الولد الخجول وتربية الثقة بالنفس

 الولد الخجول وتربية الثقة بالنفس


تحديد الخجل

  ولد وجل يفقد امكانياته إذا وجد أمام الغير فيتردد ويرتبك ويحاول بشتى الوسائل أن يحول الإنتباه عنه وان يحتجب عن الأنظار.

مظاهر الخجل

 التردد وعدم الثقة بالنفس مع محاولات اقدام متعثرة يعقبها فجأة تقهقر إلى المواقف السابقة. ويعبر هذا الموقف عن ذاته بمظاهر شتى تزيد من تأزم نفسيتة منها:

1 ـ المعاناة من احمرار الوجه والأنف والأذن لأبسط الأسباب وذلك يجعلة يلفت الأنظار اليه مع ان رغبته الوحيدة هى التوارى عن الأنظار، لذا نراه يخشى هذا العارض الجسدى الذى يكشفة للأخرين ولكن خشيته هذه تنقلب عليه اذ ان الإحمرار يعتريه لمجرد تفكيرة باحتمال حدوثه

2 ـ اضطرابات فى الحواس والنطق والذاكرة وقد يقودة ذلك إلى التأتأة خاصة عندما يخاطب اشخاصا يخشى حكمهم عليه.

  أو طنين الأذن بسبب القلق الشديد الذى يصيبه عند توجيه سؤال إليه من أحد معلمية وقد يشكو من أن حجابا ينتصب أمامه ويحول دون رؤيته للمتحدث إليه، ويختلف وضع هذا الولد فى البيت عنه فى المدرسة حيث انه فى البيت يجد أما تتأنى عليه وتصبر وتوليه اهتماما خاصا وقد تبدى له اعجابها أما فى المدرسة فيجد أنه أمام معلم يستعجله بالجواب لأن عليه أن يستجوب بعده تلاميذ آخرين ، كما يجد نفسه أمام أولاد لن يوفروا عليه النقد والسخرية اذا ما أخطأ أو قصر. عند ذلك يعتريه شك بقدرته الذاتية فيتردد وينسى كل ما كان يعرفه وإذا به يوصم بالصفر.

3 ـ لايجرؤ على التعبير للمعلم عن عدم فهمه لما استمع إليه من شرح.

4 ـ تهرب الولد من العلاقات الإجتماعية فتراه مثلا يتوارى اذا ما أتى زائر إلى المنزل، أو يختفى تلافيا لضرورة توديعه، وبشكل عام يتجنب الإتصالات الإجتماعية لانها بالنسبة إليه شاقة ومكلفة ولانه يخشى أن لا يستطيع مواجهتها بشكل مشرف وهكذا ينعزل عن الآخرين إلى حد دفعهم إلى التوهم بأنه متعجرف ومستعل.

5 ـ تجنب الألعاب التى تقتضى نشاطا مشتركا إذ يخشى أن لا يصل فيها إلى المستوى اللائق وقد يدعى الولد مثلا أنه لا يحب سوى المطالعة أو أن اللعب لم يعد مناسبا لسنه أو أنه لا يستطيع الإنسجام مع الآخرين. ويقضى الولد الخجول وقت فراغة فى المطالعة أو تكوين مجموعات ” من الطوابع مثلا ” أو بالإتصال بالحيوانات الأليفة أو بالألعاب الفردية.

 

+ ولكى يعوض الولد الخجول عن فشله فى العلاقات الإجتماعية يسعى إلى الأوضاع التى يضمن فيها امكانية الظهور بمظهر الأقوى ومن هنا تفتيشه عن رفاق يمكنه التفوق عليهم بشكل من الأشكال، سواء كانوا أصغر منه سنا ينصاعون بسهولة إلى أوامره أو أقل منه ثراء يتباهى أمامهم بوضعه الإجتماعى المميز أو تلاميذ ادنى منه ذكاء يبسط أمامهم تفوقه فى المعلومات المدرسية.

