكى لا تخطئوا.وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار”.
إذن من أين نشأ هذا الخلط؟!. هناك كلمة يونانية أخرى قريبة من براكليتوس هى بريكلتوس وتعنى المحمود وهذة الكلمة لم ترد فى الانجيل…وواضح أن هناك فرقأ فى الهجاء بين الكلمتين فى الحرفين الثانى والرابع- إذن فنحن أمام كلمة أخرى مختلفة تماماً فى معناها عن الكلمة التى نحن بصددها والتى هى موضوع حديثنا فى انجيل يوحنا.
لكن المسألة التى نحن بصددها لكونها فى غاية الخطورة والأهمية,فلا نقف فيها عند حد الاختلاف اللفظى ونكتفى بذلك,لكن حينما نعود إلى الصفات التى ذكرت عن البراكليت نجد أنها لا يمكن بحال من الأحوال أن تنطبق على بشر كما سوف نرى. والعجيب أنهم- لفرط حماسهم – قالوا أن العناية الالهية هى التى حفظت هذة الآيات الواردة فيها كلمة براكليت من تلاعب المسيحيين, والتى فى نظرهم توصلهم إلى غرضهم أى أن هذة الآيات لم تتناولها الأيدى بالتحريف!!.
ونحن فى دهشة نقول لماذا كل هذا البحث والعناء الذى يدور حول الصفة مادام الموصوف ظاهراً جلياً؟!فالموصوف هو الروح القدس أو روح الحق وكلمة براكليت هى صفة للروح القدس…ولا يمكن بأى حال أن يكون الروح القدس هو إنسان للأسباب الآتيه:
البراكليت الموعود به هو روح كما هو واضح من الآيات السابق إيرادها.
الروح الموعود به حسبما جاء فى الآيات السابقة سيرسله المسيح معزياً للتلاميذ فى وقت قريب لارتفاعه “المسيح” إلى السماء “أنه خير لكم أن انطلق – لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى.ولكن إن ذهبت أرسله إليكم”. وهذا ما حدث بعد عشرة أيام لصعود المسيح إلى السماء,حينما حل الروح القدس على الرسل والتلاميذ فى أورشليم.وهذا الوصف والكلام لا ينطبق على إنسان يأتى بعد قرون طويلة من الزمان بعد أن يكون الرسل قد ماتوا!!.
كان وعد المسيح,أنه يرسل الروح القدس ليمكث مع التلاميذ إلى الأبد. وواضح أن هذا لا ينطبق على أى إنسان فى الوجود لأنه لا يوجد إنسان يحيا ولا يرى الموت.أما كيف يمكث مع التلاميذ إلى الأبد…فإن المؤمن المسيحى بالولادة الثانية بالمعمودية المقدسة يصير ابناً لله وهيكلاً للروح القدس…والمعنى أن هذا الكلام لا يقتصر على التلاميذ وحدهم بل على كل من يؤمن بأسم ابن الله المخلص بواسطتهم,وهكذا…
قيل عن الروح الموعود به “البراكليت” أن العالم لا يراه ولا يعرفه. وكونه شيئاً لا يرى يعنى أنه روح وليس إنساناً ذا جسد هيولى.
الروح الموعود به قيل إن التلاميذ يعرفونه. وهذة الصفة لا تنطبق على إنسان آخر يحاولون تفسير كلمة براكليت عليه.
الروح الموعود به قيل عنه إنه يعلم التلاميذ كل شئ ويذكركم بكل ما قاله المسيح. ومعنى هذا أنه يسير فى نفس خط المسيح, يعلم تعليمه ويذكرهم بكلامه.
الروح القدس الموعود به قيل عنه إنه روح الحق المنبثق من الآب,وهذا لا ينطبق على أى إنسان مهما سما فى مكانته. لكنه يتعلق بأقانيم الثالوث القدوس.
قيل عن الروح القدس الموعود به أنه يشهد للمسيح ويمجده ويأخذ مما للمسيح ويخبرهم. وهذا تم فى عمل الروح القدس فى الرسل والتلاميذ أثناء كرازتهم بالمسيح المخلص.
قيل عن الروح القدس أنه يبكت العالم على خطية.وهذة الخطية هى عدم الإيمان بالمسيح كإله. وعلى بر المسيح, لمن فاته من الناس أن يؤمنوا به كإله, وعلى دينونة لم يعرفوها حين دان المسيح الشيطان رئيس العالم. وواضح جداً ان هذا لا ينطبق على أى إنسان.
المسيح أوصى التلاميذ أن”لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذى سمعتموه منى لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذة الأيام بكثير“(اع1: 4, 5). فكيف يقول المسيح لتلاميذه أنكم ستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذة الأيام بكثير؟ وكيف يقال إن هذا البراكليت هو إنسان آخر يأتى بعد السيد المسيح بقرون؟!
“وكأن المسيح يريد القول إنه سيرسل إلى البشر وسيطاً آخر كما كان هو (أى المسيح) وسيطاً لدى الله وفى صالح البشر مدة حياته على الأرض. وذلك يقودنا بمنتهى المنطق إلى أن نرى فى البراكليت عند يوحنا كائناً بشرياً مثل المسيح يتمتع بحاستى السمع والكلام… أنه دور نبى يسمع صوت الله ويكرر على مسامع البشر رسالته…”
وعلى الرغم من أن هذا التخريج جديد لكنه على ضوء ما ذكرناه سابقاً يعتبر لغواً وسفسطة.
أعتقد أن الكلام الذى قلناه والذى ختمنا به هذة المحاضرة بالبراكليت تكفى لمن يحاول أن يهاجم كتبنا المقدسة.
إن العلم الحديث يقدم كل يوم أدلة وإثباتات جديدة على صدق الكتاب المقدس وعلى أنه كتاب الله الحى الذى كما قال عنه المسيح السماء والأرض تزولان أما كلمة منه أو حرف لا يزول.
” آيات عسرة الفهم “
فى رسالته الثانية يشير القديس بطرس إلى رسائل بولس الرسول و يقول إن : ” فيها أشياء عسرة الفهم ، يحرفها غير العلماء و غير الثابتين كباقى الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم ” . و بعدها يحذر المؤمنين من الهراطقة الذين يسيئون فهم و تفسير الكتابات المقدسة فيقول :” أيها الأحباء إذ قد سبقتم فعرفتم احترسوا من أن تنقادوا بضلال الأردياء فتسقطوا من ثباتكم ” ( 2 بط 3 : 16، 17 ) . إذن فهناك آيات عسرة الفهم فى الكتاب المقدس لا سيما فى العهد الجديد .. و إذا كان بطرس و هو معاصر لبولس الرسول قال عن رسائله ، فكم و كم يكون الأمر بالنسبة لإنسان أواخر القرن العشرين . على أنه من المفيد قبل أن نعرض لبعض الآيات التى تتعرض للاهوت السيد المسيح ، أن نسجل مبدأين أساسيين ركز عليهما البابا أثناسيوس الرسولى و اعتمد عليهما آباء الكنيسة ممن أتوا بعده ..
المبدأ الأول : التمييز بين لاهوت السيد المسيح و ناسوته. و هو تمييز يعنى بشكل أساسى أن وجود الناسوت متحداً باللاهوت فى ابن الله الكلمة ، يتطلب دون شك أن تصف الأسفار المقدسة هذا الناسوت ، و ان تبرز عمله . و الخطأ الذى وقع فيه الاريوسيون ومنكرو لاهوت المسيح من الهراطقة أنهم لم يميزوا بين لاهوت الابن ووجوده الأزلى ثم مجيئه إلى العالم متجسداً . الأمر الذى يتطلب أن تتغير الأفعال و الأوصاف كى تتناسب مع التجسد .
المبدأ الثانى : كان اتحاد اللاهوت بالناسوت فى شخص السيد المسيح نوعاً من تحديد صفات بشرية إلهية للمسيح الواحد . و كان من المحتم أن تظهر هذه الصفات فى مناسبات و تختفى فى مناسبات أخرى حسب طبيعة الموقف . ففى التجلى ظهر كل شئ من مجد اللاهوت دون أن يختفى الناسوت . لكن فى جثسمانى ظهرت حقيقة المسيح الإنسانية دون أن يختفى اللاهوت تماماً . و طبعاً هذه المناسبات هى مناسبات خلاص الإنسان و اعلان رحمة الله و محبته . و خطأ منكرى لاهوت المسيح أنهم لم يفهموا مقاصد التجسد و أنه لخلاص الإنسان و اعادته إلى الشركة مع الله . و الآن نعرض لبعض الآيات العسرة الفهم …
اولاً : يقول لوقا الإنجيلى :” و أما يسوع فكان يتقدم ( ينمو ) فى الحكمة و القامة و النعمة عند الله و الناس ” ( لو 2: 52 – انظر لو 2: 40 ) .
