أناجيل الطفولة في متى ولوقا
|
مقدمة
يُعرف الإصحاحان الأوّلان من إنجيلي القديس متى والقديس لوقا عند دارسي الكتاب المقدّس بـِ “أناجيل طفولة يسوع المسيح”. وفي بنية كلّ من الروايتين ومضمونها ما يجيز تحليلها كوحدةٍ أدبيةٍ متجانسة ومستقلّة.
ولئن كان الإنجيلان كلاهما يهدفان إلى الحديث عن مولد يسوع المسيح وطفولته، إلاّ أنّ كلاً منهما يظهر اختلافاتٍ بارزة إنْ من حيث الشكل أو من حيث المضمون. أضف إلى هذا أنّ الباحثين الكتابيين يجدون في هذه الاختلافات دلائل واضحة تدعم الفرضية القائلة بالاستقلال الأدبي لكلّ من متى ولوقا.
لا يدهشنّنا أن يكون الحدث نفسه قد رُوِيَ بطريقتين مختلفتين. هذه الظاهرة قائمة حتى في يومنا هذا، وذلك، مثلاً، في الطرق المختلفة التي تنقل بها الصحف في بيروت، كل منها بحسب إيديولوجيتها، الخبر نفسه إلى القراء. وعليه فإنّ إنشاء معملٍ، على سبيل المثال، قد يكون، عند البعض، رمزًا للازدهار، وهو ذاته قد يشكّل، لدى البعض الآخر، تهديدًا للمحيط البيئيّ. تمارس الخلفية الاجتماعية والثقافية للقارئ والكاتب دورًا أساسيًا في المجالات التعبيرية للإنسان. سوف نعود إلى هذا الموضوع لاحقًا.
تتألّف هذه المساهمة الصغيرة في الموضوع الذي يجمعنا اليوم من جزأين أساسيين: يحتوي القسم الأوّل، وهو الأهمّ والأطول، تفسيًرا عامًا للنصوص مع إشارة خاصّة إلى بعض الأمور المتنازع عليها تفسيريًّا. أمّا القسم الثاني فهو عرض مختصر لمكانة تلك النصوص في الليتورجيا الأرثوذكسيّة.
لن أقدّم حلولاً نهائية، فدراستي هذه لا تدعي إعطاء أجوبة، ولكنّها تحاول أن ترسم خطوطًا ثابتة لتأمّل ناضجٍ في هذه النصوص العزيزة على كلّ مسيحيّ في العالم أجمع.
القسم الأوّل: تفسير النصوص
مقارنة البنية الداخلية للروايتين
نجد في إنجيل متى جزأين منفصلين بوضوح: عندنا، من جهة، نسب يسوع (متى 1: 1-17)، ومن جهة أخرى ثلاث قصص تلي النسب، وهي التي تتحدّث عن الطفولة (متى 1: 18-2: 23)([1][1]). أمّا هذه القصص الثلاث فهي كالآتي:
– – الحبل بيسوع عمانوئيل (متى 1: 18-25)
– – مجوس المشرق أمام ملك اليهود (متى 2: 1-12)
– – الهرب إلى مصر، ثم العودة والإقامة في الناصرة (متى 2: 13-23)
في حين أنّ للنسب بنيته الخاصّة، فإنّ القصص الثلاث تتشابك بعضها ببعض من حيث المواضيع المشتركة واللغة الخاصّة بها، كما في استعمال لقب “ملاك الربّ” (متى 1: 20، 24؛ 2: 19)، ودور شخصية هيرودس (متى 2: 1، 19)، والإشارة إلى بيت لحم (2: 1، 5، 16)، والعبارة التي يشار بها إلى تحقّق النبوءات (2: 5، 15، 17، 23). في أيّ حال، لا يمكن اعتبار النسب وحدة مستقلة، فهو مقدّمة للمواضيع الواردة في قصص الطفولة، ولا سيّما عبر مصطلح “النسب” (متى 1: 1، 18)، ولقبي “ابن داود” (متى 1: 1) و”المسيح” (متى 1: 16، 17) والإشارة إلى المولد (متى 1: 16).
أمّا نصّ القديس لوقا فهو أطول بكثير من نصّ متّى. يستعمل الإنجيليّ الثالث شكلاً أدبيًا يُعرف بالموازاة ([2][2]) ليبني إنجيل الطفولة الذي لا يتكلّم على يسوع فحسب، بل على القديس يوحنا المعمدان أيضًا. وتتوالى عند لوقا بشارة زكريا وبشارة مريم، ومولدُ يوحنا ومولد يسوع، وختانة يوحنا وختانة يسوع وتقديمه إلى الهيكل، لينتهي كلّ هذا بقصّة عن يسوع وهو في سنّ الثانية عشر يتحدّث إلى معلمي الناموس.
