كيف ابدأ مع المسيح ؟
القمص زكريا بطرس
[ أيها الملك السمائى المعزى .. روح الحق الحاضر فى كل مكان والمالئ الكل .. كنز الصالحات ومعطى الحياة .. هلم تفضل وحل فينا … ]
من قطع الساعة الثالثة بالأجبية المقدسة
كيف تستفيد من هذه السلسلة ؟
1) هذه السلسة ليست للقراءة العابرة ، بل للدراسة التى تتحول فيها المعرفة العقلية إلى حياة عملية مُعاشة .
2) لا تقرأ كل الكتاب دفعة واحدة ، بل اقرأه موضوعاً فموضوعٍ، وليكن ذلك فى موعد ثابت محدد على إنفراد اسبوعياً.
3) ويمكن دراسته فى مجموعة من 5 ـ 7 أفراد تحت إشراف خادم روحى تمرس فى الطريق الروحى .
4) اهتم بالبدء فى دراسة هذه السلسلة كتاباً كتاباً بدءاً من هذا الكتاب ، ودرساً فدرسٍ حتى تتواصل حلقاتها .
5) بعد قراءة الموضوع [سواء بمفردك أو فى مجموعة] استخرج الآيات الموجودة فى درس الكتاب ..
6) يُفضل الحصول على الشرائط الخاصة بهذه الموضوعات ، وسماع الشريط قبل قراءته لتتضاعف الفائدة
7) اهتم بمشاركة أب اعترافك فى ممارساتك الروحية بخصوص هذه الموضوعات .
8) لا تنسى قراءة هذه الارشادات قبل كل جلسة ، حتى تتذكر ممارسة ما بها لفائدة ونمو حياتك .. والرب معك ،،،
مقدمـــــــة
الحياة الروحية ممتدة منذ أن يتعمد الإنسان ويولد من جرن المعمودية ، وتصير الكنيسة أُمــاً له .. فهى طريق له بداية لكن لا نهاية له ، فهى مستمرة فى علاقة أبدية مع الله فى السماء حتى بعد نهاية حياة الإنسان على الأرض …
وعادة ما يحتار الكثيرون … فيحاول البعض أن يبدأوا من منتصف الطريق فيعثرون .. والبعض الآخر يحاول البداية من نهاية الطريق فيفشلون …
لذا فهذا الكتاب سيساعدك ـ بنعمة الله ـ على إكتشاف البداية الصحيحة لهذه العلاقة الرائعة مع الرب يسوع المسيح … ومما لا شك فيه أن البداية تكون بالمعمودية ، وذلك على المستوى الطقسى العقائدى .. أما على المستوى التطبيقى العملى فنقطة البداية هى التوبة والرجوع إلى الآب السماوى كما عاد الابن الضال يوماً من كورة البعد والخطية والزيغان …
لذا يقول قداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث فى كتابه الرائع ( الرجوع إلى الله ) :
[ إن كانت الخطية هى الإنفصال عن الله … تكون التوبة هى الرجوع إلى الله … ]
من الرب نسأل أن يمتعنا ببركة هذه البداية عملياً فى حياتنا فنبدأ ونستمر .. ببركة شفاعة أمنا القديسة والدة الإله العذراء مريم ، وبركة سائر آبائنا القديسين ، وصلوات خليفة القديس مار مرقس الرسولى البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث .. أدام الرب حياته .. آمين .
1
” أنا عارف أعمالك أن لك إسماً أنك حي وأنت ميت .. ” (رؤيا 3 : 1)
يتصور البعض خطأً أن كل من ولد من أبوين مسيحيين هو مسيحى حقيقى ، وأن كل من قد تعمد فى صغره هو بالتالى المسيحى الحقيقى … لكن كلمة الله تعلمنا أن هناك ثلاثة أنواع من المسيحيين ، هم :
- المسيحيون الإسميون .
- المتدينون المظهريون .
- المؤمنون الحـقيقيون .
وهم الذين تقول عنهم كلمة الله : ” واكتب إلى ملاك الكنيسة التي في ساردس هذا يقوله الذي له سبعة أرواح الله والسبعة الكواكب أنا عارف أعمالك أن لك إسماً أنك حي وأنت ميت .. ” (رؤيا 3 : 1)
نعم ، هم أحياء جسدياً ، ولكن أموات روحياً … فبرغم أنهم يحضرون القداسات كواجب أو كعادة ، وقد يتناولون لكنهم يأخذون جسد الرب ودمه بدون إستحقاق فيكونون مجرمين فى جسد الرب .. لديهم المعرفة النظرية ، والأسماء المسيحية .. لكنهم فى نظر الله أموات بالذنوب والخطايا .. يعبدون المال والشهوات … فالبنسبة لله هم أموات ، لأن أجرة الخطية هى موت (رومية 6: 23)
هـذا هو النوع الأول من المسيحيين ، المسـيحى الإسمى .. لكن هناك نوع آخر من المسيحيين ، وهم :
وهم الذين قال عنهم الكتاب : ” لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها .. فاعرض عن هؤلاء .. “(تيموثاوس الثانية 3 : 5)
فهم يذهبون إلى الكنيسة .. ويصومون .. وهكذا يمارسون كل هذا كمظهر ، وهم أبعد ما يكون عن عمق وفاعلية هذه الممارسات، فما أبعد الفرق بين الذهب الحقيقى ، والذهب القشرة… حتى وإن بدا الذهب القشرة أكثر لمعاناً لكن جوهره الحقيقى نحاسٌ .. فهؤلاء هم الذين قال عنهم الرب أنهم : ” قبور مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة ” (متى 23 : 27)
ولقد ضرب الرب يسوع مثل العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات ليفرق بين نوعين من المسيحيين .. هما المتدينون المظهريون ، والمؤمنون الحقيقيون … فالجاهلات كن يحملن نفس المصابيح التى يحملها الحكيمات .. فلا اختلاف فى المظهر، لكن الاختلاف كل الاختلاف فى جوهر هذه المصابيح .. لقد كانت مصابيح الجاهلات فارغة من زيت نعمة المسيح الذى يضئ فى الظلمة …
يقول القديس يوحنا ذهبى الفم :
[ هذا الرياء ( رياء المتدينين المظهريين ) يمثل لصاً خطيراً يسلب المتدينيـن كل ما لديـهم ، فهم لا يخدعون الآخرين فحسب ، وإنما يخدعون أيضاً أنفسهم ، فيرون فى أنفسهم أنهم أفضل من الآخرين ، ولا يقبلون التعليم والنصح … ]
هذا عن النوع الثانى .. المسيحيون المظهريون .. اما النوع الأخير ، وهو النوع الذى اصلى من قلبى أن يمنحنا الرب بركة أن نكون منه ، وهو :
وهم الذين قال عنهم الكتاب : ” وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون بإسمه .. ” (يوحنا 1 : 12) ، ونرى فى هذه الآية نوعاً رائعاً من المسيحيين ، هم المؤمنون بإسمه ، الذين هم أولاد الله .. وهم الذين قبلوا الرب يسوع المسيح فى حياتهم ، فالمسيح يقول : ” هنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي .. ” (رؤيا 3 : 20)
هؤلاء هم الذين فتحوا قلوبهم للمسيح ليدخل ويضئ بنوره فيها فيملأها بحضوره … مثل العذارى الحكيمات الذين إمتلأت قلوبهم بزيت النعمة وبمحبة المسيح ، فيشع نور المسيح من قلوبهم ، ومن حياتهم …
ولنا فى تاريخ كنسيتنا المجيدة الكثير والكثير من الأباء القديسين الذين تحولوا من مسيحية التدين الظاهرى إلى واقعية الإيمان القلبى .. أمثال شاول الطرسوسى الذى صار فيما بعد القديس بولس الرسول .. وليديا بائعة الإرجوان فتحت قلبها للمسيح فصارت مؤمنة حقيقية (أعمال 16) ، بل هناك الكثير أيضاً ممن تحولوا من البعد والزيغان عن الله إلى قبول المسيح فصاروا مسيحيين حقيقيين أمثال القديس أغسطينوس ، والقديس موسى الأسود ، والقديسة مريم القبطية ، وغيرهم الكثير …
أخى الحبيب ، تُرى من أى نوع أنت ؟
هل أنت من المسيحيين الإسـميين الذين عندهم المسيحية مجرد اسم ؟
أم من المتدينين المظهرين الذين عندهم المسيحية ممارسات جوفاء ، وهم أبعد ما يكون عن عمق التمتع بسكنى المسيح فى قلوبهم ؟
أم من الذين فتحوا حياتهم للمسيح فصاروا مؤمنين حقيقيين ؟
طلبتى إلى الله أن يمتعنا بسكناه الذى تعلمنا إياه كنيستنا فى قطع الساعة الثالثة إذ نقول : هلم تفضل وحل فينا … وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا … له المجد فى كنيسته إلى الأبد أمين …
** ترنيمة :
[ من الشعر الروحى
لقداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث ]
قلبى الخفاق أضحى مضجعك فى حنايا الصدرِ أُخفى موضعك
قد تركت الكون فى ضوضائه واعتزلت الكلَ كى أحيا معــك
ليس لى فكــر ولا رأى ولا شهوة أخرى سوى أن أتبــعك
قد تركت الكل ربى ما عـداك ليس لى فى غربة العمر سـواك
ومنعت الفكر عن تجوالـــه حيثما أنت فأفكــــارى هناك
قد نسيت الأهلَ والأصحابَ بل قد نسيت النفس أيضاً فى هـواك
قد نسيت الكلَ فى حــــبكَ يا متعة القلب فلا تنســى فتاك
ما بعيدٌ أنت عن روحى التـى فى سكون الصمت تستوحى نداك
فى سماءٍ أنت حقاً إنــــما كل قلبٍ عاش فى الحبِ سـماك
هى ذى العين وقد أغمضتـها عن رؤى الأشياءِ على أن أراك
وكذا الأذن لقد أخـــليـتها من حديث الناسِ حتى أسـمعك
قلبى الخفاق أضحى مضجعك فى حنايا الصدر أُخفى موضعك
” فرحة فى مسكونة أرضه ولذاتى مع بنى آدم .. ”
( أمثال 8 : 31 )
عرفنا قبلاً أنواع المسيحيين، وهم : الإسميون ، والمظهريون ، والمؤمنون الحقيقيون … والخطوة الأولى فى طريق التمتع بالإيمان الحقيقى أن نتعرف على هـدف الله من خلقتنا .. أى لماذا خلقنا الله ؟
ففى الواقع أن الله لم يخلقنا لنعبده ، أو ليتمتع هو بأن يرانا نتعذب فى هذه الحياة الدنيا ثم يلقى بنا فى جهنم الأبدية … فالله جل إسمه أسمى وأرفع من أن يكون هذا هو هدفه من خلقتنا …
وسنركز الحديث فى هذا الموضوع حول :
o هــدفٌ جليلٌ .