السيد المسيح من حيث هو الاقنوم الثانى فى الثالوث القدوس ، و كلمة الله الأزلى و حكمته … لم يكن يكتسب شيئاً من الحكمة بالتعليم من مصدر خارج عن ذاته ، لأنه لم يكن بحاجة إلى ذلك ، فهو ” الذى صار لنا حكمة من الله و براً و قداسة و فداء ً ” ( 1 كو1 : 30 ).. و المسيح كما يقول بولس الرسول هو ” قوة الله و حكمة الله ” ( 1 كو1 : 24 ) .لكن فى هذا النص ينحصر الكلام عن مخلصنا على صفاته الناسوتية دون اللاهوتية … فما دام سيدنا قد اتخذ لاهوته ناسوتاً كاملاً ، و اتحد به اتحاداً كاملاً بغير افتراق ، فهذا الناسوت ما دام حقيقياً – و ليس خيالاً كما نادى بعض الهراطقة – فلابد أن ينمو و يكبر ، و يصير لإلى قامة ملء الإنسان … هذا من جهة – و من جهة أخرى فما دام سيدنا قد اتخذ لاهوته ناسوتاً كاملاً من جسد و نفس ناطقة ، فالنفس الناطقة بصفتها نفساً إنسانية تنمو هى أيضاً فى المعرفة الطبيعية كما تنمو نفس كل إنسان ، و تزداد فى المعرفة و فى الحكمة الإنسانية بنمو القوى العاقلة و بازدياد الخبرات و المدركات الحسية التى تنتقل إلى داخل النفس عن طريق الحواس . و يجب الإشارة هنا إلى نقطة فى غاية فى غاية الأهمية و هى أن السيد المسيح من حيث خصائص طبيعته الناسوتية و مقومتها و تكوينها و قابليتها لسائر الاحساسات من جوع و عطش و تعب و ألم .. إلخ ، و لجميع العواطف و المشاعر و الانفعالات من حب و عطف و فرح و حزن و غضب … إلخ ، فإنه له المجد اشترك فى هذا كله معنا بناسوته كاملا ً … و إذا كنا نقول هذا من جهة الاحساسات و العواطف ، فالأمر كذلك من حيث العلم الطبيعى . فالسيد المسيح – من حيث ناسوته الكامل – خضع لكل ما يسرى على الطبيعة الإنسانية الكاملة خضوعاً تدبيراً … و حينما يذكر الإنجيل المقدس أن السيد المسيح كان يتقدم فى الحكمة و القامة و النعمة , فما ذلك إلا لكى يبين أن نفساً بشرية تتصف بالحكمة و تقتبل النعمة مع تقدم السن و القامة و تطور النمو الجسمانى … أكا من جهة النعمة فإن كانت هى فضل الله مفاضاً على طبعنا البشرى ، فهى ليست كذلك فى المسيح . و أنما النعمة فى المسيح هى مجد الله ظاهراً فيه ، و فضل الله على الجنس البشرى معلناً فى شخص المسيح و ما قام به لأجلنا . و يقول القديس أثناسيوس الرسولى – أكبر من ناضل ضد الأريوسيين الذين أنكروا لاهوت المسيح – ان هذا النص أنما يؤكد بشرية ابن الله الكلمة و ناسوته .. و قد وضع أثناسيوس هذا النص مع مثيله من نصوص أخرى تؤكد إنسانية المسيح الكاملة ، مثل سؤال المسيح عن مكان دفن لعازر ” أين وضعتموه ” ( يو 11: 34 ) و مثل سؤاله لتلاميذه فى معجزة إشباع الخمسة الآف من خمسة أرغفة و سمكتين ” كم رغيفاً عندكم ” ( مر6: 38 ) .. فأن هذه الأسئلة مثل سؤال الله لآدم ” أين أنت ” ( تك 3: 9 ) ، فأنها لا تدل على جهل الله ، بل تعنى ما حدث لآدم . إن معنى هذه الآية يجب أن يبنى على أساس ما جاء فى ( يو 1: 14 ) ” الكلمة صار جسداً و حل بيننا ” و لأ، الكلمة تجسد ، أصبح من الضرورى ألا نظن أن الكلمة الذى هو حكمة الله ( 1 كو 1: 30 ) ، يتقدم فى الحكمة أو أن المسيح الذى أخذنا نحن جميعاً من ملئه نعمة فوق نعمة ( يو 1: 16 ) ، يحتاج إلى النعمة …
إذن الذى يتقدم و ينمو هو الجسد حسب قوانين الجسد ، لأن التجسد لم يقض على قوانين الحياة الإنسانية ، و أنما تركها كما هى ..
يؤكد القديس أثناسيوس الرسولى أن تقدم القامة فى المسيح كان يعنى تقدم اعلان الوهية الابن . اى تناسب النمو الجسدى مع نمو الاعلان نفسه .
ثانياً : يقول رب المجد يسوع المسيح : ” سمعتم أنى قلت لكم أنا أذهب ثم آتى إليكم لو كنتم تحبوننى تفرحون لأنى قلت أمضى إلى الآب لأن قلت أمضى إلى الآب . لأن أبى أعظم منى ” ( يو 14: 28 )
” أبى أعظم منى ” .ز فى زعم آريوس – الذى أنكر الوهية ابن الله – أن هذا نص صريح على أن المسيح له المجد ، أقل من الآب ، و بالتالى فهو مخلوق … و السبب فى هذه الضلالة الشنيعة التى وقع فيها آريوس ، أنه على طريقة الهراطقة – عزل جزءاً من نص الآية عن السياق العام . و بهذا أتلف المعنى تماماً … سيدنا المسيح له المجد كان فى هذا الحديث يعزى تلاميذه عن مفارقته لهم بالجسد و يطيب خواطرهم و يطمئنهم بعبارات مهدئة معزية .. فهو يقول لهم :” سمعتم انى قلت لكم أنا اذهب ثم أتى اليكم . لو كنتم تحبوننى لكنتم تفرحون ، لأنى قلت امضى إلى الآب ” و فى مجال التعزية يطلب منهم أن يفرحوا و لا يحزنوا إذا ما فكروا فى الفارق بين ما هو عليه على الأرض من الذل و الإهانة و الألم لا سيما أحداث الصليب و ما تبعها و لازمها و لحقها من آلام و احزان و اوجاع كثيرة يكشف عنها قوله :” نفسى حزينة جداً حتى الموت ” و بين ما سيكون عليه سيدنا بعد أن يصعد إلى السماء من مجد و كرامة … هذا الفارق الضخم بين ما كان عليه سيدنا من هوان و ما سيصل إليه بالفعل من مجد بعد صعوده ، هو نقطة العزاء ، التى ركز عليها سيدنا حديثه حتى يه\دئ من روع تلاميذه الذين فزعوا لسماعهم عن خبر مفارقته لهم و ذهابه عنهم ، حتى أنه قال لهم : ” لأنى قلت لكم هذا قد ملاْ الحزن قلوبكم ” ( يو 16: 6 ) . و على هذا فأن قول السيد المسيح : ” ابى أعظم منى ” إنما يشير إلى الفرق فى عظمة الحال . فالابن اتخذ صورة عبد و صار فى شبه الناس ( فى 2: 7 ) . ففيما هو ” صورة الله ” الغير منظور قد أخلى نفسه من ” صورة الرب ” ،
“صورة الرب ” ، و اتخذ ” صورة العبد ” و لا شك أن صورة الرب أعظم من صورة العبد . فالآب ليس أعظم من الابن فى الجوهر ، لأن الآب و الابن جوهر واحد ، أو فى جوهر واحد ، وواحد فى الجوهر . لكن الابن و هو على الارض لابساً صورة العبد فى شبه الناس ، كان فى حال من الكرامة و البهاء و المجد . فإذا عاد الابن إلأى السماء استرد البهاء و المجد الذى كانا له ” قبل كون العالم “( يو17: 5
ثالثا: قال السيد المسيح لتلاميذه فى حديثه عن انقضاء العالم : ” أما ذلك اليوم و تلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ، و لا الملائكة الذين فى السماء ، و لا الابن الا الآب ” ( مر 13: 32 ) . يستعين منكرو لاهوت المسيح و على رأسهم آريوس بهذا النص للتدليل على أن الابن ناقص فى معرفته عن الآب و بالتالى فهو مخلوق لعدم مساواته للآب … و نحن نجيب على ذلك بقولنا إن السيد المسيح يعلم و لا يعلم … بحسب لاهوته يعلم لكن بحسب ناسوته لا يعلم … و قد سبق أن تكلمنا عن السيد المسيح و انه اخذ طبيعة ناسوتية كاملة و جعلها واحداً مع لاهوته بغير اختلاط و لا امتزاج و لا تغيير . فمن جهة اللاهوت فإن المسيح يعلم بكل شئ حاضراً و مستقبلاً . فلقد كشف للمرأه السامرية ما خفى على الناس. و كان يعرف أفكار تلاميذه و ما يفكر فيه الكتبة و الفريسيون . و قد أخبر بطرس تلميذه بما كان عتيداً أن يلحقه فى ضعف و انكار … و عرف حديث الذين يأخذون ضريبة الدرهمين مع بطرس و أمره أن يذهب إلى البحر و يلقى صنارته و السمكة التى يصطادها اولاً سيجد فيها استاراً يدفع بها الضريبة المطلوبة … و بعد قيامته علم بإنكار تلميذه توما لهذه القيامة ما لم يضع اصبعه فى أثر المسامير و يضع يده فى جنبه مكان الحربة . فكيف بعد هذا يقال أنه لا يعرف … إنه يعلم و يعرف المعرفة التى تقال لحكمة … فالمدرس الذى يضع امتحان نهاية العام حينما يسأله تلاميذه عن جزء من المقرر الدراسى و هل سيأتى عنه سؤال ، يجيب ” لا أعرف ” بينما هو يعرف لأنه واضع الأمتحان ، و لكنها المعرفة التى لا تقال لحكمة . و كذلك الأمر بالنسبة للسياسيين الذين حينما يسألون عن أمر ينفون عن أنفسهم معرفته ، و ما ذلك إلا لحكمة لأنهم لا يريدون أن يبوحوا بسر معين . ثم كيف يقال إن المسيح ابن الله لا يعرف و قد اخبر تلاميذه قبل هذه الآية مباشرة بعلامات نهاية العالم ( حروب و أخبار حروب ، و قيام الأمم و الممالك ضد بعضها , حدوث الزلازل و المجاعات و الاضطرابات , و ما سيحل بالمؤمنين من اضطهادات ) .. إنه كمن يصف طريقاً بكل دقة لآخر و هذا لا يتأتى إلا إذا كان المتكلم يعرف الطريق جيداً … ثم كيف لا يعرف و هو ” المذخر فيه جميع كنوز الحكمة و العلم ” ( كو2: 3 ) و كيف لا يعلم و الأمر يتعلق بالكون الذى خلقه . فلو كان الابن هو الخالق ، فكيف لا يعلم متى ينتهى ما خلق ؟! ثم كيف أن الآب وحده يعلم ذلك اليوم و تلك الساعة ، و لا يعلمها الابن و هو القائل : ” كل ما هو للآب هو لى ” ( يو 16: 15 ) ، ” كل ما هو لى فهو لك . و ما هو لك فهو لى ” ( يو 17: 10 ) … ” الآب يعرفنى و أنا أعرف الآب ” ( يو10: 15 ) أيهما أيسر أ، يعرف الابن الآب تلك المعرفة العيانية التى تكلمنا عنها قبلاً , أم أن يعرف اليوم و الساعة و هو موضوع أقل من معرفة الآب المعرفة العيانية بكثير … قال السيد المسيح : ” لا أحد يعرف الآب إلا الابن و من اراد الابن أن يعلن له ” ( مت11: 27 ) . ثم كيف لا يعلم المسيح الابن ذلك اليوم و تلك الساعة و هو اللوغوس العقل الإلهى المذخر فيه جميع كنوز الحكمة و العلم ( كو 2: 3 ) . ثم كيف لا يعلم الابن اليوم و الساعة و هو الديان الذى سيدين العالم ” لأن الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للإبن ” ( يو 5: 22 ) [ أنظر مت 16: 27 ، 25: 31- 46 ، مر 13: 26- 27 ] … و إذا كان هو الديان الذى سيدين العالم فكيف لا يعرف ساعته ؟!
