رسالة إكليمندس الرومانى
أقسام الرســالـــة :
أ – تتألف من خمسة وستين فصلا.
ب – بعد أن يعتذر أسقف روما للتأخر عن إرسال الرسالة … يعبر عن أسفه للموقف الشائن الذى وقفه بعض الأشخاص المتهورين الذى أضر بإسمهم المحترم بين كل الناس والحبيب الى الجميع.
جـ – ثم تنقسم الرسالة إلى الآتى :
1- يذكرهم بأضرار الحسد كما ورد فى الكتاب المقدس بعد أن يذكرهم برسوخ إيمانهم وغنى فضائلهم قبل الأزمة (1 ـ 6).
2- علاج الحسد والغيرة …….. ( 7 ــ 58 )
* بالتوبة والإيمان العملى ( 7 ، 8 )
* بالطاعة ( 9 ـ 12 )
* بالاتضاع ( 13 ـ 21 )
* تذكر الدينونة وقيامة الأموات ( 22 ـ 29 )
* بالجهاد كأبناء لله ( 30 ـ 36 )
* بالخضوع للنظام والترتيب ( 37 ـ 47 )
* بالحب الذى هو باب البر ( 48 ـ 58 )
3- ثم يختم بصلاة طويلة من أجل أن يعطى الله نعمة للذين سقطوا ويثبت القائمين فى الوحدة ( 59 ــ 61 )
4- وتنتهى الرسالة بملخص لأهم ما ورد…. ( 62 : 65)
أولاً: جمال ملامح الكنيسة قبل الانقسام
(1) من كنيسة الله المتغربة في روما إلى كنيسة الله المتغربة في كورنثوس. فيض نعمة وسلام من الله القدير خلا ل يسوع المسيح إليكم أيها المدعوين والمقدسين بإرادة الله خلال ربنا يسوع المسيح.
من جهة الضيقات والمصائب الفجائية المتزايدة التي نعاني منها(2) فإننا نخضع لها أيها الأحباء الأعزاء، لكننا نتطلع بالأكثر مهتمين بأمر منازعاتكم، نقصد بالانقسام الممقوت الشرير الذي هو غريب وبعيد عن مختاري الله. فقد أثار قلة من الأخوة المتهورين والعنيدين جنوناً مطبقاً، حتى أن اسمكم الحسن الذي كان قبلاً مشهوراً بيننا وعزيزاً علينا نحن جميعاً، قد تلطخ وانحدر في هوة السمعة الرديئة.
حقاً من كان يمكث بينكم ولا يشهد لإيمانكم السامي الثابت؟! أو لا يعجب بورعكم المسيحي المعتبر والمملوء شعوراً؟! أو لا يذيع بروح كرمكم غير المحدود؟! أو لا يمدح معرفتكم الكاملة المستحقة كل ثناء؟! إذ كنتم تعملون دوماً بغير تحزب وتسلكون في وصايا الله.
لقد أطعتم رؤساءكم، وأكرمتم شيوخكم كما يليق. ودربتم أذهان الأحداث باعتدال ولياقة. وعلمتم نساءكم أن يفعلن كل شيء بضمير نقي بلا عيب، مقدمات الحب اللازم لأزواجهن. وعلمتم إياهن أن يخضعن طائعات، ويعملن في بيوتهن بلياقة وفطنة.
(2) كنتم جميعاً متواضعين، ليس فيكم رياء. تريدون طاعة الأوامر لا إصدارها، مغبوطين بالعطاء أكثر من الأخذ(راجع أع 35:20).
كنتم قانعين بما عينه المسيح، ومشغولين به، تخزنون كلماته في قلوبكم، واضعين آلامه نصب أعينكم.
من أجل هذا وهبتم جميعاً سلاماً عميقاً وفيراً، وشوقاً غير محدود نحو عمل الصلاح، بينما انسكب الروح القدس عليكم بفيض. كنتم مملوئين بالمشورات المقدسة، وبالغيرة نحو الثقة الصالحة الورعة، بسطتم أيديكم لله القدير طالبين منه الرحمة لغفران خطاياكم اللاإرادية.
كنتم مخلصين وطاهرين، لا تحملون ضغينة، وتمقتون كل تمرد وانقسام، تبكون من أجل خطايا الغير كأنها سقطاتكم أنتم ولم تتأسفوا من أجل خير صنعتموه ” مستعدين لكل عمل صالح”(تي1:3). وإذا كانت شخصيتكم سامية وورعة،فقد صنعتم كل شيء في مخافة الله.
لقد نقشت وصايا الله وتعاليمه على ألواح قلوبكم.
ثانياً: ملامح الكنيسة بعد الانقسام
(3) لقد وهبتم شهرة عظيمة، وازددتم في العدد، وتحقق فيكم القول :
حبيبي أكل وشرب وشبع وسمن وبدأ يرفس (أم3:7)
من هنا ثارت الغيرة والحسد، والصراع والتمرد والاضطهاد والفوضوية،والحرب والسبي، وهكذا قام ” الدنيء على الشريف ” (تث 15:32) والذي بلا كرامة على النبيل، والغبي على الحكيم، والصبيان على شيوخهم(أش 5:3).
لقد فارقكم البر والسلام، وهجركم خوف الله، وصار كل منكم كليل البصر في إيمانه، عاكفاً عن السير في أحكام وصايا (الرب) أو السلوك في طريق المسيح اللائق. بالحرى سار كل منكم وراء شر قلبه باعثاً تلك الغيرة الشريرة غير المقدسة، والتي بها “دخل الموت إلى العالم”(حك24:2) .
ثالثاً: الغيرة والحسد هما الدافع
(4) لأن الكتاب يقول :
“وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض قرباناً للرب وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قايين جداً وسقط وجهه. فقال الرب لقايين لماذا اغتظت؟! ولماذا سقط وجهك؟! إن أحسنت … أفلا رفع؟!” وكلم قايين أخاه هابيل” لندخل في الحقل”وحدث لما كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله”(تك 4: 3ـ 8).
انظروا أيها الاخوة كيف أن الغيرة والحسد مسئولان عن قتل الأخ لأخيه؟! وبسبب الغيرة هرب أبونا يعقوب من حضرة عيسو أخيه وبسببها اضطهد يوسف بطريقة إجرامية وبيع عبداً.
الغيرة ألزمت موسى أن يهرب من حضرة فرعون ملك مصر، عندما سمع زميله من بني جنسه يقول له :
من جعلك رئيساً وقاضياً علينا؟ أمفتكر أنت بقتلي كما قتلت المصري؟! (خر14:2).
بسبب الغيرة استبعد هرون ومريم من المحلة. بسببها طرح داثان وأبيرام حيين في الهاوية لأنهما تمردا على موسى خادم الله.
بسببها لم يسقط داود تحت حسد الغرباء فحسب، بل اضطهده شاول.
(5) وإذ نترك أمثلة العهد القديم، نتكلم عن الأبطال (المصارعين) المعاصرين لنا … فبسبب الغيرة أضطهد عظماء الكنيسة وأبر أعمدتها(غلا 9:2 …اكليمنضس اعتبر بولس عموداً في الكنيسة) وصارعوا حتى الموت.
لنضع نصب أعيننا بطرس الذي بسبب الغيرة الشريرة احتمل الآلام لا مرة ولا مرتين بل مرات ، حاملاً شهادته، ذاهباً إلى المكان المجيد الذي استحقه.
وأظهر بولس كيف ينال المكافأة محتملاً بصبر ما ناله بسبب الغيرة والمنازعة. سبع مرات كان مقيداً في سلاسل. فقد سجن ورجم وصار كارزاً (بالإنجيل) شرقاً وغرباً، وربح صيتاً حسناً يستحقه إيمانه. وعلم العالم كله البر، وببلوغه حدود الغرب حمل شهادته أمام الحكام. وهكذا إذ انطلق من هذا العالم ذهب إلى موضع مقدس وصار مثلاً للاحتمال بصبر.