o شــعور نبيل .
o أقــوى دليل .
يقول معلمنا بولس الرسول : ” إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته .. ” (أفسس 1 : 5)
لاحظ كلمة [ سـَبَـقْ ] فهى تؤكد وجود خطة مسبقة فى فكر الله من الأزل ، هدفها أن يتبنانا أى أن نكون له أبناء …
فالله ليس بقاضٍ يحكم بالإعدام على البشر ، ولا وكيل نيابة يحاول أن يوقعنا فى شر اعمالنا ، بل أن المسيحية هى الديانة الوحيدة التى تعلمنا أن ” الله محبة ” …
وبناء على هذا الهدف العظيم ترتبت عدة نتائج جوهرية ، منها :
1) أن نكون أعضاء فى عائلته : ” فلستم إذا بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله .. ” (أفسس 2 : 19) ، فالله يهدف من خلقتنا أن نكون له عائلة مقدسة من أبنـاء وبنات الله ، لذا قال : ” وأكون لكم أبــاً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقـول الرب القادر على كل شيء .. ” (كورنثوس الثانية 6 : 18)
2) أن يعطينا المجد والخيرات والبركات : ” وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد ” (عبرانيين 2 : 10)
إذاً لقد خلقنا الله لهدف جليل ، وهو أن نكون له أبناء ، وعلمنا أن نصلى قائلين : أبانا الذى فى السموات … فهو إله الحب ، طبيعته المحبة ، وأهدافه مملوءة بالمحبة الخالصة ..
أخى الحبيب ، هل لمع أمام عينيك هذا الهدف السامى من خلقة الله لكَ ، أم لا زلت عبداً لتصورات خاطئة عن الله غرسها الشيطان فى أذهاننا ليضع العوائق بيننا وبين الله ؟
إن هدف الله الجليل من خلقتنا ، كان سببها وجود مشاعر حب فياضة تجاه الإنسان فى قلب الله ، لذا قال : ” فرحة فى مسكونة أرضه ، ولذاتى مع بنى آدم ” (أمثال 8 : 31) ، أى نعيمى مع بنى البشر ، فالله يريدنا أن نرتبط به ، لا بالإكراه ، أو بالإجبار ، بل بالحب .. إنها المحبة الفائقة المعرفة التى فى قلب الله تجاه أولاده كأب حنون يجد سعادته الحقيقية فى فرحة وسعادة أولاده ..
لذا قال القديس يوحنا الحبيب الذى ذاق هذه المحبة الفياضة التى فى قلب الله تجاه أولاده فقال : ” انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله … ” (يوحنا الأولى 3 : 1)
لذا فنحن نحتاج الآن أن تتغير رؤيتنا عن الله التى ترسبت داخلنا بسبب بعض المبادئ المغلوطة التى تعلمناها فى الصغر عن الله بأنه الجبار المتجبر الذى يريد أن يلقى بنا فى النار ، إلى أنه الأب الحنون الذى يجد سعادته القلبية فى راحة وسعادة أولاده …
أخى الحبيب ، هل أدركت معى ما قاله القديس أغريغوريوس فى قداسه الإلهى :
[ من أجل لجة محبتك للبشر … خلقتنى إنساناً كمحب للبشر ، ولم تكن أنت محتاجاً لعبوديتى ، بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك .. ]
تُرى ، ما هو الدليل الذى يثبت لنا أن الله يحبنا كل هذه المحبة العظيمة ، وأن لديه كل هذه المشاعر النبيلة من نحو الإنسان ؟
إن أقوى دليل على ذلك هو أن الله خلقنا على صورته كشبهه كما قال الكتاب : ” وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشـبهنا … فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكراً وأنثى خلقهما .. ” (تكوين 1 : 26 ، 27) ، لاحظ تكرار كلمة صورة الله 3 مرات فى الآيتين …
وبالطبع ليست صورة الله فى وجهه ، من أنف وعينين وفم وخلافه ، فالله روح … لكن على صورة الله فى البر وقداسة الحق .. فالله البار ، والقدوس ، والحق .. خلق الإنسان على نفس الصورة : فى البر والقداسة والحق … (أفسس 4 : 24)
كما أن الله قد ميَّز الإنسان عن باقى المخلوقات بأن خلق له عقــلاً وأعطاه موهـــبة النطق ، وخلق له روحاً خالـدة لا يمكن أن تموت ولا تنتهى أبداً …
يقول قداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث فى كتابه الرائع [ إنطلاق الروح ] :
[ إن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذى خُلِقَ على صورة الله ومثاله ، فإن طُلِبَ إليك أن تعّرف ذاتك ، فقل فى قوة وثقة ” أنا صـورة الله ” … وانت كصورة الله قد كُتِبَ لك الخلود .. أنت الشخص الذى وجد الله لذة فى أن يدعوه إبنه .. ]
أخى ، هل تأكد لنا الآن من خلال هذا الدليل القوى مدى لجة محبة الله لنا ، عندما ميّزنا بأسمى ما فى الوجود بأن خلقنا على صورته ومثاله فى البر وقداسة الحق .. إذا اردت أن تكون مؤمناً حقيقياً ، فلا بد أن تتأكد جيداً من محبة الله فائقة المعرفة تجاهك ، فتبادله حباً بحبٍ …
طلبتى إلى الله أن يمتعنا بالثقة اليقينية فى محبته وتقديره لقيمتنا .. له المجد فى كنيسته إلى الأبد .. آمين .
** ترنيمة :
مــن الأزل أحـــببنا صــورنا فى أسمى مثال
على صورة أبنه خــلقنا فى البـــر والكــمال
عيــننا نبـــقى ولاده أفراد عائلة الإلـــــه
ويكــون هو أبـــونا ونعـيش فى متــعة معاه
3
” فيقولون لله ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسر “
(أيوب 21 : 14)
تكلمنا قبلاً عن قلب الله المملوء حباً للبشر ، حتى أنه خلقهم على صورته ومثاله فى البر وقداسة الحق … وكان من المفروض أن يقابل البشر الحب بالحب ، والإحسان بالعرفان .. لكن ما حدث كان على العكس تماماً .. فهناك مواقف غريبة للبشرية تجاه الله ، ومن هذه المواقف الغريبة ما يلى :
o العــداء والإلحاد .
o الزيـغان والفساد .
o الضــلال والعناد .
وهذا ما عبَّر عنه الكتاب بقوله : ” فيقولون لله ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسر .. ” (أيوب 21 : 14) ، يا للعجب !! فهذه النوعية من البشر يقابلون محبة الله وحنانه وخطته الرائعة التى يريد بها أن نكون له أولادٌ وهو يكون لنا أبٌ … يقابلون هذه المحبة بالعداء ، فيرفضون الله ويجحدون طرقه .. فعوضاً عن أن يعبدوه ، نراهم يعبدون الذات والمجد الفانى ..
لكن لماذا هذا العداء ياترى ؟
السبـب أنهم قد غُلِبوا من خطاياهم وشرورهم ، حتى ولو إدعوا الحرية ، وأنكروا عقاب الله للخطية ، وتناسوا يوماً فيه يعطى الله كل واحد حسب أعماله خيراً كان أم شراً … تماماً مثلما تعمل النعامة الهاربة من الصياد بأن تضـع راسها فى التراب ظناً منها أنه مادامت لا ترى الصياد ، فالصياد إذن لا يراها .. فيأتى الصياد ويأخذها بسهولة … لذا قال الكتاب : ” قال الجاهل في قلبه ليس إله .. ” (مزمور 14 : 1)
أخى الحبيب ، إن أفضل خبر يشتاق اللصوص أن يسمعوه هو إلغاء وزارة الداخلية … ليس لعيبٍ فيها ، بل لأنها ترصد أفعالهم الشريرة ..
وقد لا نقول لله ” أبعد عنا ” بأفواهنا ، لكن أعمالنا غير المرضية أمامه تعلن ذلك بعينه ، وهو الموقف الغريب الثانى تجاه محبة الله ، وهو :
يقول معلمنا بولس الرسول : ” الجميع زاغوا وفسدوا معاً ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد ” (رومية 3 : 12) … ونحن هنا نرى أناساً يؤمنون بوجود الله ، لكنهم يهربون ويزوغون منه إذ ينغمسون فى حياة الخطية والفساد ..
