حرب الشيطان فى الأصوام
فى الحقيقة الشيطان يحارب فى كل الأوقات , سواء كانت أوقات أصوام أو غيرها . ولكنه يركز فى حربه على أوقات الأصوام, أكثر من الأوقات الأخرى, نظراً لقدسية هذه الأوقات , والفوائد التى تعود منها .
أمثلة لحروبه :
1– الضجـــــــر :
الشيطان يحارب فى الأصوام بالضجر من عدة جوانب , ومن بينها :
أ- طول مدة هذه الأصوام , على مدار السنة .
قائلاً للإنسان كثير وصعب عليك أن تصوم ثلثين السنة , وخاصة فى الصوم الكبير الذى مدته 55 يوماً .
وقد يحارب بالضجر فى الأصوام, من جانب آخر , وهى :
ب- درجة الصوم , ونوعية طعامه .
لأن هناك بين أصوامنا درجتين فى الأصوام, وبناء عليها تتوقف نوعية الطعام . وعلى سبيل المثال : أصوام الدرجة الأولى : وتنحصر فى أربعة أصوام , على مدار السنة , وهم كالآتى : ( صوم برامون الميلاد والغطاس – صوم نينوى – الصوم الكبير – صوم الأربعاء والجمعة على مدار السنة , بإستثناء الخماسين المقدسة ) , وفى هذه الأصوام لا يؤكل السمك إطلاقاً .
أصوام الدرجة الثانية : وهم ثلاثة أصوام , طوال السنة , ومثال : ( صوم الميلاد –
صوم الرسل – صوم العذراء ) . وفيهم يؤكل السمك , بإستثناء يومى الأربعاء والجمعة , فى كل صوم منهم . وإذا كان هناك أحد من الناس سبق ونذر, أن لا يؤكل سمكاً فى أية صوم منهم , خاصة كصوم العذراء . ولكنه يجب أن يتفاهم الإنسان مع أب اعترافه وخاصة فى هذه النواحى , لأنها تتنافى مع قوانين الكنيسة . فسواء حربه كانت باستخدام طول مدة فترات الأصوام ,أو درجاتها , ونوعية طعامها , فكل منها يعالج بالفوائد التى ترجع من الأصوام, وأيضاً بقول الرب الصادق : (( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان , بل بكل كلمة تخرج من فم الرب )) ( مت 4 : 4 ) , ( لو 4 : 4 ) , ( تث 8 : 3 ) .
وإن لم يصلح فى حربه باستخدام هذه الوسيلة أو تلك , قد يحارب بالضجر باستخدام :
جـ- فتـرات الانقطــاع .
وخاصة مع المبتدئين فى الأصوام عموماً , أو مع أصحاب التعود على المشروبات كالشاى والقهوة والسجائر … إلخ , وهكذا مع ذوى الأعمال الشاقة التى تحتاج لمجهود بدنى كطبقة العمال , أو مع كبار السن , والمرضى والأحداث …. إلخ .
كل هذه النوعيات , تحتاج فى أصومها إلى فترات انقطاع مختلفة , وتكون علاجاً لهذه الحروب .
2– يحاربك بأن تصوم عن جانب واحد وتترك الجوانب الأخرى :
وما المقصوم بهذا الكلام ؟ ! المقصود بهذا الكلام يعنى : أن الشيطان يسمح لك بأن تصوم عن الأكل والشرب , ولكن لا يسمح لك بأن تصوم عن الخطية , أياً كان نوعها . وإن جعلك تصوم عن الأكل والشرب, يضعفك أمام النوع الذى تحبه فى كل منهما !!
ومن الجائز فى صومك أن تغير طعام فقط , ولكن لا تنقطع إطلاقاً !!
وإن فشل فى حربه معك فى الأكل والشرب , أو فترة الانقطاع , أو فى الخطية , قد لا يفشل فى حربه بأن لا تصوم عن الحياة الزوجية فى الأصوام , التى ينادى الكتاب بالصوم عنها( يؤ 2 : 16 ) , ( 1 كو 7 : 5 ) .