(6) لقد جذب هؤلاء الذين عاشوا حياة مقدسة جموع غفيرة من المختارين، لكن بسبب الغيرة صاروا فريسة للمعتدين والمضطهدين وبذا أصبحوا أمثلة لنا.
بسبب الغيرة تحملت النسوة الاضطهاد في دور danaids&dirace (يشير القديس إلى مسارح للألعاب ارتكبت فيها فواحش وجرائم بشعة). وقبلن أن يكن فريسة على أيدي المجدفين الخطيرين بإيمان أكيد، بأن هذا سينتهي، مزدرين بالضعف الجسماني لينلن الإكليل الثمين.
بسبب الغيرة استبعدت نسوة من رجالهن، مبطلين قول أبينا آدم “هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي”(تك24:2).
الغيرة والانقسام أهلكا مدناً عظيمة، واقتلعا أمماً قديرة!
رابعاً : علاج الموقف
1ـ بالتوبة والإيمان العملي
(7) ونحن نكتب في هذا أيها الأحباء الأعزاء ليس فقط لكي ننصحكم أنتم، بل ولأجل تذكيرنا نحن أيضاً… لهذا يلزمنا أن نكف عن كل الأمور الفارغة العقيمة، مهتمين بأحكام تقليدنا المجيد المقدس.
لنراعي ما هو صالح ومرضي ومقبول لدى الله خالقنا. ولنركز أنظارنا على دم المسيح، متحققين كم هو ثمين لدى أبيه إذ سفكه لأجل خلاصنا، وقدم نعمة التوبة للعالم كله.
لنتطلع إلى الأجيال، ونلاحظ كيف أنه من جيل إلى جيل يقدم فرصة للتوبة للراغبين في الرجوع إليه.
فنوح بشر بالتوبة(حك 10:12)، والذين له خلصوا.
ويونان بشر بالخراب لأهل نينوى، وإذ تابوا عن خطاياهم استرضوا الله بصلواتهم واقتنوا خلاصاً بالرغم من انهم لم يكونوا من شعب الله.
(8) وتحدث خدام نعمة الله عن التوبة خلال الروح القدس. بل وتكلم سيد المسكونة بنفسه عنها قائلاً :
حي أنا يقول السيد الرب إني لا أسر بموت الشرير بل بأن يرجع ” يتوب “(حز 11:23).
وفي موضع آخر يقول :
اغتسلوا تنقوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني.كفوا فعل الشر. تعلموا فعل الخير. اطلبوا الحق، انصفوا المظلوم، اقضوا لليتيم، حاموا عن الأرملة. هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف. إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض. وإن أبيتم وتمردتم تؤكلون بالسيف لأن فم الرب تكلم (أش 1: 16-20).
وإذ هو يريد أن يقدم فرصة للتوبة لكل الذين يحبهم لهذا أكدها بإرادته القادرة.
2ـ بالطاعة
(9) ليتنا نوافق قصد الله المجيد العظيم، طارحين أنفسنا قدامه، طالبين رحمته ولطفه.
لنعد إلى حنوه ونكف عن الصراع الباطل، والمخاطر التي بلا نفع، والمنازعات التي تدفع إلى الموت.
لتمتد أنظارنا إلى الذين يخدمون مجده العظيم للكمال. فنقتدي بأخنوخ الذي زكى استقامته بالطاعة فانتقل ولم يمت. ونوح الذي زكى إيمانه في خدمته وبشر بالميلاد الثاني للعالم، وخلاله خلص السيد الكائنات الحية التي دخلت الفلك بأمان.
(10) ولنقتد بإبراهيم الذي دعي “خليلاً” مزكياً إيمانه بطاعته كلمات الله. إنها الطاعة هي التي قادته لكي يترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه، حتى بتركه الأرض التافهة والعشيرة الحقيرة والبيت الذي لا يعتد به ينال تحقيق مواعيد الله. فقد أمره الله :
اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمه عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه.وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض (تك 12: 1-3).
ومرة أخرى بعد اعتزال لوط عنه أخبره الله :
ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد،وأجعل نسلك كتراب الأرض حتى إذا استطاع أحد أن يعد تراب الأرض فلنسلك أيضاً يعد (تك 13: 14-16).
ومرة أخرى يقول :
أنظر إلى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها. وقال هكذا يكون نسلك. فآمن بالرب فحسب له براً (تك15: 6،5).
لأنه بالإيمان وكرمه وهب له ابناً في شيخوخته وبطاعته قدمه كذبيحة لله على أحد التلال المشار له إليه.
(11) كذلك لوط خلص من سدوم حيث أحرقت المدينة كلها بالنار والكبريت.فأوضح الرب عدم تخليه عمن يترجونه، وتسليم رافضيه للعقاب والعذاب. وقد صارت امرأة لوط مثلاً لتأكيد ذلك. فبعدما تركت معه المدينة، عادت وغيرت ذهنها وتخلت عنه فصارت عمود ملح موجود إلى يومنا هذا.
(12) وراحاب الزانية خلصت بسبب إيمانها وكرمها (يش وقد أورد القديس قصة الجاسوسين كاملة تقريباً). إذ قالت للرجلين :
علمت أن الرب قد أعطاكما الأرض، وأن رعبكم قد وقع علينا، وأن جميع سكان الأرض ذابوا من أجلكم فلذلك عندما تأتون لتمتلكوها استبقياني أنا وبيت أبي فقالا لها سيكون لك قولك .فعندما تعلمين بقرب مجيئنا،اجمعي كل عائلتك تحت سقفك فيخلصون. وأما من كان خارج البيت فسيهلك وأعطياها علامة أن تدلي من بيتها قطعة قرمز. وبهذا أوضحا أنه يوم الرب يأتي الخلاص لكل من يؤمن به في الله(الآب) ويترجاه.
أيها الأحباء الأعزاء. إنكم ترون كيف لم يمتثل في هذه المرأة الإيمان فحسب بل النبوة أيضاً.
3ـ بالاتضاع
(13) لنكن أيها الاخوة متواضعين، ولننزع عنا كل رياء وعجرفة وسخافة وغضب. لنعمل بما يأمرنا به الكتاب المقدس :
لا يفتخرن الحكيم بحكمته، ولا يفتخر الجبار بجبروته، ولا يفتخر الغني بغناه (أر23:9)
وأما من يفتخر فليفتخر بالرب (2كو17:10).
ولنذكر على وجه الخصوص كلمات الرب يسوع التي نطق بها لكي يعلمنا التعقل قائلاً (بما معناه):ارحموا ترحمون، اغفروا يغفر لكم.كما تفعلون بالناس يصنع بكم. كما تعطون يعطى لكم. وبما تحكمون يحكم عليكم. وما تظهرونه من حنو تنالونه شفقة. الكنز الذي تهبون إياه تنالون(راجع مت 7:5/ 6: 15،14/ 7: 1،2 ،12/ لو 6 :31، 36-38)
لنتمسك بوصاياه وأوامره، ونطيع كلماته المقدسة في سلوكنا متضعين. إذ يقول الكتاب :
إلى هذا أنظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي (أش2:66)
(14) إنه حق ومقدس أن نطيع الله، لا أن نتبع اخوة متعجرفين بلا نظام، يستخدمون القيادة في إثارة الخصومات التي تمجها النفس. فإن تسليم أنفسنا إلى تصرفات رجال يثيرون خصومات وتمرد يقصينا عما هو حق، فلا يصيبنا ضرر هين بل بالحرى يلحق بنا خطر عظيم.
ليترفق كل منا بالآخر متشبهاً بحنو خالقنا ورأفاته(فلا نثير التمرد)، إذ مكتوب :
لأن المستقيمين يسكنون الأرض، والكاملين يبقون فيها. أما الأشرار فينقرضون من الأرض (أم 21:2 ،22 ،مز 37 :38،9)
وقيل أيضاً :
قد رأيت الشرير عاتياً وارفاً مثل شجرة شارفة ناضرة (أرز لبنان).عبر فإذا هو ليس بموجود، والتمسته فلم يوجد.لاحظ الكامل وأنظر المستقيم فأن العقب(النسل) لإنسان السلامة (مز 37: 35-37).