وأول من مَارسَ هذا الموقف الغريب هو آدم وحواء ، إذ إكتشفا أنهما عريانين بعدما أكلا من الشجرة ، فحاولا الهروب من الله واختبئا من الله خلف الشجرة … فعندما يجد الإنسان لذته ومتعته فى أى شئٍ آخر غير الله ، فهو يهرب من الله وتفسد حياته التى لن تستريح إلا فى الله ..
لذا يقول القديس أغريغوريوس فى قداسه الإلهى :
[ غرسٌ واحد نهيتنى أن آكل منه ، هذا الذى قلت لى لا تأكل منه وحده ، فأكلت بإرادتى وحدى وطرحت ناموسك عنى وتكاسلت عن وصاياك .. أنا قطفت لنفسى حكم الموت .. ]
يقول إشعياء النبى : ” كلنا كغنم ضللنا ، ملنا كل واحدٍ إلى طريقه .. ” (إشعياء 53 : 6) ، وهذا نوع ثالث من مواقف الناس الغريبة تجاه محبة الله !!!
فالنوع الأول ، وهو العداء والإلحاد : يعادون الله ، وينكرون وجوده ، ويحطمون أهداف الله فى حياتهم ..
والنوع الثانى ، وهو الزيغان والفساد : لا يعادون الله ، بل مجرد يهربون منه وراء شرورهم وفساد قلوبهم ..
أما النوع الثالث ، وهو الضلال والعناد : فهم الذين ضلوا لكن ليس عن قصد ، بل بسبب جهلهم وعدم درايتهم .. لذا شبههم الكتاب بالغنم التى بسبب جهلها تنحرف عن الطريق من خلف الراعى ، وتذهب لتأكل بعض الحشائش ، ثم تفاجأ بأنها تركت القطيع بسبب جهلها ، وأصبحت وحيدة عرضة للذئاب والضياع …
تماماً مثل الذى يعتقد بأن العمل عبادة ، فيسير وراء لقمة العيش ، ويترك طريق الله ويدور فى دوامة الحياة ، ثم يكتشف أنه فقد الطريق وضل بعيداً عن الراعى الصالح ..
لذا أدرك القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك خطورة هذا الأمر ، وترك العالم ، وعندما كان يحاربه الشيطان بأفكار العالم ومجده ، كان يقول : اذكر يا أرسانى الهدف الذى من أجله تركت العالم لتحيا مع الله …
أما المعاندون فهم الذين يصرون على الإبتعاد عن الله عوض أن يتوبوا ويرجعوا إليه …
أخى الحبيب ، هل أدركت الهدف السامى الذى لأجله خلقك الله لتكون من أولاده وأهل بيته ؟
طلبتى إلى الله أن لا يكون من بيننا أىٌ من هذه الفئات الثلاثة التى بادلت محبة الله : بالعداء والإلحاد ، أو بالزيغان والفساد ، أو بالضلال والعناد .. لأن نتيجة هذه المواقف مريرة للغاية ، كما سنرى فى الموضوع القادم .. لألهنا كل مجد فى كنيسته من الآن إلى الأبد .. آمين ..
** ترنيمة :
1) مرة تهـــت بعيـداً عن مخلصـى يسوع
فأتـــانى من فدانـى ودعانى للرجــوع
قرار : صوته الحلو نادانى لا تطيلن الضــلال
اســـــرعن يا بنىَّ وتـعالَ لى تــعال
2) أرجلى أدمــت بشوكٍ لم ارَ لـــه نظير
بينما الصــوت ينادى قد ضللتُ فى المسير
3) إلا أنــــى لم أبالى أبداً بـذا الكـــلام
بـل غدوت فى ضـلالِ مســـتهيناً بالآلام
4) بعد ذا تنـاهى حزنـى من جرى ذاك الضلال
بمـرارةٍ ناديــــتُ : يا مخلصـى تعـال
5) بغـتة رأيـــت نوراً فى طريقى قد بـهر
عندما الفادى المحــبِ بتبســمٍ ظـــهر
4
” لأن أجرة الخطية هى موت ..” (رومية 6 : 23)
نواصل بنعمة الله أحاديثنا عن مفهوم المسيحى الحقيقى ، أى الحياة الروحية السليمة … وتكلمنا قبلاً عن أنواع المسيحيين ، ثم تكلمنا عن الهدف الذى لأجله خلقنا الله على صورته فى البر وقداسة الحق ، لنكون له أولاد نبادله الحب بالحب .. ثم تعرفنا على موقف الإنسان من محبة الله ، فى العداء والإلحاد ، أو الزيغان والفساد ، أو الضلال والعناد …
نأتى اليوم إلى نتيجة هذه المواقف الغريبة التى إتخذها الإنسان تجاه قلب الله المُحب …
والواقع أن الإنسان تحت أى صورة من صور الضلال هو فى إبتعاد وإنفصال عن الله .. فالخطية هى إنفصال عن الله ، ولأن الله هو الحياة ، فالإنفصال عنه هو إنفصال عن الحياة .. وهو نفس الكلام الذى قاله الرب لآدم فى الجنة : ” لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت .. ” (تكوين 2 : 17) ، فدخل فيه ميكروب الخطية الذى أدى إلى موته … لأن جرثومة الخطية متأصلة فيه (يشوع بن سيراج 3 : 28)
لذا دعنا نرى أنواع الموت بسبب الخطية ، حتى يحمينا الرب منه :
- الموت الجسدى .
- الموت الأدبـى .
- الموت الأبـدى .
فى الإصحاح الخامس من سفر التكوين نلتقى بصفحة الوفيات إذ تكررت كلمة ” ومــات ” ثمان مرات ، حتى متوشالح أكبر معمر فى التاريخ برغم أنه عاش 969 سنة ، إلا أن لفظة مكونة من ثلاثة حروف أنهت القصة إذ ” مـات ” ..
لذا قال معلمنا بولس الرسول : ” وُضِـعَ للناس أن يموتوا مرة .. ” (عبرانيين 9 : 27) ، لذا قال الرب لآدم معاقباً إياه : ” لأنك تراب ، وإلى التراب تعود ” (تكوين 3 : 19) ، وهذا الموت لا مهرب ولا مفر منه … لقد قالها الملك فؤاد ملك مصر والسودان سابقاً ذات يوم : لا أريد أن أموت خذوا منى مملكتى ، لكن لا أريد أن أموت …
فالموت هو ملك الأهوال ، لكن هل خلق الله الإنسان ليموت ويصير طعاماً للدود ؟ .. بالقطع لا … لكن الإنسان بسبب عصيانه وخطاياه إختار لنفسه حكم الموت كنتيجة للخطية ..
ثم هناك نتيجة أخرى للخطية ، وهى :
وهو الخزى والعار ، إذ ينظر المجتمع للإنسان الخاطئ الشرير بنظرة إحتقار وإزدراء ، وكما قال أحد الآباء القديسين : الخطية تفلِّس وتنجِّس وتجرِّس …
لذا قال الكتاب : ” البر يرفع شأن الأمة ، وعار الشعوب الخطية .. ” (أمثال 14 : 34) ، فبعدما قتل قايين أخاه هابيل ، يقول الكتاب ” سقط وجهه .. “ من الخزى والعار ..
وعندما أخطأ أمنون مع أخته ثامار وأذلها قالت له : ” وأنا أين أذهب بعارى ؟ ” (صموئيل الثانى 13 : 13)
فالنتيجة الحتمية للخطية هى العار وفقدان الكرامة ، والموت الأدبى ..
أخى الحبيب ، لعلك بالتأكيد تذكر شمشون قاضى الله المحترم الجبار نذير الله … عندما أذلته الخطية فقلعت عينيه وأصبح أعمى ، وفارقته قوته ، وصار يطحن فى بيت السجن بدل الثور، يا للعار !!
لكن ليست نتيجة الخطية الموت الجسدى ، أو الموت الأبدى فحسب ، بل هناك ما هو أشر وأدهى ، وهو :
يقول الرب يسوع : ” اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المُعدة لإبليس وملائكته .. ” (متى 25 : 41)
ولأن الخطية هى عصيان لله غير المحدود ، لذا فعقوبتها عقوبة غير محدودة أى أبدية … فهناك فرق فى العقاب بين أن تخطئ إلى زميل لك ، وأن تخطئ نفس الخطأ لرئيس الجمهورية مثلاً …
وفى هذا الموت الأبدى ، لن يكون هناك رحمة لمن لم يستفد من رحمة الله على الأرض …
ولنا فى قصة الغنى الذى استوفى خيراته على الأرض وعاش متنعماً وعندما مات ذهب إلى الجحيم مُعذباً فى النار الأبدية يشتهى طرف أصبع مبلل بالماء … أما ليعازر فمات وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم واسحق ويعقوب متنعماً …
أخى الحبيب ، الوقت قصير ، والأبدية قريبة ، ولا ندرى متى تنتهى رحلة الحياة .. والمسيح يستطيع أن يرفع عقوبة الخطية ، كما قال القديس أغريغوريوس : [ أنت الذى حولت لىَّ العقوبة خلاصاً .. ]
هل تريد أن تخرج من دائرة الموت والهلاك والعذاب الأبدى ؟
طلبتى إلى الله أن يعطينا توبة صادقة فنهرب من الموت لنرتمى فى أحضان الرب يسوع فى الحياة الأبدية .. له المجد فى كنيسته إلى الأبد .. آمين ..
