الكآبة وأنواعها

الكآبة وأنواعها

 

ماهي الكآبة؟ وما مظاهرها. وما أسبابها؟ وما نتائجها. وما علاجها؟ هذا ما نود ان نتحدث عنه في هذا المقال. مفرّقين بين الكآبة السليمة. والكآبة السقيمة عرضاً كانت أو مرضاً…

ونذكر هنا أيضاً أنواعاً عديدة من الكآبة… منها الكآبة الروحية. والكآبة الطبيعية. والكآبة الخاطئة. والكآبة المرضية وعلاجها…

***

الكآبة الروحية

هي كآبة لأسباب روحية. وتكون مؤقتة. ومعها عزاء ورجاء وتنتهي غالباً بالفرح.

  • مثال ذلك كآبة الانسان بسبب أخطائه. أو وقوعه في خطيئة معينة. وهي كآبة يصحبها الندم. وتقود إلي التوبة. واذا ما وصل صاحبها إلي التوبة. يتحول حزنه إلي فرح. وإلي عزاء داخلي في أعماق قلبه. إذ أنه قد بدأ في إصلاح سيرته…
  • وقد يكون سبب الكآبة عاماً وليس خاصاً. حينما يحزن الأبرار بسبب الشر المنتشر في العالم. وبسبب الإغراءات والانحرافات التي تسقط كثيرين. وتدفعهم كآبتهم إلي العمل علي قيادة هؤلاء الخطاة إلي طريق البر. وتسهيل عودتهم إلي الله. كل ذلك بمشاعر مقدسة وصلوات إلي الله. لكي تعمل نعمته ومعونته في اضاءة ضمائرهم.

***

الكآبة الطبيعية

من أمثلتها الحزن والبكاء علي وفاة قريب أو صديق عزيز. أو الحزن علي مرضه بأحد الأمراض المستعصية أو الشديدة الألم. كذلك بسبب الكوارث والحوادث والخسائر.

وايضا الحزن بسبب الفشل في مشروع هام. أو الرسوب في أحد الامتحانات أو عدم التفوق فيه. أو عدم الحصول علي وظيفة.. كل هذا شئ طبيعي. لكنه لا يصح ان يستمر بدون رجاء..

***

الكآبة الخاطئة

وهي التي تحوي الخطيئة داخلها. ولها أمثلة عديدة..

1-     منها كآبة شخص في قلبه شهوة خاطئة لم يستطع تحقيقها..!

ذلك لأنه ليست كل الفرص متاحة أمام الخاطئ لكي يكمل شهواته. وربما تكون نعمة الله هي التي سمحت بوجود صعوبات حتي لا يكمل بالعمل ما أراده بالقلب. من ذلك كآبة تلميذ فشل في الغش فلم ينجح..

وعلاج مثل هذه الكآبة هو علاج الدافع عليها. وذلك بتنقية القلب. حتي لا يشتهي ما هو خاطئ.

2-     هناك أيضاً كآبة سببها الغيرة والحسد

وهنا خطيئة تقود إلي خطيئة اخري. فعدم الفرح بنجاح الآخرين. تقود الغيرة منهم إلي حسدهم. ويقودهم كل ذلك إلي الكآبة.. والمفروض ان الغيرة تدفع الانسان إلي الاجتهاد لكي يصل إلي ما وصل اليه غيره. وليس إلي الحسد والحزن.

***

3-     هناك كآبة أخري سببها اليأس

اليأس أيضاً خطأ يقود إلي خطأ. وما يوصّل إلي اليأس هو خطأ آخر قاد إلي اليأس. والمثل يقول “إن فاتتك فرصة. فالتمس غيرها.. والانسان المؤمن – إذ يتكل علي الله – يوقن ان الله عنده حلول كثيرة. ويوقن أيضاً ان كل باب مغلق. له مفتاح يفتحه. أو عدة مفاتيح. بينما اليأس يغلق الطريق أمامه. ويتركه حائراً وبلا حلّ…

4-     لذلك هناك كآبة انسان ينحصر بالضيقات حزيناً بلا رجاء!

ونصيحتي لمثل هذا الانسان: لا تجمع المشاكل معاً. وتكومها أمامك وتقف حزيناً. بلا حلّ. وبلا رجاء. وبلا تفكير في كيفية الخروج منها. وبلا اتكال علي الله. أو انتظاره لحلها…

إن الكآبة التي بلا رجاء.هي كآبة خاطئة. حتي لو كانت بسبب طبيعي كالبكاء علي ميت… لذلك إن أحاطت بك المشاكل. فرّقها. واجعل الله بينك وبينها. فتختفي وتظهر معونة الله.