(15) فلنلتصق بالذين يطلبون السلام بتقوى،لا الذين يطلبونه برياء. فقد قيل :
هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً (مر6:7).
وأيضاً
” فخادعوه (أحبوه) بأفواههم وكذبوا عليه بألسنتهم أما قلوبهم فلم تثبت معه، ولم يكونوا أمناء في عهده ”
” لتبكم شفاه الكذب المتكلمة على الصديق “(مز78 :37،36/ 18:31).
وأيضاً
يستأصل الرب جميع الشفاه الغاشة واللسان الناطق بالعظائم. الذين قالوا نعظم ألسنتنا شفاهنا منا فمن هو ربنا. من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين الآن أقوم يقول الرب، اصنع الخلاص علانية (مز12 :3-5).
(16) فالكنيسة تنتمي إلى المتواضعين لا إلى المتعجرفين على قطيعه، لأن صولجان العظمة الإلهية – الرب يسوع المسيح- لم يأت في موكب كبرياء وزهو … لكنه جاء في اتضاع كقول الروح القدس. إذ يقول الكتاب :
من صدق خبرنا، ولمن استعلنت ذراع الرب؟ نبت قدامه كفرخ( كطفل) وكعرق من أرض يابسة. لا صورة له ولاجمال فنشتهيه. محتقر ومرذول من الناس. رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا. محتقر فلم نعتد به. لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مصاباً ومضروباً من الله مذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا …(أورد القديس بعد ذلك كل إصحاح56 من أشعياء)
مرة أخرى يقول عن نفسه (بلسان النبي) :
أما أنا فدودة لا إنسان. عار عند البشر ومحتقر الشعب. كل الذين يرونني يستهزئون بي. يفغرون الشفاه وينغضون الرأس قائلين: اتكل على الرب فلينجه، لينقذه لأنه سر به (مز22 :6-8).
إنكم ترون أيها الأحباء الأعزاء المثال المقدم لكم، فإن كان الرب قد اتضع هكذا، فكم بالحرى يلزمنا أن نفعل نحن الذين خلاله جئنا تحت نير نعمته ؟
(17) لنقتد أيضاً بالذين :
طافوا في جلود غنم وجلود معزي (عب37:11)
مبشرين بمجيء المسيح، أقصد بهم الأنبياء: إيليا وأليشع. نعم وحزقيال وأبطال العهد القديم.
فإبراهيم كانت له شهرة عظيمة ودعي “خليل الله”، هذا عندما تطلع إلى مجد الله أعلن في اتضاعه قائلاً :
أنا تراب ورماد (تك27:18).
وأيوب كتب عنه أنه كان :
كاملاً ومستقيماً يتقي الله ويحيد عن الشر (أي1:1)
ومع هذا يتهم نفسه قائلاً بأنه ليس أحداً طاهراً من دنس ولو كانت حياته يوماً واحداً.
وموسى دعي “أمين في كل بيت الله” (راجع عد7:12 ، عب22:3) لكن حتى هذا الذي نال مجداً عظيماً لم يفتخر، بل عندما وهب له أن يسمع الصوت من العليقة قال “من أنا حتى أذهب؟” “أنا ثقيل الفم واللسان”(خر11:3، 10:4).
(18) وماذا نقول عن العظيم داود؟! لقد شهد له الله :
وجدت داود بن يسى رجلاً حسب قلبي وبدهن قدسي (رحمتي الأبدية) مسحته (أع 22:23، مز20″89).
أما هو فيقول لله :
ارحمني يا الله كعظيم رحمتك. ومثل كثرة رأفتك أمح أثمي تغسلني كثيراً من أثمي (كمل القديس 1-17 من مز 51) … فالذبيحة لله روح منسحق القلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله”.
(19) لم يتزكى الاتضاع والتسليم المملوء خشوعاً لدى أبطال مشهورين بيننا فقط، بل وبين آبائنا السابقين، وبين كل الذين يتقبلون كلام الله بمخافة وإخلاص.
وإذ نحن ننتفع بأعمال مجيدة وعظيمة (أي الخليقة التي أوجدها الله من أجلنا)، فلنتأمل الآب خالق المسكونة ، ولنلتصق بعطاياه … ناظرين إلى طول أناته، متأملين كيف أنه لا يغضب تجاه خليقته.
(20) (والطبيعة نفسها تخضع لله) فالأجرام السماوية تسير في مداراتها خاضعة لله … والنهار والليل يسيران كما رسم لهما تماماً. والشمس والقمر وكل الكواكب تسير بتوافق في الموضع المرتب لها، حسب أمر الله بغير انحراف.
وبإرادته، دون أي انحراف عنها- وضع للأرض قوانين لكي تثمر في فصول مناسبة، وتأتي بطعام وفير للبشر والحيوانات وكل كائن حي عليها.
الأعماق غير المستقصاة والعميقة للغاية، والطبقات التي تحت الأرض كلها تخضع لقوانينه.
البحر المتسع المياه المخزونة بترتيب، ولا يطغى أكثر مما رسم له حسب أمر الله، فقد قيل :
إلى هنا تأتي ولا تتعدى وهنا تتخم كبرياء لججك (أي11:38).
الفصول من ربيع وصيف وخريف وشتاء، كل منها يعقبه ما يليه بسلام.
الرياح التي تهب من جهات متنوعة تقوم بعملها في الوقت المناسب بغير عائق.
الينابيع الدائمة خلقت من أجل النفع والصحة وهي لا تكف عن أن تفيض بالحياة للبشر.
المخلوقات الصغيرة جداً تسير معاً في توافق وسلام.
كل هذه الأمور نظم وجودها الخالق العظيم وسيد كل الخليقة، بسلام وتوافق، غامراً الكل ببركاته، خاصة نحن الذين وجدنا ملجأ في حنوه خلال ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والعظمة إلى أبد الأبد آمين.
(21) احترزوا أيها الأحباء الأعزاء لئلا تصير بركاته شاهداً علينا، وذلك إن لم نحيا كما يليق، ونعمل بتوافق، صانعين ما هو صالح ومرضي لديه.
إنه يقول بأن روح الرب سراج يفتش كل مخادع القلب (راجع أم27:20). فلنتحقق أنه قريب، وليس شيئاً من أفكارنا مخفية عنه.لهذا يلزمنا ألا نهجر إرادته أو نعصاه، بل نعصي الأغبياء السخفاء الذين يعظمون أنفسهم ويفتخرون بريائهم حتى يزينوا حديثهم(في الوعظ).
لنكرم الرب يسوع المسيح الذي قدم دمه لأجلنا.
لنحترم قادتنا، ونبجل شيوخنا. وندرب الأحداث عل مخافة الله. ونوجه نساءنا إلى ما هو صالح، حتى يظهرن شخصية طاهرة نعجب بها. فيظهرن مشاعر الاتضاع الحقيقي، وبصمتهن يعلمن أن ألسنتهن مكرمة. ليتعلمن ألا يظهرن وداً خاصاً يكشف عن عواطف حب، بل في قداسة يحببن جميع خائفي الله بمساواة.
ليكن لأطفالنا تداريب مسيحية، ليتعلموا عظمة الله القائمة على الاتضاع، ليفهموا أي قوة حب نقي له، وأي صلاح وسمو له فنخافه، وكيف أن هذا يعني خلاص كل من يحيا في مخافة الله بثقة مقدسة خالصة. لأنه هو عارف بالأفكار والرغبات. وأن نسمته التي فينا يأخذها متى طلبها!