يسوع الناصري | يوحنا المعمدان |
1. 1. المشهد الأوّل: بشارة مريم
لوقا 1: 26-38 |
1. 1. المشهد الأوّل: بشارة زكريا
لوقا 1: 5-20 |
المشهد الثاني: مريم وإليصابات
لوقا 1: 39-56 |
2. 2. المشهد الثاني: زكريا والشعب
لوقا 1: 21-25 |
المشهد الثالث: مولد يسوع
لوقا 2: 1-20 |
3. 3. المشهد الثالث: مولد يوحنا
لوقا 1: 57-58 |
المشهد الرابع: الختان ودخول الهيكل
لوقا 2: 21-38 |
4. 4. المشهد الرابع: ختان يوحنا
لوقا 1: 50-79 |
المقطع الختاميّ وقصّة نموذجية: الصبيّ ينمو في الهيكل
لوقا 2: 39-52 |
5. 5. المقطع الختامي: الصبيّ ينمو في البرّية
لوقا 1: 80 |
إذا قمنا بمقارنة أولى بين النصّين، نكتشف أوجه تشابهٍ قليلةٍ بينهما. وفي قصّة الحبل بيسوع (متى 1: 18-25؛ لوقا 1: 26-38) نجد تشابهًا روائيًّا أوضح. ولكن ثمّة هدفًا مشتركًا عند الإنجيليين هو تقديم قصّة تؤكّد أنّ الطفل يسوع هو المسيح المنتظر لأنّ كتابات شعب الله سبقت فوعدت به:
– – يقدّم متى يسوع منحدرًا من نسل داود (متى 1: 1، 20)، وحاملاً لقبي “المسيح” (متى 1: 17) و”عمّانوئيل” (متى 1: 23)، قائلاً إنّ فيه تمّت النبوءات المسيانية في الإيمان اليهوديّ القديم (متى 1: 22؛ 2: 5، 15).
– – ويدعو لوقا يسوع “المسيح الربّ” (لوقا 2: 11؛ 26)، و”ابن العليّ” و”ابن الله” (لوقا 1: 32، 35). يسوع هو أيضًا “ابن داود” (لوقا 1: 32؛ 2: 11)، وفيه يبصر أتقياء إسرائيل الخلاص والفداء (لوقا 2: 32، 38).
ثمة أيضًا قاسم مشترك آخر في غاية الأهمية هو موضوع السماوات المفتوحة، الذي يظهر عبر الإعلانات والأحلام والرؤى. وهذا يدلّ على أننا في الحقبة المسيانية التي فيها تُفتَح السماوات من جديد لإتمام العمل الخلاصيّ النهائيّ.([3][3])
ويتفق الإنجيليان، علاوةً على ذلك، على أنّ يوسف، وهو من نسل داود، كان خطيب مريم؛ وأنّ يسوع ولد في بيت لحم من أمّ بتول (وهذان عنصران مهمان بالنسبة إلى المسيحانية)، وأنّ كلّ ذلك حصل في زمن هيرودس الكبير.
وكما نرى فإنّ أوجه التشابه ليست بقليلة، وهذا ينطبق أيضًا على المجال اللاهوتي. فلنتعرّف الآن بالتفصيل على المعاني المتضمّنة في كلّ من النصين.
الطفولة بحسب القديس متى البشير: الله يخلق شعبه من جديد
مما لا شكّ فيه أنّ القديس متى يكتب إلى جماعة يهودية مسيحية، وذلك على الأرجح خلال الفترة الممتدّة بين السنة 80 والسنة 85 للميلاد.([4][4]) وقد عرفَ الآباء القديسون إنجيله في زمن مبكر وقبلوه. هذا الكتاب كُتبَ ليُقرأ ضمن الجماعة الليتورجية. وتعكس بنيته نظرة المعلّم الذي يكتب إلى جماعته ليحثهم على التعمّق في الكلمة والاغتذاء بها. وهو الإنجيل الوحيد الذي يستعمل عبارة “كنيسة” (متى 16: 18؛ 18: 17) ويهتمّ بحياة الجماعة وتنظيمها.([5][5]) ويتميّز إنجيل متى بعظاته الخمس المرتبة بحسب موضوعها، وهي ذات معنى في برنامج تحرير الإنجيل عمومًا: في 26: 11 ينتهي يسوع من كلّ العظات.([6][6]) أمّا الجماعة التي يتوجّه إليها الإنجيل فمركزها مقاطعة سوريا الرومانية، على الأرجح إنطاكية، وذلك لكون هذه الأخيرة مدينة مهمة يسهل عبرها انتقال هذا السفر إلى سائر أنحاء الإمبراطورية الرومانية.
ترتبط نصوص الطفولة ارتباطًا وثيقًا بسائر الإنجيل، وهي تعكس برنامجًا تحريريًا وخطًا لاهوتيًّا لكاتب واحد. لكنّ هذا لا يمنع أن تكون المصادر التي رجع إليها مؤلف الإنجيل الأول متأخرة، وذلك مقارنةً بسائر أجزاء إنجيله. أقول هذا لأنّ ثمّة إجماع عند دارسي الكتاب المقدّس على أنّ الكرازة المسيحية الأولى كانت المصدر الرئيسيّ للأناجيل. هذه الكرازة تعكسها مثلاً نصوص مثل 1كورنثوس 15: 3-4؛ رومية 1: 3-4؛ 1تسالونيكي 1: 9-10. أمّا أهمّ ما في هذه الكرازة فهو، بلا شكّ، قصة الآلام والقيامة. وقد أضيفَ على هذا تعليم يسوع، مع مجموعات أقوال وأعمال تتعلّق بيسوع. وأخيرًا، ولكي يكتمل القالب الروائيّ، أضيفت على الإنجيل أخبار الطفولة.([7][7]) ولكنّ الترتيب الزمنيّ لظهور المجموعات التي يتألف منها الإنجيل، أي الكرازة، ثم التعليم، ثم الطفولة، لا يحول دون كون أخبار الطفولة قد شكّلت جزءًا من الإنجيل منذ اللحظة الأولى. لننتقل الآن لنرى بعض التفاصيل في عمل الإنجيليّ متّى.