لكن إن كان السيد المسيح لم يرد أن يفصح عن موعد اليوم و الساعة , فذلك لكى ما يجعل الناس مستعدين على نحو ما اخفى الله عن الإنسان موعد انتقاله من هذا العالم … و ثمة أمر هام و هو أن المسيح بقوله :” إلا الآب ” , فكأنه ينفى المعرفة عن الروح القدس . و كيف لا يعرف الروح القدس اليوم و الساعة و هو الذى يفحص كل شئ حتى أعماق الله ( 1 كو 2: 10 ) !! إذن لا يمكن أن يجهل الروح القدس اليوم و الساعة و فى هذه الحالة يكون أعظم من الابن ، بينما الابن يقول عن الروح القدس إنه ” يأخذ مما لى و يخبركم “
( يو 16: 14 )
رابعاً : السيد المسيح له المجد فى ليلة آلامه و فى بستان جثسيمانى ” خر على وجهه و كان يصلى قائلاً يا ابتاه إن أمكن فلتعبر عنى هذه الكأس . و لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت ” ( مت 26: 39 ) . فى هذه الآية تساؤلان : التساؤل الأول ، لمن كان المسيح يصلى إذا كان هو الله . و التساؤل الثانى ، هل كان للسيد المسيح إرادة أو مشيئة مغايرة لمشيئة الآب حتى انه يقول : لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت ؟ و اجابة عن التساؤل الأول نقول إن السيد المسيح حينما كان يصلى ، كان كإنسان ، لأنه أخذ إنسانية كاملة . و للإنسانية روح و جسد ، و كما يصلى الإنسان بروحه ( 1 كو 14: 14 ) ، كان السيد المسيح يصلى بروحه الإنسانية … و لم تكن هذه هى المرة الوحيد التى ذكر الإنجيل المقدس أن المسيح صلى ، لكن ذلك ورد فى مواضع كثيرة ( لو 3: 21 ، 5: 16 ، 6: 12 –13 ، 9: 18 –28 ، 11: 1-2 ، مت 14: 23 ، مر 1: 35 ) … و لم يرد فى جميع النصوص المشار إليها هنا منطوق الصلوات التى صلاها السيد المسيح ، و لا نعرف من أى نوع كانت تلك الصلوات . هل كانت صلوات تأمل أ, تمجيد أو تسبيح أ, شكر … لكنها على أى حال كانت تلك الصلوات ” مناجاة ” … لكن الصلاة التى صلاها المسيح فى جثسيمانى كانت صلاة طلب . أن السيد المسيح فى جثسيمانى صلى صلاة الطلب لأنه كان فى تدبير الفداء بديلاً عنا ، أى أنه صلى كنائب عن البشرية و شفيع فيها ، و فاد لها … فيما يختص بصلواته جميعاً التى ذكرت فى الإنجيل – فيما عدا صلاته فى جثسيمانى – فإنها كانت من قبيل المناجاة بين اقنوم الابن و اقنوم الآب داخل الوحدة الثالوثية و ذلك بالنظر إلى لاهوته الكائن مع الآب فى جوهر الذات الإلهية . و ذلك على مثال الناجاة التى تدور داخل الإنسان بينه و بين نفسه فيقول مثلاً : ” أنا قلت لنفسى أو قلت فيما بينى و بين نفسى ” … لآن الابن من حيث لاهوته ليس أقل من الآب فى الجوهر حتى يطلب منه كما يطلب العبد من الرب …. و كدليل على الوحدة الجوهرية بين اقنوم الابن و اقنوم الآب قول المسيح لتلاميذه : ” أنا لست وحدى لأن الآب معى ” ( يو 16: 32 ) … ” الذى رآنى فقد رأى الآب … إنى أنا فى الآب و الآب فى .. صدقونى إنى فى الآب و الآب فى … و مهما سألتم باسمى فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن . إن سألتم شيئاً باسمى فإنى أفعله ” ( يو14: 9-14 ) . و قال أيضاً : ” أنا و الآب واحد ” ( يو 10: 30 ) أى أن الابن و الآب قائمان معاً فى جوهر واحد و ذات إلهية واحدة . و للتدليل على أن صلوات المسيح كانت من قبيل المناجاة بين اقنوم الابن و اقنوم الآب داخل الوحدة الثالوثية ، نذكر ما قاله المسيح و هو ينادى الآب على مسمع من تلاميذه و من الجماهير المحيطة به ” أيها الآب قد أتت الساعة ، مجد ابنك ليمجدك ابنك ايضاً ” ( يو 17: 1 ) ” أيها الآب مجد اسمك . فجاء صوت من السماء ، مجدت و أمجد أيضاً . فالجمع الذى كان واقفاً و سمع قال قد حدث رعد ، و آخرون قالوا قد كلمه ملاك . أجاب يسوع و قال ليس من أجلى صار هذا الصوت بل من أجلكم ” ( يو12: 28- 30 ) و ثمة نقطة أخرى تتصل بموضوع صلاة المسيح .. لقد آتى المسيح كآدم ثان ليصبح رأساً للخليقة الجديدة … يقول بولس الرسول :” صار آدم الإنسان الأول نفساً حية ، و آدم الأخير روحاً محيياً … الآنسان الأول من الأرض ترابى ، الإنسان الثانى الرب من السماء “
( 1 كو 15: 45- 47 ) … و إذا كان آدم الأول بزلته دخلت الخطية إلى العالم و حملت معها الموت , فإن آدم الثانى ربنا يسوع المسيح أتى لخلاص الإنسان و ليرده إلأى رتبته الأولى . و على ذلك فإن السيد المسيح بالإضافة إلى ذلك قدم للبشرية مثلاً للإنسان الكامل ، و هو الذى دعانا لحياة الكمال الإنسانى ، و هكذا يقول القديس بطرس : ” فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكى تتبعوا خطواته ” ( 1 بط 2: 21 ) …. فالسيد المسيح علم بشخصه و ليس بكلامه كما فعل كل المعلمين الذين سبقوه … و من ضمن ما أراد السيد المسيح أن يعلمه للبشرية ، الصلاة . لذا فكثيراً ما نقرأ عنه انه كان يصلى … نأتى إلى التساؤل الثانى فى هذه الآية : هل كان للسيد المسيح إرادة أو مشيئة مغايرة لإرادة أو مشيئة الآب … و رداً على ذلك نقول : إن كان يبدو من هذه الآية أن هناك مشيئتين ، مشيئة للمسيح له المجد و مشيئة للآب ، لكن الحق أن للمسيح مشيئة واحدة ، و هى عينها مشيئة الآب … لكن كان لابد أن يظهر فى عمل الفداءكمال ناسوت المسيح ، و إنه لم يأخذ جسداً خيالياً كما زعم بعض الهراطقة ، لكن كلمة الله اتخذ له جسداً حقيقياً ذا نفس عاقلة ناطقة . كان من الطبيعى للناسوت الحقيقى فى المسيح أمام هول الآلام ، أن يرفض هذه الآلام .. إن صلاة المسيح فى بستان جثسيمانى تعبر عن شدة آلامه الحقيقية ، و كأنه يتمنى أن تعبر عنه كأس الألم أ, كأس الصليب . لكنه فى نفس الوقت هو يشاء أن يصلب من أجل خلاص البشر و يموت بديلاً عنهم ، الآب نجنى من هذه الساعة . و لكن لأجل هذا اتيت إلى هذه الساعة ” ( يو 12: 27 ) . و قال عن موته : ” ليس أحد يأخذها منى بل اضعها أنا من ذاتى . لى سلطان أن يضعها و لى سلطان أن يأخذها أيضاً ” ( يو 10: 18 ) و يتكلم بولس الرسول عن سروره بالصليب فيقول : ” الذى من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزى ” ( عب 12: 2 ) فليس هناك فى الواقع مشيئة للمسيح تتعارض مع مشيئة الآب ، لكنه تعبير عن الآلام و انها حقيقة لدرجة أن الناسوت لو كان خلواً من اللاهوت لكان يتمنى أن تعبر عنه كأس الصليب . و لكن و مع ذلك فالناسوت أيضاً يحتمل الألم برغبته فى سبيل الرغبة الأسمى و هى خلاص البشر . و هى فى نفس الوقت رغبة اللاهوت و الناسوت معاً ، و ليس بين الأثنين فى الواقع أى تعارض لأن الناسوت ناسوت الكلمة متحداً به بغير افتراق أو انفصال .