4ـ تذكر دينونة الرب ومجازاته
(22) يؤكد الإيمان المسيحي هذا كله، إذ يحدثنا المسيح خلال الروح القدس قائلاً :
هلم أيها البنون استمعوا إلي فأعلمكم مخافة الرب. من هو الإنسان الذي يهوى الحياة ويحب كثرة الأيام ليرى خيراً؟! صن لسانك عن الشر واصنع الخير. أطلب السلامة واسع وراءها. عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم. الرب ضد عاملي الشر.ليقطع من الأرض ذكرهم.أولئك صرخوا والرب سمع، ومن كل شدائدهم أنقذهم.
كثيرة هي نكبات الشرير. وأما المتوكل على الرب فالرحمة تحيط به (مز 34: 11-17 ،10:32).
(23) الآب كلي الرحمة ومصدر كل البركات يتحنن على خائفيه، وبرفق وحب يهب وداده للمقتربين إليه بقلب خالص. لذا لا نتردد، ولا نتشكك من جهة عطاياه الثمينة المجيدة… ليته لا يتحقق فينا القول بأنه ملعونون هم ذوي الرأيين المتشككين القائلين: لقد سمعنا عن هذا منذ أيام آبائنا، وها نحن كبرنا ولم يحدث لنا شيء منها!…
تأملوا أيها الأصدقاء الأعزاء كيف أن السيد بنفسه يشير إلينا على الدوام من جهة القيامة المقبلة، وقد صار الرب يسوع المسيح باكورة القائمين من الأموات.
(24) لنتأمل أيها الأصدقاء الأعزاء أمر القيامة في الفصول الطبيعية، فالنهار والليل يؤكدانها. الليل يرحل والنهار يأتي. والنهار يذهب ليعود الليل.
وأيضاً في المحاصيل، كيف تأتي؟ فالبذار يلقي البذار في الأرض(ملا 1:3)، إذ تسقط وتتبلل وتتعرى من غلافها وتفسد.وهنا تظهر عناية الله العجيبة إذ تقيم البذار من فسادها، وبذرة واحدة تحمل بذاراً كثيرة(1)
(25) لنلتصق به على هذا الرجاء، فإنه أمين في مواعيده وعادل في أحكامه. إذ يأمرنا ألا نكذب لن يكذب قط…
لنلهب إيماننا به، ولنحمل في أذهاننا أنه ليس شيئاً يبعد الوصول إليه. بكلمته القادرة أقام المسكونة، وبكلمته يقدر أن يزيلها.
إنه يفعل كل شيء عندما يريد، ولا يفشل في شيء مما رسم من قوانين.
كل شيء مكشوف قدام عينيه، ولا يختفي شيء عن إرادته.
(28) وإذ هو يرى ويسمع كل شيء، لهذا يجب أن نخافه، نازعين عنا كل شهوة رديئة تنبع عن أفعال شريرة(حك2:12).
بهذا نحتمي برحمته من الدينونة القادمة. لأنه أين يهرب كل منا من يده القادرة؟! أي عالم يمكنه أن يخفي هارباً من وجه الله؟! إذ يقول الكتاب :
أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب؟! إن صعدت إلى السموات فأنت هناك، وإن فرشت في الهاوية فهاأنت (مز139: 8،7).
أين يمكن لإنسان أن يهرب ممن يحتضن كل شيء؟!
(29) إذاً فلنقترب إليه بنفوس مقدسة، ونرفع له أيادي طاهرة بلا دنس، محبين أبينا الحنون المملوء ترفقاً، الذي اختارنا له.
5ـ بالجهاد كأبناء لله
(30) وإذ نحن نصيب مقدس، يلزمنا أن نفعل كل شيء للقداسة فنهرب من الافتراءات والقبلات الدنيئة غير الطاهرة والسكر والمشاغبة والشهوات الدنسة والزنا الممقوت والكبرياء الذى تمجه النفس.لأن الكتاب يقول :
لأن الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعين فيعطيهم نعمة (1بط5:5)
لنلتصق بالذين ينالون نعمة الله، ولتلتحف نفوسنا بالألفة والتواضع وضبط النفس، مبتعدة بعيداً عن كل ثرثرة وافتراء، متبررين بأعمالنا لا بالكلام(1). لأنه قيل :
ألعل كثرة الكلام لا يجاب عليها أم يكون الحق للرجل المفوه (أي 2:11″الطبعة الكاثوليكية”).
ليكن مدحنا من الله لا من أنفسنا. لأن الله يزدري بمادحي نفوسهم. ليمدح الآخرون أعمالنا أنها تليق بآبائنا الأبرار.
فالغطرسة والزنا والطياشة هي ملامح من يلعنهم الله، وأما الرزانة والاتضاع والوداعة فهي ملامح من يباركهم الله.
(31) إذن فلنلتصق ببركته، ولنلاحظ ما يقودنا إليها لنوضح القصة عن الماضي البعيد: لماذا كان أبونا إبراهيم مباركاً؟! أليس لأنه كان يعمل ببر وحق يحفزه الإيمان؟!
واسحق حقق ما كان سيحدث تماماً، مقدماً نفسه ذبيحة بسرور!
ويعقوب في اتضاع ترك أرضه لأخيه، وذهب إلى لابان وصار عبداً له.
(32) كل من يتطلع بإخلاص إلى الأمثلة السابقة، فإنه يتحقق عظم عطايا الله الممنوحة لهم … جميعهم نالوا كرامة وعظمة، لا خلال ذواتهم وأعمالهم الذاتية أو صلاحهم الذاتي بل خلال إرادته.هكذا نحن الذين بإرادته دعينا في يسوع المسيح لا نتبرر بذواتنا أو حكمتنا الذاتية أو عبادتنا المتدينة في ذاتها أو بفهمنا وأعمالنا المقدسة القلبية بل بالإيمان به (لا يمكن فصل هذا الجزء عن السابق والتالى الذى يتحدث عن أهمية الأعمال الملازمة للإيمان، والحديث هنا للذين يعتمدون على برهم الذاتى).
(33) إذن، ماذا يلزمنا أن نفعل أيها الأخوة؟! هل نتراخى في صنع الخير ونكف عن الحب؟! الله لا يسمح! بل بالحرى يلزمنا أن نجتهد في فعل كل عمل صالح(تي 1:3) بغيرة وشغف لأن خالق المسكونة وسيدها بنفسه يفرح بأعماله. هكذا بقوته القادرة أمام السماء … وفوق هذا كله خلق بيده الطاهرتين الإنسان على صورته، إذ قال “نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا”(تك 1: 27،26) وعندما انتهى من عمله هذا كله مدحه وباركه قائلاً: ” إثمروا واكثروا”(تك 28:1).
فلنلاحظ أن كل الأبرار تزينوا بالأعمال الصالحة، وأن الرب نفسه يزين نفسه بالعمل الصالح ويفرح. وإذ لنا هذا المثال ليتنا لا نتردد في تسليم نفوسنا لإرادته، وبذل كل طاقتنا في عمل البر.
(34) من يعمل صلاحاً يتقبل الخبر مرفوع الرأس (بغير خزي)، أما الخامل والمهمل فلا يقدر أن يظهر وجهه أمام رب عمله. لهذا يلزمنا أن نشتاق إلى عمل الصلاح، ومن الله يأتي كل شيء.
إنه يحذرنا :
انظروا فإن الرب قادم ومعه مجازاته، ليعطي كل واحد حسب أعماله (رؤ 22: 12).
فهو يأمرنا أن نؤمن به من كل قلوبنا ولا نتراخى أو نهمل في “كل عمل صالح”.
الله هو أساس فخرنا وأماننا، فلنخضع لإرادته.
إنه يوضح كيف أن كل طغمات الملائكة تقف متأهبة لخدمة إرادته، إذ يقول الكتاب :
ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدامه (دا 10:7)
يقولون :
قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجد ملء كل الأرض (أش3:6)
ونحن أيضاً فلنجتمع مع بعضنا البعض في وحدة وبثقة مشتركة وبشغف طالبين إياه كما بفم واحد، حتى نشترك في مواعيده العظيمة المجيدة، إذ قيل :
ما لم تره عين ولم تسمع به أذن وما لم يخطر على قلب بشر ما أعده الله للذين ينتظرون بصبر”(راجع 1كو 9:2،أش 4:64).