أسباب الخجل

أولا : أسباب تعود إلى المزاج

ثانيا : أسباب تعود على مرحلة النمو التى يجتازها الولد

 

ثالثا : اسباب تعود إلى علاقات الولد بمحيطه العائلى وبنوع خاص بوالديه :

  فكل ما من شأنه ـ فى هذه العلاقات ـ أن يضعف ثقة الولد بنفسه، ينعكس أيضا على علاقاته الإجتماعية اذ يغذى فيه الخشية من هذه العلاقات والرغبة فى الإنطواء ومن العوامل التى تؤدى إلى هذه النتيجة ما يلى :

 

1 ـ التربية المتسلطة الساحقة التى لا تقيم وزنا لآراء الولد وميوله وحاجاته ولا تترك له مجال التعبير عن رغباته وابداء أفكاره ولا تحترم مبادرته الشخصية.

ومن اوجه التربية الساحقة الأكثر اذى فيما نحن بصدده :

 + الإستهزاء بالولد والإستخفاف بقدراته واشعاره أن معظم انجازاته لا قيمة لها وأن لا خير يرجى منه وهذا من شأنه اما ان يثير التمرد -عند الطبائع الأكثر صلابة ومقاومة – أو ان يحطم الثقة بالنفس ويؤول الى الخجل.

 + الإحتضان المفرط للولد والغلو فى القلق عليه مما يأسره ويكبله ويعطل عنده روح المبادرة والإقدام وينشىء عنده قلقا تجاه الحياة يكون انعكاسا وامتدادا للقلق الوالدى عليه، وهذا كله من شأنه أيضا أن يضعف ثقته بنفسه وبالتالى يدفعه إلى الخجل أو أن يرسخه فيه وتتعرض الأم بشكل خاص إلى هذا الموقف وبهذا فإنهم يسئن إلى الولد وانطلاقه واكتسابه للحس الإجتماعى فإذا به ينشأ على الخوف من العالم ومن الآخرين فيركن دائما إلى والدته أو إلى شخص آخر راشد آخر يألفه ويجد نفسه عاجزا عن اللعب وحده فى غرفة أو عن كتابه فرضة وحيد ( حتى اذا كان ناجحا فى دراسته ) وهكذا تبذر فى نفس الولد بذور الخجل الذى يكبل قدراته ويعيق تكيفه الإجتماعى.

 

2- طموح الوالدين المفرط بالنسبة لولدهما  :

فقد يطالبانه بأن يبرع فى كل أمر يقوم به إما لأنهما برعا فى حياتهما الشخصية ويريدون أن يكون على شاكلتهما أو لأنهما اصيبا بخيبات يسعيان الى التعويض عنها من خلاله. فيحاول الولد أن يتجاوب مع ما ينتظرة منه الوالدين كسبا لعطفهما ورضاهما ولكنه يحس أن الأمر ليس فى متناوله فيعتريه اليأس وتتضعضع ثقته بامكانياته فاذا به ينطوى على نفسه ويحجم عن اتخاذ اية مبادرة خوفا من ان يفشل فيها وسرعان ما يمتد هذا الموقف الى سائر مجالات حياته وعلاقاته وهكذا ينشأ عنده الخجل.

 ومن قبيل هذا الطموح الوالدى المفرط الذى يثقل كاهل الولد ويزعزع بذلك ثقته بنفسه، رغبه الاهل فى التباهى بولدهم أمام الناس، فلا تفوتهم فرصة إلا واستغلوها لإبراز مواهبه ومعلوماته أمام معارفهم دون اقامة اى حساب لرغبته الذاتية ولتهيبه المثول امام أناس لم يألفهم. هكذا قد ينشأ عند الولد نفور من المجتمع وخشية من مواجهته من شأنهما ان يطبعا سلوكه بطابع الخجل.

 

3- الإهتمام المفرط لدى الأهل برأى الناس :

 وقد يبنى الوالدان تربيتهما لولدهما على الإحتكام الى رأى الناس المحتمل بسلوكه فاذا بهما لا يكفا عن هذا التحذير ” انتبه ! فماذا يقول الناس عنك لو تصرفت على هذا المنوال ؟” هنا أيضا يبرز حرص الأهل على سمعتهم لدى الغير ورغبتهم فى أن يمدحهم الناس بسبب خضوعهم للمقاييس المتبعة فى مجتمعهم. ولكنهم لا يفطنون أنهم بسلوكهم هكذا قد يضعفون قوة ولدهم على المواجهة والإستقلال وانهم قد ينشئون عنده ازدواجية يعتاد بموجبها على التفكير قبل اقدامه على أى عمل بالصورة التى يقدمها من خلاله للناس، مما يعطل عفويته ويسبب له الخجل. هذا إذا لم يثر بحق فى وجه هذه التربية الساحقة.