وبعدم صومك فى هذه الناحية أو غيرها , تكون صمت عن شيئاً معين وشيئاً آخر لا . وبالتالى هنا يكون صومك غير كاملاً , وقد تستفيد منه أو لا تستفيد . ولكن الوضع الصحيح هو أن تصوم عن هذه , ولا تترك تلك ( مت 23 : 23 ) , ( لو 11 : 42 ) .
3– بالتمسك بجانب على حساب الجانب الآخر :
لذلك تجده يجعلك حريصاً على الصوم كوسيطة روحية, ولكنه يهملك صلواتك وقراءتك , وأيضاً جلستك الخاصة مع نفسك , وهكذا تتناولك من الأسرار المقدسة .
ومن حروبه أيضاً فى التمسك بجانب على حساب الجانب الآخر, قد يجعل الإنسان يتمسك بخدمته المسنودة إليه من الكنيسة , على حساب روحياته أو عمله .
وهناك لوناًَ آخر فى حروبه داخل إطار هذه الناحية ,وهو حتى بين الوصايا , والفضائل , والمواهب, والسلوك . فلذلك قد تنجح فى حفظ وصية , على حساب وصية أخرى .أو تقتنى فضيلة معينة , لى حساب فضيلة أخرى . أو تضع نفسك فى موهبة , وهى ليست موهبتك , مع إهمال موهبتك الخاصة .
وهكذا حتى فى السلوك , قد تتمسك بسلوك معين فى الحياة كإنكار الذات والإتضاع , على حساب القيادة والإصلاح … إلخ .
وهدف الشيطان من حروبه فى هذه النواحى وأمثالها, هو عدم الإستفادة الكاملة , لأن التمسك بكل الجوانب يقود للإستفادة الكاملة . فإذاً كن حريصاً من حروبه هذه , وتمسك فى أصوامك بكل الجوانب لا بجانب واحد .
4– عدم لزوم الصوم :
وهذه الحربة قد تأتى عند اقتراب موعد البدء فى الأصوام , أو البدء فيها بقترة بسيطة . بحجة طول فترات الأصوام , على مدار السنة , أو بحجة درجات الأصوام , ونوعية طعامها , وفترات انقطاعها .
ومع ذلك قد يحارب بعدم لزوم الصوم من وراء الظروف الصحية , ونوعية العمل, والسفريات الكثيرة , وأيضاً من وراء مراحل السن , وعدم التعود …. إلخ .
وهناك جوانب كثيرة من خلالها يشعر الشيطان الإنسان بعدم لزوم صومه , وهدفه من وراءها كسر وصية الصوم , وعدم الاستفادة .
وإن فشل فى حربة بعدم لزم الصوم لك , قد لا يفشل فى :
5– تقليل مدته أو تأجيله :
يأتيك مع بدء الصوم , وخاصة فى الصوم الكبير ويعطيك أفكار قائلاً لك : الأسبوع الأول أسبوع استعداد , صوم بعد ذلك . أو يكفى أن تصوم أربعين يوماً من الخمسة والخمسين , تمثلاً بالمسيح فى هذه الفترة . أو يكفى أن تصوم نصف الصوم , أو أقل … إلخ .
وهدفه من هذه الأفكار , هو تقليل مدة الصوم أو تأجيله .
وإن حاربك بهذا الاتجاه قل له : (( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان , بل بكل كلمة تخرج من فم الله )) ( مت 4 : 4 ) , ( لو 4 : 4 ) , ( تث 8 : 3 ) .
وكما يحارب الشيطان الإنسان بهذه الفكرة , قد يحارب بعض الكنائس أيضاًَ .
ومن هنا تجدوا بعض الكنائس الرسولية كالكاثوليك والبعض من الأرثوذكس , قللوا مدة الأصوام بحجة أنها كثيرة , وهذا خطأ , لأنه يعتبر تغيير فى الإيمان , والتقليد المسلم مرة للقديسين ( يه 3 ) , المعترف به لدى بقية الكنائس الرسولية .
ولكن الوضع الصحيح هو أن تظل قاعدة الأصوام المسلمة , باقية كما هى من غير تغير . وإلى جوارها يوجد الحِل الكنسى , الذى يستطيع أن يعطى حلاً للبعض من هذه القاعدة , تحت ظروف معينة .
