إيبارشية الفيوم فى التاريخ المسيحى
الفيوم هى إحدى الأقاليم المصرية التى ارتبطت تاريخياً ببعض رجال الله القديسين أمثال أبينا يعقوب أب الآباء، ويوسف الصديق. كما ارتبط اسم الفيوم أيضاً باسم قارون رمز الثراء والثروة التى يأملها الإنسان, فكانت كنوزه مَضرِب الأمثال.
كما تدين الفيوم بالفضل لبحيرة قارون أقدم بحيرات مصر التى عملت على تبديل جدب الصحراء إلى خضرة يانعة، والموت إلى حياة، فكانت واحة الفيوم رمزاً لهبة الله ونعمه، وثمرة لعمل الله فى إيجاد بحيرة قارون فى هذه المنطقة.
ارتبط اسم “الفيوم” بالمسيحية منذ القرون الأولى، فقد وجدت الديانة المسيحية طريقها إلى إقليم الفيوم بعد فترة وجيزة من دخولها مدينة الإسكندرية, وبداية انتشارها فى الدلتا وباقى الأقاليم المصرية. يقول الدكتور فتحى خورشيد: “يبدو أن تغلغل الدين الجديد وانتشاره بين أبناء إقليم الفيوم لم يتم بسهولة، وإنما شق طريقاً وسط عداء ومقاومة الحكام الرومان، فليس هناك من شك فى أن المسيحية بدعوتها إلى نبذ الآلهة القديمة (الوثنية) كانت تهدم ركناً أساسياً من أركان البناء الذى تقوم عليه الإمبراطورية الرومانية خاصة وأن رفض العبادات القديمة يعنى رفض قدسية شخص الامبراطور ” وكان نتيجة ذلك أن وقع اضطهاد عنيف على المسيحيين فى سائر الأقاليم المصرية، وكان لمسيحي الفيوم جانباً من هذا الاضطهاد.
لذلك سوف نتناول بالدراسة فى هذا الفصل، التعرف على إقليم الفيوم من حيث تسميته, الناحية التاريخية والجغرافية، كما نتحدث عنها من الناحية المسيحية فى العصر القبطى, من حيث دخول المسيحية, وتأسيس إيبارشية الفيوم واسهاماتها الكنسية والوطنية, مع الحديث عن اللغة القبطية بلهجتها الفيومية، وذلك على النحو التالى
أولا: الفيوم من حيث تسميتها
الاسم المصرى القديم لإقليم الفيوم هو Chedit أو Chdat شِدَت، ويعنى الجزيرة, ذلك لأنه عند تأسيسها كانت تقع فى بحيرة موريس الشهيرة التي أسسها قدماء المصريين. وعرفت باللغة المصرية القديمة باسم Moris أى البحر العظيم, ولأن هذه البحيرة كانت مليئة بالتماسيح, واتخذ أهل الإقليم الإله سوبك Sobek رباً لهم, وكان يصورعلى هيئة تمساح, أو هيئة آدمية برأس التمساح, لذلك كانت تعرف باسمها الدينى Persobek أى مدينة التمساح.
سادت عبادة الإله سوبك في هذا الإقليم, ثم اندمج بعد ذلك مع إله الشمس رع. فصار اسمه سوبك رع Sobek Rea لهذا أطلق عليها الرومان (الاغريق) اسم كروكوديلبولس Crocodilpolis (مدينة التمساح).
كانت الفيوم في بدايتها ضمن الأقاليم العشرين لمصر العليا, ولكنها انفصلت بعد ذلك في العصر البطلمي, [عهد بطليموس الثانى فيلادلفوس] الذي أعاد تجديد إقليم الفيوم واطلق عليها اسم “إقليم أرسينوى” نسبة إلى زوجته (فيلادلف أرسينوى). وأصبح الإقليم يعرف باسم “الأرسينويتى”.
فى العصر القبطى استمدت مدينة الفيوم اسمها من الإسم القبطى Piom يعنى قاعدة البحيرة. وهى تتكون من مقطعين “Pi” تدل على المكان والتعريف والثانى”om” بمعنى البحر أو اليم البحيرة. وقد حرفت فيما بعد إلى Viom فيوم, ثم أضاف إليها العرب عند دخولهم أداة التعريف ” أل ” لتصبح “الفيوم”.
يذكر أبو المكارم فى تاريخه، أن القديس يوسف الصديق عندما كان فى مصر(فى أيام فرعون مصر) بعد تفسيرالمنام (الحلم) له، سلمه خاتم الملك، وسلم إليه تدبير مملكته. فحفر يوسف الخليج (بحر يوسف) ، وجرى ماء النيل حتى وصل إلى أرض اللاهون. فأوصله إلى أرض الفيوم وسقاها، فصار فيه لجة عظيمة.
على أى الأحوال إن كان لايعرف بالضبط متى سمى الإقليم بالفيوم, إلا أن هذه الدراسات تؤكد أن إقليم الفيوم هو إقليم قديم له تاريخه من عصور قبل الميلاد.
ثانيا: إقليم الفيوم من الناحية التاريخية والجغرافية
من الواضح تاريخياً أن إقليم الفيوم له مكانته الكبيرة بين الأقاليم المصرية من حيث موقعها وخصوبة أرضها، وجمال أشجارها، فها هوحاكم إقليم الفيوم الأمير السورى الأصل أبوعثمان النابلسى، بالرغم من الفترة القصيرة التى قضاها، ولم يحمل محبة لأهل المنطقة، نجده متأثراً بغنى وجمال أرض الفيوم متذكراً من خلالها جنائن دمشق. بل أن البعض وصف هذا الإقليم بقولهم “جنة الصحراء”، “حديقة مصر”، “جنة أرضية حقيقية”.
لما حضر أبونا يوسف الصديق جدد إعمارها، وعمل المقاييس وبنى الفيوم وحجر اللاهون، وحفر خليج المنهى (بحر يوسف). كما قسم نواحى الإقليم إلى ثلثمائة وست وستين قرية، على عدد أيام السنة.
لذلك يمكن القول بأن الفيوم تدين بالفضل لأبينا يوسف الصديق الذى قبل زمن سنوات الجفاف, استخدم واحة الفيوم فى الإنتاج الزراعى, حيث قام بزراعتها بالمحاصيل البقولية, وأعد طريقاً من الفيوم إلي الإسكندرية بجوار بحيرة قارون. وهذه المحاصيل الكثيرة تم تخزينها لمدة سبع سنوات, واستخدمت في سنوات الجفاف.
بنى أمنمحات الثالث بإقليم الفيوم هرمه ومعبده الجنائزى، الذى أطلق عليه الإغريق والرومان اسم “اللابيرنث”. والذى يرجع السبب الرئيسى فى شهرته بعد مماته بما يزيد عن ألفى عام إلى اسمه الملكى “نى ماعت رع”، الذى نطقه الإغريق “مارس” وصار لقبه فيما بعد. وهو القريب من اسم بحيرة موريس، مما يجعل هناك اعتقاد خاطئ بأنه هو الذى حفرها.
فى العصر الفارسى حتى العصر البطلمى لقي إقليم الفيوم اهتماماً بتجديد أراضيه، على أيدى الحكام، حيث عمد الفرس والبطالمة إلى تقليل الماء الوافد إلى البحيرة وتجفيفها تدريجياً للاستفادة من أراضيها الخصبة. ولعل هذا يفسر سر وجود معبد قصر قارون الرومانى الذى كان مبنياً على ساحل البحيرة بمستوى ينخفض عن مستوى النهر بمقدار 72 قدماً، وأن رصيفها النهرى ينخفض عن مستوى سطح النهر بمقدار 87 قدماً. وقد استمر مستوى سطح البحيرة فى الانخفاض حتى صار الرصيف المذكور على ارتفاع 130 قدماً وصارت مياه النيل تصب فى البحيرة من ارتفاع 200 قدماً.
الفيوم من حيث موقعها الجغرافي
تقع محافظة الفيوم فى الجنوب الغربى للقاهرة وتبعد عنها مسافه 90 كم, يستمد مياهه من ترعة بحر يوسف التى تخرج من النيل عند ديروط (شمال أسيوط وأحد مراكز المحافظة) وتصب فى النهاية فى هذا المنخفض. لذلك يمكن القول أن محافظة الفيوم واحة جميلة فى صحراء مصر الغربية تتاخم وادى النيل أرضها المنخفضة عن مستوى نهر النيل باثنى عشر قدماً، أى بما يسمح لمياه النيل أن تنتشر من خلال الترع والقنوات والخلجان حتى تصل إلى البحيرة التى تنخفض بدورها عن نهر النيل بما يزيد عن 200 قدم، وعن مستوى سطح البحر بمقدار 130 قدماً.
تبلغ مساحة إقليم الفيوم, حوالى 6068كم2 أى حوالى40 ميلاً إذا تغاضينا عن وادى الريان الذى لم يكن له أى علاقة جغرافية بإقليم الفيوم عبر التاريخ. وذلك لأن الأرض الفاصلة بين الواديين وادى الفيوم ووادى الريان أعلى من مياه النيل بمقدار 100 قدم.
كما أن الدراسات الجيولوجية تبين أن حوض الفيوم كان عبارة عن بحيرة متسعة متصلة بوادى النيل بواسطة مجرى عريض، كما توجد بعض الطبقات السميكة من طمى النيل مختلطة مع الرمال الناعمة، يبلغ سمكها فى بعض المناطق 20 قدماً، وفى مناطق أخرى عشرة أقدام.
مع تناقص مياه النيل وندرة الأمطار ضاق المجرى الواصل بين النيل والفيوم, إلا أنه كان كافياً لغمر المنخفض بالمياه. كما أن الترسيب بقاع النيل كان يرتفع بمعدل أربع بوصات كل مائة عام تقريباً مع ثبات كمية المياه. ولما كان منسوب قاع النيل الآن ينخفض عن أعلى فيضان بقدر 14 قدماً، وسطح المياه فى المنطقة التى يدخل منها للفيوم ينخفض بقدر 12 قدماً. فمن المؤكد أن منخفض الفيوم استمر يستقبل مياه الفيضان طول عصر الدولة القديمة مثلما كان الحال فى العصور السحيقة. ولاشك أن هذا الفيضان أكسب أرض الفيوم خصوبة أكثر من غيرها، فضلاً عن وفرة المياه عقب الانحسار, وفى مواسم التحاريق. هذا لفت أنظار واهتمام الملوك الفراعنة بهذا الإقليم, لذلك نجد أن الفيوم قد شهدت أوج ازدهارها فى عهد أمنمحات الثالث، فكانت مركزاً لعبادة “سوبك” الذى كان يرمز له بالتمساح. وظلت عبادته قائمة طوال العصرين اليونانى والرومانى. وقد وجد بقاياه الأثرى الدكتور لبيب حبشى, فى أطلال المدينة القديمة المعروفة حالياً باسم كيمان فارس.