 

4- علاقة الولد باخوته :

 فقد يصبح الولد خجولا بعد ولادة أخ أو أخت له.

 كذلك قد يبرز الخجل عند الولد الأصغر فى الأسرة اذا انتقل من محيطها الدافىء إلى محيط المدرسة ذلك اذا كان فى الأسرة موضوع اهتمام ليس الوالدة وحسب بل الأخوة الأكبر سنا أيضا ومحط انظارهم ، واذا به عند دخول المدرسة يشعر بأنه فقد هذا المركز المتميز واصبح متروكا لنفسه فى محيط لا يوليه الإهتمام الخاص الذى كان يحظى به. وهذا من شأنه أن يجعله خجولا فى علاقاته مع محيطه الجديد.

 

5- قلة صبر الأهل على الولد الناتجة من افراط نشاطهم :

 قد يكون الأهل مغالين فى نشاطهم بحيث ينتظرون من الولد أن يكون على شاكلتهم، فينجز بسرعة كلية ما هو بصدد القيام به. وقد يكون الولد من جهته عاجزا عن مجاراتهم فى وتيرتهم السريعة هذه إما بسبب عدم اكتمال نموه أو بسبب مزاجه الخاص فيصطدم عند ذاك بنفاذ صبرهم الذى قد يدفعهم ان يأخذوا على عاتقهم العمل الذى كان ولدهم مقدما عليه وأن يحولوا دون تنفيذه له بوسائله الخاصة وهذا ما قد يضعف ثقة الولد بنفسه وامكانياته ويقوده إلى السلبية والخجل.

 

6– عدم الإهتمام الكافى من قبل الأهل بما يريد الولد أن يعبر لهما عنه :

 ويكون ذلك من اسئلة أو اخبار وأفكار واقتراحات ومشاريع وبما يرغب أن يرويه لهما من مشاهدات أو اختبارات حصلت له أو أفلام شاهدها أو قصص قرأها أو نكات تعلمها،وبما يرغب أن يريهما اياه من انجازات قام بها كرسوم…إلخ. فقد نعطى اولادنا كل شىء ونضن عليهما بشىء من وقتنا نستمع فيه إلى هواجسهم واختباراتهم معتبرين ذلك “ولدنات” لا طائل لها بينما هى تشكل بالنسبة لأولادنا اهتمامات حيوية ومعبرا نحو اهتمامات راشدة غنية متوثبة سيبلغونها فى اوانها.

 وقد نستمع اليهم رفعا للعتاب أو نزولا عند لجاجتهم، ولكننا نفعل ذلك بأذن شاردة، فلا يخفى ذلك عنهم. فى هذه الأحوال نكون قد أضعفنا من حيث لا ندرى شعور الولد بقيمته الشخصية (لأن تقويمه لذاته مرتبط إلى حد بعيد بتقويم اهله له) وبالتالى أنشأنا عنده عدم ثقة بالنفس قد تترجم انطواء وخجلا.

معالجة الخجل

غير مجد فى معالجة الخجل كما فى معالجة كافة مشاكل الولد أن نركز على الأعراض كسرعة احمرار الوجه أو اضطرابات النطق مثلا. فهذه الأعراض ليست سوى تعبير عن اضطرابات فى الثقة بالنفس والقدرة على اقامة العلاقات الإجتماعية، كما أنها ذرائع تسمح للولد بأن يلبى حاجته العميقة إلى الإحتماء من الأخرين تلك الحاجة النابعة مما يشكو به من تأزم داخلى.