***

5-     هناك نوع من الكآبة بسبب الحساسية الزائدة…

إذ قد يوجد شخص حساس جداً نحو كرامته. أو حساس جداً من جهة حقوقه. ومن جهة معاملات الناس له. فهو يتضايق جداً لأي سبب. أو لأتفه سبب. أو ربما بلا سبب!! ويريد معاملة خاصة. في منتهي الرقة. وفي منتهي الدقة. وفي منتهي الحرص. فإن لم يجدها – وطبعاً نادراً ما يجدها – حينئذ يكتئب…

وربما يقوده هذا الاكتئاب إلي العزلة عن الناس. وإلي النفور من المجتمع. الذي – في نظره – لايراعي شعوره!

***

6-   وهكذا يأتي الاكتئاب أيضاً للذين لا يعيشون في الواقع بل يرفضونه. ولايضعون له سوي بديل خيالي لا يتحقق…

فهم ثائرون علي وضعهم. ولكنهم لا يحاولون تغييره بطريقة عملية توصلهم إلي ما يريدون. إنما يكتفون بالثورة أو بالتذمر. ويبقون حيث هم في كآبة وفي سخط علي كل شئ…
وإن أتتهم سعادة مؤقتة. تتكون ببعض أحلام اليقظة. التي يعيشون فيها في خيال يتمنونه. ثم يستيقظون من أحلامهم وخيالاتهم. ليجدوا الواقع كما هو. فيزدادوا سخطاً عليه. وتزداد كآبتهم تبعاً لذلك.

نصيحتي إلي هؤلاء ان يكونوا واقعيين. فإما ان يعيشوا في قناعة تسعدهم. راضين بما عندهم وما هم فيه. بل شاكرين أيضاً.

وإما ان يعملوا علي تغيير واقعهم عملياً. ولا يكتفون بالكآبة.

***

7-     وقد يتسبب الاكتئاب عن ضيق الصدر وعدم الاحتمال:

فالانسان الواسع الصدر والقلب. يستطيع ان يمرّر أشياء كثيرة تذوب في قلبه الواسع. ولا يضيق بها أو يكتئب بسببها. أما الذين لا يحتملون. فما أسهل وصولهم إلي الكآبة..
ولاشك ان سعة الفكر تعالج الكآبة. فبدلاً من الاكتئاب بسبب المشكلات. يفكر في حلّ لها. والانسان الذكي اذا أحاطت به مشكلة أو ضيقة. بدلاً من إرهاق أعصابه ونفسيته بالمشكلة ومتاعبها. يشغل ذهنه بإيجاد حلّ للخروج من المشكلة.
فإن وجد الحل. يبتهج وتزول حدة المشكلة. وإن لم يجد. يصبر فربما بالوقت تنتهي المشكلة. أما الذي لا يستطيع ان يصبر. فلاشك انه ضيق الصدر. وهذا تزداد كآبته. ويكون سببها قلة الحيلة..

***

8-     وقد تحدث الكآبة بسبب حرب خارجية من عدو الخير. دون ما سبب ظاهر…

فالشيطان قد يغرس في النفس أسباباً للضيق. ولو يخترعها اختراعاً. او يكبر ويضخم في أسباب تافهة لا تدعو إلي الكآبة: أو يحاول ان يلهو بالانسان. فكلما يسعد بوضع. يغريه بأوضاع أخري كأنها أفضل مما هو فيه! فإن وصل اليها. يغريه بغيرها أو بوضعه الأول. وهكذا يوجده في جو من التردد وعدم الثبات يكون سبباً في كآبته.
مثال ذلك ما يحدث في فترة يكون فيها الحاصل علي الثانوية العامة متحيراً في أية كلية يلتحق. أو المقبل علي الزواج. أية فتاة يختارها لتكون شريكة حياته؟ ويحتار وتوصله الحيرة للكآبة!