وهناك أيضاً من يكسر القاعدة, من غير حل, ولكن القاعدة تظل كما هى قاعدة, فمن يعمل بها يعمل, ومن لا يعمل بها لا يعمل , ولكنها لا تتغير ؟ !
لأن التغيير فيها , هو يُعد حرباً من حروب الشيطان , وبُعداً عن القاعدة المسلمة , تحت بند تقليل مدة الصوم أو تأجيله .
ومع ذلك قد :
6– يحارب بالصوم الذى هو أكبر من طاقة الإنسان :
وهذا النوع من الحروب يتم بتطويل فترات الانقطاع , أو بالاكتفاء بنوع معين من الأكل والشرب , وأيضاً بتناول مقدار معين من الطعام الشراب , طوال فترات الأصوام .
وكل هذه الأنظمة تتناوفى مع صحة الإنسان, ومع أصحاب القامات الروحية المختلفة , وأيضاًَ مع مراحل السن , كما أنها تتعارض مع نوعية العمل المختلفة , وهكذا مع النساء الحوامل والمرضعات .
لذلك الناس يحتاجون لأنظمة مختلفة فى أصوامهم, ولا يصلح لهم نظام واحد, نظراً للاختلافات التى بينهم , ومن هنا وضع نظاماً موحداً فى الصوم للجميع لا يصلح أطلاقاً , لأنه يكون أكبر من طاقة الإنسان . لذلك يجب على الإنسان قبل صومه أن يتفاهم مع أب الاعتراف فى هذه الناحية , لأن ليس من حقه أن يسن لنفسه قانوناً فى الصوم من غير مشورته , لكى لا يسقط فى فخ الصوم الذى هو أكبر من طاقته الذى يقوده لعدم الصوم , ويدخل فى دوامة الأمراض , وعدم القيام بمسئولياته .
7– يحارب بالشفقة وجمال الجسد :
وغالباً هذه الحربة يسقط فيها كل من : النساء , وأيضاً الوالدين من ناحية أطفالهم .
ولذلك نجده يهمس فى آذن النساء بالشفقة عليهن , وعلى جمال أجسادهن قائلاً لهن : هل تصمن كل هذه الأصوام ؟! احترسوا لأن اجسادكن سوف تنزل فى أوزانهن, وأشكالكن سوف تتغير , فلا داعى للصوم !!
فلذلك قد لا يصمن, وإن صمن قد لا ينقطعن عن الأكل , وأيضاً قد يتزين حرصاً على جمال أجسادهن .
وإلى جوار حربه للنساء فى الأصوام , يحارب الوالدين من ناحية أطفالهم .
بحجة صغر سنهم ,أو ظروفهم الصحية , أو من وراء تعبهم فى المدرسة والمذاكرة . كل هذه ألواناً من شفقة الشيطان الهدامة .
فلا يجب عليكم كوالدين أن تطيعوها بل ترفضوها, لأنكم لستم مسئولين فقط عن تربية أجسادهم , بل أيضاً مسئولين عن تربية أرواحهم للأبدية .
فلذلك يجب عليكم أن تساعدوا الكنيسة , على تربية أطفالكم تربية مسيحية , قائمة على إرضاعهم لبن الإيمان أو أصول الإيمان . لأن لو سن الطفولة مر من بين أيدينا , من غير تشكيل الطفل , قد نجد صعوبة فى تشكيله فى الكبر , نظراً لدخوله مرحلة البلوغ بكل متاعبها .
إذاً احترسوا من حرب الشيطان , الملفوف بغلاف الشفقة , وجمال الجسد على أطفالكن .لأن الصوم فى جوهرة ليس هو عدم شفقه وإزبالاً للجمال , بل هو الشفقة والجمال بعينه . بدليل أن الله وضع له وصايا فى الكتاب تنص على التمسك به , وتعد هذه الوصايا أقدم وأول وصايا جاءت فى الكتاب ( تك 2 : 16 , 17 ) .
8– تنوع الأطعمة والمشروبات :
وقد تكون هذه الحربة سببها المحبة السابقة الزائدة , للأكل والشرب عند البعض من الناس . أو رد فعل للامتناع عن بعض الأطعمة والمشروبات , خلال الصوم . أو من وراء تحسن الإنسان روحياً .