** ترنيمة :
1) ليه تعيـش مسكــين يا خاطى وحزيــن
ونهايتك تكون جهنــم مــع الشــياطين
مع الشياطين تتعــذب مــع الشــياطين
2) تُــب عن الشــرور واتــرك الفجـور
واهجر الخطية حــالاً وبـلاش غــرور
وبلاش غرور فى الدنيا وبـلاش غــرور
3) تــعال ليســـوع واصــرخ بالدموع
واتبـعه كل حــياتك واحــذر الرجـوع
واحذر الرجوع للعـالم واحــذر الرجـوع
4) تضــمن الحـــياة وتفــوز بالنجــاة
وتكون مع يسوع حبيبك هنـاك فى السـماء
هناك فى السماء البهيـة هنـاك فى السـماء
5) مــع القديســـيـن والفــادى الأمـين
تبــقى كل الأبديــة دا خـلاص ثمــين
دا خلاص ثمين مجانى دا خـلاص ثمــين
5
” لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد ..
لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الابدية “
(يوحنا 3 : 16)
نواصل اليوم أحاديثنا حول موضوع المسيحى الحقيقى ، وعرفنا أنه ليس كل مسيحى هو مسيحى حقيقى ، بل هناك أنواع من المسيحيين ، ثم تعرفنا على الهدف الذى لأجله خلقنا الله ، وهو أن نكون له أبناء ، فقلبه مملوء بالحب والحنان علينا .. ثم تقدمنا لنتعرف على موقف الإنسان من محبة الله ، فهو لم يبادل الله الحب ، بل اعتـزل عن الله وإنفصل عنه ، وفضّل الحياة بحسب هواه ومزاجـه ، وكانت النتيجة أنه إنفصل عن الله ، فإنفصل عن الحياة ، فأصـبح فى حكم الموت : موت جسدى وموت أدبى ، موت أبدى …
واليوم ، نتعرف على موقف الله تجاه ما وصلت إليه البشرية الخاطئة .. ، فهل وقف الله مكتوف الأيدى أمام الخليقة التى أحبها والتى وضعت نفسها تحت حكم الموت ؟
كلا ، فالله فى محبته لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا ، فهو الداعى الكل إلى الخلاص لأجل الموعد بالخيرات المنتظرة … لذا فلقد قام بمبادرات حُبية ، كما يلى :
- المبادرة الأولى : صليب الفــداء .
- المبادرة الثانية : مصالحة الأعداء .
- المبادرة الثالثة : قرعات اللقــاء .
يقول الكتاب : ” لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحـيد لكي لا يهلك كل من يؤمـن به بل تكون له الحياة الأبديـة ..” (يوحنا 3 : 16) ، أحب فأخذ مبادرة أن يبذل إبنه الوحيد والحبيب على عود الصليب حتى لا يهلك كل من يؤمن به … هذا هو الفداء .. مات المسيح فداءً عنا ليأخذ حكم الموت حتى يطلقنا فى حرية وسعادة .. هذا هو الحب العجيب الذى قال عنه معلمنا بولس الرسول : ” ولكن الله بَيَّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا .. ” (رومية 5 : 8) ..
والفداء هو أن يأخذ شخص برئ مكان شخص محكوم عليه بالموت ، فيموت بدلاً منه ، ويُنقَذ الأول ، فيتم الفداء …
وهو نفس الذى تسبح به الكنيسة متهللة فى التسبحة المقدسة وتقول :
[ أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له .. فلنباركه ونرفع إسمه .. ]
** قصة :
شب حريق عظيم فى مبنى شاهق ، وإمتدت النيران إلى السلالم وحاصرت أسرة مكونة من أب وثلاثة أولاد .. وحاولت الأسرة الهروب من النيران دون جدوى ، ولم يجد الأب مفراً من أن يمدد جسده من هذا المبنى إلى المبنى المجاور ككوبرى ليعبر عليه الأولاد .. وبعدما عبروا واحداً تلو الآخر .. خارت قوى الأب فسقط صريعاً .. مات الأب ليحيا الأبناء …
هذا هو الفداء الذى تعلمنا إياه كنيستنا القبطية فى القسمة المقدسة ، إذ يقول الأب الكاهن :
[ صعد إلى الصليب عرياناً ليكسونا بثوب بره ن وفُتِحَ جنبه بالحربة لكى ندخل إليه ونسكن فى عرش نعمته ، ولكى يسيل الدم من جسده لنغتسل من خطايانا ، وأخيراً مات ودُفِنَ فى القبر ليقيمنا من موت الخطية ، ويُحيينا حياة أبدية .. ]
هذه هى المبادرة العظمى التى قدمها رب المجد على عود الصليب .. صليب الفداء .. الفداء بالدماء .. ليهب حياة للأموات بالذنوب والخطايا ، ليعودوا من جديد إلى العشرة والشـركة مع الله ، بعد أن فقدوا هذه الحياة بالخطية والإنفصال عنه …
يقول معلمنا بولس الرسول : ” أي أن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعاً فينا كلمة المصالحة .. ” (كورنثوس الثانية 5 : 19)
من هم هؤلاء الأعداء الذين صالحهم الله .. ؟ يقول الكتاب : ” وأنتم الذين كنتم قبلاً أجنبيين وأعداء في الفكر في الأعمال الشريرة قد صالحكم الآن ، في جسم بشريته بالموت .. ” (كولوسى 1 : 21 ، 22) ، لقد كانـت الخطية عداءً حقيقياً لله المحب ، فبسبب الخطية صار الإنسان عدواً لله … لكن المسيح ، كما يقول القديس أغريغوريوس فى قداسه الإلهى : [ صرت لنا وسيطاً لدى الآب ، والحاجز المتوسط نقضته ، والعداوة القديمة هدمتها … وصالحت الأرضيين مع السمائيين وجعلت الإثنين واحداً .. ]
يا لروعة عمل نعمة المسيح فى مصالحته لنا نحن الأعداء بسبب الخطية .. الأمر الذى تمناه أيوب فى عهد ما قبل مجئ المسيح لفدائنا ، إذ قـال : ” ليس من مصالح يضع يديه على كلينا .. ” (أيوب 9 : 33) ، وظلت هذه هى مشكلة البشرية إلى ان جاء المسيح وصالحنا مع الأب وأزال العداوة بدم نفسه .. لذا فأول شئ نبدأ به القداس الإلهى هو صلاة الصلح ..
بل أروع من ذلك أننا نحن الأعداء لم نحاول ولا يمكن أن نحاول أن نعيد العلاقة والصلح مع الله ، بل هو بذاته جاء مبادراً ليصالحنا مع الآب …
** قصة :
إرتكب أحد الأبناء الأشرار جرماً شديداً فى حق أبيه ، مما إضطر الأب أن يطرده من البيت بلا عودة .. وبعد فترة من الزمان ، مرضت الأم مرض الموت ، وبينما هى فى الساعات الأخيرة توسلت إلى الأب أن يغفر لإبنه فعلته الشنعاء ، ويسمح لها أن تراه مرة أخيرة قبل أن تموت .. وفعلاً أمام توسلات الأم سمح الأب لإبنه أن يعود ، ووقف الأب على يمين الأم الملقاة على فراشها ، ووقف الإبن على يسارها ، فأخذت الأم يد الأب ووضعـتها فى يد الإبن ، وضمتهم إلى صدرها ، وأسلمت الروح …
أليس هذا هو ما عمله المسيح على الصليب ، إذ أخذ بيد الآب من السماء وصالحه معنا نحن الخطاة ، وقال قد أُكمل ، ونكس الرأس وأسلم الروح …
أخى الحبيب ، هل تاتى معى اليوم لنقبل مبادرة الصلح هذه ، وننهى أيام العداوة مع الله بسبب الخطية ، والرب اليوم مستعد لأن يقبل ويصالح من يأتى إليه ..