وهذا يقودنا إلي سبب آخر للكآبة هو الشك…

***

9-     الشك – اذا استمر – يحطم النفس. ويجعلها في حالة كآبة وقلق:

سواء كان شكاً في اخلاص صديق. أو في أمانة زوجة أو عفتها. أو كان شكاً في حفظ الله ومعونته. أو شكاً في الإيمان.. أو قد يكون الشك في الطريق الذي يسلكه الانسان. هل هو حسب مشيئة الله أم لا؟ أو قد يكون شكاً في تدابير تدبر ضده وهو لا يدري!
أفكار الشك تخرج من العقل. لكي توجد عذاباً في النفس. وتقود – ليست فقط إلي الكآبة – بل أيضاً إلي تصرفات تتناسب في الخطأ مع نوع الشكوك وحدتها.
مثل زوج يشك في عفة زوجته. فيغلق عليها الأبواب والنوافذ. ويتجسس عليها. ويسمح لنفسه ان يفتش خطاباتها وأدراجها. ويحقق معها في كل مايشك فيه. ويجعل حياتها عذاباً. وقد تكون بريئة كل البراءة. ولكنه يحاسبها علي كل ابتسامة وكل كلمة. وعلي كل لقاء وكل حركة. حياته تصبح في جحيم. وحياتها تصبح في جحيم. وتكون للكآبة نتائج اخري خطيرة.
ننتقل إلي النوع الرابع من الكآبة. وهو الكآبة المرضية:

***

الكآبة المرضية

كما ان الشك المسبب للكآبة. إذا تطور يتحول إلي مرض. كذلك الكآبة أحياناً تتطور وتتحول إلي مرض. فكيف؟

تضغط أفكارها علي الانسان حتي تحطم كل معنوياته. وتزيل منه كل بشاشة.

فكر الكآبة يلصق بالمريض ولا يفارقه.. يكون معه في جلوسه وفي مشيه. في نومه وفي صحوه. بأفكار سوداء كلها حزن وقلق وخوف.. وصور كئيبة أمامه بلا حل ولا رجاء. كآبة تضيع حياته وروحياته ونفسه وعقله. باقتناع داخلي أنه قد ضاع وانتهي…
كما يخطئ ويقطع رجاءه في الخلاص وامكانية التوبة. ويقطع رجاءه في مراحم الله. وهذه هي طريقة الشيطان التي يوقع بها الانسان في اليأس والكآبة القاتلة.

***

وقد يكون من أسباب الكآبة المرضية: عقدة الذنب…

* كأن يموت لشخص أب أو ابن. فيظن انه السبب في موته. ويظل هذا الفكر يتعبه ويجلب له حزناً لا ينقطع. ويظل يقول: ربما قصرت في حقه. ولولا تقصيري ما مات! ويظل الشيطان يذكرّه بمناسبات للتقصير.. ويقول في كآبته المرضية: ربما لو أحضرت له طبيباً أكثر شهرة. ما مات. ربما لو سافر إلي الخارج.. وهكذا تتبعه أفكار كثيرة.
* وربما سبب كآبته مرض له يظن انه بلا شفاء! أو يتوقع له نتائج خطيرة يصورها له الوهم والخوف.

***

والآن نذكر بعض أعراض هذه الكآبة وطرق علاجها:

المريض بالكآبة قد يكون ساهماً باستمرار. كئيب الوجه والملامح. كثير الشكوي. تطحنه الأفكار السوداء بلا رجاء. وربما توصله إلي البكاء. يظن انه ضاع وانتهي. أو ما ينتظره هو أسوأ مما هو عليه.

وقد تحاول ان تصحح له أفكاره. فلا يقبل. وقد ينظر إليك في يأس أو شك ويبكي. أو قد يقول لك سمعت مثل هذا كثيراً ولا فائدة! أو قد يرفض الحديث جملة بحجة عدم جدواه…
ومشكلة هذا الشخص إما أنه لايجد حلاً فتزداد كآبته. أو يجد الشخص الذي يستريح اليه. فيظل يتردد عليه كثيراً. وفي كل مرة يقضي ساعات في الكلام والحوار. مصراً علي ما هو عليه. حتي يهرب منه الشخص المريح. فيتعبه هذا الهروب. ويري انه يفقد القلب الذي أراحه. وبهذا الفقد تزداد كآبته..

***

ومن جهة العلاج. هناك نوعان من المصابين بالكآبة:

نوع يرفض العزاء ويرفض التفاهم. ونوع يتشبث بالفكر: كلما يخرجونه منه. يعود اليه. وكلما يستريح من كآبته يعود اليها مرة أخري.
وربما تخطر عليه فكرة الانتحار. لكي يتخلص من كآبته ومن يأسه!! وعموماً يكون للكآبة تأثيرها السيئ علي صحته: من جهة إنهاك الأفكار له ولأعصابه. ومن جهة التعب النفسي وثأثيره علي الجسد. وكذلك من جهة فكرة واحدة مسيطرة عليه لا يعرف كيف يخرج من حصارها له.