(35) مباركة هي ومدهشة هي عطايا الله أيها الأحباء الأعزاء!! حياة مع خلود، سمو مع بر، حق مع ثقة، إيمان مع تأكيد، ضبط نفس مع قداسة! هذه جميعها ندركها فماذا يكون إذن ما قد أعد للذين ينتظرونه؟!
الخالق ، وأب الخلود، كلي القداسة، هو بنفسه يعلم كم هي عظيمة ومدهشة! لهذا فلنبذل كل الجهد للمضي في عداد منتظريه بصبر، فيكون لنا نصيب في عطايا الله التي وعد بها.
وكيف يكون هذا أيها الأصدقاء الأعزاء؟! متى كان ذهننا ثابتاً في الله بإيمان ونطلب ما يبهج الله ويرضيه، ونفعل حسب ما يتفق مع إرادته الطاهرة. ونسير في طريق الحق. إن كنا نتخلص من كل إثم وشر ومحبة مال ومنازعات وطمع وغش وثرثرة وتضليل وكراهية لله وكبرياء ورياء وحب ظهور وبخل. فإن الله يكره من يعمل هذه، ومن يساعدهم فيها أيضاً. لأن الكتاب يقول :
وللشرير قال الله مالك تحدث بفرائضي وتحمل عهدي على فمك، وأنت أبغضت التأديب وألقيت كلامي خلفك؟! وإذا رأيت سارقاً وافقته، ومع الزناة نصيبك. أطلقت فمك بالشر ولسانك تخترع غشاً. تجلس تتكلم على أخيك. لابن أمك تضع معثرة. هذه صنعت وسكت. ظننت أني مثلك. أوبخك واصف خطاياك أمام عينيك. افهموا هذا يا أيها الناسون الله لئلا افترسكم ولا منقذ ذابح الحمد يمجدني والمقوم طريقه أريه خلاص الله (مز50 :16-23).
(36) هذا هو الطريق أيها الأحباء الأعزاء، الذي فيه وجدنا الخلاص: يسوع المسيح، الكاهن العلي لتقدماتنا، حامي ضعفنا ومعيننا(عب1:4،3).
خلاله ترتفع أنظارنا تجاه أعالي السماوات. وفيه نرى النقاوة الإلهية،ووجهه السامي.خلاله تتفتح عيون قلوبنا، وتستضيء أفهامنا الغبية المظلمة. خلاله يشاء الآب أن نتذوق المعرفة الخالدة، لأن :
الذي وهو بهاء مجده رسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس عن يمين العظمة في الأعالي. صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما أفضل منهم”(عب 1: 4،3)
لأنه مكتوب :
الصانع ملائكته رياحاً وخدامه ناراً ملتهبة (مز4:104، عب7:1).
أما عن الابن فيقول أنت ابني وأنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك”(مز2: 8،7، عب 5:1).
وأيضاً يقول :
اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك (مز1:110، عب3:1)
وماذا يقصد ب”أعدائه”؟! إنهم الأشرار المقاومين إرادته.
6ـ بالخضوع للنظام والترتيب
(37) فلنسلك أيها الاخوة حسب أوامره المكرمة بشغف ولنلاحظ كيف يخضع المرؤوسين لقادتهم بنظام وفي طاعة فليس جنرال أو قائد (ذكر القديس رتب الجيش الروماني). لكن كل واحد حسب رتبته (1كو23:15) يحمل أوامر الإمبراطور أو القادة.
فالعظيم لا وجود له بغير الصغير،ولا الصغير بدون العظيم. بل يرتبط بعضنا البعض لأجل نفع الجميع.
لنأخذ الجسد كمثال: فالرأس لا يقدر أن يوجد بغير الرجلين ولا الرجلين بغير الرأس :
بل بالأولى أعضاء الجسد التي تظهر أضعف هي ضرورية (1كو12: 22،21)
ونافعة للجسد كله. نعم إن الأعضاء كلها تعمل في وفاق وترتبط مع بعضها في طاعة كاملة لأجل سلامة الجسد كله.
(38) باتباعنا هذا نحفظ جسدنا المسيحي أيضاً في كماله. فيخضع كل منا لصاحبه حسب عطيته الخاصة. فيلزم على القوي أن يهتم بالضعيف،والضعيف يحترم القوي، والغني يعول الفقير، والفقير يشكر الله الذي وهبه الذي يعوله، والحكيم لا يظهر حكمته في كلام بل أعمال صالحة، والمتواضع لا يتباهى باتضاعه، بل يترك الشهادة له من الغير، العفيف أيضاً لا يفتخر عالماً أن ضبط نفسه هو عطية من آخر(الله).
يلزمنا أن نحب الأخوة من القلب، هؤلاء الذين خلقوا من نفس المادة التي خلقنا نحن منها…
(40) فمن الواضح أنه يلزمنا أن نعمل حسب الوضع الذي أوجدنا فيه الله. فقد أمر الله بذبائح وخدمات تقدم بغير إهمال.بل بنظام وفي أوقات معينة وتحت ظروف محددة. فقد حدد بإرادته السامية أين تنفذ؟ وبواسطة من؟ حتى يصنع كل شيء بطريقة مقدسة حسب إرادة الله.
فرئيس الكهنة له عمله الخاص، كذلك الكهنة، واللاويين عليهم واجبات أخرى، والرجل العلماني له قوانينه الخاصة به.
(41) يلزم أيها الأخوة أن يربح كل واحد رضى الله حسب رتبته، بضمير صالح. فلا نعصي ما قد أمرنا به، بل نتممه في وقار.
أيها الأخوة، لم تكن الذبائح المختلفة – اليومية والاختيارية – التي من اجل الخطايا والمعاصي، تقدم في أي مكان، بل في أورشليم. ولا في أي موضع فيها بل في مقدمة “القدس” على المذبح بعدما يفحصها رئيس الكهنة والخدام… ومن يخالف ذلك يسقط تحت عقوبة الموت.
أما نحن أيها الأخوة فقد نلنا معرفة أعظم، فصارت دينونتنا أشد.
(42) من أجلنا استلم الرسل الإنجيل من الرب يسوع المسيح ويسوع المسيح أرسل من الله (الآب)، وكان ذلك حسب إرادة الله.
وبعدما تسلم الرسل أوامرهم واقتنعوا بقيامة ربنا يسوع المسيح تماماً، وتأكدوا من كلمة الله، ذهبوا في ثقة الروح القدس للكرازة بالبشرى الطيبة عن ملكوت السموات المقترب. وبشروا في القرى والمدن، ورسموا من اهتدوا أولاً أساقفة وشمامسة ليخدموا مؤمني المستقبل.
(43) هل هناك غرابة في أن هؤلاء المسيحيين يسند الله إليهم هذا العمل أن يرسموا خداماً معينين؟! لأن موسى الطوباوي أيضاً الذي كان خادماً في بيت الله، وقد سجل في الكتب المقدسة كل ما أوصي به، وقد اتبع الأنبياء خطواته وشهدوا له ولشريعته، لكي لا تثور الغيرة بين الأسباط فيمن يكون له الكهنوت، ولا تحدث مشاجرات وأحزاب نحو أخذ كرامة هذا الامتياز، أمر الاثني عشر رئيساً للأسباط أن يأتي كل منهم بعصا مكتوب عليها اسم السبط. وأخذ العصى وربطها وختمها بأختام قادة الأسباط. ووضعها في خيمة الاجتماع على مائدة الله، وأغلق الخيمة ووضع أختام على المفاتيح كما على العصي وقال لهم أيها الأخوة، إن السبط الذي تفرخ عصاه قد اختاره الله للكهنوت ولخدمته، في الصباح جمع الكل 600.000 قوى وأظهر أختام رؤساء الأسباط، وفتحوا خيمة الاجتماع وأحضروا العصي، فإذا بعصى هارون لم تفرخ فحسب بل وأثمرت.
