الحب
تعتبر كلمة الحب، من أعظم الكلمات التي تسمعها الأذن، ويشعر بها القلب. ويرجع ذلك إلى التركيب النفسي والعاطفي الذي خلقه الله في الإنسان، فكل إنسان بحاجة لأن يكون محبوباً وبنفس الصورة هو بحاجة أن يحب.
وحينما يشعر الإنسان أنه محبوب فإنه يشعر بالقيمة الذاتية، والأهمية الشخصية، والقبول من الآخر، وجميعها قيم داخلية يحتاج كل إنسان أن يشعر بها.
ودائماً ما يبحث الإنسان عن الحب وسط أهله وأصدقائه و أقاربه وزملائه. ومن المعروف أنه كلما حصل الطفل الصغير على مزيداً من الحب – بطريقة سليمة خالية من التدليل الزائد – داخل نطاق الأسرة فإنه يكون أكثر اتزاناً في حياته التالية، فسيكولوجية الإنسان تقول أن أكثر الناس بحثاً عن الحب هم من لم يحصلوا عليه. وقد يتسبب هذا في الكثير من المشكلات النفسية والعاطفية التي تؤدي إلى القلق والتوتر، والسعي الخاطئ نحو ما يظنه الشخص حباً، ومحاولة جذب الانتباه التي تصل في بعض الحالات الخطيرة إلى محاولة الانتحار.
ولذا فإنه من المهم جداً أن يشعر الشاب داخل أسرته وكنيسته بالحب من الجميع، وأن لا يكون هذا الحب مكافأة على السلوك الطيب للشاب، فالشاب يحتاج أن يكون محبوباً في أوقات الضعف والسقوط أكثر من أوقات القوة والانتصار.
ومن الجميل أن تشعر أنه يوجد من يحبك في كل ظروف حياتك ومهما كانت حالتك الروحية أو النفسية أو الاقتصادية، ســواء كنت قائماً أو ساقطاً فالرب يحبك ويريد أن يشددك و يقيمك. يريد أن يقدم لك جميع حاجاتك الجسدية والنفسية والفكرية والروحية ، وفي محبته لك لن تشعر بأنك محروماً من الحب.
لقد أعطانا السيد المسيح هذه المحبة كما يقول الرسول بولس في رسالته إلى رومية:” لان المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعيّن لأجل الفجار. فانه بالجهد يموت أحد لأجل بار. ربما لأجل الصالح يجسر أحد أيضاً أن يموت. ولكن الله بيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيرا ونحن متبرّرون الآن بدمه نخلص به من الغضب. لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص بحياته.” (رومية 5 : 6-10).
ويقول القديس يوحنا:” لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا 3 : 16) ، “لأنه ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه” (يو 15 : 13).
ثق أيها الشاب أن الله يخاطبك في كل لحظة كما خاطب دانيال النبي في القديم قائلاً ً: “لأنك أنت محبوب” (دانيال 9 : 23).
و الآن وقد علمت أنك محبوب جداً من الله فإنك تستطيع أن تقدم بعضاً من هذا الحب للمحيطين بك كما يخبرنا القديس يوحنا: “أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضا لان المحبة هي من الله وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله” (1 يو 4 : 7).
وهذه هي حاجتك الثانية في هذا الموضوع، أن تحب. فحينما تحب تشعر أكثر بأنك شخصاً ناضجاً قادراً على العطاء. ولكن ولكي يكون كلامنا محدداً وواضحاً ينبغي أن نعلم ما هو الحب؟
توجد باللغة اليونانية ثلاث كلمات مختلفة تدل على كلمة الحب التي نقوم باستعمالها، وتمثل ثلاث مستويات:
- حب على المستوى الجسدي ، وهو ما يعرف بالحب الاستهلاكي أي محاولة إشباع الجسد على حساب الآخر، وهو ما يعرف بالشهوة الجسدية الشديدة ويسمى باليونانية erwv ” إيروس” ومنه أخذت الكلمة الإنجليزية Erotic التي تعني شخصاً شهوانياً. ولم ترد هذه الكلمة مطلقاً في العهد الجديد رغم شيوع استخدامها بين اليونان في وقت كتابته. فلم يهتم الكتاب بها ، ولم يحسب لها حساباً، فهي ابعد ما تكـــون عن الحب الذي يطالبنا الله به ، أو الحب الذي نرضى به لأنفسنا أو لمحبوبنا.
- حب على مستوى المشاعر والأحاسيس، ويشمل أحاسيس الصداقة النبيلة، والعطف والترحيب المتبادل ويسمى باليونانية filew “فيليو” ، وهو أرقى كثيراً من النوع السابق.
- حب الأغابي agaph وهو أعمق أنواع الحب وأعلاها وأكملها، ويرتبط بالإرادة والاتجاه والثبات فهو لا يتغير بتغير الظروف المحيطة، هو حب لا ينتظر المقابل، هو حب الله لكنيسته ، حب الله لك ولكل واحد، هو الحب المطلوب بين الزوج وزوجته ، بين الآباء وأولادهم، بيننا وبين إلهنا.