سلسلة الأنساب (متى 1: 1-17): يبدأ القديس متى إنجيله بذكر سلسلة أنساب يسوع. العنوان هو “كتاب”([8][8]) نسب يسوع المسيح، ابن داود، ابن إبراهيم.” في العهد القديم وفي الشرق الأدنى القديم كانت سلسلة الأنساب تُستعمل لوصف العلاقات القائمة بين البشر والله (أنظر تكوين 5: 1 وما يليها). والغاية منها الإشارة إلى أنّ الله اختار أشخاصًا معيّنين ليعمل بواسطتهم وليكونوا قدوةً للآخرين. ويخلق النسب رابطًا يوحّد بين مختلف التقاليد والأجيال ويحدّد المعلم الضروريّ لفهم هذه الأحداث وتفسيرها.([9][9]) يتحدّث العالِم لوس عن وظيفةٍ للنسب تتعلّق بالحقوق الشرعيّة.([10][10]) وقد أراد متى، بوضعه النسب في مستهلّ عمله، إعطاءنا مفتاحًا لفهم هذا العمل. أمّا لقبا “ابن داود” و”ابن إبراهيم” فيشيران إلى الوعود المسيانية التي تحققت في يسوع المسيح.([11][11])
يبلغ انتظار ابن داود، الملك العادل الذي بحسب مشيئة الله، ذروته عند النبيّ إشعياء (أنظر إشعياء 7: 1-17؛ 9: 1-6؛ 11: 1-9)،([12][12]) ولو كان غيره من الأنبياء قد تحدّثوا عن هذا الموضوع: عاموس 9: 11؛ إرميا 23: 5-8؛ 33: 14-26؛ حزقيال 17: 22-24. لهذا السبب يتحدث متى عن داود الملك في 1: 6، ولهذا أيضًا يرتّب الأجيال في مجوعات ثلاث تحتوي كلّ منها أربعة عشر جيلاً. والقيمة العددية لاسم داود في العبرية (دَوِد) هي 4+6+4، أي ما يساوي 14.( [13][13])
أمّا الوعد المعطى لنسل إبراهيم فهو وعد خلاصيّ، وهو النسل الذي أعطاه الله الخلاص (تكوين 12: 1-3).([14][14])
وابن داود في العهد القديم هو أيضًا ابن الله: 2صموئيل 7: 12-16؛ مزمور 2: 7؛ مزمور 110: 3؛ إشعياء 9: 5-6. من هنا فإنّ يوسف، في نسب متّى، لا “يلد” يسوع كسائر الأسلاف، بل يسوع “يُولد” (بصيغة المجهول الذي يُستعمل للإشارة إلى أنّ الله هو الفاعل) من مريم.
الخلاصة: يحتوي نسب يسوع في إنجيل متّى معنىً لاهوتيًّا عميقًا، ووظيفته الرئيسية هي الإشارة، في بداية الإنجيل، إلى الدور المميّز الذي سيلعبه بطل القصة، يسوع الناصريّ.
نجد النسب بحسب الإنجيليّ الثالث في لوقا 3: 23-38، أي خارج نصوص إنجيل الطفولة، والنصّ على علاقة مباشرة بالمعمودية وبداية حياة يسوع المسيح العلنية. يتّفق لوقا في نسبه مع متى بتقديمه يسوع ابنًا لداود وابنًا لإبراهيم، ويختلف معه في إرجاعه إياه إلى سلفه الأوّل “آدم، ابن الله”. هكذا يعبّر لوقا عن شمولية خلاص الله.([15][15]) أمّا نسل داود في لوقا فلا يقدّم عن طريق سليمان وغيره من ملوك إسرائيل الخاطئين بل عن طريق ابن لداود غير معروف هو ناتان (لوقا 3: 21).([16][16])
الحبل العذريّ بيسوع (متى 1: 18-25): يوسف هو الشخصية الرئيسية في هذه القصّة. ويبدو أنّ القصة معروفة لدى القارئ. يستعيدها متى بنبرة تعليمية ذاكرًا أكثر الأمور أهمية وطريقة تفسيرها. وهو يعتمد في كلامه على الحبل بيسوع أسلوبًا بسيطًا، إذ لا ينشغل بعرضٍ وصفيّ، بل يفسّر دور يوسف في هذا المولد غير الاعتياديّ. فيوسف بارّ (dikaios) أمام الله (متى 1: 19) كما كان هابيل (متى 23: 35)، وكما سيكون يسوع (متى 27: 19، 24) وكلّ الذين سيتبعون وصاياه (متى 13: 43؛ 25: 46). يوسف يطيع مشيئة الله (متى 1: 24).
أمّا الموضوع الرئيسيّ فنجده في الآيات 21-23. هذه الآيات تحمل الرسالة التي تحرّك القصّة كلها. رسالة المسيّا الذي سيخلّص شعب الله. يشبّه بعض المفسرين أسلوب هذه القصّة بأسلوب المِدراش اليهودي. ويلفتنا لوس إلى أنّ المِدراش، في العادة، يفترض تفسير نصّ من العهد القديم.([17][17]) ربما أمكن القول إنّ متى يستعمل هذا النصّ لتفسير إشعياء 7: 14 الذي يستشهد به في 1: 23 بهدف إطلاق لقب “عمانوئيل” على يسوع.