ثالثا الفيوم فى العصر المسيحى
كان من أهم الأحداث التاريخية فى أوائل العصر الرومانى هو ظهور البشارة المسيحية على يد القديس مارمرقس الرسول فى منتصف القرن الأول الميلادى فى مدينة الإسكندرية, حيث الديانة الفرعونية القديمة, والديانات اليونانية بكل آلهتها, وكذلك العبادة الرومانية التى أدخلها الرومان بآلهتها الكثيرة بزعامة جوبيتر كبيرآلهة الرومان. هذا بجانب الديانة اليهودية بأنبيائها وناموسها وشريعتها الإلهية. والزيارات الكثيرة لهذه الجالية إلى أورشليم, هذا يجعل أنه ليس من المستبعد أن يكون من بين هؤلاء من اعتنق المسيحية, وقد ساعد على انتشار المسيحية في الإسكندرية, ومن بعدها فى الفيوم وجود جالية يهودية كبيرة فى كل من البلدين.
يمضي القرن الأول والمسيحية متمركزة فى الإسكندرية دون سائر الأقاليم المصرية, حتي جاء القرن الثانى الميلادى وانتشرت الكرازة فى مدينة الإسكندرية ومنها إلى باقي البلاد المصرية وعلى الأخص في إقليم الفيوم, حيث توجد عدة دلائل تاريخية وأثرية تبين انتشار المسيحية بين أبناء إقليم الفيوم, وهذا ما نبينه على النحو التالى
1- العثورعلى بعض البرديات المسيحية فى إقليم الفيوم, منها جزء من بردية إنجيل القديس يوحنا يرجع تاريخها إلى النصف الأول من القرن الثانى الميلادى, وهى أقدم وثيقة عرفت حتى الآن, ومحفوظة بالمكتبة Rylands – Monchester كما وجدت أجزاء من إنجيل غير معروف (محفوظ فى المتحف البريطانى), ويرجع تاريخه إلى عام 125– 165م, كما وجدت مجموعة من البرديات Chester Beatty ويرجع تاريخها إلى القرن الثانى الميلادى.
2- هناك بردية يرجع تاريخها إلى (264 – 282م) تحوى خطاباً يبعث به أحد الأشخاص من روما, إلى جماعة المسيحيين بإقليم الفيوم يطلب إليهم أن يجمعوا مبلغاً من المال, ويبعثوا به إلى الإسكندرية حتى يتمكن أن يجده فى انتظاره حين يصل إلى المدينة, ويتبين من أسلوب الخطاب أنه يستعمل لفظ ” إخوانى ” وهو تعبير مسيحى جديد فى ذلك الوقت. وكما يقول الدكتور هنرى رياض فى ذلك ” إذا كنا قد عثرنا على هذه الأجزاء القليلة من البرديات التى تثبت بالدليل القاطع وجود المسيحية (بإقليم الفيوم فى القرون الأولى), فمما لاشك فيه أن هناك العشرات بل المئات من هذه البرديات التى لم يكشف عنها بعد أوالتى تلفت بفعل الزمن, كما يجب ألا ننسى أنه كان هناك مسيحيون لا يعرفون القراءة والكتابة وهؤلاء لم يتركوا أى أثر أو دليل”.
3- فى أوائل القرن الثالث الميلادى (عام 202م) بدأت أول حركات الاضطهاد ضد المسيحية, بطريقة منظمة, وتحت إشراف الامبراطور سبتيمس ساويرس Septimus Severus, حيث أصدر مرسوماً بمنع اعتناق الدين المسيحى. ثم من بعده الامبراطور ديسيوسDeciuus (250م) الذى أصدر شهادة يوقع عليها كل من بلغ سن الرشد رجلاً كان أو أمرأة يثبت فيها أنه قدم القرابين للآلهة الوثنية, بحضور مندوبى الحكومة الرومانية, وقد عثروا فى الفيوم عام 1893م على إحدى هذه الشهادات وصورتها كالآتى (إلى مأمورى الذبائح فى قرية جزيرة اسكندر قرية فيلادلفيا “بطن هريت بالفيوم”) من اوريليوس ديوجنيسAurelius Diogenes بن ستابوس Stabus من قرية جزيرة اسكندر, ش72, بندبة على حاجبه الأيمن. لقد كنت أضحى دائماً للآلهة, وفعلت ذلك الآن فى حضوركم طبقاً للمرسوم ” لقد قمت بالتضحية وسكبت السكائب, وذبحت الذبائح. والتمس أن تشهدوا بذلك والسلام “.
مقدمه اوربليوس سيرس
” أشهد أنى رأيته يقدم ذبيحة ”
اوربليوس سيرس Aurelius Syrus
تحريراً فى اليوم الثانى من أبيب 26 يونيو عام 250م فى السنة الأولى للامبراطور ديسيوس.
4- بالرغم من تلك الاضطهادات انتشرت المسيحية وثبتت, ليس فى الاسكندرية فقط, بل وفى الفيوم والأشمونيين وغيرها, ويظهر تمسك المسيحيين فى الفيوم بمسيحيتهم من خلال الخطابات المتبادلة. فعلى سبيل المثال نجد خطاب (يرجع تاريخه إلى أواخر القرن الثانى أو أوائل القرن الثالث الميلادى) من شخص مسيحى فيومى يعيش فى روما, يرسله إلى أخيه فى الفيوم يقول فيه ” وصلت إلى روما فى الخامس والعشرين من هذا الشهر واستقبلنا السكان كمشيئة الرب.. “وهذه الكلمة لا تصدر إلاعن شخص مسيحى يؤمن بالرب يسوع المسيح”.
5- هناك أيضاً خطاب آخر ـ له قيمته فى إثبات وجود المسيحية فى إقليم الفيوم فى القرون الأولى ـ عثر عليه ضمن البرديات التى وجدت فى الفيوم. فالراسل غير مذكور فى الخطاب, والمرسل إليه هم الأخوة المسيحيون بالفيوم. وقد ذكر فى هذا الخطاب اسم رئيس أساقفة الأسكندرية (264- 282 م) البطريرك مكسيموس Maximus , ولقب بالبابا البطريرك, “والخطاب يتحدث عن ترتيب بعض الشئون المالية, مما يدل على أن الأب البطريرك مكسيموس كان موكولاً إليه إدارة الشئون المالية للطائفة المسيحية الموجودة بالفيوم وقتئذ “.
6- وجود كثير من شهداء الفيوم على سبيل المثال نذكر الشهيد نهرو Nehraw من مدينة بايوط (Baiut) وقد استشهد فى انطاكية ببلاد الشام. والشهيد الأنبا كاو Kaw الذى كان شجاعاً حتى أنه قال للحاكم العام إنه ملحد, وحرمه من الكنيسة. والشهيد مكسميانوس Maximianus المعترف, والشهيدان بانينا و باناوا Panine , Panaw ابنا أحد كهنة الفيوم. وغيرهم من الشهداء والشهيدات والقديسين والقديسات. وقد أفردنا الفصل الثالث من الباب الأول من البحث للحديث عن الشهداء والشهيدات والمعترفين والقديسين والقديسات الذين لهم علاقة بالفيوم.
7- من الأمور الهامة التي تبين قدم المسيحية بإيبارشية الفيوم هو ظهور الحياة الرهبانية والديرية على يد القديس أنطونيوس, فظهرت كثير من الأديرة فى أماكن كثيرة من القطر المصرى, ويرجع جميعها إلى القرن الرابع الميلادى. وفى هذا القرن بالذات, نشأت أديرة الفيوم حيث كانت تتمتع بكل الميزات التى تجعل منها مكاناً صالحاً لنشأة الأديرة حيث الصحارى التى يسكنها المتعبدون. ويذكر السنكسار أن القديس الأنبا انطونيوس كثيراً ما تردد على أديرة الفيوم لكى يقوى من عزيمة الرهبان. وهناك رسالتان أرسلهما القديس انطونيوس إلى الرهبان بإقليم أرسينوى (الفيوم).
8- انتشرت الحياة الرهبانية بإقليم الفيوم, وكثرت الأديرة به, حتي أن الانبا أنطونيوس أوكل رئاسة هذه الأديرة إلى القديس ببنوده رئيس أديرة الفيوم. فنرى مثلاً أن المؤرخ أبا صالح الأرمنى يذكر لنا أنه كان بإقليم الفيوم فى القرنين (11-12) 35 ديراً, وأن عدد الكنائس كان يفوق عدد الأديرة. وكان من أهم الأديرة التى ذكرها أبو صالح الأرمنى دير النقلون (دير الملاك غبريال), ودير القلمون (دير الأنبا صموئيل المعترف), ودير الأنبا اسحق الدفراوى فى اللاهون, ودير الأخوة فى سيلا, ودير السيدة العذراء فى سيلا أيضاً, ودير الصليب فى فانو Fanu. ودير الأمير تادرس, وديرالرسل فى قفلة الزيتون (والديران الأخيران سميا باسمى شهيدين من عصر دقلديانوس.
نخرج من هذا بنتيجة هامة وهى :أن صحراء الفيوم عامة وجبل القلمون بصفة خاصة, كانت موطناً للنساك والجماعات الرهبانية منذ النصف الثانى للقرن الثالث (ابتداء من 250م). كما أن هناك البعض من النساك كان يتنقل مابين الفيوم وسوريا, بخلاف تجوالهم فى الوجهين البحرى والقبلى.
9- من الأمور الدالة على وجود المسيحية بإقليم الفيوم منذ القرون الأولى, المخطوطات التى تم اكتشافها عام 1910م, والتى تعرف بمجموعة مورجان المشهورة, وهى تحوى أقوالاً للآباء, عظات, سير قديسين, وتفسيرات للكتاب المقدس باللغة القبطية. ومن الواضح أن هناك برديات كثيرة تم اكتشافها بالفيوم. فيقول عنها الدكتور هنرى رياض : ” خرج أكثر من ثلث أوراق البردى اليونانية الموجودة فى العالم من أقليم الفيوم, بالإضافة إلى برديات باللغة اللاتينية والفارسية والأمهرية والسريانية “.