انه مرض يتعبه. ويتعب كل الذين حوله. ويتعب طبيبه ومرشده.
فما هو العلاج اذن؟


الكآبة وعلاجها Depression

 

أول علاج لك من كآبتك. هو أن توقن تماما من أعماق قلبك وفكرك. أن الكآبة ليست علاجا لمشاكلك

تحدث لك مشكلة. كما أن جميع الناس تحدث لهم مشاكل. فتسبب لك هذه المشكلة حزنا في قلبك أو ضيقا. وهذا أيضا يحدث لجميع الناس.. ولكنك أنت بالذات. تستمر معك الكآبة مدة أطول مما تستحق. حتي يلاحظ الناس أنها ليست كآبة طبيعية!
ويحاولون أن يعزوك أو يخففوا عنك. ولكنك بإصرار شديد ترفض أن تتعزي. فيسأم الناس من الحديث معك ويتركونك. فتجلس في كآبة أكثر وفي انطواء..

***

وهنا أسألك: هل استفدت شيئا من كآبتك؟ هل عالجت مشكلتك وهل أراحتك نفسيا من الداخل. أم تعبت بالأكثر؟ وهل أراحتك من جهة علاقتك بالناس. أم تعقدت علاقاتك بالأكثر؟!

لا شك أنك خسرت بالكآبة أكثر مما كنت تتوقع..
وأصبحت كآبتك بسبب المشكلة. هي مشكلة أضخم من المشكلة التي اكتأبت بسببها!!
وبقيت المشكلة الأولي لم تُحل.. مع إضافة مشكلة الكآبة إليها. ومع ما ينتج عن ذلك من إنطواء. ومن سوء علاقة مع الناس. وخسارة الجو الهادئ الذي كنت تعيش فيه. كما أنك عرضت علي الناس نقصا فيك ما كانوا يعرفونه عنك.. وهو عجزك وعدم احتمالك للمشاكل. فلماذا كل هذا؟

***

كن واقعيا. وفكرّ في حل مشاكلك. ولا تركز علي الاكتئاب. وإن لم تجد حلا لمشكلتك. انتظر الرب.. أو احتمل وعش في واقعك.

وإن اكتأبت بحكم الطبيعة البشرية. لا تجعل هذه الكآبة تطول وتستمر. ولا تكشف نفسك هكذا أمام الناس. ولا تجعلهم ينظرون إليك في إشفاق. أو في يأس من تغيير حالتك.
حاول أن تكون أقوي من المشكلة. وإن لم تستطع. حولها إلي الله الذي هو أقوي من الكل. والذي كل شئ مستطاع عنده… وبعد ذلك انسها في يدي الله. ولاتعد تفكر فيها.

***

هناك مشاكل كثيرة. يمكن أن تحل بالايمان والتسليم. وبالصلاة

ولكن لا توجد مشكلة واحدة يمكن حلها بالكآبة إذن عليك أن تؤمن بأن الله موجود. ولابد أن يتدخل. وأنه ضابط الكل. يري كل شئ. ولا تفوته ملاحظة شئ. وهو يعرف متاعبك أكثر مما تعرفها أنت. ويشفق عليك أكثر مما تشفق علي نفسك..
ومادام الله يهتم بك. فلا تحمل أنت هموما علي كتفيك. اتركها إلي الله.

هناك مشاكل يمكنك حلها. وهناك مشاكل أخري حلّها في تركها. أو حلها في نسيانها. وربما تكون مشكلتك- التي تبدو لك بلا حلّ – هي من هذا النوع.

***

ولكن لعلك تقول: كيف أنسي؟

كيف أنسي المشكلة. وهي لاصقة بذهني أكثر من التصاق جلدي بلحمي؟ افكر فيها كل حين: في جلوسي وفي مشيّ. في وجودي وحدي. وفي وجودي مع الناس. لا أفكر إلا في مشكلتي. وإن قرأت. أسرح فيها. ولا أتحدث في موضوع سواها. هي بالنسبة لي كالنَفَس الداخل والخارج. أحسست أو لم أحسّ..!!

هنا. وأقدم لك حلاً عملياً وهو:

المشغولية

اشغل نفسك باستمرار. واهرب من هذا الفكر الكئيب

لابد أن تقتنع أن مداومة التفكير في المشكلة تضرك من كل ناحية: تضرك جسدياً وعصبياً ونفسياً. وترهقك. وتزيد المشكلة. وفي نفس الوقت لن تصل إلي حلّ. إذن اترك هذا التفكير المرَضي. وفي صراحة قل لنفسك : كفاني تعباً من هذا التفكير الذي لم يفدني شيئاً..