ومن هنا يحارب الشيطان الإنسان فى الأصوام بتنوع الأطعمة والمشروبات , لكى يفقده الغرض من الصوم . وقد تكون هذه الأطعمة والمشروبات , هى التى كانت تستخدم قبل الصوم , ولكنها إستبدلت من فطارى إلى صيامى , وبعدد أكثر , وبأشكال مختلفة .
9– بالشهوات المختلفة :
وقد تكون هذه الشهوات التى يستخدمها الشيطان كأسلحة لضربنا هى : شهوة الأكل , أو شهوة الغريزة الجنسية , من وراء أنها محللة وهذه بالنسبة للمتزوجين .
وأيضاً قد يحارب فى الأصوام بشهوة التحدث عن النفس , التى يجتذب من وراءها شهوة المديح .
وهكذا يحارب بشهوة الغرور والعظمة ,وشهوة الوصول للرتب ,أياً كان نوع هذه الرتب كنيسة أو غيرها . ومع ذلك قد يحارب فى الأصوام للوصول للمواهب , بأى طريقة وبأى صورة .
وغرضه من هذه الحروب هو ضياع الصوم من غير فائدة . ولذلك يجب على الإنسان الروحى , أن يضبط نفسه فى كل شئ كما قال القديس بولس الرسول : (( كل من يجاهد , يضبط نفسه فى كل شئ )) ( 1 كو 9 : 25 ) .
10- الإحساس بالجوع والعطش والتعب :
وقد يحارب من هذه الناحية المبتدئين فى الأصوام عموماً , ومعهم صغار السن . وأيضاً أصحاب الأعمال الشاقة , والظروف الصحية المختلفة .
وتعالج هذه الزاوية , بالتداريب المختلفة فى الأصوام , مع أب الاعتراف .
11- بالأحلام المخيفة, وغير الطاهرة فى هذه الأوقات:
وعلى سبيل المثال قد يهجم على الإنسان وهو نائم , بأحلام مخيفة فى صورة وحوش , أو ثعابين , أو بأصحاب أجسام ضخمة مخيفة , وكل منها يريد الفتك بالإنسان لولا حفظ الرب له .
كما أنه يحارب فى الأصوام بالأحلام غير الطاهرة, من خلال تذكارات قديمة , أو مناظر عارية دنسه , تقود الإنسان للخطأ وهو نائم , وهذه الأحلام سواء كانت مخيفة , أو غير مخيفة , أو غير طاهرة . يهدف الشيطان من وراءها , تعب الإنسان وتدنيسه , وتقليلاً من قدسية الصوم , وفوائده للإنسان.
ومن الملاحظ على الشيطان فى حروبه مع الإنسان , إنه لا يمشى على وتيرة واحدة معه , بل يعكسها أو يغيرها بين الحين والآخر .
ومن هذا المنطلق , يترك حربه بالأحلام المخيفة وغير الطاهرة , وقتاً من الزمان :
12– ويحارب بالغرور , والرؤى المقدسة , وقتاًً آخر :
وحربه بالغرور والرؤى المقدسة قد تحدث حسداً من الإحساس بفوائد الصوم , وخاصة من هدوء الفكر وضبط الحواس , مع هدوء بقية أعضاء الجسد .
وفى حروبه بالغرور يقول لك : أنت الذى لك سنوات طويلة فى الأصوام , لا حاجة لك إلى صوم هذه السنة , ولا حاجة لك إلى فترة الانقطاع طويلة كبقية الناس , نظراً لقامتك الروحية الكبيرة , ولأن لديك رصيد كبير فى الروحيات عموماً , ممكن تستند أو تستمد منه وقت الحاجة .
ومع هذه الأفكار يظهر لك رؤى مقدسة ليلاً ونهاراً كما قال الكتاب : (( يغير شكله , إلى شبه ملاك نور )) ( 2 كو11 : 14 ) . وللأسف الشديد له أهداف كثيرة من وراء حربه هذه ومن بينها : فقدانك الحرص من الخطية , وتكاسلك فى جهادك , مع ضربك بالتشامخ والكبرياء , ونسيانك ماضيك المحزن فى الشر , مع فقدانك بنداً مهماً فى حياتك اسمه الصوم .