10-الكشوف الأثرية لطريقة دفن الموميات من الدلائل أيضاً على وجود وانتشار المسيحية فى
إقليم الفيوم. فيذكر علماء الآثار فى جامعة برجهام عن الاكتشاف الذى تم فى عام 1981م
فى هرم سيلا (هرم المملكة القديمة), ومدافن اليونان والرومان. حيث وجدت مقبرتان
لأشخاص ما قبل المسيحية فى مدافن الجبل, يرجع تاريخها إلى عام 200ق. م, ومدافن
مسيحية يرجع تاريخها حتى عام 800 بعد الميلاد.
من خلال متابعة طريقة الدفن يقول الباحثون إن طريقة الدفن فى مدافن المقابر العمودية ـ التى وجدت فى الشمال الغربى ـ لأشخاص من منتصف القرن الثانى قبل الميلاد حتى منتصف القرن الأول الميلادى, كانوا يجدون الموتى موضوعى الرأس للشرق والأرجل للغرب بحسب اعتقاد قدماء المصريين أن الموتى سوف يقومون من القبور ويذهبون للغرب.
مع بداية النصف الثانى للقرن الأول الميلادى (العصر المسيحى) وجد فى الطبقة الثانية للدفن من القاع إلى أعلى العامود, كل الموتى قد تغير وضعهم 180 درجة فى اتجاه الدفن, فالرأس للغرب والأرجل للشرق. وهذا الاتجاه الجديد للدفن يستمر بدون استثناء إلى أعلى حتى آخر المدفنة. وهذا تمشياً مع معتقدات المسيحيين الأوائل, أن المسيح القائم سيأتى فى مجيئه الثانى من الشرق, وأن الذين ماتوا فى المسيح سوف يقومون من القبور لملاقاته. كما وجد مع الموتي في القبور جرار كبيرة للخمر وكؤوس صغيرة, وهذا يوحي بأنه كانت تقام قداسات (سر الأفخارستيا) من أجل المنتقلين في الإيمان الواحد, كما أن وجودها برهان لوحدانية الإيمان بين الكنيسة والمنتقل, إن هذا التغير الجذرى فى أسلوب الدفن يوحى بتغير ثقافى كبير على الأقل فى هذه البقع من الفيوم, فى النصف الثانى من القرن الأول الميلادى. وهذا الأمر يعنى وصول الإيمان المسيحى سواء عن طريق تحول أهل المنطقة إلى المسيحية أو لهجرة عدد كبير من المسيحيين الذين أبدوا تأثير ثقافى على السكان المحليين.
كما عثرت البعثة على سمكة خشبية صغيرة وجدت مع بعض الموتى قد تكون لعبة أو موديل لسمكة مصطادة من بركة قارون بالفيوم, أو ترمز للإيمان المسيحى لأن كلمة سمكة باليوناني IXQYS هى اختصار لعبارة ” يسوع المسيح ابن الله المخلص “.
كما تدل نتائج الدراسات الباثولوجية الكثيرة فى مقابر هرم سيلا بالفيوم عام 1992م, حيث تم الكشف عن 142 جثة من الكبار والأطفال, فكانت البراهين قوية على استخدام العنف البدنى فى حوالى 24% من الكبار الذين ماتوا, كما هو موضح فى ثقوب الجمجمة مع تربنة, بسبب استخدام آلات حادة مثل السيوف والسكاكين والفؤوس. وكانت هذه الميتات العنيفة موجودة فى الفترة التى توافق القرنين الثالث والرابع, فى الموتى المدفونين بالطقس (النظام) المسيحى أى الرأس ناحية الغرب والأرجل ناحية الشرق. هذا يعنى حدوثه نتيجة اضطهاد المسيحيين فى عصر الأباطرة داكيوس, فاليريان ودقلديانوس. وتعتبر هذه وثيقة أثرية تبرهن تاريخيا على حدوث الاضطهاد من الأباطرة الرومان. لاشك أن كل هذا يؤخذ كدليل على أن هولاء المسيحيين عانوا من المجتمعات العنيفة واستشهدوا ودفنوا كمسيحيين فى القرون الأولى.
رابعاً: تأسيس إيبارشية بأقليم الفيوم
فى الواقع ليس هناك تاريخ محدد يوضح متى اعتبرت الفيوم إيبارشية جديدة لها أسقف. ولكن من خلال الدراسة التاريخية لإقليم الفيوم, ومحاولة التتبع التاريخى لكنيسة الأسكندرية فى القرون الاولى. نجد أن الإجماع العام للمؤرخين أن أول أسقف للفيوم هو الأسقف نيبوس الذى عاش فى حبرية البابا ديمتريوس الكرام البطريرك الـ12, فترة وتنيح فى حبرية البابا ديونسيوس البطريرك الـ14. فلو افترضنا أن الأسقف نيبوس سيم أسقفا للفيوم قرب نياحة البابا البطريرك ديمتريوس (تنيح 19 أكتوبر 230م), وبداية حياة البابا ديونسيوس (سيم بطريركا في 28 ديسمبر 246م), نجد فترة أسقفية الأسقف نيبوس قرابة الـ18 سنة, وهي فترة تجعل أنه من الإمكان قبول أن الأسقف نيبوس كان أحد الأساقفة الذين سامهم الأنبا ديمتريوس في الأقاليم المصرية.
حيث يقول المؤرخ أبو صالح الأرمنى:” أول من قسم (سام أو أقام) أساقفة على بلاد مصر وأعمالها ديمتريوس البطريرك وهو فى العدد الثانى عشر”.
كما يذكر فى ذلك أيضاً الأسقف إيسيذوروس رئيس دير البراموس فيقول:” اشتهر الأنبا ديمتريوس برسامته لعدة أساقفة وإرسالهم إلى أقاليم مصر وغيرها”.
فى ذلك يقول أيضاً نيافة الأنبا ديمتريوس أسقف ملوى وأنصنا أن البابا ديمتريوس الكرام, اهتم برعاية شعبه بيقظة شديدة, ولمس الحاجة إلى ضرورة سيامة أساقفة تعاونه في رعاية شعبه المتزايد ” إذ لم يكن فى ذلك الوقت أساقفة غيره. فسام ثلاثة أساقفة وبذلك يكون هو أول من سام أساقفة]على الأقاليم المصرية]. كما قام أيضا بسيامة عدد من الكهنة “.
كما أن القائمة التى تحوى أسماء بعض أساقفة الفيوم, والتى نشرها العالم الفريد بودريلارت Alfered Baudrilart وإن كانت لاتعطينا بياناً دقيقاً بخصوص هؤلاء المطارنة والأساقفة, إلا أن القائمة تبدأ بالأسقف نيبوس.
كما يذكر لنا تاريخ الكنيسة عن زيارة البابا ديونسيوس (البطريرك الـ14) إلى إيبارشية الفيوم, حيث قضى بها ثلاثة أيام, عمل خلالها مؤتمر من أجل الرد على بدعة نيبوس أسقفها, واقناع تلاميذه, ومنهم القس كوراسيوس. حيث فرح البابا جداً برجوع واقتناع الشعب بالرأى الأرثوذكسى الصحيح.
لذلك يمكن القول أنه من المرجح أن تأسيس إيبارشية الفيوم, يرجع إلى حبرية البابا ديمتريوس البطريرك الثاني عشر, وأن أول أسقف لها هو الأسقف نيبوس. وبذلك تعد إيبارشـية الفيوم من أوائل إيبارشيات الكرازة المرقسية. وقد ظلت إيبارشية الفيوم قائمة بذاتها إلا أنه فى بعض الأوقات كان يقل عدد المسيحيين بها, فكانت تضم (الفيوم) إلى إيبارشيات أخرى. وظل الوضع هكذا حتى نياحة الأنبا ايساك (1838- 1881م) مطران الفيوم وبنى سويف. وتمت سيامة الأنبا أبرآم (القديس) أسقفاً للفيوم والجيزة فى عام 1181م, وبذلك انفصلت إيبارشية الفيوم والجيزة عن إيبارشية بنى سويف. وبسيامة الأنبا إيساك فى 27/12/1924م, وبذلك رجعت الفيوم مرة أخرى كإيبارشية قائمة بذاتها.
خامسا: إسهامات إيبارشية الفيوم فى خدمة الكنيسة والوطن
كثير من الآباء بطاركة الكرسى المرقسى الخارجين من أديرة برية الفيوم لهم إسهاماتهم الكنسية والوطنية. فعلي سبيل المثال: البابا تيموثاوس الثانى البطريرك الـ26, الذى دافع عن الإيمان الأرثوذكسى ضد المجمع الخلقيدونى وعقيدته.
أيضاً البابا يوحنا الثالث البطريرك الـ40 الذى ساهم فى سد احتياجات الشعب المصرى من المسلمين والمسيحيين, أثناء المجاعة التى حدثت فى عهده, فأمر بطحن كل ما فى مخازن البطريركية من غلال وتوزيعها على الشعب المصرى.
البطريرك كيرلس الثالث الشهير بابن لقلق الـ75 كان من ضمن أعماله البناءة أنه قام بسيامة العديد من الأساقفة, بعد أن ظل الكرسى خالياً لمدة عشرين عاماً وكادت الإيبارشيات كلها تخلو من الأساقفة. ومن أشهر هؤلاء الأنبا بولس البوشى أسقف مصر, الأنبا يوساب أسقف فوة والأنبا خريستوبولس أسقف دمياط. أيضاً اهتمامه بالأقباط المقيمين فى فلسطين فرسم لهم أسقفاً لرعايتهم. هذا بجانب تنظيم القوانين الكنسية, والتي تعرف بأسم قوانين كيرلس بن لقلق.
البابا غبريال الخامس البطريرك الـ88 الذى كان مهتماً بطقوس الكنيسة من حيث وضع الكتب التى تشرح الطقس ومافيها من روعة وجمال.
أيضاً البابا يوأنس الثامن الـ 107 الذى كان مهتماً بتعمير الأديرة والكنائس, بالإضافة إلى وقفته الشجاعة ضد محاولة اقتناص الكنيسة الكاثوليكية لأولاده الأقباط.
نجد إسهامات الأنبا بولس البوشى أسقف مصر فى الدفاع عن الإيمان المسيحى من خلال المناظرات التى كانت منتشرة فى عهده. هذا بجانب المؤلفات الكثيرة التى وضعها فى الطقس والإيمان والعقيدة.