لقب عمانوئيل لا يأتي على ذكره إلا متى. فكلّ إنجيله مطبوع بهذه الميزة الخاصة (متى 17: 17؛ 18: 20؛ 26: 29)، التي يلجأ إليها ليخلق تضمينًا بين الآية التي نحن في صددها (1: 23) ونهاية الإنجيل (28: 20)، حيث نقرأ أنّ يسوع سيكون مع المؤمنين “كلّ الأياّم إلى منتهى الدهر”. يوحي هذا اللقب حضور الربّ في الجماعة والطابع الليتورجيّ الذي للإنجيل الكنسيّ.
إنّ عبارة “عذراء” التي تظهر في الاستشهاد من إشعياء لا تتفّق مع النصّ العبريّ الذي يورد عبارة “فتاة” (عُلْماه)، بل مع نصّ الترجمة السبعينية (parthenos بدلاً من neania). لا نعلم لماذا ترجمت السبعينية هذه الآية على هذا النحو. ولكنّ صورة العذراء التي تلد أشخاصًا ذوي علاقة متينة بالآلهة شائعة في الأدب اليونانيّ، ويذكرها كلّ من بلوطارخس، وديوجنّس، وهيجينيوس، وفلافيوس يوسيفوس.([18][18]) شكّل هذا النصّ في تاريخ الكنيسة الطويل سببًا لنقاشات حادّة حول عذرية مريم، وخصوصًا حول عذريتها الدائمة. لا يمنعنا نصّ الجملة الشهيرة “ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” (متى 1: 25) من أن تستنتج كلامًا على عذرية دائمة، فالحرف الحينيّ الظرفيّ “حتى” (eos) قد يدلّ أيضًا على ما بعد حدوث الفعل المعطوف به. غير أنّ متى لا يذكر هذا الأمر في شكلٍ واضح وحاسم. فهو ليس في صدد كتابة دفاع عن مريم، وهي شخصية ثانوية في روايته، التي يركّز فيها على الحبل بالمسيح. عذرية مريم، إذًا، ليست محور الموضوع المعالج في هذا المقطع من الإنجيل. أمّا قراءة الكنيسة الأرثوذكسية لهذا النصّ فصحيحة وضرورية بالنسبة إلى نظامها العقائديّ. بيد أنّ هذا لا يبرّر أيّ إقصاء فوريّ لقراءات أخرى. المهمّ ألاّ تتعارض أيّ قراءة، بما فيها قراءتنا، والتعليم المسيحانيّ الصحيح. فعذرية مريم مهمّة في وظيفتها المسيحانية ولا ينبغي اعتبارها موضوعًا قائمًا في ذاته.([19][19])
سجود المجوس (متى 2: 1-12): في هذا المقطع يخبرنا متى عن لقاء الوثنيين بملك اليهود المزيّف وبملكهم الحقيقيّ، فالتضاد ظاهر بوضوح. لا يروي متى، بخلاف لوقا، مولد المخلّص، كما أنّ لوقا لا يخبرنا عن زيارة المجوس.
ثمة تقليد لاتينيّ اعتبر المجوس ملوكًا، وذلك عبر ربطهم بالمزمور 72: 10، وجعلهم ثلاثة في العدد بالاستناد إلى الهدايا. وترد أسماؤهم، غاسبار، وملكور، وبلطصّر، في مخطوط باريسيّ من القرن السادس.([20][20]) أما الكنيستان السريانية والأرمنية فتتحدثان عن اثني عشر من المجوس.
في حين أنّ هيردوس، ومعه كلّ أورشليم، لا يعترف بأهمية المسيّا، بل ينصب له فخًّا، يصير المنجّمون، رمز الأمم الوثنية، أوّل من يأتي ليعبد الربّ. وموضوع الأمم الأتقياء من المواضيع المحبّبة عند متى: متى 8: 10؛ 12: 18؛ 15: 24؛ 24: 14؛ 28: 19.
أمّا موضوع النجم فهو أيضًا من القوالب الأدبية المعروفة في العالم الهلينيّ. ممّا يروى أنّ نجمًا ظهر عند مولد رجل كبير (إمبراطور). وقد كان مصير الأشخاص مرتبطًا بالنجوم. أمّا في العالم العبريّ والمسيحيّ اليهوديّ الذي تنتمي إليه جماعة متى فالنجم يرمز إلى الملك المسيّا.([21][21]) وهذا ما يظهره نصّ عدد 24: 17 في قراءاته المختلفة على مدى القرون:
في النصّ الماسوريتي : “يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل”.
في نصّ السبعينية : “يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم رجل من إسرائيل”.
في الترجوم الفلسطينيّ : “يقوم ملك من بيت يعقوب، ومخلّص من بيت إسرائيل”.
وثمّة معلومة تاريخية تساعدنا على تفسير صورة النجم: في سنة 135 للميلاد قامت ثورة يهودية ثانية ضد الإمبراطورية الرومانية. وقد دعا الربّاي عقيبا المشهور قائد هذه الثورة “بار كوخبا”، أي ابن النجم، غير متردّدٍ في اعتباره المسيّا.