***

وإن لم تستطع. اشغل نفسك بأي شئ يبعد عنك الفكر المرهق.

ومن هنا كان العمل المستمر مفيداً للذين يشكون من الكآبة. إلي أن يتعبوا من العمل. فيناموا في راحة. وتستريح أعصابهم من إرهاق الفكر لها.. كما أن العمل يُشعر الإنسان بأنه قادرعلي إنتاج شئ. أو قادر علي تحمل مسئولية. فيريحه هذا نفسياً. كما تريحه ثمار عمله. وفي خلال ذلك يكون قد بَعُد عن الفكر..

***

غير أن البعض قد يرفضون العمل. أو يهربون منه. لكي يخلو عقلهم مع الفكر..!

الفكر المرضي أصبح – للأسف الشديد – يشكّل أهمية كبري في نفوسهم لا يستغنون عنها. فهم يريدون أن يفكروا في المشكلة. وأن يستمروا في هذه الدائرة المفرغة التي لا تصل إلي حلّ..

فإن قبلوا العمل. تكون هذه علامة صحية. تدل علي أنهم قبلوا الاستغناء عن الفكر – ولو قليلا – في فترة العمل. وهذا حسنى جداً. مجرد قبولهم العمل. أمر مفيد. حتي لو كان ذلك تغصباً.. وتزداد حالتهم تحسناً. كلما قبلوا العمل برضي. ووجدوا فيه متعةً

***

وأحياناً يكون رفضهم للعمل. بحجة أن أعصابهم مرهقة. وقدرتهم الجسدية لا تمكنهم من العمل..!

وهذه الحجة قد تكون حقيقية عند البعض إلي حدّ ما..وقد تكون وهمية عند البعض الآخر. أو يكون وراءها عامل نفسي.. مثل شخص كلما يُعرض عليه العمل. يشعر بإعياء جسدي مفاجئ. هو ردّ فعل لرغبته الداخلية في عدم العمل.

علي أية الحالات يكون العمل حسب الطاقة. وقد يكون أيضاً عن طريق التدرج. حسبما يقدر المكتئب. وحسبما يستجيب للعمل. ويحسن عرض أعمال عليه. يختار منها ما يشاء أو ما يناسبه..

فإن لم يقدر علي العمل اليدوي. هناك أنواع أنشطة. وألوان من التسلية والترفيهات والقراءة قد تشغله. وهناك علاج آخر هو الموسيقي.

***

الموسيقي كعلاج

لا شك أن هناك أنواعاً من الموسيقي لها تأثير قوي علي النفس. ويمكنها أن تريح وأن تهدّئ. وأن تُبعد عن الانسان جو الحزن والكآبة. وتنقله إلي أجواء أخري..

ويمكن اختيار قطع الموسيقي المفيدة التي لا تضر روحياً. وفي نفس الوقت يكون لها العمق والتأثير. والقدرة علي التفاعل مع المشاعر المتألمة. وفتح أبواب من الرجاء أمامها..
ولا أظن أن الإنسان المكتئب يرفض الموسيقي. كما أن الموسيقي ليس معناها الغناء. فهناك موسيقي عميقة لا يصاحبها غناء.. والمفروض طبعا البعد عن الموسيقي الحزينة التي قد تُبقي المكتئب في حزنه وانطوائه.

***

إن الموسيقي هي علاج للنفس من الداخل. علاج للأحاسيس والمشاعر. وقد تكون أكثر تأثيراً من النصائح والعظات في كثير من الأحيان. وربما تشبهها في بعض الأوقات تراتيل وألحان معينة.

علي أن البعض قد يلجأ إلي العلاج الكيميائي عن طريق العقاقير.

ولي ملاحظات علي هذا العلاج .مع مقارنته بالعلاج النفسي.ثم أيضا بالعلاج الروحي

***

العلاج بالعقاقير

العلاج بالعقاقير قد يكون مقبولا. حينما يكون المريض في حالة عصبية معينة. أو في حالة نفسية لا تقبل التفاهم ولا الحوار. أو في حالة تصميم شديد علي ما هو فيه..
فيعطونه العقاقير للتهدئة لتهدئ أعصابه. ويصبح في حالة تسمح بالعلاج النفسي.