نجد القس بطرس السدمنتى بإسهاماته الفكرية من مقالات وكتب لاهوتية وكتب فى التأملات الروحية, يتحدث فيها عن علاقة اللاهوت بالحياة الروحية المعاشة…الخ.
أيضاً من إسهامات إيبارشية الفيوم من الناحية الفكرية, إسهامات عن طريق المخطوطات ففى دير القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين فى حوالى القرن التاسع, تخرب الدير- أديرة وكنائس كثيرة- بسبب الصراع على الخلافة فى أيام الأخوين الخليفة المستعين (862-866م) والخليفة المعتز (866-869م), وما نتج عنها من تخريب للكنائس والأديرة, ومنها دير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين.
عندما قامت نهضة النساخة فى الدير, خلال الفترة من القرن العاشر إلى الثالث عشر, للتعويض عما فُقد, كان ذلك عن طريق نسخ المخطوطات التى قُدمت من بعض الأفراد أو من الأديرة, وكان من ضمنها على سبيل المثال أديرة الفيوم, حسبما هو واضح من الوقفيات المسجلة على المخطوطات, والتى نتعرف منها كذلك على تاريخ النساخة أو الإهداء. كذلك اسم رئيس دير الأنبا شنودة الذى تمت فى عهده نساخة المخطوطة أو إهدائها.
إلا أن جميع هذه المخطوطات لم تعد موجودة بالدير, بعد أن استولت عليها أشهر المكتبات العالمية.
كذلك أيضاً من إسهامات إيبارشية الفيوم الكنسية, ما هو مبين فى جزء من مخطوط وجد برمال دير النقلون (فى الجانب الشرقى من الدير), مكتوب باللغة القبطية باللهجة الصعيدية, حيث تبين محتويات المخطوط أنها جواب شكر مرسل من الآب البطريرك, لرئيس دير النقلون يشكره على ذهاب رهبان برية النقلون لمساعدة الأنبا خائيل البطريرك الـ56 (من القرن التاسع الميلادى) فى أعمال البطريركية.
كذلك أيضاً من إسهامات إيبارشية الفيوم ماحدث في أيام الأنبا سرابيون رئيس أديره الفيوم, حيث قضي هو وجماعة الرهبان علي الفقر والتسول في كل المنطقة المحيطة بهم, من خلال إعالة كل الفقراء بالمنطقه, حتى أنه كان من النادر وجود أى شخص محتاج يعيش بالقرب من الأديره بالفيوم. بل أمتد ذلك إلى كل القطر المصرى.
سادساً: الفيوم واللغة القبطية
اللغة القبطية هي الصورة الأخيرة من تطور اللغة المصرية القديمة. فاللغة المصرية هي لغة الفراعنة التى استعملوها منذ فجر تاريخهم أى حوالى 3400 سنة ق . م. وكانوا يكتبون لغتهم بثلاثة خطوط هى
1- الخط الهيروغليفى كانوا يكتبون به على الأحجار والمعابد والمسلات. 2- الخط الهيراطيقى كان خاصاً بالكهنة. 3- الخط الديموطيقي كان يستخدمه عامة الشعب فى كتابة عقودهم وخطاباتهم ووثائقهم. وسادت الكتابة الديموطيقية منذ الأسرة الخامسة والعشرين، واستمر استعمالها حتى القرن الرابع الميلادى.
عندما استولى الإسكندر الأكبر على مصر أصبحت اللغة اليونانية هى اللغة السائدة نتيجة استخدامها بين الشعب قبل استخدام الديموطيقية فى الكتابة، وعمد القبط إلى كتابة اللغة المصرية بحروف يونانية، ولكن بطريقة فردية فكانت هذه هى بداية اللغة القبطية التى استعملها الأقباط المسيحيون في القرون الأولي، وكانوا يتخاطبون بها، ويكتبون بها خطاباتهم، ويؤدون بها صلواتهم. وكان ازدهارها فى القرنين الرابع والخامس الميلادى.
كانت اللغة القبطية لها عدة لهجات البحرية والصعيدية (الطيبية نسبة إلى طيبة) والإخميمية والفيومية. التى انبثق من بعضها عدد من اللهجات الفرعية.
اللهجة الفيومية في اللغة القبطية
من الواضح أن شعب الفيوم كأحد شعوب مصر كان يستخدم اللغة القبطية بلهجة خاصة، هى اللهجة الفيومية. ويشار فى الكتابات إلى هذه اللهجة بالحرف “ف” على اعتبار الحرف الأول من كلمة “فيومى”. بالحرف “F ” فى المراجع الأجنبية, وكانوا يطلقون عليها فى مطبوعات القرن التاسع عشر اسم اللهجة البشمورية, وهى تسمية غير صحيحة.
يذكر الدكتور هنرى رياض، أنه وجد على إحدى برديات Chester Beatty جزء من سفر أشعياء النبى وله ترجمة باللغة القبطية (كما هى معروفة الآن). فهذا دليل على أن مصرياً مسيحياً فى منتصف القرن الثالث حاول ترجمة النص اليونانى للغة الأصلية, وبذلك ظهر الإنجيل باللغة القبطية ابتداء من النصف الأول من القرن الثالث وكان بدء ظهوره فى الوجه القبلى حيث كانت اللغة اليونانية أقل انتشاراً والعنصر المصرى هو الغالب.
المرجح أن الشعب القبطى الفيومى كان محافظاً على اللغة القبطية بلهجته الخاصة بالإقليم والتى تعرف ـ كما ذكرنا ـ باللهجة الفيومية واستمر هذا الوضع حتى زمن البابا يوساب البطريرك الـ52، وكان هذا واضحاً بين الرهبان، وفي ذلك يذكر الأستاذ نبية كامل عن راهب عاش بدير القلمون جنوبى الفيوم كان يترجم إلى اللغة القبطية الفيومية. فيقول ” أن أن ووجد فى زمن البابا يوساب الـ52 من يستطيع أن يقرأ القبطية الأولى (الديموطيقىأوالهيراطيقى) فى شخص راهب عاش بدير القلمون جنوبى الفيوم وقام فى أول توت عام 225عربية هجرية – 30 أغسطس 840 م, بترجمة كتابة بها إلى العربية. ويذكر المقريزى هذا عن القاضى أبى عبد الله محمد بن سلامة القضاعى (الذى عاش فى منتصف القرن 11م) عن بعض الرواة له : حدثنى رجل من عجم مصر من قرية من قراها تدعى قفط, وكان عالماً بأحوالها وطالباً لكتبها القديمة ومعادنها. قال: وجدنا فى كتبنا القديمة إن قوماً احتفروا قبراً فى دير أبى هرميس فوجدوا فيه ميتاً فى أكفانه وعلى صدره قرطاس ملفوف فى خرق فاستخرجوه من الخرق, فرأوا كتاباً لا يعرفونه وكان الكتاب بالقبطية الأولى فطلبوا من يقرأه لهم, فقيل إن بدير القلمون من أرض الفيوم راهباً يقرأه, فخرجوا إليه فقرأه لهم. وكان فيه: كتب هذا الكتاب فى أول سنة من ملك دقلديانوس الملك (فى عام 284م) وإنّا استنسخناه من كتاب نسخ فى أول سنة من ملك فيلبس الملك (القرن 4 ق.م) … وأن هذا الكتاب مترجم من القبطى إلى العربى, فى أول يوم من توت وهو يوم الأحد سنة 225 من سنى العرب.
سابعاً: دراسة حول الشعب المسيحى فى الفيوم
لكى تكون هناك دراسة حول الشعب المسيحى فى إيبارشية الفيوم, فإن الدراسة التحليلية للوثائق التى تذكر مواقف وتصرفات تبين طبيعة الشعب المسيحي الفيومي، وهذا يتبين من خلال الدراسة الآتية
أولاً : هناك خطاب عثر عليه ضمن برديات اكتشفت بالفيوم ترجع إلي عام 264 – 282م يتحدث عن أحد الاشخاص المسيحيين الذى أرسله من روما إلى مسيحى إقليم الفيوم. فهذا الخطاب يبين لنا حياة الشركة والوحدة والتعاون بين المؤمنين أعضاء الجسد الواحد بإقليم الفيوم. كما أن الخطاب يظهر أيضاً أن الكنيسة المحلية بإقليم الفيوم كانت على اتصال بالكنيسة الأم بالإسكندرية ممثلة فى البابا البطريرك. كما أنه من الواضح أن هناك إيبارشية تأسست بالفيوم لها أوقافها وتدبير شئونها المالية.
ثانياً : هناك رسالة أرسلها البابا ديونسيوس الـ 14بعد عودته من الفيوم يتحدث فيها عما دار فى إيبارشية الفيوم حول مناقشة بعض الآراء التى كانت للأسقف نيبوس وبعض الأتباع حول ملك الألف سنة.
قال البابا ديونسيوس عن شعب الفيوم بعد اجتماعه معهم:” إنه ليسرنى جداً أن أعلن على رؤوس الأشهاد ماشاهدته فى هؤلاء الأخوة من الثبات والإخلاص والمحبة والذكاء عندما بدأنا بالبحث فى هذا المعضل وكيف أنهم تبادلوا الآراء وتناقشوا فى الأسئلة والأبحاث بروح الاعتدال والهدوء إذ تجنبنا بقدر الإمكان الإصرار على صحة الأفكار التى تتفق معنا ولو ثبتت صحتها قبل أن نفحصها جيداً ونمتحنها كثيراً. كما أننا لم نصرف جهدنا فى المصارعات والمماحكات بل سعينا جهد استطاعتنا فى ألاّ نشذ عن الموضوع الذى نتناقش فيه ولا أن نتركه إلى غيره قبل أن نبت فيه حكماً نهائياً “.
من خلال الرسالة السابقة يمكن أن نتفهم أهم الخصائص الفكرية والروحية لشعب الفيوم فى فكر البابا ديونسيوس الاسكندرى
1- إنه شعب مخلص محب للكهنوت ورئاسة الكنيسة, فيقول البابا ديونسيوس: ” كما يسرنى مابدا من أبنائى أهل أرسينوى إذ نسبوا نقد للبدعة الألفية إلى الإخلاص الأبوى”.
2- يتصف بالذكاء والحنكة في تبادل الآراء ومناقشتها, كما يتبين من نص الرسالة السابق ذكرها.