 لذا اقتضى التركيز على جوهر المشكلة أى على هذا التأزم عينه بحيث اذا زال هذا الأخير أو ضعفت حدته واستعاد الولد ثقته بنفسه زالت اعراض الخجل تلقائيا او خفت وطأتها وتقتضى تلك المعالجة الجذرية اتخاذ عدد من المواقف منها :

 

1- محاولة تفهم خجل الولد :

  ويكون ذلك من خلال اعادة النظر فى نوعية العلاقة القائمة بيننا وبين العمل وتطويرها نحو ما يسمح له بإستعادة الثقة بنفسة. ان هذا العمل قد يقتضى الوقت الطويل ليعطى كل ثماره، وانما ينبغى أن نبدأ به بدون تأخير.

 

2- تحاشى ابراز خجل الولد :

 خاصة بشكل علنى فهذا من شأنه أن يعقد المشكلة عوض أن يحلها اذ يرسخ عند الولد شعوره بعجزه كما انه يمعن فى إضعاف ثقته بنفسه وبالتالى يزيد من وطأة الخجل عليه.

 وينبغى بنوع خاص فى هذا المضمار تجنب تعيير الولد بخجله، لأن مثل هذا الولد شديد الحساسية لتعيير الآخرين له، سريع العطب أمامها خاصة اذا صدرت عن اشخاص ذوات دلالة بالنسبة اليه، كالأهل مثلا. فبقدر ما يسخر من احمرارة واضطراب سلوكه، بقدر ذلك يزداد احمرارا ويزداد سلوكه اضطرابا كما أنه ينبغى للأهل أن يتحاشوا لفت النظر إلى خجل ولدهم اذ أنهم بهذا التصرف يركزون الأنظار بالضبط على ما يشكو منه ولدهم ويود لو يحجبه عن الأنظار فيزيدونه هكذا ضيقا على ضيق ويضاعفون بالتالى وطأة الخجل عليه.

 وهذا لا يعنى انكار خجل الولد، انما اعتباره، فى حديث الأهل مع ولدهم، عائقا يمكن مقاومته والتغلب عليه تدريجيا.

 

3- افساح المجال أما الولد لتحقيق التغلب التدريجى على الخجل من خلال نجاحات يحققها أمام الأخرين :

 أى إنجازات فعلية يشهد عليها الأخرون. فالتشجيع الكلامى لا يكفى الولد الخجول لإزالة ذلك النقص العميق فى ثقته بنفسه الذى تغذيه وتبرره تجارب الفشل المتلاحقة فى علاقاته الإجتماعية، لذا فأنه بأمس الحاجة إلى نتائج ايجابية ملموسة ليرد بفضلها شيئا فشيئا الإعتبار لذاته ويؤمن تدريجيا بأمكاناته ويشعر بيسر متزايد فى علاقاته بالمجتمع.

 ومن هنا كان علينا كوالدين أن نتيح له فرص التغلب التدريجى على خجله وذلك بأن نقترح عليه مهاما متفاوتة الصعوبة يتدرج فى مواجهتها وفقا لإمكاناته، وأن نبرز نجاحاته فى كل مرحلة ونهنئه عليها. مع تحاشى فى البداية تلك التى سبق أن فشل فيها.

 واذا اكتشف فى ذاته موهبة لم تستثمر وساعدناه على انمائها وشعر بقدرته على النجاح ولو فى ميدان واحد سيجاهد فى النجاح فى المهام الأخرى,

 

4- توفير الفرص للولد بأن يعبر عن نفسه بشتى الوسائل :

 فهذا ما ينتزعة من انطوائيته ويسمح له بتوثيق علاقاته مع المحيط الخارجى ومن وسائل هذا التعبير عن الذات، ممارسة الهوايات ( الرسم ـ الأشغال اليدوية على انواعها ـ الرياضة على أنواعها ـ التمثيل ..ألخ )

 

5- تشجيع اتصال الولد بأولاد آخرين :

 وذلك من خلال النشاطات اذ أنها يمكن أن تسهل اندماج الولد فى جماعة من اترابه وتفاعله معها، وبالمناسبة ينبغى التأكيد على ضرورة افساح المجال أمام الولد، منذ أول عمره، ليحتك بأولاد آخرين بشكل متواصل، فهذا من شأنه أن يساعد على تأمين شروط النمو السوى له بشكل عام وتفادى الخجل بشكل خاص.

 

Scroll to Top