لكنّ النجم في متى ليس فقط صورة المسيّا، بل هو أيضًا علامة من الله هدفها قيادة المجوس إلى مكان ولادة يسوع. وقد كان الأقدمون يعتبرون الكواكب كائنات حيّة. فالوثنيون رأوا فيها آلهة واليهود المسيحيون ملائكة.
ليس من فرق في الوظيفة بين النجم الذي يقود المجوس والملائكة الذين يقودون الرعاة في لوقا. فالكلام يشير، في كلا الحالين، إلى العناية الإلهية التي تقود البشر إلى ملاقاة خلاصهم.
الهروب إلى مصر والعودة منها. مقتل الأطفال (متى 2: 13-23): تذكّرنا هذه القصّة بالفرعون الذي أراد قتل موسى عندما كان طفلاً (خروج 1: 22-2: 3) وكيف عاد موسى إلى مصر بعد موت الفرعون (خروج 4: 19-20). والمعروف أنّ مصر كانت الملجأ التقليديّ لفلسطين (1ملوك 1: 40؛ إرميا 26: 21).
أمّا الاستشهاد بهوشع 11: 1 في متى 2: 15 فيعيد إلى الأذهان خبرة الخروج من مصر. وهو استشهاد ملائم لأنّه يذكر “الولد”، و”الولد” عبارة مشتركة في شواهد قصص الطفولة. ينظر متى إلى يسوع بوصفه إسرائيل الجديد الذي يختبر خروجًا جديدًا.
تكمن وظيفة مشهد مذبحة الأطفال في بيت لحم في الاستهزاء بالملك الشرير، كما أن كتاب الخروج يهزأ بالفرعون الذي أراد قتل ذكور إسرائيل (في خروج 2: 10 ابنة الفرعون نفسها هي التي تهتمّ بموسى وتربّيه). من جهة أخرى، يبيّن المشهد أنّ الشعب اليهوديّ، في نهاية المطاف، هو الذي سيتحمّل كراهية قادته المزيّفين وغضبهم.
الطفولة بحسب القديس لوقا البشير: الهيكل والبرية يشهدان خلاص الله
في اعتقادي أنّ لوقا من كبار العارفين بالديانة اليهودية. ربما كان فرّيسيًا مثل بولس أو دخيلاً. وربما تعلّم على يد بولس. يعرف العهد القديم معرفةً عميقةً جدًّا ويجد فيه الاستشهاد الذي يناسب كل قصّة في عمله. غير أنّ لوقا كتب إلى جماعة من أصل وثنيّ. يمثّل ثيوفيلوس في لوقا 1: 3 قارئ لوقا النموذجيّ: فهو مسيحيّ مؤمن، يحبّ الله (من هنا اسمه ثيوفيلوس) وينتمي إلى ثقافة ذلك الزمن الهلينستية. يقال إنّ لوقا كتب في أفسس خلال الفترة الممتدّة بين السنة 85 والسنة 90 للميلاد.
لا يقدّم لوقا مقارنة تفصيلية بين يسوع والمعمدان. من نافل القول إنّ شخص المعمدان يلعب دورًا أساسيًا في الجماعة اللوقانية، ولذا يكرّس له الإنجيليّ الثالث نصًا في هذا الحجم.
عندما شرحنا متى ذكرنا بعض خصائص الإنجيليّ لوقا: نسبه الذي لا ينتمي إلى نصوص الطفولة، وعدم اهتمامه بشخص يوسف بل بشخص مريم، وسرده مولد يسوع بتفصيل، وغياب قصّة المجوس واستبدالها عنده بالظهور الدائم لعدد كبير من الملائكة. سوف نسلّط الضوء الآن على بعض الخصائص الأخرى.
البشارة والزيارة (لوقا 1: 26-45): في سرد لوقا يأتي ظهور الملائكة نتيجةً لانفتاح السماوات التي تتدخّل الآن في حياة البشر استجابةً لصلاة الشعب المنتظِر (لوقا 1: 10، 13؛ 1: 21). ثمّة عمل لله أخرويّ التوجّه. أمّا صورة الملائكة الذين يعلنون عمل الله فهي خاصّة بالأدب الرؤيويّ (دانيال، رؤيا يوحنا) المعاصر لكتابات العهد الجديد والذي نجده حاضرًا في قوّة في الكتاب الأخير من العهد الجديد.