لذا يقول قداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث :
[ مصالحة الله مع البشر هى سبب التجسد الإلهى ، وهى هدف الفداء أيضاً ، ولقد كان دم السيد المسيح هو ثمن هذا الصلح .. فانظر ما أغلى ثمن مصالحـتك ، وما أغلـى نفسك عند الله … ]
لاحظ معى أيها الحبيب ، أن المبادرتين السابقتين قد مر عليهما حوالى 2000 سنة ، لكن مفعولهما لا يزال سارياً إلى الآن …
أما هذه المبادرة الثالثة ، فهى مبادرة شخصية لكل واحد منا ، مهما كانت لغته أو معتقداته ، لذا فهو يقول : ” هنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي .. ” (رؤيا 3 : 20)
لقد ذهب كعريس سماوى إلى عروس النشيد التى تمثل النفس البشرية، وقال لها : ” افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي لأن رأسي إمتلأ من الطـل وقصصي من ندى الليل .. ” (نشيد الأناشيد 5 : 2)
لكن النفس البشرية المنغمسة فى اللذات والشهوات ، ترفض أن تفتح للعريس الغالى ، كما تقول الترنيمة :
على القلوب بتقـــرع وطوبـى للى يسمع
ويتوب توبــة من قلبه توبة من غير رجوع
فالله المُحب يقرع من خلال ، إما قداسات ، أو عظات ، أو لقاءات مع أباء الكنيسة ، أو خدام ، أو ظروف ، أو حوداث… لكن هل نسمع قرعات الحب هذه ؟ ونفتح له قلوبنا ليدخل ويملك عليها … فهو يبدأ بالقرعات الخفيفة من وعظ وترنيم وآيات الكتاب .. إلخ وإذا قابل الإنسان هذه القرعات باللامبالاة وقساوة القلب ، فيأتى الرب بقرعاته العنيفة ، ثم المخيفة … وهدفه أن نفتح له القلب ليدخل ويضئ بنوره ظلمة خطايانا … فهو يريد أن جميع الناس يخلصون ، وإلى معرفة الحق يقبلون …
** قصة :
فى ليلة عيد الميلاد ، أراد الملك أن يختبر مدى محبة شعبه للفقراء ، فتنكر فى ثياب الفقراء ، وقرع البيوت بيتاً بيتاً فى محاولة منه للدخول كشحاذ ، لكن الجميع رفضوا قبوله فى هذه الليلة البهجية .. إلى أن وصل إلى عشة أرملة فقيرة على سطح إحدى المنازل ، فقبلته بترحاب فى عشتها البسيطة ، وقدمت له طعاماً بسيطاً ونام فى عشتها هذه إلى الصباح ، ثم قدمت له الإفطار ، فأكل ثم شكرها ، ومضى …
وبعد ساعة واحدة أرسل الملك فى طلب هذه الأرملة الفقيرة، وسألها عن شخص فقير جاء إليها وقبلته فى الليلة الماضية ، فأقرت بأنها قبلت هذا الفقير المسكين .. قال لها الملك : يا أمى أنا هو الفقير الذى أتى إليك الليلة ، وكما قبلتينى فى عشتك الفقيرة، اسمحى لى أن اقبلك فى قصرى ولن تعودى إلى فقرك بل ستتمتعين بغنى محبتى …
ونحن إذ نقبل المسيح الذى يقرع على قلوبنا سنحظى بقبوله لنا فى ملكوته …
طلبتى إلى الله ان يمتعنا ببركة قبول هذه المبادرات الثلاثة فنفتح له الحياة ونقول : هلم تفضل وحل فينا .. له المجد فى كنيسته إلى الأبد .. آمين ..
** ترنيمة :
1) مات على الصليب وفدانى يســــوع الحبيب
حبه ما شفتش زيه تانـى يســــوع الحبيب
قرار : بيسوع يا هـــنايا يا يسـوع يا عزايـا
أنت عزى وأملى ونورى ينبوع فرحى وسرورى
يا هنــايا بيســـوع يا عزايا بيســـوع
2) هـــو اللى دور علىَّ لمــا كنت بعيــد
هو اللى كان عينـه علىَّ لمــا كنت بعيــد
3) دفع فىَّ الـــدم الغالى وأنا كان ثمنى رخيص
وبقيت على قلبــه غالى وأنا كان ثمنى رخيص
4) حررنى من العبــودية بعد ما كنت أســير
طهر قلبى من الخطـية بعد ما كنت أســير
5) قاللى أنا رايح وراجع تانى وجاى عـلى السحاب
وعده أمين جهز لى مكانى وجاى عـلى السحاب
6
” هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص ”
(كورنثوس الثانية 6 : 2)
تحدثنا فى الجلسات السابقة حول موضوع ” المسيحى الحقيقى “ ، وبدأنا الحديث حول أنواع المسيحيين ، وعرفنا السبب الرئيسى الذى لأجله خلقنا الله ، لنكون له أبناء فى عائلة مقدسة .. بعد ذلك إنتقلنا إلى مواقف الناس الغريبة تجاه محبة الله العجيبة ، فمنهم من أنكر وجوده ، ومنهم من زاغ وراء شهواته وضل المسير وراء أهوائه .. فالخطية أساساً هى الإنفصال عن الله .. ثم تحدثنا عن نتائج هذا الإنفصال وهى الموت الجسدى والموت الأدبى ، والموت الأبدى …
ثم عرفنا أن الله لم يقف مكتوف الأيدى أمام خطايانا ، بل قام بمبادراته الحُبية .. إذ أرسل إبنه الحبيب ليموت عوضاً عنا فأعطانا حياة وصالحنا مع الآب .. وهو اليوم يبادر مبادرة خصوصية فيقرع بقرعات الحب على باب القلب حتى نفتح له فيدخل إلى حياتنا …
والسؤال الآن عن الموقف الذى يجب على الإنسان أن يأخذه تجاه هذه المبادرات …
وهو يتلخص فى :
- دعـوة للدخول .
- الوقت المقبول .
- ثقــة القبول .
السيد المسيح يقدم دعوة حُبية وشخصية لكل واحد منا .. إن صوته لنا يقول : ” هئنذا واقف على الباب وأقرع .. ” (رؤيا 3 : 20) .. إنه يقول لكلٍ منا ، كما قال لزكا : ” يا زكا إسرع وانزل لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك ” (لوقا 19 : 5) ، تُرى ماذا كان رد فعل زكا لطلب المسيح هــذا ؟ .. يقـول الكتاب : ” فأسرع ونزل وقَبِـلَه فَرَِحاً ” (لوقا 19 : 6) ، لذا قال الرب : اليوم حصل خلاص لهذا البيت …
وزكا هذا يمثل كل شخص منا اليوم .. فالمسيح لا يمكن أن يترك أى إنسان له أشواق حقيقية لرؤيتة فى حياته وأعماله ، بل يسرع ويدخل إلى قلبه وإلى بيته .. فهو ينتظر دعوة الشخص له بدخول القلب والحياة ، فالرب لا يفرض نفسه على الإنسان إذ خلقه بإرادة حُرة ، ففى صورة المسيح الذى يقرع على الباب نلاحظ أن مقبض الباب من الداخل ، وليس من الخارج ، فبرغم أن هذا القلب هو ملك المسيح فى الأصل ، وهو الذى أعطاه للإنسان ، لكن الرب يسوع المحب يحترم إرادة الإنسان إن كان يرغب فى قبول المسيح ، من عدمه …
لذا تعلمنا كنيستنا المجيدة أن نصلى دائماً فى قطع الساعة الثالثة ونقول :
[ أيها الملك السماوى المعزى روح الحق الحاضر فى كل مكان والمالئ الكل .. كنز الصالحات ومعطى الحياة .. هلم تفضل وحل فينا ، وطهرنا من كل دنس أيها الصالح .. ]
أخى الحبيب ، يقول الكتاب : ” اطلـبوا الرب مادام يوجد ، ادعوه فهو قريب .. ” (إشعياء 55 : 6) ، وحين تدعوه ليدخل حياتك ، فهو على الفور يدخل ، وتصبح هذه بداية طريق جديد ، وحياة جديدة وتغيير حقيقى فى حياتك
لكن السؤال الآن ، متى يمكن أن يكون هذا ؟
وهذا ما سوف نوضحه فى النقطة التالية :
هناك لعبة من حيل الشيطان إسمها : [ لعبة التأجيل ] .. فقد تقول هذا الكلام جميل ، وفعلاً يجب أن أفتح حياتى للمسيح ليدخل فيها ، فليس هناك أجمل من هذا ، ولكن هناك بعض الخطايا أريد أن أتخلص منها قبلاً ، أو بعض المشاكل يجب أن أنتهى من حلها حتى يدخل المسيح فيجد أن كل شئٍ مُعد لإستقباله …
أخى الحبيب ، يقول الكتاب : ” هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص ” (كورنثوس الثانية 6 : 2) ..
** قصة رمزية :
تجمع الشياطين ذات يوم مع رئيسهم الشيطان الأعظم ، فسألهم عن خططهم الشريرة مع البشر ، فقال واحد من الشياطين: أنا أزرع الخصومات بين البشر والحروب بين الشعوب .. فأجابه القائد هذا ليس بجديد .. أريد خططاً جديدة .. فقال شيطان آخر : أنا أخطط لإستخدام القنوات الفضائية والدِش لنشر الشر فى كل مكان من العالم .. فأجابه الرئيس : وهذا أيضاً ليس بجديد .. وهكذا الجميع حتى بقى شيطان صغير لكنه بالحق شرير ، فسأله القائد : وأنت هل لديك ما تقترحه ؟ فأجاب بشرٍ : أنا اقترح على الناس التوبة ، و أقنعهم بأهميتها وبضروريتها … فتعجب الرئيس منه ، وقال : هل بهذا تكون شيطاناً ، يستحيل ، أظن انك لست من مملكتنا الشريرة ، بل أنت خطر علينا … لكن على الفور أجاب هذا الشيطان قائلاً : سيدى ، أنا أعمل كل هذا ، لكن أقول للتائب غداً غداً تتوب ، وليس اليوم !!!
وهذا هو ما تنبه إليه القديس أغسطينوس ، الذى كان يؤجل التوبة ظناً منه أنه بعد فى مرحلة الشباب ، ولكن بعد أن تتقدم به الأيام سيتوب .. لكنه بعد أن سمع عظة القديس أمبروسيوس تأثر جداً بها ، وقرر التوبة ، لكن الشيطان قال له : فعلاً يجب أن تتوب ، ولكن ليس الآن .. فذهب إلى حديقة ، وهناك سمع صوت الرب الذى قال له خذ اقرأ ، فقرأ الآيات : ” هذا وإنكم عارفون الوقت إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا ، قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور .. ” (رومية 13 : 11 ، 12) ، على الفور قرر أن يفتح قلبه للمسيح ، وقال الآن وليس غداً .. الآن وليس بعد ساعة ، فتحول من خاطئ شرير ، وزانى له إبن فى الحرام .. إلى قديـس عظـيم من قديسى الكنيسة …
أخى الحبيب ، هل تصلى معى الآن هذه الكلمات :
ربى ومخلصى يسوع المسيح اشكرك لأجل صليب الحب الذى دفعت عليه ثمن خطيتى وجرمى فصالحتنى مع الآب .. اسمح الآن ادخل إلى قلبى وإلى حياتى .. إنى أفتح لك حياتى … هلم تفضل وحل فىَّ وطهرنى من كل دنس أيها الصالح وخلص نفسى .. بشفاعة أمك البتول القديسة مريم وكل القديسين الذين قبلت توبتهم إذ فتحــوا لك حياتهم .. آمين ..