فإذاً كن حريصاً وتمسك بإتضاعك , لكى لا تكون فريسة للغرور ولا للرؤى الكاذبة .
13– يحاربه من الداخل , بتذكار الشر القديم :
الذى فعله وقت ضعفه وسقوطه , وقد يكون قدم عنه توبة صادقة ,ونال عنه غفراناً ومحواً من لدى الرب . وبالرغم من هذا يريد الشيطان أن يعكر هدوء وراحة الإنسان الداخلية ,التى حصل عليها بالصوم . وذلك بواسطة تحرك وأحياء هذه التذكارات داخلياً , فى أية وقت وبأى طريقة .
14– تشكيكه فى وضع الصوم كنظام روحى , ومن الكتاب المقدس :
وللأسف الشديد هناك آيات فى الكتاب , يمسكها الشيطان ويفسرها للناس تفسيراً خاطئاً ( 1 تى 4 : 1 ) , هادفاً من وراءها التشكيك فى وضع الصوم كنظام روحى , ومن بينها قول الرب :
أ- (( ليس من يدخل الفم ينجس الإنسان , بل ما يخرج من الفم ينجس الإنسان )) ( مت 15 : 11) .
وللعلم هذه الآية لا علاقة لها بالصوم !! ولكن الشيطان يفسرها للناس إنها على الصوم !!
وهذا تفسير خاطئ , لأن الرب قال هذه الآية رداً على سؤال الكتبة والفريسيون , وقت أن سألوه قائلين : (( لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ , فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزاً )) ( مت 15 : 2 ) .
ب- وهناك آيتان يمسكهما الشيطان , ويحارب بها فى الصوم قائلاً للناس : (( كل ما يباع فى الملحمة كلوه , غير فاحصين عن شئ من أجل الضمير …. وكل ما يقدم لكم كلوا منه غير فاحصين , من أجل الضمير )) ( 1 كو 10 : 25 , 27 ) .
فى الحقيقة الكتاب وقت أن قال : (( كلوا غير فاحصين …. ومن كل ما يقدم لكم …. )) لا يقصد منه عدم الصوم , أو فى أيام الأصوام , إنما يقصد فى أيام الأفطار , المسموح لنا أن نأكل فيها من كل ما يباع فى الملحمة … مع كل ما يقدم لنا . إن لم نعلم أن هذا مذبوح لوثن , ولكن إن علمنا أن مذبوح لوثن , لا نأكل منه طاعة لوصية الرب ( 1 كو 10 : 27 , 28 ) .
جـ- وأيضاًَ من الآيات التى يمسكها الشيطان لمحاربة الصوم كنظام روحى , قول معلمنا بولس الرسول : (( كل الأشياء تحل لى , لكن ليس كل الأشياء توافق . كل الأشياء تحل لى , لكن لا يتسلط علىّ شئ )) ( 1 كو 6 : 12 ) .
وقوله هذا لا يفهم منه عدم لزوم الصوم فى الحياة الروحية , إنما يفهم منه أن كل الأشياء تحل للإنسان , فى حالة عدم تعارضها مع الصوم , وتسلطها على الإنسان .
د- وإلى جوار هذه الآية , توجد آية أخرى شبيهه أو مماثلة لها , ويستخدمها الشيطان كأداة لضرب الإنسان , وهى قول الرسول : (( كل الأشياء تحل لى , لكن ليس كل الأشياء توافق .
كل الأشياء تحل لى , لكن ليس كل الأشياء تبنى )) ( 1 كو 10 : 23 ) .
وهذه الآية لا يقصد منها الرسول الاستغناء عن الصوم , إنما يقصد منها أن كل الأشياء تحل للإنسان فى حالة إذا كانت غير مذبوحة لوثن ( 1 كو 10 : 27 , 28 ) , وتتفق مع الصوم , أيضاًَ .
هـ- ومع ذلك الشيطان قد يطعن لك فى الصوم , من نص الكتاب القائل : (( الطعام لا يقدمنا إلى الله , لأننا إن لم نأكل لا نزيد , وإن لم نأكل لا ننقص )) ( 1 كو 8 : 8 ) .