3- البحث عن الحق بروح الاعتدال والهدوء، والبعد عن الإصرار قبل أن يفحص الفكر جيداً.
4- من الخصائص الفكرية لشعب الفيوم أنه يتصف بالمناقشة الموضوعية والبعد عن تشعب الأفكار بعيداً عن موضوع المناقشة والإخلاص.
5- الجرأة والاخلاص في اعلان الحق وهذا مايبينه البابا ديونسيوس فى رسالته أيضاً حيث يقول: ” ومما يسرنى أن أبنائى حين وقفوا على ماهم فيه من خطأ أعلنوا ذلك جهاراً فى غير حياء ولا تردد. وكان فى طليعة المعترفين بخطأهم كوراسيوس الكاهن الذى أقام المثل الحى الدال على إخلاصه للحق”.
تاريخ الأديرة القبطية القديمة بإقليم الفيوم
شهد إقليم الفيوم ـ وكان يعرف باسم منطقة أرسينوى ـ نهضة رهبانية كبيرة بداية من القرن الثالث الميلادى, وأوائل القرن الرابع.
فكانت هذه المنطقة عامرة بالرهبان, ولاشك أنهم كانوا يستخدمون المخطوطات فى عبادتهم, ودراساتهم للعلوم الكنسية. ومما يؤكد ذلك المخطوطات التى اكتشفت فى برية الفيوم سنة 1910م, وتعرف بمجموعة مورجان الشهيرة, والتى تشمل على ستة وخمسين مجلداً ضخماً كتبت باللغة القبطية الصعيدية, وتحوى أقوالاً للآباء وعظات, وسير قديسين وتفسيرات للكتاب المقدس. وتوجد نسخة من هذه المجموعة فى مكتبة المتحف القبطى بالقاهرة.
نشأة الرهبنة بإقليم الفيوم
أسس الحياة الرهبانية بإقليم الفيوم القديس العظيم الأنبا انطونيوس أب جميع الرهبان فى العالم. وقد ذكر القديس أثناسيوس الرسولى أن القديس الأنبا انطونيوس زار منطقة أرسينوى (الفيوم), “ولكنه لما اضطر إلى عبور ترعة أرسينوى ـ وكان الداعى إلى هذا افتقاد الأخوة ـ كانت الترعة مليئة بالتماسيح, وبمجرد الصلاة دخلها وكل من معه, وجازوا فى أمان”.
لقد أوكل القديس أنطونيوس رئاسة أديرة الفيوم إلى تلميذه القديس الأنبا ببنوده رئيس أديرة الفيوم. إلا أن القديس أنطونيوس كان يتابع أولاده الرهبان بالفيوم من خلال زيارته الثانية لأديرة الفيوم, وأيضاً من خلال رسائله. فقد أرسل رسالتين إلى رهبان أديرة الفيوم, وهما الرسالة السادسة والرسالة العشرين التى أرسلها إلى القديس ببنوده رئيس أديرة الفيوم.
يبدو أنه فى القرن السابع الميلادى كانت أديرة الفيوم ممتدة حتى موقع دير الأنبا صموئيل الحالى بجبل القلمون. وفى ذلك يقول قداسة البابا شنودة الثالث:”يذكرالتاريخ أنه فى القرن السابع الميلادى عندما تفقد البابا بنيامين البطريرك الـ38 منطقة أديرة الفيوم, كان يوجد بها مائة وعشرون ديراً عامرة بالرهبان. أين هى الآن ؟
لذلك نجد فى هذا القرن اهتمام القديس الأنبا صموئيل المعترف بتعمير بعض الأديرة التى خربت فى منتصف القرن الخامس, ولاسيما ديرالسيدة العذراء المعروف بدير الأنبا صموئيل المعترف حالياً.
كما ذكر المؤرخون أسماء أهم الأديرة ببرية الفيوم. فيذكر المؤرخ أبو صالح الأرمنى (من كتاب القرن الثانى عشر), أنه كان يوجد 35 ديراً عامراً بالرهبان ببرية الفيوم. كذلك ورد فى سيرة الأنبا خائيل البطريرك الـ46 (744 ـ 767م) “إنه كان عند إبراهام أسقف الفيوم فى كرسيه 35 ديراً بالفيوم وهو المتولى عليها”, كما أن المؤرخون أبى عثمان النابلسى, على باشا مبارك, والقمص عبد المسيح المسعود ذكروا أسماء أهم أديرة الفيوم.
كما يشير الدكتور لبيب حبشى والدكتور ذكى تاوضروس عن أديرة الرهبنة فى إقليم الفيوم:” إلى جانب هذه]الرهبنة فى نتريا والبرية الشرقية وبرية شيهيت[ قامت جماعات رهبانية كثيرة انتشرت فى كل نواحى مصر, وكان أهمها تلك التى وجدت بجوار سقارة وبابليون والفيوم وأسيوط وأخميم”.
يقول قداسة البابا شنوده الثالث – أطال الله حياته – عن أديرة الاقباط بالفيوم “أن الأنبا سرابيون كان يشرف علي عشرة آلاف راهباً فى منطقة الفيوم. وليس هذا بمستغرب, فلو كان فى كل دير من الـ 35 ديراً 300 راهباً لبلغوا هذا الرقم”.
لقد عانى رهبان الفيوم من الإضطهادات الكثيرة إبان عهد الأباطرة الرومان تارة, وعهد البطاركة الدخلاء الخلقيدونيين تارة أخرى. فيذكر التاريخ أسماء بعض رهبان برية الفيوم نالواً أكليل الشهادة مثل الأب كاو, والأب نهرو فى عهد دقلديانوس. كما يذكر التاريخ عن إضطهاد رهبان الفيوم بيد أخوتهم المسيحيين الخلقدونيين الذين استولوا على كنائس الأقباط في مصر, وحاولوا أن يرغموا كافة المسيحيين عامة, والرهبان على وجه الخصوص, بقبول عقيدة طوموس لاون, ومذهب الطبيعتين, حتى أن المقوقس (الذى كان والياً وبطريركا دخيلآ فى آن واحد) ذهب إلى أديرة الفيوم, وصب جام سخطه على رهبانها لإرغامهم على قبول مذهبه الجديد بالقوة, ولكنهم صمدوا أمام هذا العنف من أجل الحفاظ على الإيمان الأرثوذكسي.
لكى نأخذ فكرة عن هذه الأديرة القديمة سوف نتناولها علي النحو التالى
أولأ : الأديرة القبطية القديمة المندثرة.
ثانياً : الأديرة التى كانت تابعة لإيبارشية الفيوم والآن تتبع إيبارشيات أخرى.
ثالثاً : الأديرة القديمة التابعة لإيبارشية الفيوم حتى الوقت الحاضر.
رابعاً : بعض أديرة تستخدم ككنائس للشعب المسيحى في الوقت الحاضر.
أولاً: الأديرة القبطية القديمة المندثرة
منطقة برية الفيوم كانت عامرة بالأديرة الكثيرة, منها الكثير الذى اندثر, وهم ما يقرب من 34 دير وهم على النحو التالى
يبعد هذا الدير عن دير الملاك غبريال بحوالى كيلومتر من الناحية الشمالية الشرقية من الدير, وهوعبارة عن اطلال لاتتعدى متر. ويوجد بها حفائر تابعة لهيئة الآثار .. واكتشف بالدير بعض أجساد الراهبات. ومجموعة من الخرز والحلى. ومساحة الدير 400 × 200 م وله حرم حوالى2500 م, وعلى سطح هذه المساحة قطع من كسر الفخار.
أما اطلال الكنيسة المتبقى فهى عبارة عن مبانى بالطوب ومستخدم الصخر الطبيعى للمكان كأساس للكنيسة, والضلع الشرقى منها هو أكثر الأضلاع الموجودة.
2- ديـر شـلا
هذا الدير كان يقع بجوار دير الملاك غبريال بجبل النقلون ويذكر معه, ويحد هذا الدير حالياً من الشمال قرية الجًديِّدة بحدود الفيوم وبنى سويف, ومن الجهة الشرقية طريق سدمنت. وقد تم عمل حفائر بهذه المنطقة على نفقة هيئة الآثار, ووجد بها صلبان خشبية ونحاسية, وقطع من الجعران, ومجموعة من الخرز الخشبى, وقطع من القماش والكتان المزخرف.
هناك وثيقة محفوظة بمعهد الدراسات الشرقية بشيكاغو, مؤرخة فى جمادى الأول عام 336هـ الموافق 947م, تقول الوثيقة : أن دير شلا ودير الملاك يشتركان فى ملكية ما تصدقت به توسانه ابنة بسنت ، هذه هى نص الوثيقة التى تبين ذلك.
نص الوثيقة الثالثة
“بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما تصدقة به توسانة أبنة بسنت سد قهد على كنيسة دير النقلون, وميكائل شلا الديرين الذي في الصحراء وهما يعرفان بالنقلون وشلا من كورة الفيوم الغرفة التى طباق قصر دركن ابنت بسنت بحدة وحدوده ونقضة وبنائه وأبوابه وجنينته وجميع مرافقة وطرقة وجميع حقوقة كلها وعلوه, وما اشتملت عليه حدوده واحاطت به جدرانه صدقة لوجه الله عز وجل, بته بتلا لا تريد بذلك شكوراً إلا من الله وحده لا شريك له شهد على اقرار, توسانة ابنت بسنت بجميع ما فى هذا الكتاب شهوداً يعرفونها نفسها وأسمها, وانها فى صحة من عقلها وبدهنا وجواز من أمرها وهي صدقة مقبوضة محوزة, لهذين الديرين بتت بتلا لا رجعه لا رجعه لتوسانة ابنت بسنت فى هذا الصدق ولا, مثنوية إلا وهذه العرفة وعلوها صدقة لوجة الله لهدين الديرين بته, بتلا شهد على اقرار توسانة ابنت سد قهد فى صحة من عقلها وبدنها وجواز من أمرها طائعة راغبة غير مكرهة ولا مجبرة, بلا علة بها من مرض ولا غيره وذلك فى جمادى الأول من سنة ست وثلاثين وثلثماية شهد على ذلك, شهد بولس بن اسمعيل على جميع ما فى هذا الكتاب وكتب شهادته بخطه , شهد يوسف بن اسمعيل على اقرار توسانة ابنت بسنت بجميع ما فى هذا الكتاب وكتب, شهادته بخطه وحسبه الله ونعم الوكيل, صح هذا الوثيقة بحضرة محمد بن عبد الله وذلك فى شهر شوال من سنة ثلاثين وثلثماية.