ماذا تظنون أيها الأحباء، أما كان موسى يعرف مقدماً ما كان سيحدث؟ نعم بالتأكيد، إنما فعل ذلك لكي يمنع الفوضوية، وهكذا يتمجد اسم الله الحقيقي الوحيد الذي له المجد إلى أبد الأبد آمين.
(44) شكراً لربنا يسوع المسيح فإن رسلنا أيضاً كانوا يعرفون أنه سيحدث صراع تحت اسم الرسل، لهذا فإنهم إذ حصلوا على معرفة المستقبل بدقة، رسموا خداماً نشير إليهم. علاوة على هذا فإن هؤلاء الآخرين وضعوا وصايا أيضاً من أجل هذه الحقيقة إنهم إذ هم يموتون يخلفهم أناس مشهود لهم يكملون خدمتهم.
على ضوء هذا، فإنه من الظلم أن نستبعد من الخدمة هؤلاء الذين رسمهم(الرسل) أو بواسطة الآخرين(الدفعة التالية بعد الرسل) والذين رسموا بموافقة الكنيسة كلها والقائمين في وضع مناسب متمتعين بموافقة الكل، خادمين قطيع المسيح حسناً، وباتضاع وهدوء ووداعة.
إنها خطية ليست هينة نجرم بها إن كنا نستبعد الأسقفيين الذين يقدمون التقدمات بطهارة وقداسة.
حقاً، سعداء هم هؤلاء الكهنة الذين عبروا وانتهت حياتهم بأعمال كاملة مثمرة، فإنهم لا يخافون من أن يطردهم أحد من مواضعهم الأكيدة. لكنكم تستعبدون أناساً من خدمة أكملوها بوقار واستقامة رغم سلوكهم الطيب.
(45) إن خصامكم وغيرتكم أيها الأخوة تمس أمر خلاصنا. لقد درستم الكتاب المقدس الذي يحوي بين دفتيه الحق، والموصى به من الروح القدس، وتحققتم أنه ليس شيئاً منحرفاً أو خاطئاً مكتوب فيه، ولم تجدوا فيه أن الأبرار نبذههم قديسون قط بل اضطهدهم أشرار.
لقد سجنوا لكن بواسطة الأثمة، ورجموا بواسطة العصاة، وذبحوا بواسطة أناس متحفزين بغيرة شريرة دنيئة، محتملين هذا بنبل.
فماذا نقول يا أخوة؟! هل ألقيٍٍِِِ دانيال في جب الأسود بواسطة عابدي الله؟! أو ألقي أنانياس وعزاريا وميشائيل في الأتون بواسطة أناس مكرسين لعبادة العلي العظيم عبادة عظيمة مجيدة؟ حاشا!
فمن هم الذين يفعلون مثل هذه الأمور؟! إنهم أناسأ أدنياء أشرار تماماً، دفعهم حب التحزب والشقاق إلى مثل هذه الهاوية من الغضب، لكي يعذبوا الذين يخدمون الله بعزم في قداسة وطهارة.
(46) … فلنتبع الطاهرين والمستقيمين لأنهم مختاري الله فلماذا تخفون صراعاً وخصومات وانقسامات وانشقاقات ونزاعات؟! أليس لنا إله واحد ومسيح واحد وروح واحد قد انسكب فينا؟! ألم ندعى جميعاً في المسيح؟! لماذا نبلغ إلى مثل هذا الجنون متجاهلين حقيقة كوننا أعضاء لبعضنا البعض؟!
تذكروا كلمات ربنا يسوع القائل :
ويل لذلك الرجل… كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد…….ويل للذي تأتي بواسطته (العثرات) خير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار”(مت24:26، لو17: 2،1).
انقسامكم سبب ضلال كثيرين، وجعل كثيرين ييأسون، وشكك كثيرين، وأحزننا نحن جميعاً.
(47) انظروا إلى خطاب الطوباوي بولس، وتأملوا بماذا بدأ يكتب… لقد كتب عن نفسه وصفا وأبولس، لأنه حتى في ذلك الوقت كان بينكم أحزاب. لكن ما كان في ذلك الوقت فهو أقل خطورة مما هو حادث الآن.
فكروا الآن فقد قادكم محبو الانقسام إلى التضليل وإزالة المحبة من جهة الأخوة المملوئين كرامة وتقديساً.
إنه أمر مشين للغاية، ولا يليق بتربيتكم المسيحية، أن يحدث هذا بسبب شخص أو اثنين تقوم كنيسة كورنثوس العتيقة بثورة ضد كهنتها.
هذا التقرير لم يصل إلينا نحن فقط، بل وإلى البعيدين عنا (أي اليهود وعبدة الأوثان)، وبسبب غباوتكم يجدف على اسم الرب وتقحمون أنفسكم في خطر.
7ـ بالحب الذي هو باب البر
(48) لهذا يجب أن تضعوا نهاية قاطعة وسريعة لهذا الأمر. يلزمنا أن ننطرح قدام الرب، ونطلب منه بدموع لننال رحمة، وليصالحنا، ويعيدنا إلى التدريب المقدس لحبنا الأخوي المكرم. لأن هذا هو باب البر الذي يفتح الطريق للحياة،كما هو مكتوب :
افتحوا لي أبواب البر. أدخل فيها وأحمد الرب. هذا الباب للرب. الصديقون يدخلون فيه (مز118: 20،19).
بينما تفتح أبواب كثيرة، لكن باب البر هو باب المسيحية. طوبى للذين يدخلون منه، ويسيرون في قداسة وبر بصنعهم كل شيء بترتيب.
ليكن الإنسان مؤمناً، وليكن قادراً على النطق ب “المعرفة” ليكن متحكماً ببراهين الحكمة. نقياً في سلوكه، يتعظم كلما اتضع.
(49) من كان له الحب المسيحي فليحفظ وصايا المسيح!
من يقدر أن يصف رباط حب الله؟ أو يعبر عن عظمة جماله؟
الحب يقود إلى أعالي فائقة الوصف.
الحب يوحدنا مع الله إذ “المحبة تستر كثرة من الخطايا”(1بط8:4، أم2:10).
الحب يحتمل كل شيء، ويصبر على كل شيء.
الحب ليس فيه شيء دنيء، ولا شيء متفاخر.
الحب لا يعرف الانقسام أو التمرد، بل يصنع كل شيء بتوافق.
الحب يكمل مختاري الله، وبدونه ليس شيء يرضي الله.
بالحب الرب قبلنا. وبسبب حبه لنا- والذي هو وفق إرادة الله سفك ربنا يسوع المسيح دمه عنا، بذل جسده عن جسدنا، وحياته من أجلنا.
(50) ها ترون أيها الأخوة كم هو عظيم – الحب – ومدهش! وكيف أن كماله يفوق كل وصف!
من يقدر أن يمتلكه إلا الذين أعطاهم الله امتيازاً؟!
فلنتوسل إليه طالبين برحمته أن يهبنا الحب بغير انحراف بشري ويجعلنا بلا خزي.
كل الأجيال، من آدم إلى يومنا هذا تموت، ولكن الذين بنعمة الله تكملوا في الحب، لهم موضع بين القديسين، ويظهرون عند ظهور ملكوت المسيح. إذ مكتوب :
هلم يا شعبي ادخل مخادعك واغلق أبوابك خلفك. اختبئ نحو لحيظة حتى يعبر الغضب (أش20:26)
واتذكر يوماً حسناً وأقيمكم من قبوركم(عن حز12:37).
أننا نكون سعداء أيها الأحباء الأعزاء، إن حفظنا وصايا الله في وفاق الحب، حتى بالحب، تغفر لنا خطايانا، لأنه مكتوب :
طوبى للذي غفر أثمه وسترت خطيته. طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية ولا في (فمه) روح غش (مز32: 2،1، رو4: 7-9).
هذا هو التطويب الذي أعطي لمختاري الله من قبل ربنا يسوع المسيح الذي له المجد إلى أبد الأبد آمين.