كأن يكون هناك فكر يرهق المريض جداً. ويضغط علي أعصابه ونفسيته ضغطاً عنيفاً لا يحتمله. بل قد يطرد عنه النوم طرداً بسبب كثرة التفكير. ولذلك فهو في حالة ماسة إلي فترة من الراحة. تهدأ فيها أعصابه. وبالتالي تهدأ نفسيته. وهنا يعطونه العقاقير كمسكنات أحياناً. أو لكي ينام ويستريح من الفكر…

وهنا قد تبدو العقاقير ضرورة للمريض الهائج أو للمريض المرهق. أو للذي يرفض الاعتراف بأنه مريض..

نقول هذا مع اعترافنا بأضرار كثير من العقاقير وما تحدثه من أضرار جانبية Side effects . ولكن قد لا يجد الطبيب علاجاً غيرها في بعض الحالات الصعبة. ولكني أقول في صراحة:

***

لا يصح أن تكون العقاقير علاجاً دائماً. أوالعلاج الوحيد. ولكن العلاج النفسي في موضوع الكآبة أفضل منها بكثير. حين يأتي موعده..

إن المريض قد يأخذ المهدئات أو المسكنات أو المنومات. لكي يستريح من الفكر الذي يتعبه. وقد يهدأ أو ينام. ثم يصحو أو يفيق. فيجد الفكر مازال أمامه. فيأخذ قدراً آخر من العقاقير. وتتكرر العملية.. وقد لا يأتي العقار بنتيجة. فتزداد الكمية المعطاة له. أويعطونه عقاراً آخر أو عقاراً أكثر تأثيراً. أو يُستبدل المسكن بمنوّم.

ومن كثرة المنومات قد يترهل جسمه. أو تضعف ذاكرته. أو يصبح في حالة “دروخة” مستمرة ويستمر الفكر المتعب معه.

***

وهنا أحب أن أقول حقيقة هامة وهي:

إن العقاقير ربما تكون لعلاج النتائج. وليس لعلاج الأسباب

والأسباب هي الأفكار والمشاعر التي سببت الكآبة. وأيضا أسباب هذه الأفكار والمشاعر. وأيضاً نوعية النفسية. ونوعية العقلية والتفكير.

ما علاقة العقاقير بكل هذا؟ وإن عالجت سبباً. ربما تتلف إلي جواره شيئاً آخر. وإن جعلت المريض ينسي فكره المرهق. ربما تؤثر علي ذاكرته بوجه عام!
إن أسباب الكآبة قد يصلح لها العلاج النفساني بأسلوب أعمق.

والمشكلة أن العلاج النفساني يحتاج إلي وقت وصبر..

ففي العلاج النفسي. يريد المريض أن يفرّغ كل ما في داخله. ويحكي ما يتعبه. وقد يستمر في ذلك بالساعات. والطبيب ليس لديه وقت. وبخاصة إذا تعوّد
المريض الإطالة. بحكاية قصص لا تنتهي.. وهنا قد يسأم الطبيب. ولا يستمع للأكثر. فيتوقف العلاج النفسي.

***

ونحن لا نلوم الطبيب. فقد يكون له عذره. وبخاصة اذا كان كلام المريض متكرراً. يعيد فيه ما تعب الطبيب في سماعه والتعليق عليه. وقد يحتج الطبيب بأن تدليل المريض لا يفيده بل قد يضره. ويشجعه علي إطالة الجلسة. أو يؤدي إلي وجود دالة بينه وبين الطبيب. فيطلبه باستمرار. وفي أوقات عمله مع آخرين. وفي أوقات راحته.

***

لا شك أن العلاج النفساني ليس سهلا. ويحتاج إلي صبر واحتمال. كما يحتاج أيضاً إلي حكمة. وإلي معرفة بالنفس البشرية..

فقد يري الطبيب أن شكوك المريض التي تتعبه ليست سليمة. وأن ما يقدمه من أسباب لتعبه. هوكلام مبالغ فيه. و مجرد أوهام. بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً. ويشرح كل ذلك للشخص المكتئب. ومع ذلك يبقي مصرا علي فكره. بل ربما يشك أحياناً في الطبيب ذاته. وفي كفاءته أو إخلاصه!! إنه مرض..

لقد تحولت الكآبة من أفكار لها أسباب خارجية. إلي مرض.. وعلينا أن نبحث كل ذلك. لندخل في علاجه. بل لنقدم نوعاً آخر من العلاج هو العلاج الروحي.

Scroll to Top