بلا شك هذا النص الكتابى لا علاقة له بالصوم إطلاقاً !! فكيف يستخدمه الشيطان للطعن
فيه ؟ ! وإنما هذا النص قيل لمعالجة مشكلة , الذين يأكلون ما ذبح للأوثان ( 1 كو 8 ) .
و- وإن فشل الشيطان فى حربه بالنصوص السابقة , يحارب بهذا النص : (( مانعين عن
الزواج , وآمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله , لتتناول بالشكر مع المؤمنين وعارفى
الحق )) ( 1 تى 4 : 3 ) .
معروف أن هذا النص من النصوص المهمة التى يفسرها الشيطان للناس , بأن الصوم منع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بشكر .فى الحقيقة صدق الكتاب وقت أن سبق وقال أن هذه التعاليم هى : (( تعاليم شياطين )) ( 1 تى 4 : 1 ) .
لأن الكتاب جاءت فيه آيات كثيرة تحث على الصوم ( يؤ 1 : 14 ) , ( يؤ 2 : 15 ) , ( مت 9 : 15 ) , ( مر 2 : 20 ) , ( لو 5 : 35 ) . وأيضاًًَ نحن فى الكنيسة لا نمنع الزواج ,ولا نمنع أطعمة معينة عن الناس , بدليل أن فى الكنيسة توجد البتولية ( إش 56 : 4 – 6 ) ,( مت 19 : 12 ) , ( 1 كو 7 : 32 – 34 ) , إلى جوار الزواج ( تك 2 : 24 ) ,( مت 19 : 5 , 6 ) , ( مر 10 : 7 – 9 ) , ( أف 5 : 32 ).
وتوجد أيضاً أيام الأصوام والنسك , وإلى جوارها أيام الإفطار المسموح فيها بأكل كل شئ
( مت 9 : 15 ) , ( مر 2 : 19 , 20 ) , ( لو 5 : 34 , 35 ) .
إنما هذه التعاليم التى يستند عليها الشيطان , هى تعاليم بدعة ظهرت فى بداية المسيحية , وقاومتها الكنيسة الأولى , وتقاومها أيضاً كنيستنا , ومعها أيضاً بقية الكنائس الرسولية .
ز- وهكذا من سفر الأعمال قد يطعن الشيطان فى الصوم , من قول الرب لبطرس الرسول :
(( قم أذبح وكُلْ . فقال بطرس كلا يارب , لأنى لم آكلْ قط شيئاً دنساً أو نجساً . فصار إليه أيضاً صوت ثانية ً, ما طهره الله لا تدنسه أنت )) ( أع 10 : 14 , 15 ) .
لو رجعنا لهذا الإصحاح لوجدنا أن هذا الحديث الذى دار بين الرب وبطرس الرسول ,
لا علاقة له بالصوم كلياً . إنما أراد الرب منه أن يصحح أو يساوى نظرة بطرس للأمم كاليهود , لأنه كان ينظر إليهم نظرة أقل منهم .
والذى يثبت ذلك هو قول بطرس الرسول , وهو فى بيت كرنيليوس , قال له وللذين معه :
(( أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودى , أن يلتصق بأحد أجنبى أو يأتى إليه ؟ وأما أنا فقد أرادنى الله , ألا أقول عن إنسان ما , أنه دنس أو نجس )) ( أع 10 : 28 ) .
ح- وفوق كل هذه الاعتبارات يشك فى الصوم الجماعى كنظام عام, معطياً أفكار للناس أنه لوناً من الظهور, لكى لا يصوموا الناس ومصدقاً على ذلك بقول الرب : (( ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين , فإنهم يغيرون وجوههم لكى لا يظهروا للناس صائمين , الحق أقول لكم قد استوفوا أجرهم . وأما أنتم فمتى صمت , فأدهن رأسك وأغسل وجهك . لكى لا تظهر للناس صائماً , بل لأبيك الذى فى الخفاء , فأبوك الذى فى الخفاء يجازيك علانية )) ( مت 6 : 16 – 18 ) .
