المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة
ظهر مجد الله عندما تجسّد الربّ الكلمة وحمل بشرتنا. فمجدُ الربّ يتحقّق عندما يلتقي هو بالبشر ويلتقي البشرُ به. مجد الله ليس في سموّه عن البشر بقدر ما هو في اتصاله بهم. ربوبيّة السيد ليست عرشاً له في سماه ولكنها الاعتراف الإنساني بسيادته وحده على القلب. ويسعى الله في التاريخ ليجعل قلوب البشر مهداً له وحده، ليس بالإجبار بل بالمحبة. إنّ إيماننا ثابت، مهما شككت به الظروف والأوضاع، أن الله يسير بالتاريخ، رغم ألوان الإلحاد أو قلة الإيمان عند البشر، إلى يوم السلام النهائي والعالمي، حين يكون الربّ هو الواحد على كل المسكونة، لدى مجيئه الأخير. وبين الميلاد كبداية وذلك اليوم الغاية يمتد زمن دينونة البشر، وهو عينه زمن التبرير. مجد الله يعني إذن أن يتصالح الإنسان بالله.
يتحقق السلام على الأرض حين تُبنى بينهم العلاقات والمدنيّة الإنجيلية، هذه التي تتعدى كل الفروقات القائمة على الصراعات بين الحضارات والعنصريات والطبقات والجنس. وهذه المدنيّة الجديدة التي افتتحها الربّ بقوة يوم تجسّده إنما هي الكنيسة. فالكنيسة هي عالم العالم، أو كما قال سيّدها هي ملح الأرض. وعالم العالم مدعّو أن يصير كل العالم! لن يعمّ السلام قبل أن تصير الكنيسة كل العالم والعالم كله الكنيسة، بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة “كنيسة” وليس الطائفي. حين يصير العالم كله جسد الربّ يسوع ويصير الربّ يسوع رأس العالم كله. الكنيسة هي رسالة السلام في العالم وهي مركزه، على الرجاء أن تخمّر الخميرة العجينَ كله. بهذه الخميرة يتصالح الإنسان بالقريب.
والمسرّة، السعادة ما هي إلا داخل الإنسان الملآن بالسلام. هذا السلام الناتج عن غياب الصراع الداخلي في قلب الإنسان بين البرّ والشرّ. لقد جاء يسوع متجسّداً ليعضد الإنسان ويقوّيه فينصر البرّ الذي عنده على الشرّ الذي يغويه. لقد أرسل روحه القدوس لكي يثمر في قلوبنا ثمار الروح، السلام والعفة وكل عمل صالح. هنا سيتصالح الإنسان مع ذاته.
يوم الميلاد هو يوم المصالحة مع الله والقريب والذات. بهذه المصالحة يتمجد الله ويتسالم البشر ويُسرّ الإنسان. هذه المصالحة الشاملة أسألها لكم في الميلاد وأعياد رأس السنة والظهور الإلهي، راجياً لكم ولأولادكم كل نجاح ومسالمة وفرح من نور الربّ الآتي إلى حياتنا في كل حناياها وتفاصيلها. “المسيح على الأرض فارتفعوا”!