إلا أن د. فتحى خورشيد يعتقد أن هذا الدير هو مكان دير البنات, الذى سبق الإشارة إليه. ولم يذكر هذا الدير فى قائمة عثمان النابلسى 641هـ / 1243م لكنه أشار إلى بلدة شلا.
3- دير الغنام
هذا الدير يقع بين دير الملاك غبريال ودير القديس الأنبا أبرآم بالعزب ـ فيوم, فى منتصف الطريق أى يبعد خمسة كيلومترات عن دير الملاك. وهذا الدير لا توجد به حفائر نظراً لوجوده فى منطقة عسكرية. وإن كان الجزء الشرقى بيع منه 350 فدان عن طريق الدولة إلى شركات استصلاح ألاراضى.
4- دير أبو الهوايل
يقع دير أبو الهوايل على بعد 3كم من بلدة الناصرية, ويبعد عن هرم سيلا بنحو 5كم تقريباً الذى يقع فى الناحية الشمالية الشرقية. وهو عبارة عن مسافة 74 فداناً.
تم عمل حفائر به على موسمين الأول عام 1986- 1987م, والثانى عام 1988- 1989م, وتم العثور على 350 مقبرة سطحية, طريقة الدفن بهم “الرأس إلى الغرب والأرجل إلى الشرق”, وهو نظام مسيحى. كما تم العثور على مجموعة من الصلبان الخشبية والنحاسية وقطع من الكتان المزخرف ومجموعة من الكاسات الزجاجية المطعمة بالزخارف. وكل هذه المقابر, والصلبان…الخ يرجع إلى العصر القبطى.
5- دير شالوف
عبارة عن مسطح جبلى على مساحة 20000م2 (400م×500م) بمركز أطسا, ولايوجد أى شىء مكتشف بها. ويحد هذه المنطقة من الشرق طريق الفيوم أسيوط الجديد. ومن الجهة الغربية أرض زراعية مسجلة للآثار باسم دير شالوف.
6- دير أبو الليف شمال بحيرة قارون
يقع هذا الدير غرب بحيرة قارون وعلى بعد ثلاثة عشر كيلو متر منها, وله مدخل من ناحية كوم أوشيم, ويبعد عن متحف كوم أوشيم فى الاتجاه الغربى ما يقرب من 110 كيلومتر. والدير كان عامراً بالرهبان فيما بين القرنيين السابع والتاسع الميلادى.
الدير حالياً عبارة عن أطلال يظهر على سطحها قطع من كسر الفخار, ويوجد مغارتان بالمنطقة بهما سبعة كتابات قبطية, وكثيراً مااستعملت إحدى هاتين المغارتين كنيسة, والزيارة صعبة جداً لصعوبة الطريق. ويعرف هذا الدير بمجموعة الكنائس الكبرى, وقد زار هذا الدير فانسليب عام 1672 فى زيارته للفيوم, فيقول: “ذهبت إلى بحيرة قارون ونلاحظ على الجهة الأخرى من البحيرة انقاض دير قديم يدعى دير أبو الليف” ليس به أى عمل من جهة الآثار, لكن يوجد به حراسة من قبل شرطة الآثار.
7- دير حركات المية
يقع هذا الدير بجوار دير أبو ليفا بقرب بحيرة قارون, ويعرف بدير حركات المية, وتعرف هذه المنطقة بمجموعة الكنائس الصغرى. وقد زاره السائح بوكوك Pococke عام 1745. ولايوجد به أى آثار, لكن توجد حراسة للمنطقة.
8- منشوبيات جبل النقلون
اكتشفت هذه المنطقة البعثة البولندية للآثار, وهى مجاورة لمغارات دير الملاك غبريال بجبل النقلون.ووجد فيها كثير من الفخار والفرسكات والبرديات وقد نقلت إلىالمتحف القبطى.
9- أديرة مدينة ماضى
تقع هذه المدينة غرب مدينة أطسا بمسافة عشرة كيلومتر, وفى عام 1966م بدأت حفائر منظمة بواسطة بعثة جامعتى ميلانو وبيزا الإيطاليتين, وتم اكتشاف ثلاث كنائس ترجع للقرن الخامس والسادس الميلادى عن طريق بعثة الآثار الإيطالية, وكل كنيسة تتكون من ثلاث هياكل تتقدم الصحن الذى تظهر فيه آثار الأعمدة التى تكون الصحن الأوسط وحوله الأروقة فى الشمال والجنوب والغرب.وفى إحدى الكنائس يوجد حوض مياه شرقى الهيكل.
كانت هذه المدينة عبارة عن معبد لعبادة الثالوث الوثنى ” زتنوتت ” ربة الحصاد, والمعبود التمساح ” سوبك “, والمعبود ” حورشدت”.
10- دير الحامولى
يقع دير الحامولى غرب مدينة الفيوم على بعد سبعة وعشرون كيلو متراً منها, ويبعد عن مدينة (مركز) أبشواى 16 كم والتى عن طريقها يمكن الوصول إلى الدير.
فى أوائل القرن العشرين1910م أثناء قيام أحد القرويين بجمع السباخ البلدى, اكتشف صندوق من الحجر ـ من الواضح أنه مكتبة ـ يحوى داخله مجموعة كبيرة من المخطوطات تشمل كتب طقسية وسير قديسين وعظات, وقد قام بدراسة هذه المخطوطات العالم Pierpont Morgan بييربونت مورجان, وأشار إلى أنها ترجع إلى عام 822م. وقد نشرت لأول مرة فى العالم عام 1922م فى 56 مجلداً وهى محفوظة الآن بمكتبة مورجان الأمريكية وتعرف باسم مجموعة مورجان. كما وجد بالمنطقة أكوام أثرية توجد على سطحها بقايا أعمدة وكرانيش وأجزاء معمارية.
من خلال حواشى المخطوطات يتبين أنها كتبت بدير رئيس الملائكة ميخائيل أو كتب إلى هذا الدير من أحد أديرة الفيوم الأخرى وهكذا يتبين لنا أنه من المرجح أن الدير كان على اسم الملاك ميخائيل بالحامولى , أما بخصوص البوتريهات الخاصة بدير الحامولى, فأول من جمعها هو أوجست ماريوت, أول مدير للمتحف المصرى بمنطقة بولاق.
11- دير أم البربجات
يقع هذا الدير جنوبى بلدة تطون بمسافة ثلاثة كيلومتر بمركز اطسا, وعلى بعد ثلاثين كيلومتر من مدينة الفيوم, وقد تم اكتشاف الدير عن طريق البعثة الإيطالية 1938م, واكتشفت آثار لكنيستين بهما كتابات قبطية وعربية كثيرة. منها فريسك رائع لآدم وحواء من القرن الخامس موجود حالياً بالمتحف القبطى, كماوجدت فريسكات أخرى ترجع إلى القرن العاشر الميلادى.
12-19 مجموعة أديرة جبل لابلا
ترجع تسمية جبل لابلا إلى راهب كبير سكن فى هذا الجبل, وسمى باسمه حيث أنه لاتوجد بلدة بهذا الاسم, وقد حاولت السيدة آبوت البحث عن هذا الجبل ولم تصل إليه. وهذه الأديرة هى
12- دير لابلا
13- دير ميكروفيون
14- دير أندريا
15- دير ناهاروى
16- دير بطرس
17- دير مهجور
18- دير مباع (1)
19- دير مباع (2)
كل ما نعرفه عن تلك الأديرة ما جاء فى برديتين مكتوبتين باللغة اليونانية, ترجعان إلى بداية القرن السادس ومؤرختين عام 512- 513م وقد عثر عليها الأستاذ قلندرز بترى فى إحدى مقابر هوارة بالفيوم فى ربيع 1889 م فى حالة جيدة وهما عبارة عن عقد بيع ممتلكات خاصة من شخص يسمى ايلوجيوس ابن وتلسس من بلدة أرسينوى (الفيوم). وموضوع البردية الأولى المؤرخة عام 512م يتضمن عقد بيع دير متكامل بكل ما فيه من قلالى ويقع فى جبال لابلا وفيه
1- البائع الراهب ايلوجيوس أرثوذكسى مقيم فى ديرميكروفيون فى بلدة أرسينوى. 2- المشترى قس ملكانى يدعى بيوسس, وحدود الدير من الجنوب جبل دير أندريا, من الشمال دير ناهاروس, من الشرق جبال, ومن الغرب طريق عام أمام دير بطرس.
من هنا نجد أن هذه البردية تحوى أديرة لابلا, ميكروفيون, أندريا, ناهاروس, بطرس, والدير المباع.
البردية الثانية مؤرخة فى عام 513م, وفيها بيع دير آخر بكل قلاليه لراهب من دير ماكروفيون وحدود الدير من الجنوب دير مهجور(غير مذكور اسمه), من الشمال دير ناهاروس, من الشرق الجبل, من الغرب دير بطرس. وبذلك تكون البردية الثانية تشير الى الدير المباع, الدير المهجور.
بهذا يكون مجموع أديرة جبل لابلا ثمانى أديرة, ربما تكون من المنشوبيات التى كانت منتشرة فى القرن السادس الميلادى بوادى النطرون.
كما ان هناك عدة أديرة ذكرها المؤرخ أبو صالح الأرمنى فى خططه التى كتبها عام 1200م, حيث قال أن أديرة الفيوم فى العصر الأموى بلغت 35 ديراً أثناء مطرانية الأنبا أبراهام. الجديد من هذه الأديرة ولم يذكر من قبل هو أربعة أديرة
20- دير الابسطليين
21- دير الصليب ناحية فانو بنقاليفة
22- دير السيدة العذراء ببلدة سيلا
23- دير الأخوة ببلدة سيلا
كما ذكرأبو صالح الأرمنى عدة كنائس لم تذكر من قبل مثل
1- كنيسة العذراء افلاح الزيتون
2- كنيسة أبو يحنس
3- كنيسة الصطير
4- كنيسة الملاك ميخائيل بفانو بنقاليفة
أضاف عثمان النابلسى فى كتابه “تاريخ الفيوم وبلاده” خمسة أديرة
24- دير العامل قبل بلدة العدوة
25- دير موشين هو غير ما ذكر خطأ فى القاموس الجغرافى لمحمد رمزى أنه دير العزب
26- دير أبو شنودة جنوب غرب منشاة أولاد عرفة
27- دير بمويه
28- دير ذات الصفا
كما نجد أن المقريزى فى كتابه الخطط جـ2 صـ505, يذكر ديرلم يذكر من قبل
29- دير أبى جعران يبعد 9 كم غرب اطسا
هو بجوار قرية أبو جندير مركز اطسا, ويذكر هذا الدير أيضاً ابن الجبعان فى التحفة السنية صـ155.