تعظيمة مريم (1: 46-55)، وصلاة زكريا (1: 67-79) وصلاة سمعان (2: 29-32): تميّز هذه الأناشيد الثلاثة قصص الطفولة عند لوقا. ونعثر عليها كلها في الصلوات اليومية في الكنيسة الأرثوذكسية،([22][22]) وكذلك في صلوات الكنائس الأخرى. وتشكّل هذه الأناشيد خلاصة الإيمان والانتظار اليهوديين. يبني لوقا طروحاته هنا على فكر إشعياء النبي وسفره المقدس. ويذكر كلّ أعمال الله الخلاصية حيال إسرائيل. أمّا موضوعا قداسة الله ورحمته اللذان نجدهما في الأناشيد الثلاثة فمأخوذان من المزامير (أنظر، على سبيل المثال لا الحصر، مزمور 33: 21؛ 99: 3؛ 100: 5؛ 103: 8، 17). يظهر إبراهيم في التعظيمة أبًا للإيمان (لوقا 1: 55)، وذكره على هذا النحو مرتبطٌ بتكوين 12: 3. أمّا الرؤية المسيانية المختصّة بالملك العادل الذي يجري العدل ويهتمّ بالفقير والمهمّش فحاضرةٌ في النشيد كلّه. تستعيد صلاة زكريا موضوع افتقاد الله شعبه الذي نجده، مثلاً، في خروج 3: 16. عدد كبير من التعابير مصدره إشعياء، مثل “إعداد الطريق” (إشعياء 40: 3)، “طريق السلام” (إشعياء 11: 6)، “نور الأعالي” (إشعياء 60: 1). تعبّر الأناشيد، إذًا، عن القراءة الصحيحة لأحداث القصّة. إنّها تفسير الشعب المؤمن لهذه الأحداث. أمّا الوالدان وسمعان فيعبّران في هذه الأناشيد عن المعنى الذي يحمله سماح الله بأن يولد هذان الطفلان. تنفتح أفواه مريم، وزكريا، وسمعان لتذيع المعرفة التي أعلنها الله لشعبه. وابتداءً من هنا، على القارئ أن يفهم أنّ عمل هذين الشخصين هو عمل الله نفسه.
مولد يسوع وختانه (لوقا 2: 1: 21): يتناول الإصحاح الثاني كاملاً موضوع البحث عن الحقّ والعثور عليه. الرعاة، أي فقراء التعظيمة ولوقا 2: 42، هم الذين يحافظون على المعرفة التي أعلنها الله. يولد يسوع وليس له “موضع” (لوقا 2: 7) يولد فيه. هذه ميزة يسوع في إنجيل لوقا، فهو دائمًا “على الطريق” وليس لديه موضع يسند إليه رأسه (لوقا 9: 58). يوضع يسوع في مذود لأنّ لا مكان له في النزل. يقول العلماء إنّ هذا المذود قد يكون في مغارة محفورة في الصخر قرب البيت. وربما كان المذود نفسه محفورًا في الصخر أيضًا. عبارة kataluma لا تعني، في الضرورة، غرفة في نزل، بل هي غرفة الجلوس الكبيرة في البيت الواحد. منذ القديس يوستينوس (أواسط القرن الثاني) نسمع أنّ يسوع ولد في مغارة. يؤيد أوريجنّس هذا التقليد.([23][23]) وتوحي عبارة “مذود” التي تظهر مرّات مرّاتٍ ثلاث في القصّة (لوقا 2: 7، 12، 16) أجواء الرعاة وبيت لحم بصفتها مدينة الرعاة. وهي تبيّن التضاد بين قيصر الكليّ القدرة والمسيح الذي يولد في بيئة وضيعة وفي محيط خاص بالحيوانات. إنّ موضوع تواضع الخالق الذي يولد بين الحيوانات قد أوحى العديد من أناشيد الميلاد في الكنيسة.
ويوازي ظهور الملائكة ظهور الملاك جبرائيل عند البشارة. وثمّة عبارات مشتركة بين القصّتين مثل “لا تخافوا”، “فها أنا أبشرّكم”، “المخلّص”، “المسيح”، “الربّ”. ونجد، فضلاً عن ذلك، تضادًا قويّا بين الليل والنور، وبين إعلان الملائكة والخوف، وبين السماء والأرض، وبين فقر المذود ومجد الربّ.
يسوع بين معلّمي الناموس (لوقا 2: 41-50): إنّ هذا المقطع توازيه في قصّة المعمدان إشارة بسيطة إلى كونه “كان يعيش في البرية” في 1: 80. نفهم هنا أنّ المكان الطبيعيّ ليسوع هو الهيكل، بيت أبيه. في كلّ سرد الإنجيليّ لوقا يتوجّه يسوع إلى الهيكل ليدخله في نهاية المطاف في 19: 45-47. وهناك لا يتعجّب معلّمو الناموس منه كما في هذا المقطع، بل يسعون إلى قتله. والموضوع هنا أيضًا هو البحث عن الحقّ والعثور عليه. وهذا قالب أدبي أساسي في الكتابات الحكميّة. ويدعونا ذكر مصطلح “الحكمة” في الآيتين 40 و52 إلى قراءة هذه القصّة في إطار الأدب الحكميّ. يسوع هو المعلّم الذي يجالس المعلمين وصاحب التعليم الذي يحمل على العجب والدهشة (في لوقا 4: 20؛ 5: 3؛ متى 5: 1 يجلس يسوع ليتكلّم).
يبحث الأهل عن ابنٍ ضائع ويجدون ابن الله يكشف الحكمة الإلهية. ولكون الأهل لم يعترفوا بوظيفته هذه لم يعرفوا أين ينبغي البحث عنه. ينتهي لوقا 2 بمشهدٍ مأساويّ. البطل لا يفهمه أهله ولا يتركونه يقوم بعمله. وهذا انطباع أوّل عن صعوبة الرسالة التي على يسوع أن يتمّها.