خامساً : قال السيد المسيح : ” و هذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ، و يسوع المسيح الذى أرسلته ” ( يو 17: 3) الإله الحقيقى هنا هو الإله الذى يعرفه اليهود لأنه أصل الوجود و أب البشر ، و أما يسوع المسيح فهو الاقنوم الثانى متجسداً و الابن و الآب هما جوهر واحد و لاهوت واحد ، و هما مع الروح القدس ذات إلهية واحدة . و لا فارق بين الأقانيم إلا من حيث الاختصاص . و الابن هو الذى تجسد ، و إن كان الآب و الروح القدس قد اشتركا معه فى عمل التجسد لأنهما معه فى الذات الإلهية الواحدة , و إن كان عمل التجسد مختصاً بالابن الكلمة . و لا يظهر مطلقاً من نص هذه الآية أن الآب وحده هو الإله الحقيقى ، لأن نفس التسمية استخدمت فى موضع آخر للابن .يقول يوحنا الرسول : ” و نعلم أن ابن الله قد جاء و اعطانا بصيرة لنعرف الحق . و نحن فى الحق فى ابنه يسوع المسيح . هذا هو الإله الحق و الحياة الأبدية ” ( 1 يو 5: 20 ) . و يقول الرسول بولس عن المسيح الابن : ” منتظرين الرجاء المبارك و ظهور مجد الله العظيم و مخلصنا يسوع المسيح ” ( تى 2: 13 ) … وواضح أن الله العظيم هنا هو المسيح له المجد ، لأنه هو الذى سيأتى فى مجده و ليس الآب . إن مساواة المسيح لله تعنى انه الله … يقول بولس الرسول عن المسيح إنه لم يحسب مساواته لله اختلاساً ” لم يحسب خلسة أ، يكون معادلاً لله ” ( فى 2: 6 ) … و إذا كان الابن مساوياً للآب فكيف نصف الآب بأنه الإله الحقيقى ، و لا نعطى نفس التسمية للابن أيضاً ؟ يقول أثناسيوس الرسولى : [ إذا دعى الآب الإله الحقيقى فهذا لا يعنى إنكار الابن الذى قال ” أنا الحق ” . و أنما عبارة الإله الحقيقى هى ضد الآلهة الكاذبة التى لا شبه بينها و بين الآب و الكلمة . و لذلك السبب اضاف الرب نفسه على الفور ” و يسوع المسيح الذى أرسلته ” . و لو كان الابن مخلوقاً ما كان قد أضاف هذه العبارة ، لأنه أى شركة بين الحقيقى ( الله ) و غير الحقيقى ( المخلوق ) . و لكن لأنه بعد الآب مباشرة فقد أعلن بذلك أنه من ذات طبيعة الآب ]( مقال 3: 9 ) نأتى الى عبارة ” و يسوع المسيح الذى أرسلته ” … الإرسال هنا ليس معناه الإنفصال ، أو أن الابن رسول شأن بقية الرسل ، و إنما الإرسال هنا باطنى داخل الوحدة الثالوثية . و الإشارة إلى فعل التجسد الذى تم بتدبير الثالوث القدوس … و نظراً لأن الكلمة أصبح له كيان جسدى ظاهر أمام الناس فى ذلك الزمان , و لابد أن تفسر العلاقة بين الآب الذى يعرفه اليهود و بين الكلمة المتجسد , فكان لابد من استخدام هذا التعبير …. هذا فضلاً عن أن المسيح دعى رسولاً لأنه صاحب رسالة أتى من السماء ليبلغها و يتممها .
سادساً : ” لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً ” ( يو 5: 19 ) … طبعاً هذه العبارة مجردة عما سبقها و ما لحقها تصدم الإنسان . و تلفقها الهراطقة الذين يقتطعون جزءاً من الآية لكى يدعموا به مكرهم الفاسد … لكن لو عدنا إلى النص كاملاً لوجدناه كالآتى : بعد أن أبرأ السيد المسيح مريض بيت حسدا حنق اليهود عليه لأنه فعل تلك المعجزة فى يوم سبت . فقال لهم يسوع ” أبى يعمل حتى الأن و أ،ا أعمل . فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه ، لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضاً إن الله أبوه معادلاً نفسه بالله . فأجاب يسوع و قال لهم الحق الحق أقول لكم لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل . لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك … لأنه كما أن الآب يقيم الأموات و يحيى ، كذلك الابن أيضاً يحيى من يشاء ” ( يو 5 : 17- 21 ) … يتصور الهراطقة تصوراً عقيماً بخصوص هذه العبارة ، لكنها على العكس تذل على المساواة التامة بين الابن و الآب , و انهما جوهر واحد ” لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك ” و طبعاً هذا الكلام موجهاً لليهود الذين ظنوا الابن ( المسيح ) إلهاً آخر غير الآب الذى عرفوه فى العهد القديم باسم يهوه .
سابعاً : قال الرب يسوع : ” كما أرسلنى الآب و أنا حى بالآب فمن يأكلنى فهو يحيا بى ” ( يو 6: 57 ) … فهم الهراطقة الذين أنكروا الوهية المسيح من قوله ” و أنا حى بالآب ” أن الابن يحيا معتمداً على غيره ، و هذا يعنى بشكل أساسى أن الابن أقل من الآب ؟ هذا الفهم الخاطئ يتجاهل عقيدة الثالوث … لقد أكد الآباء أن الابن هو الحياة ” أ،ا هو القيامة و الحياة ” ( يو 11: 25 ) ، و انه ” يحيى من يشاء ” ( يو 5: 21 ) … و لذلك لا يمكن فهم هذه العبارة على أنها خاصة باقنوم الابن و هو فى الأزل ، و انما باقنوم الابن و هو فى الجسد بمعنى انه حى و متجسد حسب ارادة الآب ، و إنه سوف يعطى حياته فى الافخارستيا .. خصوصاً و أن هذه العبارة تأتى فى خاتمة كلام الرب يسوع عن الافخارستيا ، و لذا قال كتكملة : ” فمن يأكلنى فهو يحيا بى ” …. فالكلام هنا عن الافخارستيا ، لكى يحيا الذين يأكلون جسده ، و هؤلاء سوف يصبحون احياء بالآب كأبناء الله . هذا و قوله : ” أنا حى بالآب ” إنما يشير الى الوحدة القائمة فى الثالوث القدوس بين الآب و الابن و الروح القدس .
ثامناً : قال السيد المسيح : ” أنا الكرمة الحقيقية و أبى الكرام ” ( يو 15: 1 ) . الكرمة تعبير هام من العهد القديم يشير الى شعب الله , و فى العهد الجديد يشير الى الكنيسة … و هذا واضح من عبارة ” أنا الكرمة و أنتم الأغصان ” ( يو 15: 5 ) . لكن منكرى لاهوت المسيح و على رأسهم الاريوسيون فهموا هذا النص على أنه مقارنة بين الكرمة ( الابن ) و الكرام ( الآب ) … و المقارنة تؤدى فى النهاية إلى اعتبار الكرمة نبات و الكرام إنسان أى أنهما من جوهر مختلف .. و يقول القديسان باسيليوس الكبير و كيرلس الاسكندرى أن الابن هو الكرمة و نحن الاغصان . ليس لأننا فروع اللاهوت ، بل نحن كذلك بسبب التجسد كما قال الرسول :” أنتم جسد المسيح و اعضاؤه أفراداً ” ( 1 كو 12: 27 ) . فالكلام هنا عن الوحدة التى بين المسيح و الكنيسة . يقول الرسول بولس : ” رأس كل رجل هو المسيح … و رأس المسيح هو الله ” ( 1 كو 11: 3 ) و يقول باسيليوس الكبير ان الإنسان ليس من ذات جوهر الابن ( المسيح ) أى ليس إلهاً و لكن المسيح من ذات جوهر الآب و لذا قيل إن الله رأس المسيح ، ليس بنفس المعنى الذى قيل إن المسيح هو رأس كل رجل … و طالما يوجد فرق بين المسيح و الإنسان فهذا لا يعنى حتما انه يوجد فرق بين الابن و الآب ، و لذلك فإن استخدام كلمة كرمة للابن و كرام للآب لا يعنى مطلقاً مقارنة فى الجوهر … الله رأس المسيح كآب ، و المسيح رأس الرجل كخالق .