فى كتاب الخطط التوفيقية ذكر على باشا مبارك نقلاً عن أبى صالح الأرمنى … ديران لم يذكرا من قبل وهم
30- دير ديودور أو ثيؤدورس بأفلاح الزيتون, وهذا ينفى القول بأن أفلاح الزيتون موجود بشمال بنى سويف.
31- دير الحواريين بمدينة الفيوم وهو دير الآباء الرسل
32- دير الزكاوة
يذكر أملينو أن الأنبا صموئيل قضى فيه فترة قبل أن يذهب إلى دير النقلون وهو فى منتصف المسافة بين دير الأنبا صموئيل بالقلمون وبين دير النقلون ويقع فى منطقة وادى الريان, وحدود الدير فى منطقة الغرق بمركز اطسا. لم يذكر هذا الدير سوى فى خريطة كتاب وصف مصر, لعلماء الحملة الفرنسية.
33- دير ماربقطر
هو الذى عاش فيه البابا كيرلس الثالث الشهير بابن لقلق, وهذا الدير قد خربه الأتراك.
34- دير فج الجاموس
من خلال أعمال الحفائر التى قامت بها البعثة الأمريكية خلال موسمى فبراير ومارس 1992م, يناير 1994م, تم العثور على دفتات ترجع إلى العصر القبطى, بجوارها قطعة خشبية عليها رسم هندسى يشبه الصليب. كما عثر على ورقة صغيرة مخطوطة متهالكة بالحبر الأسود من الوجهين وبها سطور باللغة العربية وما أمكن قراءته ههنا هو”أحد الزيارات الأدارية لمنطقة بها كنيسة”
كما عثر على سمكة من العاج (وهى ترمز إلى العصر المسيحى), ملعقة بخور من النحاس طولها 6.2سم, وبعض المنسوجات والتصميمات الهندسية وجميعها ترجع إلى العصر القبطى.
ثانيا: الأديرة التى كانت تابعة لإيبارشية الفيوم والآن لا تتبع الإيبارشية
1- دير الأنبا صموئيل بجبل القلمون
2- دير السيدة العذراء – الحمام
3- دير مارجرجس – سدمنت
1- دير السيدة العذراء بجبل القلمون (دير الأنبا صموئيل المعترف)
يعد دير السيدة العذراء من أقدم الأديرة, ويرجع تاريخه إلى النصف الثانى من القرن الثالث الميلادى قبل مجىء الأنبا صموئيل إليه, حيث عاش فيه بعض النساك المتوحدين مثل القديسان بانينا وباناوا. ونظراً لغارات البربرعلى الدير من منتصف القرن الخامس الميلادى, فلم تكن فيه حياة رهبانية حتى عصرالقديس الأنبا صموئيل فى منتصف القرن السابع الميلادى, الذى اهتم بتعميره, حتى وصل عدد الرهبان به إلى مائة وعشرون راهباً, كان منهم الكثير من رهبان جبل النقلون, وظل الدير عامراً حتى القرن التاسع ومن هذه الفترة انقطعت عنه الحياة الرهبانية فترات طويلة خلال القرن الثانى عشر والثالث عشرالميلادى.
يقول فى ذلك ياقوت الرومى فى قاموسه (1179– 1229) إن ديرالقلمون بإقليم الفيوم كان مشهوراً ومعروفاً للناس. كما ذكره أيضاً عثمان النابلسى فى كتابه. كما يذكر المقريزى أن الدير بُنى على اسم الأنبا صموئيل الذى تنيح فى 8 كيهك, مع ذكر وصف لهذا الدير.
فى القرن الخامس عشر تم اختيار البابا غبريال الخامس الـ 88 من دير القلمون (الأنبا صموئيل) كما كان بهذا الدير كثير من السواح. من هذه الفترة هجر الدير حتى أعيد تعميره حديثاً.
التعمير الحديث
يرجع التعمير الحديث للدير, لحبرية القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم والجيزة, حيث انتدب القمص اسحق البراموسى عام 1898ش/ 1938م ـ بعد موافقة البابا كيرلس الخامس ـ لتعمير الدير وهذا ما يتبين من نص خطاب القديس الأنبا أبرآم إلى أبناء إيبارشيته يشجعهم فيه لمد يد المساعدة والاشتراك فى تعمير دير الأنبا صموئيل.
فيما يلى نورد نص الخطاب الأول الذى أرسله القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم والجيزة بخصوص ذلك
“حضرات أولادنا المباركين عموم أقباط المدينة المحترمين.
بارككم الرب, بعد إمدادكم بصالح الأدعية الخيرية والتبريكات الروحية اليوم وإلي الأبد, إنه لايخفى علي جنابكم حالة دير القديس العظيم الأنبا صموئيل الكائن بأرض الغرق فيوم, والتجديد الذى حصل به من أولادنا المباركين رهبان دير البرموس وأنه بواسطة نعمة الله واجتهاد الإخوة حصل فيه الانتظام وأقيمت به الشعائر الدينية بأعمال القداديس اليومية وعلى كل حال فأنهم محتاجون لمد يد المساعدة للاشتراك معهم فى هذا العمل المبرور.
وحيث يتشرف اليوم بقدوم ولدنا المبارك القمص اسحق رئيس الدير المشار اليه نحثكم على تبرعات الخير وقيده بهذه القائمة.
والرب يبارك على جميعكم……..
(خاتم القديس الأنبا ابرآم)
كما أرسل القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم والجيزة رسالة ثانية للقمص اسحق مكسيموس البراموسى, وهى رسالة تشجيع ومساندة له, فى تعمير الدير.ونورد نص الخطاب الذى أرسله القديس الأنبا أبرآم للقمص اسحق مكسيموس رئيس دير الأنبا صموئيل.
(نص الخطاب الثانى)
دارأسقفية الأقباط الأرثوذكس
بالفيوم والجيزة
تحريرا فى 8 برمهات سنة 1630 ش (17 مارس 1914م)
جناب الأبن المبارك المحبوب العابد فى الحق
القمص اسحق مكسيموس
رئيس دير الأنبا صموئيل
أجزل الله الفادى على بنوتكم بركاته وأكثر وأفاض عليكم من رضوانه ونعمائه مايجعلكم تزيدون فى شكره تعالى, فمن الفقير تقبلوا تضرعاته عنكم وتوسلاته بدوام رئاستكم وعمارمجمعكم وكل المجامع المقدسة وحقا ياابنى العزيز كما تعلمون صداقة محبتى لكم أنى بمعونته أرجو لبنوتكم توفيقا دائما وسلاما فى فادينا مستمرا. فالله معكم ويده حامية لكم وعنايته حافظة بنوتكم فى كل تقلبات هذه الحياة الفانية معطياً لكم النصر الدائم والقوة العلوية .. زد يا رب ببركاتك فى عبدك ابنى الحبيب..وحل فى بيتك الجديد بالبركة ودوام العمران وعلاوة على الحل الذى نلتموه من فم الله فنكرره ونؤيده بهذه الطروس حلا مباركا من فم الله ومن فم الفقير سألت الفادى أن يعينكم على اتمام إقامة العبادة فى المحل الذى أعددتموه لها، وأن يديمه عامرا حتى انقضاء الدهر بالبركات والهدوء والراحة والطمأنينة عبادة حية مقبولة عند الله0 فإنى لمسرور بتلك الهمة التى أعددتموها لمجد الله0 أكثر الفادى من اعمالكم الخيرية لمرضاته0 والنعمة والبركة تشملانكم وله الشكر دائما0
(خاتم القديس الأنبا أبرآم)
كما أرسل القديس الانبا ابرآم رساله بركه وتشجيع إلي المؤمنين, يشرح فيها – بصفة ان الدير يتبع إيبارشية الفيوم ـ احتياج الدير إلى التعضيد المادى من عطايا المؤمنين وهذا ما يتبين من نص الرسالة التالية.