الحب الباذل هو أن أعطي نفسي بالكلية للآخر دون انتظار المقابل عن هذا الحب، الحب الحقيقي هو ما تحدث الرسول بولس عنه في رسالة كورنثوس:” المحبة تتأنى وترفق.المحبة لا تحسد.المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء.المحبة لا تسقط أبدا”. (1كو 13: 4-8)
والآن هل اكتشفت بنفسك أن الحب الذي نراه على شاشات التليفزيون أو السينما في أغلب الأحوال ليس حباً حقيقياً، وأن كل حب لا يهتم بالآخر ولا يهدف إلى مصلحة الآخر، ولا يراعي شعور الآخر أو سمعة الآخر أو نجاح الآخر هو في الحقيقة ليس حباً.
ونعود لنجيب عن السؤال: كيف اقدم الحب للآخرين؟
وللإجابة على هذا السؤال أقول لك أنه ينبغي أن تكون فالانتينو Valentine (وهو الاسم الذي يطلقه البعض دون وعي على المحبين).
ولكن، هل تعرف من هو فالانتينو الذي تسمع عنه كثيراً، ويتردد اسمه مرتبطاً بالحب وعيد الحب؟
فالانتينو هو الأسقف فالانتين Bishop Valentine (ويوجد قديس آخر من الأتقياء يدعى بنفس الاسم وينسب إليه البعض العيد أيضاً) من أساقفة روما وقد استشهد من أجل الإيمان بالمسيح في عهد الإمبراطور كلوديوس الثاني يوم 14 فبراير سنة 270 ميلادية. وقد اشتهر هذا الأسقف بمحبته لجميع الناس، كما اشتهر بما قدمه من أعمال الشفقة والرحمة حتى أصبح رمزاً نابضاً للحب ، في حبه لإلهه الذي استشهد من أجل الإيمان به، وفي حبه لشعبه وأخوته بما قدم من أجلهم . وحينما أراد جيلاسيس Gelasius بابا روما سنة 496م أن يصنع عيداً للحب وجد أن هذا الأسقف يمثل الحب المسيحي الصادق فحدد يوم استشهاده ليكون عيدا للحب. وما زال معمولاً بهذا العيد حتى الآن، ولكنه تحول كثيراً عن الهدف المرجو منه ، وأصبح اسم فالانتينو – للأسف – مرتبطاً كثيراً بالمعنى الاستهلاكي للحب.
والآن هل نتعرف معاً على بعض المجالات التي نستطيع من خلالها أن نقدم الحب للآخرين متمثلين بذلك الشهيد الذي شهد بحياته من أجل محبته في الملك المسيح.
- كن فالانتين، وقدم حبك في خدمة إلهك الذي مات من أجلك على عود الصليب وقام من أجلك. وفي هذا لا تحسب حساب للنفقة ، ولا تنتظر مقابل لحبك. ولكن لا تخف فهو يعطيك مائة ضعف في هذا الدهر ، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية (مرقس 10 : 30).
- كن فالانتين، وقدم حبك لكنيستك بكل عقائدها وطقوسها وخدماتها و آبائها وشعبها. احرص على خدمتها دون انتظار مقابل لهذا الحب.
- كن فالانتين، وقدم حبك لأسرتك ، الكبير والصغير، قدم الحب لكل من هو بحاجة إليه، احرص على عمل كل ما يفرح قلوبهم دون انتظار مقابل لهذا الحب.
- كن فالانتين، وقدم حبك لمجتمعك الذي تعيش فيه ، احرص على دراستك ، تفوق ، كن عضوا صالحاً في مجتمعك، قدم الحب للجميع حتى الذين يسيئون إليك، ولا تنتظر شيئاً في مقابـل هذا الحب.
- كن فالانتين، وقدم حبك لكل محتاج للحب ، حباً نقياً صادقاً يصل بك ومن تحب إلى قلب الله الذي أحب الجميع ، قدم حبك في خدمة المحتاجين ، المعوزين، المرضى. قدم حبك للحزانى والمتألمين والمتضايقين. ولا تنتظر شيئاً في مقابل هذا الحب.
ويبقى العديد من المجالات التي يستطيع الإنسان أن يقدم الحب من خلالها ، ولعل أحد أهم هذه المجالات هو تقديم الحب للزوجة أو الزوج من خلال سر الزواج المسيحي المقدس وذلك في الوقت المناسب الذي يحدده الله لك، فلا تنشغل بذلك كثيراً الآن ، واعلم أن لكل شئ تحت السماء وقت، فاهتم اليوم بدراستك، وحقق أهدافك، وعش حياة الحب والعطاء من الآن لتتمكن في المستقبل من إشباع بيتك وأولادك بهذا الحب المستمد من محبة الله لك.