القسم الثاني: مكانة متى 1-2 ولوقا 1-2 في ترتيب القراءات الليتورجية في الكنيسة الأرثوذكسية
هنا يجدر القول إنّه في التقاليد المسيحية الأقدم كانت قصص الطفولة تُقرأ بارتباط مع معمودية يسوع. لم يكن الاقتصار على الوعود المتعلّقة بالمسيح الطفل كافيًا، بل كانت هذه الوعود ترافق يسوع حتى بداية حياته العلنية عبر المعمودية في الأردنّ. كان الميلاد والظهور الإلهيّ عيدًا واحدًا، كما هي الحال اليوم في الكنيسة الأرمنية. يتّضح هذا إذا أخذنا في الاعتبار ما سبق ذكره أنّ لوقا يضع النسب في الإصحاح الثالث بعد المعمودية، وأنّ متى يربط الإصحاح الثالث بما قبله بعبارة “في تلك الأيام”، كما لو أنّه لم تمرّ عشرون سنة أو أكثر بين العودة من مصر وبشارة المعمدان.
إنّ اختيار الإصحاحين 1و2 في متى ولوقا لدراستهما منفصلين مسألة علميّة محض. في حضن الكنيسة تشكّل الإصحاحات الأربعة الأولى من متّى وحدة لا تتجزّأ في معناها، تمامًا كما هي الحال بالنسبة إلى لوقا 1-4: 13 حيث الكلام على بدايات يسوع.
إنّ مصدر معظم النصوص التي تتلى على المؤمنين في الخدم المرتبطة بعيد الميلاد هو إنجيل متى. في أحد النسبة يُقرأ في القداس نسب متى 1: 1-25. وفي قداس الميلاد يُقرأ متى 2: 1-12. وفي سحر العيد يُقرأ متى 1: 18-25. أمّا القراءات من لوقا فنجدها بشكل خاص في خدم الساعات الملوكية للميلاد حيث تُقرأ خصوصًا قصّة ميلاد يسوع (لوقا 2: 1-20) الذي لا يأتي متى على ذكره. أمّا قصص الطفولة الواردة في إنجيل لوقا فتقرأ في أعياد مختلفة في التقويم الأرثوذكسيّ: البشارة (25/3؛ لوقا 1: 24-49، 56)، دخول السيّد إلى الهيكل (2/2؛ لوقا 2: 22-40)، عيد سمعان وحنّة (3/2؛ لوقا 2: 25-38)، عيد ختانة المسيح (1/1؛ لوقا 2: 20-21، 40-52). والجدير ذكره أنّ العديد من النصوص الليتورجية تستعيد موضوع المجوس عند متى والرعاة عند لوقا. والموضوع الرئيسيّ في هذه النصوص هو سرّ التجسّد من وجهة نظر عقائدية: اتحاد البشريّ بالإلهيّ. أمّا الموضوع الآخر الذي يؤتى على ذكره فهو عذرية مريم التي يؤيّدها كلّ من متى ولوقا.
خاتمة
في نهاية هذه الدراسة نستنتج أنّ لهذه النصوص محور دلاليّ واحد هو اليقين أنّ يسوع الناصريّ، ابن مريم خطيبة يوسف، هو المسيح المنتظر لدى المؤمنين. في اختلاف الأشكال الأدبية والتفاصيل الروائية تتجذّر بشارة واحدة بالمسيح، بشارة الرسل والكنيسة الأولى التي تشهد في هذه النصوص لذلك الخبر الخلاصيّ.
نجد في أخبار الطفولة لدى القدّيسين متى ولوقا معينًا لا ينضب من الأسرار الإلهية. وقد أشرنا في هذا البحث الكتابيّ إلى بعض أبعادها وأهمّيتها القصوى في إيماننا المسيحيّ. آمل أن توقظ هذه المساهمة رغبة القارئ في قراءة أفضل وأعمق للإنجيل وفي السعي إلى تعرّف مثمر إلى محبّة المسيح ورحمته.
د. دانيال عيّوش
جامعة البلمند
معهد القدّيس يوحنّا الدمشقي اللاهوتي
[1][1] أنظر:
Luz, U.; El Evangelio según San Mateo. Mt 1-7 (Biblioteca de estudios biblicos 74), Salamanca 1993, p. 120.
لمزيد من المعلومات عن إشكاليّة أناجيل الطفولة أنظر:
Brown, R.; The Birth of the Messiah. Commentary on the Infancy Narratives in the Gospels of Mathew and Luke, New York 1993.
[2][2] يقول Perrot, C.; Les récits de l’enfance de Jésus (Cahiers Évangiles 18), Paris 1976, p. 37 إنّ الموازاة “شكل أدبيّ معروف جيدًا في العالم الهلّيني المعاصر له” (أي المعاصر للوقا). فقد كان بلوطارخوس وكتّاب آخرون يستعملون هذه الطريقة لكتابة سير أناسٍ مرموقين. والقصص المتعلّقة بالمعلّمين هيلليل وشماعي تشكّل مثلاً على استعمال الموازاة في الأدبّ اليهوديّ الربانيّ.
[3][3] يذكر دانيال 9: 1، 20-27 ملاك الربّ، جبرائيل، الذي يأتي ليعلن مجيء أمير مسحه الربّ (متى 1: 20 وما يليها؛ لوقا 1: 11، 19، 26). أمّا إيليا فسيُرسل مرة أخرى قبل مجيء يوم الربّ (ملاخي 3: 23-24؛ لوقا 1: 17). كلّ النبوءات التي يستشهد متى بها ذات طابع مسيانيّ.
[4][4] أورد هنا بعض المعلومات التي تساعد على تحديد زمن كتابة الإنجيل: سقوط الهيكل بات من الماضي (متى 22: 7). كان المجمع قد أصبح كيانًا قائمًا في ذاته، لذا يتحدّث متى عن المجامع ورؤسائها. في قصّة القيامة يتحدّث متى عن اليهود بوصفهم فريق ثالث، ومما لا شكّ فيه أنّه يستعمل مرقس بكونه مصدرًا أدبيًّا.