يقول معلمنا بولس الرسول : ” ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم .. ” (أفسس 3 : 17) ، فالموضوع يحتاج فقط إلى الإيمان والثقة بإننى عندما أطلب الرب يسوع ليدخل إلى حياتى ، فهو على الفور يدخل ، فهو صادق وأمين … فالرسول يعقوب يحذرنا من عدم الإيمان قائلاً : ” ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة .. لأن المرتاب يشبه موجاً من البحر تخبطه الريح وتدفعه فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئاً من عند الرب .. ” (يعقوب 1 : 6 ، 7) ، ومعنى غير مرتاب البتة ، أى دون أى شك ، بل فى ثقة كاملة فى صدق وعد المسيح الذى قال : ” إن سمع أحد صوتى وفتح الباب ï أدخل إليه … ” (رؤيا 3 : 20)
أخى ، هل تأتى معى اليوم فى ثقة كاملة وقبول فعلى للرب المحب الذى يقرع بقرعات الحب والصفح والغفران لخطايا الماضى ، فنفتح له الحياة ، فالترعة الصغيرة حين تفتح على النهر الكبير ، بالتأكيد ليست هى الخاسرة ، بل هى صاحبة المنفعة الحقيقية … تأكد فى إيمان حقيقى أنه صادق وسيدخل ويتعشى معك وأنت معه … له المجد فى كنيسته إلى الآبد .. أمين ..
** ترنيمة :
1) واقف بالباب ربى يقرع ونداء الحبِ منه يُســمع
فافتح الباب وإلا يرجـع عنك فأفتح ليسوعَ عاجـلاً
قرار : عاجــلاً عاجــلاً عاجــــلاً عاجـــلاً
اغنم الوقت الوحيد المعطى لك قلبك افتح ليسـوع عاجلاً
2) إن صوت الرب يدعو للسلام فرصة كم تستحق الإغتنام
يسرع الوقت ويمضى كالغمام خاطئاص لبى نداه عاجلاً
3) افتح الباب إلى الفادى المسيح إذ دما الفادى دواء للجريح
وعلى صدر المحب تستريح فلذا افتح ليســوعَ عاجلاً
4) سنكون الدهر معه للأبــد فى ديارٍ زانها الرب الصمد
حيث لا حزنَ ولا أى كمـد فافتح القلب ليسـوعَ عاجلاً
7
” هلم نتحاجج يقول الرب ..
إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج ..
إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف ” (إشعياء 1 : 18)
وصلنا فى الجلسة السابقة إلى التجاوب مع قرعات الرب يسوع على قلوبنا بأن نفتح له قلوبنا وحياتنا بكل إرادتنا ، فتكون هذه هى البداية السليمة ..
لكن قد تقف بعض العقبات والمعطلات أمام الإنسان تمنعه من فتح قلبه للمسيح ، سنكتفى بذكر ثلاثة من هذه المعطلات ، وهى :
- تعاظــم الذنوب .
- الإثم المحــبوب .
- الطريق المرهوب .
يخدع الشيطان البعض بأن خطيتهم أعظم من أن تُغتفر ، ويعرض أمامهم شريط خطايا الصبا ، ونجاسات المراهقة ، ويضخم أمامهم شناعة خطاياهم ، وهى بالفعل كذلك … فيقولون كما قال القاتل الأول فى البشرية ، وهو قايين : ” ذنبى أعظم من أن يُحتمل ” (تكوين 4 : 13) فاستكثر خطاياه على رحمة الله ..
وهو نفس المعطل الذى عطل يهوذا عن التوبة ، وقبول غفران المسيح ، إذ قال : أخطأت إذ سملت دماً بريئاً ، ومضى وشنق نفسه .. فبرغم أنه باع المسيح ، مثلما أنكره بطرس ، لكن بطرس تخطى هذا العائق بسبب ثقته فى محبة المسيح ورحمته وغفرانه ، فبكى وتاب … لذا تقول كلمة الله : ” هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف .. ” (إشعياء 1 : 18)
أخى ، هل تذكر المرأة التى أمسكها اليهود وهى تزنى ، وأرادوا رجمها بالحجارة ، لقد غفر لها المسيح خطاياها ، وقال لها : ” ولا أنا أدينك .. ولا تخطأى أيضاً ” (يوحنا 8 : 11)
من منا حين يلقى بزجاجة حبر اسود غامق فى المحيط الأطلنطى ، وينتظر دقائق متصوراً أن هذه الزجاجة ستحول لون مياه المحيط إلى اللون الاسود !!! هكذا خطايانا ، مهما كثرت فرحمة المسيح أعظم من المحيطات تجاه أولاده التائبين …
قال أحد الأباء : [ حين نتوب فإن المسيح يلقى بخطايانا فى بحر النسيان ، ويكتب يافطة مكتوب عليها : ممنوع الصيد .. ]
حتى متى نستصعب خطايانا على المسيح ، فإن لم يأخذها هو فمن سيأخذها ؟ .. ألم يقبل المُر يوماً من المجوسى الثالث فى المذود …
معطل آخر ، وهو عكس المعطل الأول .. فالأول يستصعب خطاياه على المسيح ، لكن هذا المعطل هو وجود خطية محبوبة فى القلب تعطل الإنسان عن قبول المسيح .. لذا قـال داود النبى : ” إن راعيت إثماً فى قلبى ، لا يستمع لىَّ الرب .. ” (مزمور 66 : 18)
يحدثنا سفر يشوع عن شعب الله الذى بعد أن انتصر على أريحا ، ذهب لمحاربة بلدة صغيرة اسمها [ عاى ] ، وللعجب أنه إنهزم أمامهم ، وعندما سأل يشوع الرب عن سبب هذه الهزيمة ، أجابه الرب : ” في وسطك حرام يا اســرائيل فلا تتمكن للثبوت أمام أعدائك حتى تنزعوا الحرام من وسطكم (يشوع 7 : 13) ، فأخذ يشوع عخان بن كرمى الذى أخذ الحرام ، ورجمه فأتى النصر .. إنها الخطية المحبوبة التى تحرمنى من قبول المسيح ..
أخى الحبيب ، تُرى ما هى الخطية المحبوبة التى تمنعك وتعطلك من قبول المسيح ؟ هل هى أموال حرام ؟ أم علاقة شريرة ؟ أم صداقة آثمة ؟ أم صورة نجسة ؟ أم ذكريات معثرة ؟ ما هى الآلهة الغريبة الموجودة فى القلب ؟ هل تنزعها الآن ونلقها خارجاً عنك ونطرح حجر الرحى الذى تعلقه فى عنقك ويمنعك عن الإنطلاق للأمام لقبول المسيح …
صلِ معى ما قاله القديس كيرلس فى القسمة المقدسة :
[ يا حمل الله الذى بأوجاعك حملت خطايا العالم ، بتحننك امح آثامنا .. يا وحيد الله الذى بآلامك طهرت أدناس المسكونة بمراحمك طهر أدناس نفوسنا .. ]
وهنا نرى المعطل فى أن البعض يستصعبون الطريق ، ويذكرون قول المسيح : ” ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه ” (متى 7 : 14)
فيضعون العراقيل أمامهم فى الطريق ، يقول أن متطلبات الحياة مع الله كثيرة ، كالصوم والصلاة ، والخدمة ، وخلافه .. فيصبهم اليأس ويتراجعون عن قبول المسيح …
ويخبرنا الكتاب عن الـ 12 جاسوس الذين أرسلهم موسى ليتجسسوا أرض كنعان .. جاء عشرة منهم ، وأقروا أنهم يستحيل أن يأخذوا هذه الأرض لأن الأعداء أقوياء جداً ، أما يشوع بن نون ، وكالب بن يفنة فقالا : ” إن سُرَّ بنا الرب يدخلنا إلى هذه الأرض ويعطينا إياها أرضاً تفيض لبناً وعسلاً .. ” (عدد 14 : 8)
يقول القديس بولس الرسول : ” أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى .. ” (فيلبى 4 : 13) ، نعم فإالهنا هو إله المستحيلات الذى لا يستحيل عليه شئ ، فمهما كانت صعوبة الطريق فهو سائر معنا لا يهملنا ولا يتركنا ، بل يساعدنا ويعيينا ويقوينا فى الطريق …
ليتنا جميعاً ننظر إلى الرب يسوع فنستطيع أن نتخطى أيه عقبات أو معطلات فى طريق الحياة معه ..
فمهما كانت ذنوبنا فغفرانه أعظم ..
ومهما كانت محبتنا لآثامنا ، فمحبته قوة جارفة أقوى ومهما كان خوفنا ورهبتنا من صعوبات الطريق ، فمعيته معنا أبقى وأشمل ..
له المجد فى كنيسته إلى الأبد .. آمين ..