تاسعاً : قال السيد المسيح ” لكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله ” ( مت 12: 28 ) يبدو أن منكرى لاهوت المسيح فهموا أن السيد المسيح لا قدرة له بدون الروح القدس على أخراج الشياطين . لكن هذا خطأ فى الفهم . و المعنى الذى قصد اليه السيد المسيح له المجد انه يؤكد سلطانه على اخراج الأرواح الشريرة . و فى نفس الوقت أراد أن يؤكد لليهود أنه على الرغم من ذلك ليس هو الها آخراً غير الإله الذى هم يعرفونه و يعبدونه … لذا كان لابد أن السيد المسيح يبين تضامن الاقانيم الثلاثة معاً ، لأنها قائمة معاً , و كائنة معاً فى جوهر واحد … و نلاحظ أن هذا النص المقدس يشير إشارة واضحة إلى الاقانيم الثلاثة . فالابن هو المتكلم , و الروح القدس هو المشار اليه بروح الله , و الآب هو المشار اليه بالله . إن هذا التعبير يدل على أن عمل اخراج الشياطين , و ان كانت بسلطان المسيح – و هو الابن الظاهر فى الجسد – لكنه بغير انفصال عن الآب و الروح القدس .
عاشراً: ” و إذا واحد تقدم و قال له أيها المعلم الصالح أى صلاح اعمل لتكون لى الحياة الأبدية فقال له لماذا تدعونى صالحاً . ليس أحد صالحاً إلا واحد و هو الله ” ( مت 19: 16-17 ، لو 18 : 19 ) . السيد المسيح عندما نطق بهذا القول أراد أن يستشير إيمان ذلك الشاب الغنى فى شخصه المبارك باعتباره الإله المتجسد . حيث أن الله فى حقيقته و جوهره غير منظور ، و لكنه أصبح منظوراً منذ التجسد الإلهى … إن الشاب الغنى بدأ حديثه مع السيد المسيح بقوله ” أيها المعلم الصالح ” . و هو يريد أن يستدرج الشاب إلى الايمان الحقيقى بشخصه المبارك . فقال له : ” لماذا تدعونى صالحاً . ليس أحد صالحاً إلا واحد و هو الله ” … و كأنه يقول له : هل كان تلقيبك لى بانى معلم صالح نوع من المديح . ام كان قولك يعبر عن عقيدة كامنة فى نفسك … فإذا كان قولك نوعاً من المديح فهو قول خاطئ لأن الصلاح الكامل صفة ينفرد بها الله وحده . و إذا كان قولك عن عقيدة بأننى صالح فهو اقرار منك بأننى هو هذا الواحد الصالح ، أو بعبارة أخرى اننى هو الله يتصف وحده بالصلاح و على أية الحالات فالقول كله فى تعبير سيدنا يسوع المسيح إنما هو إشارة من كثير من إشارته المقدسة التى أشار بها إلى لاهوته .
حادى عشر : قال السيد المسيح فى مناجاته الوداعية مع الآب : ” و الآن مجدنى انت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم ” (يو 17: 5 ) . يقول منكرو لاهوت المسيح إن الابن طلب من الآب أن يمجده . و معنى ذلك أنه طلب ما ليس له وجود عنده … لكن هؤلاء نسوا قول يوحنا فى إنجيله ” و الكلمة صار ( اتخذ ) جسداً و حل بيننا و رأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة و حقاً ” ( يو 1: 14 ) … فكيف يكون هذا الكلام حقيقياً إذا كان بلا مجد ؟! … و يقول بولس الرسول : ” لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد ” ( 1 كو 2: 8 ) … و هكذا نرى أن الابن لا يطلب مجداً لم يكن له , أو إضافة مجد له . بل المقصود من كلمات المخلص هو الإعلان عن مجد تدبير الخلاص . و لقد طلب الابن المجد الذى كان له قبل كون العالم … و هذا لا يعنى أنه فقد المجد بالتجسد لأن هذا يعنى أنه فقد لاهوته و هذا مستحيل . فالمجد لا ينفصل عن اللاهوت . و إنما ما طلبه الابن هو أن يمجده الآب لكى ترى البشرية أن الذى تجسد هو هو الذى له ذات مجد الآب …
ثانى عشر : ” و نحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلى إيلى لما شبقتنى أى إلهى إلأهى لماذا تركتنى ( تخليت عنى ) “
( مت 27: 46 ) . عبارة : ” الهى الهى لماذا تركتنى ” هى مطلع المزمور الثانى و العشرين لداود , و فيه يصف بروح النبوة بالتفصيل أحداث الصليب : ثقب يديه و رجليه , اقتراعهم على ثيابه و غير ذلك من الأمور التى تجعل الإنسان يحس و كأن النبى كان حاضراً بنفسه أحداث الصليب … إن هذه العبارة تثير صعوبتين : الصعوبة الأولى ، كيف يكلم المسيح الله و يناديه بقوله الهى الهى … و الصعوبة الثانية هى صعوبة الترك . فهل ترك اللاهوت الناسوت ؟!! و هذا التعبير يستند إليه القائلين بطبيعتين فى المسيح . أما عن الصعوبة الأولى فلها إجابتان : أولاً : إن المسيح بهذه العبارة يذكر اليهود بالمزمور الثانى و العشرين و فيه كل أحداث الصليب .و كأنه يقول لهم ارجعوا إلى هذا المزمور فتجدوا كل شئ عن صلبى لأنه من الواضح أن داود لم تثقب يداه و رجلاه و غير ذلك مما جاء فى المزمور . ثانياً : إن المسيح له المجد و إن كان هو الله ظاهراً فى الجسد . لكنه يمكنه أن يخاطب لاهوت الآب أو اللاهوت المتحد به بقوله إلهى . و هو نفسه قال لمريم المجدلية بعد قيامته ” لا تلمسينى لأنى لم أصعد بعد إلى أبى . و لكن إذهبى الى اخوتى و قولى لهم انى أصعد إلى أبى و ابيكم و إلهى و إلهكم ” ( يو 20: 17 ) . و لو كان المسيح مجرد إنسان لقال لها : ” أصعد إلى أبينا و إلهنا ” . و لكن قوله أبى و أبيكم و إلهى و إلهكم يظهر بوضوح أن صلته بأبيه غير بقية البشر و كذلك إلهى و إلهكم !! لا مانع من القول إن اللاهوت هو إله الناسوت , و إن كان متحداً به … فالمسيح من حيث هو إنسان يمكنه أن يخاطب اللاهوت – سواء لاهوت الآب الذى هو لاهوت الابن الذى هو لاهوت الروح القدس – و هو اللاهوت الحال به و المتحد به بقوله إلهى .. لان سيدنا المسيح اتخذ له ناسوتاً كاملاً من جسد و نفس ناطقة و ناسوت المسيح ناسوت مخلوق و خالقه هو اللاهوت المتحد به الذى يملاْ السماء و الأرض … فإذا خاطب الناسوت اللاهوت يخاطبه إلهى . و لا صعوبة فى ذلك لأن الناسوت كامل و له كل الصفات الناسوتية . و الاتحاد بين اللاهوت و الناسوت لم يبطل صفات الناسوت أو يعطلها . أما الصعوبة الثانية فنقول فيها إن الترك المشار إليه فى النص ليس تركاً جوهرياً و إنما هو ترك أدبى . و الآم الصليب وقعت على الناسوت طبيعياً , و فى نفس الوقت وقعت على اللاهوت أدبياً … و معنى العبارة : لماذا تركتنى للألم بينما هو لم يتركه تماماً مثلما يقول طفل يحمله أبوه أ/ام طبيب يجرى له جراحة بسيطة . فيصرخ الطفل و يقول : يا بابا ليه سايبنى ؟ إن الأب لم يتركه بل هو ممسك به و يحتضنه ، لكن المعنى أنه تركه للألم … و على أية الحالات فإن هذه العبارة تعنى أ، الآلام التى احتملها المسيح على الصليب كاتنت آلاماً حقيقية و شديدة ، و ليس كما ادعى بعض الهراطقة أن ناسوته كان خيالياً . و ان هذا الناسوت بعد اتحاده باللاهوت لازال ناسوتاً كاملاً محتفظاً بكل صفاته . و لو كان اللاهوت ترك الناسوت فى تلك اللحظة أو فارقه مفارقة جوهرية لكان معنى ذلك أن الفداء لم يتم , و أن الصلب كان صلباً واقعاً على الناسوت وحده . و من ثم يكون للصليب قيمة ” كفارية ” أبدية كالتى صارت له بالفعل . و لو ترك اللاهوت الناسوت لكان معنى ذلك الذى صلب من أجل البشر إنسان . و كيف يقول الكتاب المقدس عن دم المسيح انه أزلى ( عب 9: 14 ) , و انه دم الله كما يقول بولس الرسول لقسوس أفسس أن يهتموا برعاية كنيسة الله التى اقتناها بدمه (أع 30: 28 ) فإذا كان الدم الذى سال على الصليب يوصف بأنه دم الله فكيف يجوز قول ذلك ما لم يكن اللاهوت متحداً بالناسوت وقت الصلب أيضاً!!