[5][5] أنظر متى 18 بكامله وخصوصًا 18: 15-18 حيث يدور الكلام عن النصح الأخويّ.
[6][6] عظات متى الخمس هي الآتية: (1) العظة التبشيرية في 5-7؛ (2) العظة الرسوليةّ في 10؛ (3) العظة بالأمثال في 13:؛ (4) العظة الكنسيّة في 18؛ (5) العظة الأخرويةّ في 24-25.
[7][7] أنظر Fitzmeyer, J.A.; El Evangelio según Lucas II. Lc 1-8,21, Madrid, 1987, p. 43f..
[8][8] عبارة biblos اليونانية لا تعني فقط “كتاب أو سفر”، بل أيضًا “مدوّنة أو كتابة”، وهي تشير إذًا إلى سلسلة الأنساب، لا إلى الإنجيل بكامله، أنظر Luz; Evangelio, p. 122.
[9][9] أنظر: أبومراد، نقولا؛ نسب يسوع في إنجيل متّى 1: 1-17، مجلّة النور 54 (8، 1998) ص 387-388.
[10][10] Luz; Evangelio, p. 128.
[11][11] يُستعمل اسم يسوع المسيح في سلسلة الأنساب كاسم مركّب. عندما يعطي متى يسوع لقب “المسيح” فهو يسبقه، في اليونانية، بالتعريف (أنظر 1: 16؛ 2: 4؛ 16: 16؛ 26: 36).
[12][12] إنّ نصّ إشعياء 11: 1-9 هو وراء النصوص الليتورجية المستعملة في الكنيسة الأرثوذكسيّة في عيد الميلاد. نذكر، على سبيل المثال، أرمس الأودية الرابعة من قانون الميلاد الذي يقول في جزئه الأول ما يأتي: “أيها المسيح المسبح لقد خرج قضيب من أصل يسى، ومنه قد نبتّ زهرة من جبل مظلل مدغل، أيها الإله المنزه عن الهيولى…”.
[13][13] أبو مراد، نقولا؛ نسب، ص 389. من جهة أخرى، تساوي المجموعات الثلاث التي تضمّ أربعة عشر جيلاً ست مجوعات من سبعة أجيال، بحيث يكون يسوع فيها بدايةَ المجموعة السابعة من مجوعات الأجيال السبعة. ربما كان أصل هذا الأسابيع السبعة التي يتحدّث عنها النبيّ دانيال (دانيال 9: 25-26)، حيث الأسبوع السابع هو الذي يعمل فيه الله في شعبه في شكل نهائيّ وأخرويّ (دانيال 11: 40-12: 13). ولعلّ للمجموعات السبع في متى أيضًا علاقة بصورة أخنوخ الذي يمثّل الجيل السابع بعد آدم (أنظر تكوين 5: 1وما يليها ويهوذا 14).
[14][14] الهدف من إدخال أربع نساء في النسب جعل خلاص الله ممتدًا إلى كلّ الأمم وإلى الخطاة. النسوة الأربع المذكورات في النسب أجنبيات، وهنّ بحسب العهد القديم خاطئات. مع ذلك يحقق الله خلاصه عبرهنّ: ثامار (آرامية، زانية، تكوين 38: 14-18)، راحاب (من أريحا، زانية، 2صموئيل 11: 1-5)، راعوث (مؤابية، راعوث 3: 7-15)، بتشبع، زوجة أوريّا (كان أوريا حثيًّا، زانية، 2صموئيل 11: 1-5). لمزيد من المعلومات أنظر Perrot; Récits, p. 20.
[15][15] لا تعرف جماعة القديس لوقا ذات الأصل الوثنيّ، في الضرورة، الأحداث المرتبطة بثامار، وراحاب، وراعوث، وبتشبع. ويستعمل لوقا طريقة أخرى لكي يوصل إلى قارئه معنى شمولية خلاص المسيح.
[16][16] للمقارنة بين النسبين أنظر Perrot; Récits, p. 21 وFitzmeyer; Evangelio, p. 361-376.
[17][17] Luz; Evangelio, p. 137, n. 6 .
[18][18] Luz, Evangelio, p. 146, n. 54.
[19][19] لمزيد من المعلومات في خصوص العذرية في متى أنظر Perrot; Récits, p. 25. إغناطيوس الإنطاكيّ يذكر عذرية مريم، متحدّثًا عن العذرية الدائمة. وكذلك أقليمس الإسكندريّ وأوريجنس وإفسافيوس القيصريّ وآخرون. وموضوع العذرية حاضر في قوّة في ليتورجيا الكنيسة الأرثوذكسية.
[20][20] Perrot; Récits, p. 29.
[21][21] كذلك يرتبط يسوع بنجم في أعمال 22: 16.
[22][22] ترتل التعظيمة كلّ يوم في صلاة السحر، أمّا صلاة سمعان فترتّل في الغروب وصلاة زكريا في خدمة السحر في أيام الصوم.
[23][23] أنظر:
Perrot; Récits, p. 29 & Hengel, M.; Art.: phatne, in: Theologisches Woerterbuch zum Neuen Testa-ment IX, p. 51-57.