** ترنيمة :
1) لما دعــانى ربـى قاللى تعالى إرتـــــاح
أنا عندى ســلامك عندى لك أفــــــراح
مال الهم يســودك ليـه بيحــــنى عودك
خللينى امسك إيديـك وأمشــيِّك فى فَـــلاح
2) لما ســمعت صوته قلــت لــه يا ربــى
كيف بتـنادى علـىَّ وأنا مش طايـــق ذنبى
قال لى دمى يطــهر مـن كـل الشــــرور
أنا بأحب الخـاطـئ وأخـــرجه للنـــور
3) قلبى ســعتها إتهلل وإمتـــلأ بالـــروح
لما سمعت كلامــه وشـفت المجــــروح
يا ربــى بأحــبك وها أعيش لك طول عمرى
ها افضل أرنم وأهتف وأســلم لـك أمـــرى
8
” وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله ..
أي المؤمنون بإسمه ” (يوحنا 1 : 12)
تكلمنا قبلاً عن جوهر المسيحية الحقيقية ، وهو أن قبول الرب يسوع فى القلب … وتعرفنا فى الموضوع السابق على معطلات الحياة مع المسيح … واليوم نتعرف على إمتيازات قبول المسيح ..
بكل تأكيد هناك إمتيازات كثيرة جداً يتمتع بها كل من يقبل مبادرات المسيح الحُبية ، ويفتح حياته لنوره العجيب … ولكننا هنا سنكتفى بثلاثة إميتازات ، هى :
o رتبة البنويــة .
o الطمأنينة القلبية .
o الحــياة الأبدية .
عندما يقبل الإنسان الرب يسوع فى حياته ، فهو يتمتع بأروع إمتياز ، ألا وهـو رتبة البنوية للمسيح ، كما قال الكتاب : ” وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون بإسمه .. ” (يوحنا 1 : 12) ، فبعدما كان إبناً للخطية ، وإبناً لمملكة الظلمة ، يصبح إبناً لملك الملوك ورب الأرباب … لذا قال الكتاب : ” وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الرب القادر على كل شيء .. ” (2 كورنثوس 6 : 18)
يا لها من رتبة تفوق كل عقل .. أن الرب لأنه قادر على كل شئ ، لذا فقد حررنا من سلطان الظلمة ، ونقلنا إلى رتبة البنوية فصرنا له بنين وبنات …
لذا قال معلمنا يوحنا : ” انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله .. ” (يوحنا الأولى 3 : 1)
يا لروعة هذا الإمتياز … ويا لسمو هذه النعمة … التى تجعل من البشر الترابيين ، أولاداً لرب السماء والأرض …
يقول القديس أغسطينوس : [ لنتأمل أيها الأحباء أبناء من قد صرنا .. انظروا كيف تنازل خالقنا ليكون أباً لنا .. لقد وجدنا لنا أبــاً فى السموات … ]
كل الذين يعيشون بعيداً عن الرب يشعرون بالقلق والإضطراب وفقدان السلام … قد يملكون المال ، لكنهم لا يملكون السعادة ، فهولندا مثلاً فيها أعلى مستوى للدخول والمرتبات ، وفى نفس الوقت فيها أعلى نسبة انتحار عالمياً .. لذا قال الرب : ” لا سلام قال إلهى للإشرار .. ” (إشعياء 57 : 21) .. والأشرار هم الذين رفضوا قبول المسيح فى حياتهم .. أما الذين بدأوا فى طريق التوبة مع المسيح ، يقول عنهم الكتاب : ” فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح .. ” (روميه 5: 1) ، ويضيف داود النبى قائلاً : ” إن نزل عليَّ جيش لا يخاف قلبي .. إن قامت عليَّ حرب ففي ذلك أنا مطمئن .. ” (مزمور 27 : 3)
أكثر ما يعانى منه البشرية اليوم هو الإضطراب وفقدان السلام ، مهما عُقِدَت مؤتمرات ومباحثات ، فسيبقى العالم محروماً من السلام ، مادام هو بعيدٌ عن ملك السلام ، ورئيس السلام ..
وهو الإمتياز الأبدى ، فيتمتع بالمسيح هنا على الأرض ، وأيضاً هناك فى السماء … لذا قال المسيح : ” خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني ، وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي .. ” (يوحنا 10 : 27 ، 28)
والسر فى ذلك هو أن الله هو صاحب الملكوت السماوى ، وقد صار أبى وصرت أنا إبناً له …
والحياة الأبدية لا تبدأ بعد الموت ، بل تبدأ عندما يقبل الإنسان المسيح ، وقتها يأخذ حياة جديدة ، هى حياة التوبة والنقاوة ، فيأخذ بذرة وعربون الحياة الأبدية ، كما يقول قداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث :
[ صدقونى إن جواز السفر الوحيد الذى تدخلون به لملكوت الله هو هذه الشهادة الإلهية : أنت إبنى .. ]
إنها إمتيازات كثيرة وعظيمة يتمتع بها من يقبل المسيح فى قلبه وحياته .. طلبتى إلى الله أن لا يحرم أحد من هذه الإمتيازات والنعم المجيدة ، له كل المجد فى كنيسته من الآن وإلى الأبد .. آمين ..
** ترنيمة :
1) أنا مطمــن وأنا ويــاه أصـله نقـشى على كفيه
أمشى فخور وأنا ماشى معـاه زى الطفل فى إيد والديـه
قرار : أصـل أبويا هو إلـهى هو صـنعنى وهو فدانـى
إزاى بعد ما جــه نجانـى أنسى وأقول إنه بينسـانى
2) أجرى وأرفرف أنا بجناحى من فرحتى إنى إبن يسوع
يوم عن يوم بتزيد أفراحـى مهما قابلت عطش أو جوع
3) إنت يا ربـــى كل آمالى أنت الراحــة لكل جريح
لحظة بلحظة رأيـت أيامـى مش متروكة لعصف الريح
9
” يا الله إلهى أنت .. إليك أُبكر .. عطشت إليك نفسى ..
يشتاق إليك جسدى فى أرض ناشفة ويابسة بلا ماء .. ” (مزمور 63 : 1)
نستكمل أحاديثنا عن موضوع المسيحى الحقيقى ، الذى يفتح قلبه للمسيح لكى يدخل إلى حياته وكيانه وذهنه ، فتكون العبادة من الداخل وليست مجرد مظاهر خارجية ..
واليوم نأتى إلى دعائم حياة المؤمن الجديدة … فالفلاح عندما يزرع زرعة جديدة ، يضع بجانبها دعامات لتسندها فى طريق نموها … كذلك الطفل الصغير يحتاج إلى الغذاء والشراب والدواء … وأيضاً الإنسان الذى يقبل المسيح فى حياته ، وتتجدد فيه مفاعيل المعمودية التى صار بها إبناً لله ، فدموع التوبة هى معمودية ثانية … لابد لهذا المؤمن الجديد من دعامات تسنده ..
ومن أهم هذه الدعامات :
o الغـذاء المفيد .
o الجـو الجديد .
o التوجه الرشيد .
وهو فى منتهى الأهمية لمن بدأ الطريق ، كما يقول معلمنا بطرس الرسول : ” وكأطفال مولودين الآن إشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به .. ” (1بط 2 : 2) ، وهذا الغذاء هو طعام الروح الذى هو :
1) كلمة الله : كما قال الكتاب : ” وُجِدَ كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي لأني دُعِيتُ بإسمك يا رب إله الجنود .. ” (إرميا 15 : 16) ، فكلمة الله هى الغذاء الذى يجب أن يتغذى به المؤمن يومياً .. فأقرأ كل يوم إصحاح من كلمة الله ، حتى أسمع صوت أبى فيه ..
2) الصلاة : وهى الوسيلة التى بها أتحدث يومياً مع أبى السماوى ، كما قال معلمنا داود النبى : ” كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله ” (مزمور 42 : 1) ، فالصلاة هى المياه التى ترتوى بها حياتى الروحية ..
3) التناول من جسد الرب ودمه : وهو غذاء الروح المقدس الذى قال عنه الرب : “ من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير ، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق ، من ياكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه .. “(يوحنا 6 : 54 ـ 56)
هذه هى الأغذية الثلاثة التى يحتاجها المؤمن لينمو بها : الكتاب المقدس ـ الصلاة ـ التناول من جسد الرب ودمه … لكـن لنتحذر أنه ليس كل من يمارس وسائط النعمة هذه هو إبن لله ، فقد نمارسها للمظهرية أو كعادة .. أما الشخص الذى قَبِلَ المسيح فى حياته فيمارس هذه البركات بأشواق قلبية .. يشتاق لقراءة الكلمة ، ويحفظها ، ويطبقها فى حياته .. يشتاق جداً للصلاة ، ويرى فيها وسيلة هامة للحديث مع أبيه السماوى .. يشتاق للتناول من جسد الرب ودمه ، فلا يمر أسبوع أو إثنين إلا ويهتم جداً بإشتياق للتناول من الجسد والدم الأقدسين ، بعد أن ينال حُلاً من الأب الكاهن عقب توبته وإعترافه ..