ثالث عشر : ” ثم ان الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء و جلس عن يمين الله ” ( مر 16: 19 ) … ليس لله جسم , كم أنه غير محدود حتى تكون له يمين أو شمال . و قد وردت فى الكتب المقدسة أمثال لهذه التشبيهات المجازية . و نذكر على سبيل المثال نصاً واحداً وارد فى( إش 59: 1 ) ” ها ان يدى الرب لم تقصر عن أن تخلص . و لم تثقل أذنه عن أن يسمع ، بل آثامكم سترت وجهه ” … هنا نقرأ ذكر يد الله و اذنه ووجهه فى نص واحد . و قول الكتاب المقدس عن السيد المسيح انه جلس عن يمين الآب لا يفهم على معناه الظاهر طالما أن الله روح و غير محدود ,بل انه يشير إلى موضع الكرامة و المجد . و من الأمثلة على ذلك ما قاله المسيح عن نفسه شخصياً فى مجيئه الثانى للدينونة : ” متى جاء ابن الإنسان فى مجده و جميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسى مجده و يجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعى الخراف من الجداء . فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار …” ( مت 25: 31- 33) …. و أما جلوس الابن الاقنوم الثانى عن يمين الآب الاقنوم الأول فإنما يشير إلى المساواة فى الربوبية و السلطان و المجد و سائر الكمالات الإلهية …
رابع عشر : يقول سليمان الحكيم بروح النبوة عن المسيح : ” الرب قنانى ( اقتنانى ) أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم . منذ الأزل مسحت , منذ البدء منذ اوائل الأرض . إذ لم يكن غمر ابدئت . إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد و لا البرارى و لا أول اعفار المسكونة . لما ثبت السموات كنت هناك أنا . لما رسم دائرة على وجه الغمر . لما أثبت السحب من فوق لما تشددت ينابيع الغمر . لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمه لما رسم أسس الأرض , كنت عنده صانعاً ” ( أم 8: 22- 30) . استعان آريوس بهذا النص الذى رأى فيه إشارة إلى ربنا يسوع المسيح , و رأى فيه ما يدل على خلقة الابن … لكن الكلام السابق فى هذا الاصحاح يدحض زعم آريوس . الاصحاح يتكلم عن الحكمة و المقصود الحكمة الازلية … الرب اقتنى الحكمة الأزلية لا بمعنى انه خلقها , و لكن بمعنى أنها كانت منذ الازل و لا تزال قائمة و كائنة عنده .. و هذا التعبير لا يختلف كثيراً عن تعبير يوحنا فى فاتحة انجيله : ” فى البدء كان الكلمة , و الكلمة كانت عند الله ” …. و البدء الذى يشير إليه سفر الامثال هو بعينه البدء الذى يشير إليه انجيل يوحنا و المقصود هو الأزل . و ليس أدل على ذلك من انه بعد ذلك مباشرة يقول الحكيم : ” منذ الأزل مسحت ” قبل أن كانت الأرض . و الأول المذكر هنا هو الأزل . و الأزل ما لا بداية له فى الزمان . و لا يتصف بالأزلية إلا الله فهو وحده الأزلى . فإذا كانت الحكمة التى يتكلم سفر الأمثال عنها يشار إليها على أنها كائنة عند الله منذ الأزل . فمعنى ذلك أن الابن قائم و كائن مع الآب منذ الأزل و إلى الأبد . يقول منكرو لاهوت المسيح إنه ما دام الرب يقول : الرب اقتنانى أول طريقه فمعنى ذلك أن المسيح لم يكن أزلياً لأنه قال ” اقتنانى ” …. لكن كلمة اقتنانى لا تعنى بالضرورة أن هذا الاقتناء كان حديثاً , أو كان هناك فارق زمنى بين الله و حكمته … إن كلمة ” اقتنانى ” لا تعنى ” اوجدنى ” . لكن اقتنى بمعنى حاز . حتى انها فى الترجمة الكاثوليكية ” الرب حازنى ” . فكلمة اقتنى إذن تعنى حاز أو ملك أو احرز , و هى الترجمة الحرفية للكلمة بالغة العبرية . هذا اللفظ استخدمته حواء عندما ولدت قايين فقالت : ” قد اقتنيت رجلاً من عند الرب ” ( تك 4: 1 ) و طبعاً واضح أن هذه العبارة لا تعنى أن حواء خلقت قايين , و لكن بمعنى أنه صار إبنها أى أحرزته و صار ولدها و ليس غريباً عنها . و عندما يقول الرب اقتنتنى أول طريقه , فالمعنى أن الحكمة تقول إن الرب احرزنى من الأول ، منذ الوقت الذى كان فيه الله نفسه إلهاً اقتنانى من الأول منذ البدء بدون فارق زمنى . و هذا حق لأننا لا نستطيع أن نتصور الله الكلى الحكمة كان فى لحظة من الزمان خالياً من الحكمة !! إن هذه العبارة لا تزعجنا و لا تشككنا فى أزلية المسيح الإبن لأن القرينة تدل على أ،ه منذ الأزل و المعنى أن الله حكيم منذ الأزل … و لتوكيد هذا المعنى يقول : ” قبل أعماله منذ القدم ” , أى قبل الخليقة لأن الخليقة خلقت بالحكمة ، أى أ، الحكمة قائمة مع الله قبل الخليقة . ” منذ الأزل مسحت ” … و المسحة تعنى التعيين . و المسيح معناه ( المعين لمهمة معينة ) . و حينما كان الملك أو النبى أو الكاهن يمسح أى أنه عين من الله لكى يؤدى وظيفته … و الحكمة هنا تقول : ” مسحت أى مسحت من الله أى عينت ، لا بمعنى أن أحداً عينها و لكن بمعنى أن عمل الفداء ، عمل الخلاص و عمل الخلق هو من اختصاص الاقنوم الثانى . و ليس هناك غرابة فى اختلاف الاختصاصات فى الأقانيم . فالإنسان مثلاً يفكر و يتأمل بالعقل ، لكنه يعطف و يحب و يتحنن أو يكره بالقلب . و الإنسان هو هو بعينه لا ينقسم . لكن للعقل تخصص التفكير و المعرفة و العلم و القلب له تخصص التفكير و المعرفة و العلم و القلب له تخصص العاطفة و الحب و الحنو و ارحمة و الكراهية … الخ . لكن اقنوم تخصص من دون انقسام فى الذات الإلهية .
خامس عشر : قال بطرس الرسول فى عظته يوم الخمسين : فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذى صلبتموه أنتم رباً و مسيحاً ” ( أع 2: 36 ) . الضلاله التى وقع فيها منكرو لاهوت المسيح و على رأسهم آريوس , أنهم فهموا من هذا النص أن يسوع المسيح مخلصنا لم يكن رباً و مسيحاً من قبل ، و أن الله هو الذى جعله رباً و مسيحاً … خطب بطرس فى آلاف اليهود الذين تجمعوا حول علية صهيون فى يوم الخمسين عقب ما صاحب حلول الروح القدس على التلاميذ من ظواهر كصوت هبوب ريح عاصفة . و كان قصد بطرس من بعض فقرات خطابه أن يخجل اليهود مبيناً لهم مدى الجريمة التى ارتكبوها فى انكارهم للمسيح المخلص و ثورتهم عليه ثم صلبه و قتله … فيسوع هذا الذى يعرفونه أنه صلب و مات و قبر هو الذى يكرز به بطرس و بقية الرسل . لقد قام من بين الاموات و صعد إلى السموات و أرسل الروح القدس المعزى كما وعد . و على هذا فإن يسوع هذا لم تنته قصته بما فعله به اليهود ، و إنما المصلوب هو عينه المبشر به انه قام من بين الاموات و أنه هو الذى أرسل الروح القدس على أعضاء الكنيسة الأولى من الرسل و التلاميذ ، و جعلهم قادرين على أن يتكلموا بلغات متنوعة بصورة معجزية اذهلت الجماهير . فيسوع المسيح الذى عرفوه ليس ضعيفاً و إنما قوى و عظيم . إنه كذلك من حيث لاهوته ، و إن كان قد ظهر فى صورة الضعف من حيث ناسوته ، لكنه ينبغى أن لا يبقى فى اذهانهم فى صورة الضعف التى يعرفونها عنه ، و إنما فى الصورة المجيدة التى ظهرت بقيامته و صعوده إلى السموات و أرساله الروح القدس المعزى , و صنعه الآيات و العجائب على أيدى الرسل … و عبارة ” الله جعل يسوع هذا ” لا تفيد أن يسوع المسيح له المجد قد تغير فى ذاته ، و إنما هو شرح لليهود حتى ما تتغير الصورة فى أذهانهم … و كالنت نتيجة هذا الكلام أنهم آمنوا …
سادس عشر : قال بطرس الرسول عن السيد المسيح : “الذى هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة ” ( كو 1: 15 ) …. استعان منكرو لاهوت المسيح بالجزء الأخير من هذه الآية ” بكر كل خليقة ” لتأييد رأيهم الخاطئ أن الابن مخلوق … لكن واضح من النص أن القصد هو التأكيد على علاقة الابن بالآب ، أو بين الله غير المنظور و بين الله و قد صار منظوراً … و هذا ما يؤكده إنجيل يوحنا ” الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذى حضن الآب هو خبر ” . أما أن الابن هو بكر كل خليقة , فالمعنى ان الابن هو رأس الخليقة و سيدها و مبدئها , لأن الابن خالق كل الأشياء لأن به كان كل شئ و بغيره لم يكن شئ مما كان . و لأن به عمل العالمين . و كلمة البكر تفيد الأول … و قد استخدم هذا التعبير أكثر من مرة بمعنى الأول على الاطلاق و قد استخدم للمسيح فى شرح قيامته هو بكر الراقدين أو باكورة الراقدين ( 1 كو 15: 20 ) و البكر من اتلاموات ( رؤ 1: 5 ) . كما وصف بأنه البكر بين اخوة كثيريين ( رو 8: 29 ) … وواضح أن البكر هنا تفيد الأول … و الأولية هنا هى أولية كرامة لا أولية زمنية … فالمسيح بكر كل خليقة بمعنى أول كل خليقة , أى الأول الذى انشأ الخلق … اضف إلى هذا أن القديس أثناسيوس الرسولى يستخدم كلمة ” بكر كل خليقة ” بمعنى أن الابن هو رأس أو بداية الخليقة الجديدة ” إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة … لنصير نحن بر الله فيه ” ( 2 كو 5: 17- 21 ) .