(51) إذن فلنسأل الصفح عن سقطاتنا، وما ارتكبناه خلال إثارة العدو علينا. ويلزم للذين تزعموا حركة التمرد والانقسام أن يفكروا في طبيعة رجائنا العام.
بالتأكيد، الذين يعيشون في خوف وفي حب، بالحرى يتحملون الاعتداءات ولا يريدون أن يحملوها لغيرهم. فهم يودون أن يحتملوا الذم عن أن يخزوا وحدة تقليدنا الذي للبر.
حسن للإنسان أن يعترف بخطاياه ولا يقسي قلبه في نفس طريق هؤلاء المتمردين الذين قسوا قلوبهم ضد خادم الله، فكان الحكم ضدهم واضحاً لأنهم “نزلوا إلى الهاوية” و”الموت يرعاهم”(عد33:16، مز14:49).
(52) يا أخوة، الرب ليس محتاجاً إلى شيء، ولا يطلب شيئاً من أحد سوى أن يمجده. لأن حبيبه داود يقول :
أسبح اسم الله… فيستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذي قرون وأظلاف. يرى الودعاء(الفقراء) فيفرحون (مز69: 30-32).
ومرة أخرى يقول :
اذبح لله حمداً، وأوف العلي نذورك، وادعني في يوم الضيق أنقذك فتمجدني (مز50: 15،14)
لأن :
القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره (مز17:51).
(53) أنتم تعرفون الكتاب المقدس أيها الأحباء الأعزاء. تعرفونه جيداً، ودارسين أقوال الله. إنما نكتب لكم عن الطريق لأجل تذكيركم.
فموسى عندما صعد على الجبل وقضى أربعين يوماً وأربعين ليلة في صوم واتضاع وقال له الله :
قم انزل عاجلاً من هنا لأنه قد فسد شعبك الذي أخرجته من مصر. زاغوا سريعاً عن الطريق التي أوصيتهم. صنعوا لأنفسهم تمثالاً مسبوكاً (تث12:9).
وقال له الرب :
… رأيت هذا الشعب، وإذا هو شعب صلب الرقبة. اتركني فأبيدهم وأمحو أسمهم من تحت السماء وأجعلك شعباً أعظم وأكثر منهم”(تث9: 14،13).
أجابه موسى :
الآن إن غفرت خطيتهم وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت ” للحياة ” (خر32: 32،31).
يا لعظمة الحب، يا لكماله العجيب! العبد يكلم سيده بصراحة طالباً العفو لشعبه أو أن يحذف اسمه هو أيضاً معهم!
(54) حسناً، من منكم نبيل ومتسع القلب ومملوء حباً؛ فليقل “إن كان هذا خطأي، أي إثارة التمرد والصراع والانقسام، فإنني أترك هذا “اذهب حيثما تريد. وأسلك حسبما يأمر به المجمع فقط ليحيا قطيع المسيح في سلام مع كهنته المرسومين له”.
إن من يفعل هذا يربح لنفسه مجداً عظيماً في المسيح، ويرحب به في كل موضع لأن “للرب الأرض وملؤها”(مز1:24).
هكذا يلزم أن يكون السلوك على الدوام، سلوك الذين لا يتأسفون عن الانتماء إلى مدينة الله.
(55) لنأخذ أمثلة من بعض الوثنيين، فإنه في أيام انتشار الطاعون كما يقولون يقدم كثيرين الملوك والحكام نفوسهم للموت لكي يحجبوا الموت عن رعيتهم بدمهم، كثيرون تركوا مدنهم الخاصة لكي يضعوا نهاية للانقسام.
إننا نعرف كثيرين منا سلموا أنفسهم للسجن لكي ما يفتدوا آخرين.
كثيرون يبيعون أنفسهم عبيداً ويدفعون الثمن لإطعام آخرين.
نساء كثيرات يتشجعن بنعمة الله، يقمن بأعمال تليق بالرجال.
يهوديت الطوباوية، عندما كانت مدينتها محاصرة توسلت من الشيوخ أن يسمحوا لها أن تذهب إلى معسكر الأعداء. وهكذا عرضت نفسها للخطر، من أجل محبتها لوطنها ومن أجل شعبها المحاصر. وأستير – امرأة الإيمان الكامل عرضت نفسها إلى خطر لا يقل عن السابق من أجل إنقاذ الأسباط الإثنى عشر، حينما كان قد تعين إبادتهم لأنه بواسطة صومها واتضاعها، قد توسلت إلى السيد ناظر الكل والله الأبدي، فنظر إلى اتضاعها وخلص شعبها الذي لأجله واجهت الخطر.
(56) هكذا نحن أيضاً يلزمنا أن نطلب من أجل كل ساقط في الخطية حتى يهب لهم إمعان الفكر والاتضاع، فيخضعوا لإرادة الله وليس لنا. لأنه بهذا الطريق يظهرون ثمراً وكمالاً عندما يتذكرهم الله والقديسين بالرحمة.
يلزمنا أيها الأحباء الأعزاء أن نقبل الإصلاح. لا يستقبح أحد ذلك. إن تحذيرنا بعضنا البعض أمر صالح ومفيد للغاية.لأنه يربطنا بإرادة الله. هذا ما تقوله الكلمة الإلهية :
تأديباً أدبني الرب وإلى الموت لم يسلمني (مز18:118).
لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله”(عب6:12).
لأنه قيل :
فليؤدبني الصديق برحمة ويوبخني. زيت الخاطئ لا يدهن رأسي (مز5:141).
ومرة أخرى قيل :
هوذا طوبى لرجل يؤدبه الله. فلا ترفض تأديب القدير. لأنه هو يجرح ويعصب. يسحق ويداه تشفيان. في ست شدائد ينجيك وفي سبع لا يمسك السوء. في الجوع يفديك من الموت. وفي الحرب من حد السيف. من سوط اللسان تختبئ فلا تخاف من الخراب إذا جاء. تضحك على الخراب والمحل ولا تخشى وحوش الأرض. لأنه مع حجارة الحقل عهدك، ووحوش البرية تسالمك. فتعلم أن خيمتك آمنة وتتعهد مربضك ولا تفقد شيئاً. وتعلم أن زرعك كثير وذريتك كعشب الأرض. تدخل المدفن في شيخوختك كرفع الكدس في أوانه. ها إن ذا قد بحثنا عنه. كذا هو. فأسمعه واعلم أنت لنفسك”(أي5: 17-26).
إنكم ترون أيها الأحباء الأعزاء كيف أن الذين يؤدبهم الرب هم محفوظون. نعم إنه كأب صالح يؤدبنا حتى يظهر تأديبه المقدس رحمة لنا.
(57) لهذا أنتم مسئولون عن التمرد ويلزمنا الخضوع للكهنة. يلزمكم أن تتضع قلوبكم وتقبلون التأديب تائبين.
يجب أن تتعلموا الطاعة، وتخضعوا عجرفتكم المتكبرة، وتلجموا ألسنتكم المتعجرفة. فإنه أفضل لكم أن يكون لكم مكان غير مرموق – بل بالحرى معتبر – بين قطيع المسيح عن أن تظهروا مبجلين وتحرموا من رجاء المسيح. لأنه هذا ما تقوله الحكمة السامية (ذكر القديس نص أم1: 23-33).
(58) هكذا فلنطع اسمه المجيد الكلي القداسة، ونهرب من التوعدات التي أشارت إليها الحكمة ضد العصاة(أم1: 23-33).
بهذا نحيا في سلام ونحصل على ثقتنا في اسمه كلي القداسة والعظمة.
اقبلوا نصيحتنا، فلا تتأسفون قط. لأنه كما أن الله حي، وربنا يسوع المسيح حي، والروح القدس (الذي به يؤمن المختارون وبه تفرحون) فإن الإنسان باتضاع وبإمعان فكر مملوءة شغفاً، ينفذ وصايا الله بغير حزن، ويحسب محصياً مع مرتبة الذين يخلصون خلال الرب يسوع الذي من قبله المجد لله (الآب) إلى أبد الأبد آمين.