الإنسان الذى بدأ طريق التوبة مع المسيح ، عليه أن يترك طريق الشر والأشرار ، وينضم إلى عائلته الجديدة .. فلا مكان للمعاشرات الردية التى تفسد الأخلاق الجيدة .. فالمولود الجديد يخاف عليه أبواه من الميكروبات .. كذلك المؤمن ينفر من المجال غير المقدس ، والأحاديث غير الطاهرة ، والإصدقاء المعثرين ، ويلتصق بجماعة المؤمنين والخدام فى الكنيسة التى تصبح أماً حنوناً له ، ومكان راحة يشتم عبير القداسة فى أرجائها ، فيقول : ” فرحت بالقائلين لى إلى بيت الرب نذهب .. ” (مزمور 122 : 1)
قال أحد الأباء القديسين : [ لا يكون الله أبــاً لأحد إن لم تكن الكنيسة أمـــاً له .. ]
وهذا يعنى الإرشاد الروحى السليم ، فالإنسان من بداية حياته وإلى مماته يحـتاج إلى مرشـد روحى يرشده ، لذا قال الكتاب : ” اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله .. انظروا الى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم .. اطيعوا مرشديكم واخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم .. ” (عبرانيين 13 : 7 ، 17) ، فخطير أن يعتمد الإنسان على فهمه ومعرفته دون الرجوع إلى أب الإعتراف والمرشد الروحى .. لذا فنحن نحتاج دائماً إلى الإرشاد الروحى السـليم ، فكنيستنا هى كنيسة التسليم وكنيسة التقليد المقدس ..
لذا فنحن نحتاج ان نتخلى عن الذات والكبرياء التى تمنع الإنسان من الخضوع ، فالذى يصغى للتوبيخ ينفع نفسه ، والإنسان المتضع يقبل أن يتعلم من أى شئ ومن كل أحد ليصل إلى بر الأمان …
أخى الحبيب ، هذه هى الدعامات التى من خلالها تستطيع ان تحكم على نفسك .. فهل قبلت المسيح فى قلبك أم لا ؟ فإن كنت لم تبدأ ، فالآن فرصة لتفتح له حياتك وتمارس هذه الدعامات الروحية المباركة حتى تنمو وتتقدم للأمام فى طريـق الحياة مع المسيح .. الذى له المجد فى كنيسته إلى الأبد .. آمين .
** ترنيمة :
1) ليــل العشا السـرى ليـــل العشا السرى
أخـذ خـبزاً وكســر وقـــال هذا جسدى
قرار: مولانا أســـقانا مـن خــمرة الحـبِ
فدانا أحــــــيانا ( يسوع حبيب قلبى )3
2) ليـــــل آلام ربى ليــــل آلام ربـى
أخــــذ كاساً وشكر وقــــال هذا دمى
3) هذا غـــذاء الروح وضامد الجـــروح
عبـــــيره يفـوح فى هــــيكل الربِ
4) هذا عشـــا العريس قُــــدِمَ للعـروس
والوعـــد بالفردوس لحافــــظ العـهد
5) قلبى أنــــا أعطيك ومـالىَّ أهــــديك
قوِ رجـائى فيــــك يا مصــــدرَ الحبِ
6) يتغذى منـــه فؤادى ثم يشــــتد الرجاء
وبه الإيمــــان يغدو مع حبـــى فى نماء
10
” واثقاً بهذا عينه أن الذي ابتدأ فيكم عملاً صالحاً
يكمل إلى يوم يسوع المسيح ” (فيلبى 1 : 6)
الإنسان الذى وضع قدميه على بداية الطريق الروحى فى توبة صادقة ، وألقى وراء ظهره شهوات الجسد والعيون وتعظم المعيشة ، فليتحذر وليحترس من بعض الأمور التى ستواجهه فى بداية حياته الروحية الجديدة مع الرب … نذكر منها :
o حيــل الشيطان .
o شكوك فى الإيمان .
o كبريـاء الأذهان .
بمجرد أن يبدأ الشخص فى الحياة مع المسيح ، يبدأ أيضاً الشيطان فى شن حروبه عليه ، وينصب له الفخاخ .. لذا يقول الكتاب : ” اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو .. ” (بطرس الأولى 5 : 8) ، فالسيد المسيح له المجد نفسه بعدما تعمد فى نهر الأردن ، وشهد له الآب قائلاً هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت … نرى إبليس يجربه بأنواع مختلفة من التجارب …
وهذا هو نفس ما تتدرب عليه كلاب الصيد التى تخرج مع الصيادين .. فعندما يرى الصياد سرباً من الطيور ، فيقوم بإطلاق الرصاص من رشاشه ، ويقوم الكلب بجمع الطيور .. وتدريبه يكون على أساس أن الطير الذى أُصيب فى مقتل يتركه فسيبقى فى مكانه .. أما الذى يحاول الطيران بسبب إصابة بسيطة، فهذا يكون هدفاً أساسياً للكلب حتى لا يستجمع قواه ويعاود الطيران .. كذلك عدو الخير عندما يرانا نحاول الطيران فى سماء العشرة مع الله فهو يجعل منا هدفاً يركز عليه هجماته…
لكن ما يطمئننا أننا لسنا متروكين بمفردنا ، فإن لنا أباً قادراً يدافع عنا ، لذا قال الكتاب : ” كل من وُلِد َمن الله لا يخطئ [خطية الموت] ، بل المولود من الله [ أى من الرب يسوع] يحفظ نفسه [نفس المؤمن] والشرير [الشيطان] لا يمسه .. ” (يوحنا الأولى 5 : 18)
ويقول القديس أغسطينوس :
[ لا تخف من تجارب إبليس ، فالشيطان لا يستطيع ان ينصب فخاخه فى الطريق ، لأن الطريق هو المسيح الذى هو الطريق والحق والحياة .. لكن الشيطان ينصب فخاخه على جانبى الطريق ]
وهذا هو أمر هام يجب أن يتحذر منه المؤمن فى بداية طريقه الروحى ، إذ يبدأ الشيطان أن يشككه فى محبة الله له ، وفى قبول المسيح له ، وفى غفرانه لذنوبه .. والرب يحذرنا من هذا كما حذر بطرس وهو يسير على الماء قائلاً : ” يا قليل الإيمان لماذا شككت .. ” (متى 14 : 31)
كما يحارب الشيطان أيضاً بضعفات الحاضر وسقطاته ، لكن المؤمن وإن سقط لا ينطرح لأن له طبيعة كارهة للخطية ، حتى وإن جُرِبَ وسقط فهو يقوم من جديد … فالله كأب لا يترك أولاده ينطرحون ، بل يعود ويسندهم فى الطريق ضد شكوك العدو ..
خطورة أخرى يجب أن يتحذر منها المؤمن ، وهى كبرياء المعرفة ، فيتصور المؤمن أنه أصبح أفضل من البعيدين وأسمى وأعلى منهم ، فيصيبه العدو بضربة يمينية … لكن يجب أن نتحذر متذكرين أنه كلما إقتربنا من نور المسيح ، كلما إكتشفنا ضعفاتنا ، وأدركنا أننا لا شئ بالمرة وأن الآخرين افضل منا .. حتى أن معلمنا بولس الرسول يقول : ” أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت ولكني أفعل شيئاً واحداً إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام .. ” (فيلبى 3 : 13)
ليحفظنا الرب من هذه المنعطفات التى يحاول بها عدو الخير أن يرجعنا إلى حظيرته ، لكننا نثق ونؤمن فى اليد القوية التى تحامى عنا فى مسيرتنا المقدسة له .. له القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد .. آمين .
** ترنيمة :
1) أنت قائدنا يســوع البـار نبـع رجـــانا بإستمرار
من إيه نرهب أو نحــتار واحـنا فى سترك محميين
قرار : غالبين أحنا بيك غالبين انت إلـــه المفديــين
مش ممكن تقــدر عليـنا (أى صعاب واحنا عابرين)2
2) مهما لإبليس حربه تـدور بهموم ومتاعــب وشرور
نمشى فى موكب نصر فادينا نغلب شــــره بدم ثمين
3) بنســبح ونـــرنم ليك وبنهـــتف مجداً يا مليك
نرفع اســــمك ونعليك أصلنا بيـــك منتصرين
خاتمــــــــــــــة
أخى الحبيب ..
الآن ، قد وصلنا إلى ختام هذه الموضوعات التى تركز الحديث فيها عن الطريق الروحى ، وعرفنا أن البداية تكون فى فتح القلب للمسيح الذى يقرع مصالحاً إيانا مع الآب الذى إنفصلنا عنه بسبب خطايانا … يبقى السؤال الهام وهو : هل سمعت قرعات الرب يسوع على قلبك ؟ وهل فتحت له حياتك ليدخل إليك وتتعشى معه وهو معك ؟
أخى ، ما قيمة هذه الجلسات إن لم تتحول فى حياتك إلى واقع تحياه ، وسلوكٍ يعمله روح الله القدوس داخلك !!
إسمح لى أن اقترح ونحن فى نهاية هذه الجلسات أن نجتمع معاً كأعضاء فى أسرة واحدة ، ونذهب إلى أحد الأديرة فى خلوة يوم روحى لدراسة كتاب ” الرجوع إلى الله ” لقداسة البابا شنوده الثالث ، والتشارك فى الجوانب العملية التى استفاد منها كل عضو ..
طلبتى إلى الله أن نفتح له الحياة فيضى بنوره فى داخلنا .. إذ نقول له :
هلم تفضل وحل فينا …
بشفاعة سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم العذراء وسائر آبائنا القديسين ، وصلوات أبينا الطوباوى البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث .. لإلهنا المجد فى كنيسته من الآن وإلى الأبد .. آمين .
لأجل المنفعة
اهتم بمواصلة المسيرة الروحية ، وذلك بمتابعة موضوعات هذه السلسلة ، وذلك من خلال الجزء التالى لهذا الكتاب ، وهو :
[ كيف أثبت فى المسيح (1) ]
حتى تتواصل حلقات نمو حياتك الروحية … والرب معك ،،،