سابع عشر : يتكلم بولس الرسول فى العبرانيين عن السيد المسيح انه : ” بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس فى يمين العظمة فى الأعالى , صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث إسماً افضل منهم ” ( عب 1: 3- 4 ) . هذا النص مرتبط بفقرة طويلة سبقته يتكلم فيها الرسول بولس عن مقام السيد المسيح اللاهوتى و مكانته و صفاته التى لا يمكن أن يتصف بها غير الله وحده … ” الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع و طرق كثيرة , كلمنا فى هذه الأيام الأخيرة فى ابنه الذى جعله وارثاً لكل شئ , الذى به أيضاً عمل العالمين . ” الذى و هو بهاء مجده و رسم جوهره , و حامل كل الأشياء بكلمة قدرته ” . و مع ذلك فقط اقتطع الهراطقة من منكرى لاهوت المسيح عبارة ” صائراً أعظم من الملائكة ” و فصلوها عما قبلها و ما بعدها , و قصدهم من ذلك الوصول إلى غرضهم و اثبات أن المسيح ليس هو الله . لكن ما سبق هذه الفقرة يدحض ادعاءهم … ” الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بانواع و طرق كثيرة , كلمنا فى الأيام الأخيرة فى ابنه ” … عندما تكلم المسيح فى الجسد كان الأيام الأخيرة فى ابنه ” … عندما تكلم المسيح فى الجسد كان الله هو الذى يكلمنا فيه , لأنه هو ذاته صورة الله غير المنظور ، و هو ابن الله لأننا رأينا فيه صفات الله غير المنظور و كمالاته . و ليست هناك فى لغة البشر كلمة أكثر دلالة على المطابقة التامة مع الآب من كلمة ابن . فالمسيح ابن الله لأن الصفات التى رأيناها فيه أيام جسده هى بعينها صفات الله غير المنظور … و بين الصفات و الكمالات التى يتصف بها الله غير المنظور ، يوصف المسيح أيضاً بأنه الخالق الذى تمم الخلق و العالمين … و من صفات لاهوت الابن أيضاً المطابقة التامة الجوهرية بين اقنوم الابن الكلمة و الجوهر الإلهى . و بذلك وصف الرسول اقنوم الابن بالنسبة إلى اللاهوت بأنه
” بهاء مجده و رسم جوهره و حامل كل الأشياء بكلمة قدرته ” …. هذه العبارة تدل على تمام المطابقة بين اقنوم الابن و جوهر الثالوث القدوس ، لأنه جوهر واحد . و ما يتصف به الثالوث يصدق على اقنوم الابن من حيث الصفات و الكمالات الإلهية . و من حيث هو الكلمة المتجسد فقد صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، لأنه من أجل هذا الغرض قد أتى من السماء . و بعد أن أتم عمل الخلاص و أكمله على الصليب صعد إلى السماء و جلس فى أسمى مكان فى الأعالى و هو ما يعبر عنه الرسول ” فى يمين العظمة فى الأعالى ” … و طبيعى أنه فى الجسد الذى صعد به صار فى مقام أعظم من مقام الملائكة لأن له إسماً أعظم من إسمهم . فإسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام و نكررهنا ما سبق أن قلناه مراراً أنه يجب التفريق دائماً بين ما ينسب إلى اللاهوت و ما ينسب إلى الناسوت من صفات ، لأن المسيح يملك فى طبيعته صفات اللاهوت و الناسوت معاً , من حيث أنه يجمع بين اللاهوت و الناسوت فى طبيعة واحدة بغير اختلاط و لا امتزاج و لا تغيير رغم أن صفات الناسوت يمكن أ، ينسب إلى اللاهوت باعتبار أ، الاتحاد بين اللاهوت و الناسوت اتحاد تام .
ثامن عشر : قال بولس الرسول عن السيد المسيح : ” الذى إذ كان فى صورة الله , لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله . لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد , صائراً فى شبه الناس . و إذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه و اطاع حتى الموت موت الصليب . لذلك رفعه الله أيضاً و أعطاه إسماً فوق كل إسم , لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء و من على الأرض و من تحت الأرض . و يعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب ” ( فى 2: 6- 11 ) . هذه الآيات فى جملتها تبين لنا مقام المسيح الإلهى , فهو معادل لله الآب , مساو له فى الربوبية و المجد و الأزلية و الأبدية و كل الكمالات الإلهية . و هو التعبير الذى استند إليه آباء مجمع نيقية حينما صاغوا قانون الإيمان أى واحد مع الآب فى الجوهر domooUcioc ووضعوا ربنا يسوع المسيح أنه نور من نور إله حق من إله حق , مولود غير مخلوق
فعلى الرغم من أن الاقانيم الثلاثة متميزة إلا أن كل اقنوم مساو للاقنومين الآخرين فى جميع الكمالات الإلهية . و الاقانيم الثلاثة جوهر واحد … و قول الرسول بولس عن المسيح إنه : ” لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ” , معنى ذلك أن مساواة المسيح و هو اقنوم الابن و اقنوم الآب ليست مغتصبة أى أن المسيح لم يختلس مساواته لله ، و إنما هو مساواة طبيعية بين اقنومين فى جوهر واحد و ذات إلهية واحدة و معنى أن المسيح ” كان فى صورة الله غير المنظور , لأنه كما يقول الإنجيل المقدس : ” الله لم يره أحد قط , الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر ” ( يو 1: 18 ) … و قول الرسول إنه كان : ” فى شبه الناس ” لا تعنى أنه اتخذ جسداً خيالياً , بل لقد اتخذ جسداً حقيقياً ، و إنما فى شبه الناس من حيث انه و هو فى الجسد لم يكن فى حقيقته مجرد إنسان , و إنما كان فى جوهره الله الكلمة المتجسد . إن كلمة
” شبه ” هنا لا تعارض حقيقة الناسوت الذى اتخذه ابن الله . و قد تصرف فى الجسد تصرف إنسان و هو الإله فخضع ناسوته لكل ما يخضع له ناسوت البشر من أحوال ما عدا الخطيئة . أما قول الرسول : ” لذلك رفعه الله أيضاً و أعطاه إسماً فوق كل إسم ” فليس معناه أن السيد المسيح كان وضيعاً ثم تطور و صعد إلى المجد كما قال منكرو اللاهوت . لكن هذا التطور لا وجود له من حيث لاهوته , لأن اللاهوت لا يقبل التغيير أو التطور أو الارتقاء ” ليس عنده تغيير و لا ظل دوران ” ( يع 1: 17 ) … و إنما ما حدث هو أن المسيح ابن الله اتخذ جسداً بشرياً و صار فى شبه الناس , و صار بديلاً عن الإنسان لإيفاء العدل الإلهى , و مات ذبيحاً على الصليب ذبيحة كفارية عن البشر جميعاً . و قد قبلت هذه الذبيحة , و كان فيها الترضية الكافية لعدالة الله و للحكم الذى اصدره الله على الإنسان . ثم قام المسيح من بين الامواتو صعد إلى السموات و جلس فى الأعالى فى أسمى مكان . و هكذا انتقل المسيح له اتلمجد من الأرض التى فيها اهين و صلب و مات إلى السماء فالرفعة التى يشير إليها الرسول : ” لذلك رفعه الله ” ليست رفعة فى اللاهوت , و إنما الرفعة هنا بمعنى ارتقاء المسيح من الأرض إلى السماء . كما يشير هذا الرفع إلى أن ذبيحة المسيح الكفارية الفدائية لخلاص البشر كما قبلت . و السيد المسيح بحق الخلاص الذى قدمه للبشر صار رأس الخليقة الجديدة و تاجها و مخلصها و فاديها و ملكاً لملكوت السموات , فصار إسمه هو الإسم الذى يطلق على المسيحيين لذلك أعطاه الله إسماإ فوق كل إسم و هو ما يعبر عنه بطرس الرسول ” ليس بأحد غيره الخلاص . لأن ليس إسم آخر تحت السماء قد اعطى بين الناس به ينبغى أن نخلص ” ( أع 4: 12 ) … نعود و نقول إنه يجب أن نحترس فى تفسير نصوص الكتب المقدسة بالنسبة للمسيح له المجد , فنميز بين النصوص التى تتناول الناسوت و النصوص التى تتناول اللاهوت و من بين النصوص التى تتناول الناسوت ما أورده بولس الرسول هنا إلى أهل فيلبى .