خامساً : صلاة وختام
(59) ومن جانب آخر، إن كان البعض يفشل في إطاعة ما يخبرهم به الله خلالنا، يلزمهم أن يتحققوا أنهم سوف يسقطون أنفسهم في الخطية ويدفعون بأنفسهم في خطر ليس بقليل.
نحن من جانبنا، سوف لا نكون بخطية كهذه. إنما سوف نتوسل بصلوات مملوءة شوقاً وتوسلات أن خالق المسكونة يحفظ أسماء الممتازين له في العالم كله خلال ابنه (طفله) المحبوب يسوع المسيح. لقد دعانا خلاله “من الظلمة إلى النور”(أع28:16)، والجهالة إلى معرفة اسمه المجيد(ربما استخدم صلاة مشهورة)، لكي ما نترجى اسمك. الذي هو أصل كل الخليقة.
إنك تفتح “عيون قلوبكم”(أف18:1) حتى نتحقق.
إنك وحدك العلي، والدائم إلى الأبد قدوساً (أش15:57).
أنت تبطل تعظم المستكبرين وتبطل “خطط الأمم ترفع المتواضعين، وتنزل المتكبرين. أنت تفقر وتغني، تميت وتحي. أنت وحدك حافظ الأرواح وإله كل جسد”(أش11:13، أي11:5، 1صم2: 7،6، تث19:32، عد16:27).
أنت خالق كل روح وحافظها.
أنت تكثر الأمم على الأرض، ومنهم كل الذين تختارهم، الذين يحبونك خلال يسوع المسيح ابنك الحبيب. فخلاله تدربنا وتجعلنا قديسين، وتكرمنا.
إننا نسألك أيها السيد، أن تعيننا وتحفظنا، وتخلص الذين هم منا وهم في ضيقة. أقم الساقطين، ساعد المحتاجين، اشف المرضى، رد الضالين من شعبك، أشبع الجياع، أطلق المأسورين من، انعش الضعفاء، شجع خائري القلوب “ليعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الله (وحده) (1مل60:8، 2مل9:19)، وأن يسوع المسيح هو ابنك، وأننا “نحن شعبك وغنم رعيتك”(مز13:79 ، 7:95 ، 3:80).
(60) أنت أوجدت البنيان الدائم للعالم الذي خلقته.
أنت أيها الرب صنعت الأرض.
أنت هو الأمين في كل الأجيال، بار في الحكم، عجيب في القوة والعظمة… حكيم في أن تجعل الخليقة تحتمل، صالح، متحنن على الواثقين فيك، رحوم ورؤوف، غافر خطايانا وشرنا ومعاصينا وسقطاتنا.
لا تأخذ في حسبانك كل خطية لعبيدك وأمتك، بل تطهرنا بتطهير حقك، وتقود خطواتنا حتى نسلك بقلوب مقدسة، ونصنع ما هو صالح ومرضي لديك ولدى خدامك.
نعم يا سيدي، حول وجهك المنير تجاهنا في سلام لأجل صالحنا، حتى نحتمي بيدك القوية ونتخلص من كل خطية بذراعك المرفوعة.
أنقذنا أيضاً من كل الذين يبغضوننا بلا سبب.
أعطنا وكل المساكين في الأرض اتفاقاً وسلاماً، كما فعلت مع آبائنا عندما دعوا لك بوقار في الإيمان والحق. وهب أن نكون مطيعين لاسمك القدير المجيد ولرؤسائنا (الدينيين) وحكامنا على الأرض.
(61) أنت يا سيدي أعطيتهم سلطاناً جليلاً خلال قدرتك العظيمة غير الموصوفة، حتى أننا إذ نعرف أنك أنت الذي أعطيتهم المجد والكرامة، يلزمنا أن نخضع لهم، ولا نعارض إرادتك بأي حال من الأحوال.
هب لهم أيها الرب الصحة والسلام والاتفاق والثبات حتى لا يخطئوا في إرادة الحكم الذي وهبته لهم. لأنك أنت أيها السيد “ملك الأبدية” السماوي الذي تهب لبني البشر المجد والكرامة والسلطان على شعب الأرض.
وجه تدابيرهم أيها الرب بحسب ما هو صالح ومرضي لديك حتى يستخدمون السلطان الذي أعطيته لهم بسلام وإمعان الفكر وإكرام، فيربحون رحمتك.
إننا نسبحك يا من أنت وحدك قادر أن تفعل هذا، وتجعلها أموراً صالحة بالنسبة لنا من قبل رئيس الكهنة وحافظ أرواحنا، يسوع المسيح. من قبله المجد والعظمة الآن وكل الأجيال وإلى أبد الأبد آمين.
(62) لقد كتبنا لكم بما فيه الكفاية أيها الأخوة بما يليق بديننا، لإعانة الراغبين بوقار وبر في السلوك في الحياة الفاضلة.
لقد لمسنا في الحديث عن المواضيع: الإيمان والتوبة والحب الخالص وضبط النفس والوقار والصبر.
إننا نذكركم أنه يلزمكم بوقار أن ترضوا الله القدير ببركم وحقكم وطول أناتكم.
يلزمكم أن تعيشوا في وفاق غير حاملين أي ضغينة في حب وسلام وإمعان فكر حقيقي كمثل آبائنا، الذين أشرنا إليهم، رابحين الاستحسان باتضاعهم تجاه الله الآب الخالق وتجاه كل البشر.
علاوة على هذا، لقد كنا مبتهجين أن نذكركم بهذه الأمور حيث أننا تحققنا حسناً أننا نكتب إلى مؤمنين بحق على مستوى عالٍ ودارسين في تعاليم الله.
(63) لذلك قد أكدنا ذلك وقابلناه بأمثلة، كثير منهم ينبغي أن نحني لهم رقابنا، ونتبنى اتجاههم في الطاعة. هكذا بإنهاء هذا التمرد السخيف، نتحرر من كل توبيخ ونربح الهدف الحقيقي الموضوع أمامنا.
نعم، إنكم تجعلوننا بالأكثر سعداء إن أظهرتم الطاعة لما كتبنا إليكم بإرشاد الروح القدس، وإن تتبعوا حجة خطابنا للسلام والوفاق تخلصون أنفسكم من التمرد الشرير المملوء غضباً.
علاوة على هذا نرسل لكم أشخاص موثوق فيهم وحصفاء الذين منذ طفولتهم إلى شيخوختهم يعيشون بيننا في حياة بلا عيب. هؤلاء سيكونون شهود يفكرون بيننا. إننا نفعل هذا لنستعيد سلامنا معكم بسرعة.
(64) والآن ليت الله ناظر الكل، وسيد “الأرواح” ورب “كل جسد” الذي أرسل الرب يسوع المسيح واختارنا نحن خلاله لنكون “له شعباً خاصاً” يهب لكل نفس ختم عليها اسمه العظيم القدوس، يهبها الإيمان والمخافة الإلهية والسلام والصبر وطول الأناة وضبط النفس والنقاوة والوقار. هكذا يمكننا أن نربح استحسانه خلال رئيس كهنتنا والمدافع عنا يسوع المسيح هذا الذى من قبله المجد والعظمة والقدرة والكرامة الآن وكل أوان وإلى أبد الأبد آمين.
(65) تعجلوا في إعادة المرسلين إليكم من قبلنا في سلام وفرح، وهم كلاديوس أفيبوس وفاليريوس بيتو مع فورتيناتوس فإذ يأتونا بالأخبار عن السلام والوفاق الذي نرجوكم إياه، ونشتاق إليه هكذا، فإننا بالتالي بالأكثر نفرح من أجل سلامتكم.
نعمة ربنا يسوع المسيح تكون معكم ومع الجميع في كل مكان هؤلاء الذين دعاهم الله خلاله. الذي من قبله المجد والكرامة والقدرة والعظمة والسلطان الأبدي إلى أبد الأبد آمين.
الرسالة من أهل رومية إلى أهل كورنثوس.