وبالرغم من وجود هذا النص الكتابى , لا يجب أن تصدقوا هذه الأفكار , لأنها لوناً من حرب الشيطان , ومع ذلك من الممكن علاجها . لأنه لا علاقة لهذا الكلام بالصوم الجماعى , لكن الرب له المجد أراد منه أخفاء الصوم لا ظهوره . والخفاء فى الصوم لا يتعارض مع الصوم الجماعى . لأن الخفاء فى الصوم ينحصر فى : فترة الانقطاع , ونوعية الطعام , وكمية الأكل .
وهناك أصوام جماعية ذكرها الكتاب وتعد كأنظمة , لم يكن فيها أدنى لوناً من الظهور ,
ولم تتعارض مع عنصر الخفاء فى الصوم , والرب طالب بها وقبلها , ومن بينها :
صوم الشعب اليهودى فى أرض السبى , على أيدى عزرا الكاهن والكاتب ( عز 8 : 21 – 23 ) , وصوم الشعب بعدما رجعوا من السبى بقيادة نحميا ( نح 9 : 1 , 2 ) .
وأيضاًَ صوم الشعب فى أرض السبى , ثلاثة أيام , بقيادة أستير الملكة ومردخاى ( أس 4 : 16 , 17 ) , ( أس 5 : 1 ) , وهكذا صوم شعب نينوى ( يون 3 : 5 ) , وصوم الكنيسة الأولى على أيدى الرسل ( أع 13 : 2 , 3 ) .
ط- وإن ضاعت من يديه فرصة مقاومة الصوم الجماعى , يقاوم بجانب الخفاء فى الصوم مستنداً على قول الرب : (( لا تظهروا للناس صائماً , بل لأبيك الذى يرى فى الخفاء . فأبوك الذى يرى فى الخفاء , يجازيك علانية )) ( مت 6 : 18 ) .
وبناء على هذا القول يعطيك أفكاراًً بأن تأكل وتشرب , لكى لا يعرف الناس صومك ولا يضيع أجرك . وبهذه الطريقة يكون على الأقل فقدك فترة الانقطاع , وكسر نظامك فى الأكل والشرب , إن كان لك نظاماً خاصاًَ . لكن هذا الموضوع لا يعالج بهذه الطريقة , إنما يعالج إذا أمكن فى فترة انقطاعك لا تعطِ مواعيد لأحد من الناس , وبالتالى لا تتعرض لمجاملتهم فى الأكل والشرب .
ومع ذلك الخفاء فى الصوم , ليس هو قاصراً على عدم معرفة الناس لصومك , إنما ينحصر فى فترة الانقطاع , ونوعية الطعام , وكمية الأكل .
ى- وفى نهاية النصوص الكتابية , التى يستند عليها الشيطان من الكتاب المقدس ضد الصوم , قول معلمنا بولس الرسول : (( فلا يحكم عليكم أحد فى أكل , أو شرب , أو من جهة عيد , أو هلال ,أو سبت ,التى هى ظل الأمور العتيدة ,وأما الجسد فللمسيح )) ( كو 2 : 16 ).
وللعلم هذا النص لا يفهم منه أنه ضد الصوم , ولا أن الصوم هو حكم قهرى ضد الناس , ولا هو من الأمور العتيدة .
ولكن هذا النص قصد منه الرسول , علاج بعض المشاكل التى دخلت للكنيسة , وذلك بواسطة البعض من اليهود الذين دخلوا للإيمان , وأبقوا معهم بعض تقاليدهم الخاطئة , كبعض الأكلات والمشروبات المحللة والمحرمة , والغسلات , والأعياد , وأيضاً الختان , وتسبب من ورائها مشاكل بين صفوف الكنيسة الأولى, ومن هنا الرسول قال : (( لا يحكم عليكم أحد , فى أكل أو شرب …. إلخ )) .
وعقد الرسل لأجل هذه الأمور وأمثالها, التى ظهرت فى الكنيسة الأولى , مجمعاً فى أورشليم سنة 50 أو 51 ميلادية , برئاسة يعقوب الصغير , للنظر فى هذه القضايا , وبعد المجمع قالوا : (( رأى الروح القدس ونحن , أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة . أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا , التى إن حفظتم أنفسكم منها , فنعماً تفعلون )) ( أع 15 : 28, 29 ) .