تاسع عشر : قال القديس بولس الرسول ” لا أزال شاكراً لأجلكم , ذاكراً إياكم فى صلواتى , كى يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة و الاعلان فى معرفته ” ( أف 1: 16- 17 ) . إن الرسول بولس يتكلم هنا عن ” ربنا يسوع المسيح ” , أى أنه لا يتكلم عن الابن أو الاقنوم الثانى مجرداً عن الناسوت , بل عن ” يسوع المسيح ” الإله المتأنس . فهو إله من حيث لاهوته , و إنسان من حيث ناسوته . و إذا كان ربنا يسوع المسيح ذا ناسوتيسه كاملة , فبصفته الناسوتية يعد الله الآب إلهاً له ، و إن كان بصفته اللاهوتية يعد الابن واحداً مع الآب و الروح القدس فى الجوهر الإلهى أو الذات الإلهية . و ليست هذه هى المرة الوحيدة التى يتكلم فيها العهد الجديد عن المسيح بهذه الصفة . لقد قال السيد المسيح لمريم المجدلية عقب قيامته المجيدة : ” إذهبى إلى إخوتى و قولى لهم إنى أصعد إلى أبى و أبيكم و إلهى و إلهكم “
( يو 20: 17 ) … و نلاحظ أن السيد المسيح هنا قد فرق تفرقة واضحة بين علاقته بالآب ، و علاقة التلاميذ بالآب ، و إلا لكان يقول : ” ابينا و إلهنا ” !! و رب سائل يقول : لكن الرسول لا يقول ” إله ناسوت ربنا يسوع المسيح ” , بل ” إله ربنا يسوع المسيح ” … و نحن نقول إن الكتاب المقدس ينسب ما هو للناسوت ليسوع المسيح أو للرب يسوع , لأن اللاهوت متحد فيه للناسوت اتحاداً تاماً بغير إنفصال لحظة واحدة أو طرفة عين . و هكذا يجوز أن يقال عن الآب إنه ” إله ربنا يسوع المسيح ” , إذ أنه إلهه من حيث الناسوت فقط .. و بنفس الطريقة نفهم لماذا دعيت العذراء مريم ” والدة الإله ” مع إنها ليست أصلاً للاهوت , لكن اللاهوت حل فى احشائها , و اتخذ منها ناسوتاً , و مع ذلك فهى تدعى والدة الاله باعتبار الاتحاد القائم بين اللاهوت و الناسوت , لأن الذى خرج من احشائها عند الولادة إله متأنس و ليس مجرد إنسان فقط . و جدير بالذكر أنه يمكن أن تكون للكائن صفتان دون تعارض . فالجمر محرق و محترق فى نفس الوقت . هو محرق من حيث إنه نار تحرق , و محترق من حيث المادة كالفحم و الخشب … هكذا ربنا يسوع المسيح الإله المتأنس … إنه إله من حيث لاهوته لكن من حيث ناسوته له إله , و هذا الإله هو المتحد بالناسوت , و فى نفس الوقت هو الكائن فى السماء …
عشرون : يقول القديس بولس الرسول فى الاصحاح الخامس عشر من رسالته إلى أهل كورنثوس الذى يعالج فيه موضوع قيامة الاجساد ” و لكن الآن قد قام المسيح من الاموات و صار باكورة الراقدين . فإنه إذ الموت بإنسان . بإنسان أيضاً قيامة الأموات . لأنه كما فىآدم يموت الجميع هكذا فى المسيح سيحيا الجميع . و لكن كل واحد فى رتبته . المسيح باكورة , ثم الذين للمسيح فى مجيئه . و بعد ذلك النهاية , متى سلم الملك لله الآب , متى ابطل ( بعد أن يكون قد أبطل ) كل رياسة و كل سلطان و كل قوة لأنه يجب أن يملك حتى يضع ( الله ) جميع الأعداء تحت قدميه ( لأن الله قد اخضع كل شئ تحت قدميه ) ” . و لكن حينما يقول إن كل شئ قد أخضع ( له ) , فواضح أنه غير الذى أخضع له الكل ( فواضح إن هذا لا يتضمن الله نفسه الذى أخضع كل شئ للمسيح ) . و متى أخضع له الكل , فحينئذ الإبن نفسه أيضاً سيخضع للذى أخضع له الكل كى يكون الله الكل فى الكل ” ( 1 كو 15 : 20- 28 ) . و فى هذا الاصحاح الخامس عشر من رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس يركز الرسول بولس حديثه على حقيقة طبيعة السيد المسيح الناسوتية . ثم هو يتكلم عن جسده الممجد القائم من بين الأموات الذى ستكون أجسادنا على مثاله بعد القيامة العامة ( فى 3: 21 ) . و الجزء العسر الفهم فى هذا النص هو قول الرسول : ” و متى أخضع له ( للمسيح ) الكل , فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذى أخضع له الكل كى يكون الله الكل فى الكل ” .. ووجه الصعوبة هو فى خضوع الابن لله الآب !! فى نفس هذه الرسالة الأولى إلى كورونثوس , و فى موضع سابق يقول القديس بولس للكورنثيين المسيحيين : ” لنا إله واحد الآب الذى منه جميع الأشياء و نحن له , و رب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الاشياء و نحن به ” ( 1 كو 8: 6 ) … و يقول لتلميذه الأسقف تيموثاوس : ” لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله و الناس الإنسان يسوع المسيح , الذى بذل نفسه فدية لأجل الجميع ” ( 1 تى 2: 5- 6 ) … فالكلام ينحصر على حقيقة ناسوتية المسيح , و على شفاعته الكفارية التى اتمها على الصليب من أجل خلاص العالم ” متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذى بيسوع المسيح , الذى قدمه الله كفارة بالايمان بدمه ” ( رو 3: 24- 25 ) … ” يسوع المسيح البار ، و هو كفارة لخطايانا . ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً ” ( 1 يو 2: 1, 2 ، 4 : 10 هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى فإن النص يتحدث عن خضوع سوف يتم فى المستقبل ” فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذى أخضع له الكل ” . و معنى ذلك أن كلام الرسول هو عن عمل المسيح من أجل خلاص الإنسان و فدائه على الصليب . لقد أثبتنا فى كل ما قلناه سابقاً مساواة المسيح من أجل خلاص الإنسان لله الآب فى كل الصفات و منها الأزلية . و هكذا فإن المسيح ابن الله لم يكن خاضعاً للآب منذ الأزل , بل هو واحد معه فى الجوهر . و لكنه فى التجسد حينما اخلى ذاته آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس ووضع نفسه و أطاع حتى الموت موت الصليب هنا فقط فى التجسد خضع الابن للآب من أجل عمل الفداء . و المسيح بتجسده صار هو رأس الإنسانية الجديد أو رأس الخليقة الجديدة صار آدم الثانى ” كما فى آدم يموت الجميع , هكذا فى المسيح سيحيا الجميع …. صار آدم الإنسان الأول نفساً حية , و آدم الأخير ( المسيح ) روحاً محيياً … الإنسان الأول من الأرض ترابى . الإنسان الثانى الرب من السماء . كما هو الترابى هكذا الترابيون أيضاً . و كما هو السماوى هكذا السماويون أيضاً . و كما لبسنا صورة الترابى سنلبس أيضاً صورة السماوى ” (1كو 15: 22 ، 45 ، 47- 49 ). إن رأس الإنسانية سوف يقدم الإنسانية الجديدة للآب فى آخر الدهور عندما ينتهى كل شئ “متى سلم الملك لله الآب” … و لأن الآب اخضع للابن آدم الثانى كل شئ لكى يقوم باصلاح كل الامور … لذلك بعد أن أتم الابن ذلك بموته الفدائى على الصليب من قبل تجسده فإنه أى الابن يعيد للآب كل شئ , و ذلك بعد أن انتهى دوره تماماً بعد الدينونة … فى ذلك الوقت يصبح الله الكل فى الكل . بمعنى أنه لا يصبح للابن مميز كما كان فى التجسد .
واحد وعشرون : قال القديس بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين عن ربنا يسوع المسيح : ” الذى فى أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد و دموع , طلبات و تضرعات للقادر أن يخلصه من الموت و سمع له من أجل تقواه . مع كونه إبناً تعلم الطاعة مما تألم به . و إذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدى” (عب 5: 7-9). الإشارة فى هذا النص المقدس إلى ما حدث فى بستان جثسمانى حيث جثا مخلصنا على ركبتيه و صار يصلى , و كان عرقه يتصبب مثل قطرات الدم , مما يدل على عظم الآلام و شدة الحزن و قسوة الآلام النفسية و عنفها … فى هذا الموقف قدم المسيح صلاة إلى الآب لكى يجنبه قسوة الآلام و شدتها . و كان هذا ممكناً لأن ناسوته متحد بكمال اللاهوت القادر أن يجنبه الألم … لكنه فى ذلك يتعارض مع إرادته و مشيئته فى قبول موت الصليب لهذا الغرض . على أن هذه الصلاة لم تكن محصورة فى تجنب الآلام , لكنها كانت أيضاً من أجل طلب قوة الاحتمال . لأن الآلام كانت شديدة جداً و كان يمكن أن تجهز على ناسوت المسيح قبل أن يصلب و يموت على الصليب لما تم عمل الفداء و خلاص البشرية . و بذلك تكون خطة الله و تدبيره فى خلاص الإنسان قد فشل … كان لابد أن يحتمل المسيح الآم الصليب حتى النهاية … و المسيح احتمل ألاماً شديدة جسدية و نفسية و روحية , إلى أن تم صلبه , و نكس رأسه و قال : ” قد اكمل ” فى هذا النص الإشارة إلى السيد المسيح هو بديل عن الإنسان و فادى البشر . و قد أخذ صورة الإنسان . فالإشارة إلى المسيح من حيث ناسوته . و قد أخذ ناسوتاً حقيقياً كاملاً . و لا يعيب سيدنا أن يصلى طالما أنه فى الجسد , بل هو دليل ناسوته الكامل . و ليس صراخه و دموعه معناه أن لاهوته قد فارق ناسوته , و انما معناه أنه لم يدع للاهوته أن يوقف عمل الناسوت و خصائصه . و حينما يقول ” فسمع له من أجل تقواه ” , فإنه يجوز للرسول أن يصف المسيح بالتقوى و هى من صفات الناسوت . كما جاز له أن يصف المسيح بالطاعة و هى من صفات الناسوت أيضاً . و هو فى هذه الحالة يطيع لاهوته هو , ذلك اللاهوت الذى يملاْ السموات و الأرض . و قول الرسول أنه سمع له . معناه انه استجيب إلى طلبه لئلا تجهز الآلام عليه قبل أن يتم عمل الفداء . و بالفعل طالت حياته الجسدية إلى أن أتم عمل الصليب . و هذا هو معنى قول الرسول : ” و إذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدى ” .