(رسالة بركة وتشجيع)
9برمهات سنة1627ش 11مارس سنة 1911م
حضرات الآباء والأبناء شعب السيد المسيح له المجد
السلام لكم من الله أبينا والسيد المسيح فادينا ونعمتة المجانية تشمل جميعنا وبعد فإنه لايخفى على ذكاء حضراتكم أن آباءنا الاولين قد تركوا لنا من المعالم والمعابد والاثار الدينية النفسية الكثيرة ما هو مخلد فيه بطون التاريخ ولكن بسبب كوارث الزمان وتوالى السنين والأجيال عليها ووصول أيدى الدمار إليها قد أصبحت أثرا بعد عين ولم يبق منها إلا مايحزن القلب فيعيد لنا تلك العبادة الطاهرة ذكرا يأسف لسماعه كل غيور محب لفادينا, من هذه الآثار المقدسة دير الانبا صموئيل الكائن بوادى الريان بجبل القلمون بإقليم الفيوم فله من الشهرة في التاريخ ماهو غني عن الشرح والاطناب. ولما كانت مسرة الله أن تبقى آثاره احياءا لذكر قديسيه الذين قامت بهم الفضيلة إلى حد يذكر, فيشكر ارادته الصالحة فعينت اعادة الدير المشار اليه سابق أصله فدبرت الحكمة العالية وأرشدت وأعانت حضرة ولدنا العابد الغيور المحبوب القمص اسحق مكسيموس إلى ذلك المكان الطاهر ليعيده كما كان وفعلا سمحت العناية وصدر له الإذن والأمر من غبطة السيد البابا أنبا كيرلس الخامس بطريرك الكرازة المرقسية بأن يكون رئيساً ومدبراً لذلك الدير المبارك وأن يكون تابعاً لكرسى الفيوم والجيزة وأسقفية الفقير إلى فادينا العظيم وبمساعدة وعناية الله وتوجهات أبناء الكنيسة قد اشتغل بهمة وتعب شديد فى إزالة جزء عظيم من الرمال التى كانت طمست معالمه وفى بناء محلات لسكنى الرهبان ثم فى اظهار إحدى كنائسه فأقيمت فيها القداديس والعبادة الحقة بعد أن كان يذكر اسما أصبح محلا مقدسا بمعنى الكلمة يتشوق كل محب الله إلى زيارته والتبرك به والاشتراك فى بركة القداس الطاهر واستمداد الأدعية المقبولة من رهبانه النساك ولكن لايخفى على مكارم حضراتكم أن ذلك الأثر المقدس مازال محتاجاً للعمار خصوصاً الأوانى الكنائسية وغيرها. وكل هذه تتطلب مصاريف لايغيب عن فطنة حضراتكم عظيم قدرها وحيث لم يكن له أوقاف ذات ايراد بالمرة تؤدى منها المصاريف الضرورية لاسيما ما تحتاجة الرهبان من المؤونة والكسوة ومايحتاجه أيضاً من كان زائراً أو ماراً من طريق الجبل على الدير المذكور وحيث إنى اعتقد فى حضراتكم الغيرة علي المحافظة على الآثارات المقدسة وعلى بذل العناية في عمل البر والاحسان وإنى اعتقد كثيراً فى حسن غيرتكم ومقاصدكم أيضاً توجيه الرعاية المعهودة فيكم بمد يد المساعدة إلى ولدنا المبارك القمص إبراهيم المقام أميناً للدير من حضرة ولدنا القمص اسحق رئيسه (تنيحا) بعطاياكم المقبولة محبة فى فادينا ومخلصنا الذى قال بفمه الطاهر طوبى للرحماء فإنهم يرحمون وأن الرحمة تفتخر يوم الحكم وماأحسن وأبهج رحمة وإحسان من الذى يبذل لأولئك المتقطعين وخصوصاً الذين فى الجبال القفرة وإنى مع عجزى أتوسل إلى الله أن يقبل عطاياكم ويغفر خطاياكم كما تبارككم أرواح الصديقين وأن يبارك فى كل ماهو لكم وفى الأولاد والأرزاق والأعمار كما بارك لبنى إسرائيل فى العام السادس وأن يجعلكم ملجأ لكل قاصد ومغيثاً لكل فقير محتاج وله الشكر دائماً. تحرير بدار الأسقفية بمدينة الفيوم فى 9 برمهات سنة 1627، 11مارس 1911م.
إبرآم أسقف كرسى الفيوم والجيزة
فى يوم الأثنين 14/12/1959 م اعترف المجمع المقدس برئاسة البابا كيرلس السادس بالدير وبالحياة الرهبانية فيه. وتم رسامة أول أسقف للدير ” الأنبا مينا الصموئيلى ” فى عهد صاحب القداسة البابا شنودة الثالث فى عيد العنصرة فى 22/6/1985م, ثم رسامة الأنبا باسيليوس بعد نياحة الأنبا مينا الصموئيلى.
يوجد بالدير ثلاثة كنائس هى
1- كنيسة الأنبا صموئيل.
2- كنيسة السيدة العذراء.
3- كنيسة الأنبا ميصائيل السائح.
بالديرحالياً نشاط كبير حيث توجد بعض المنشآت التى يشرف عليها الآباء الرهبان, كما أن هناك الكثير من الأراضى الزراعية التى تم استصلاحها بمعرفة الآباء الرهبان.
2- دير السيدة العذراء الأنبا اسحق الدفراوى – الحمام
يقع هذا الدير على بعد ستة كيلومترات شمال غرب اللاهون قرب قرية الحمام, وهى من النواحى القديمة, وردت فى تاريخ الفيوم وبلاده, وفى التحفة من الأعمال الفيومية, لأنها كانت تابعة للفيوم فى ذلك الوقت. ووردت فى دليل سنة 1224هـ باسم ” حمام اللاهون” لقربها من اللاهون. وفى تاريع سنة 1230هـ باسمها الحالى. وينسب الدير إلى السيدة العذراء وأحياناً للأنبا اسحق حيث أنه هو الذى أسس الدير وأقام به.
يقول أبى صالح الأرمنى أنه كان بالدير كنيستان, كنيسة باسم السيدة العذراء وكنيسة باسم أبى اسحق.
ذكره أيضاً عثمان النابلسى, وقال عنه أيضاً على مبارك باشا فى كتابه أنه دير قديم وكان مخزناً للأديرة, وقد رممه ميخائيل بك أفندى النجار.
قد زار الدير فى عام 1928م دوق سكسونيا ” جوهان جورج”, وقد ذكره أيضاً مرقس سميكة وأوتوميناروس (Otto.F.A.Meinardus) ويرجع تاريخ الدير إلى القرن الثامن الميلادى.
كان هذا الدير يتبع إيبارشية الفيوم إلى بعد نياحة الأنبا أبرآم فى 1984م, حيث تم ضمه إلى البطريركية مباشرة لتعميره, ويتولى الاشراف عليه راهب تحت إشراف قداسة البابا شنودة الثالث. وتم تجديد أسوار الدير .. وأيضاً الكنيسة وبعض الحجرات الخاصة بالزائرين.
حالياً لا توجد سوى كنيسة واحدة بالدير باسم السيدة العذراء وهى كنيسة أثرية تشبه إلى حد كبير كنيسة السيدة العذراء بدير العزب ولكنها أحدث منها.
3- دير مار جرجس – سدمنت
قرية سدمنت الجبل من القرى القديمة, ورد ذكرها فى القاموس الجغرافى للأستاذ محمد رمزى ما يلى ” جنوب الفيوم على شاطىء بحر يوسف” والدير يبعد عن بنى سويف 35 كيلو وعن الفيوم 20 كيلو, وقد انفصل (هذا الدير) عن إيبارشية الفيوم فى عهد البابا كيرلس الخامس قبل رسامة القديس الأنبا أبرآم أسقف الفيوم والجيزة وضم إلى بنى سويف. وحالياً لا توجد به أى مبانى أثرية سوى الكنيسة وهى من ثلاث هياكل, وترجع للقرن السابع أو الثامن الميلادى وقد كان هذا الدير مركزاً للدراسة فقد خرج منه القس بطرس السدمنتى اللاهوتى المشهور, ومن القرن الخامس عشرانقطعت عنه الحياة الرهبانية.
اهتم نيافة الأنبا أثناسيوس المتنيح مطران بنى سويف بتعمير هذا الدير وأقام به فى الآونة الأخيرة بيت خلوة مجهز بكل الإمكانيات اللازمة لاستقبال الرحلات, ولقاصدى الخلوات الروحية والدراسية فيه. ويوجد بجوار الدير ديراً آخر صغيراً باسم الملاك ميخائيل أو كنيسة الرهبان .
ثالثاً : الأديرة القديمة التابعة لإيبارشية الفيوم حتى الوقت الحاضر
مع كثرة الأديرة التى كانت تتبع إيبارشية الفيوم, إلا أنه لا يوجد سوى ديران فقط من الأديرة القديمة, ويتبعان الإيبارشية هما
1- دير الملاك غبريال العامر بجبل النقلون 2- دير السيدة العذراء وأبى سيفين والأنبا أبرآم بالعزب
لكى نأخذ فكرة تاريخية عن هذين الديرين الهامين, سوف نتتبع تاريخياً نشأة الدير كما وردت فى كتب المؤرخين وبعض الكتابات الكنسية الطقسية, على النحو التالى
1- دير الملاك غبريال الشهير بدير أبى خشبة بجبل النقلون
دير الملاك غبريال هو من الأديرة القديمة. يقع فى جبل النقلون بالقرب من عزبة قلمشاه. وهو يقع على ربوة صخرية مرتفعة عن مستوى عزبة قلمشاه. وتظهر حافة الوادى الخضراء محيطة بالجبل من الناحية الغربية للدير, على بعد 3 كم تقريباً من مدخل الدير الحالى. كما يذكر أميلينو أن الدير يقع فى مكان منخفض عن دير سدمنت Sedmant.
يذكر المؤرخ أبو صالح الأرمنى عن جبل القلمون (الذى به دير الأنبا صموئيل) قائلاً: “الجبل به الشقيق يعرف بجبل النقلون”. كما يذكر عثمان النابلسى عن دير النقلون فيقول:” دير النقلون يقع فى الجبل القريب من قمبشا, وهو بالشرق منها” إلا أن المقريزى يشير إلى هذا الجبل بأنه يعرف ” بطارف الفيوم وهو يطل علىبلدين يقال لهما أطفيح شيلا وشلا (من الأديرة المندثرة), أن الدير يسمى باسم دير النقلون, ويقع فى مغارة تعرف عندهم باسم مظلة يعقوب”.
فى وصف فانسليب لموضع الدير يذكر ” أنه يبعد عن الفيوم مسافة ساعتين فى الاتجاه الجنوبى الغربى, وهو قرب جبل النقلون, فى الطريق إلى الديرنجد بعض المبانى الفرعونية “.
تسمية الدير
يسمى دير الملاك غبريال بجبل النقلون بدير الخشبة, فيذكر العلامة المقريزى ” أن دير النقلون يقال له دير الخشبة, ودير غبريال الملاك ” كما وردت هذه التسمية أيضاً عند بعض المؤرخين القدامى أمثال على باشا مبارك والفريد بتلر. كما يذكر أيضاً فانسليب فى رحلته أنه ” سافر إلى دير الخشبة ” ويرجح أملينو أن تسمية الدير بالخشبة هى على أساس أن كلمة QE بالقبطية تعنى خشبة أو بإضافة أداة التعريف mn فتصبح الكلمة بمعنى الخشب. ومن ثم يكون الأسم القبطى للدير هوMonacthrion mnqe بمعنى دير الخشب. وقد ورد فى سبب تسمية الدير بالخشبة فى كتاب السنكسار الحبشى فيقول ” توجد خشبة فى سقف الكنيسة لها علامة تشير إلى فيضان النيل, ففى وقت القداس ينقط منها ماء كثير إذا كان فى تلك السنة رخاء, وإذا كان جوع يظهر ماء مثل العرق. وقد ورد نفس هذا الأمر فى مخطوط محفوظ بالمتحف القبطى, نقله إلى العربية الراهب يوليوس ابن الحج حنا الستفاوى عن النص الحبشى. إلا أن الدكتور فتحى خورشيد ينتقد هذا الأمر ويعتبره أسطورة.
مع تقديرى للأستاذ الدكتور فتحى خورشيد ومحبتى له, إلا أنى لااتفق معه فى هذا الأمر. فنحن نؤمن بعمل الله المعجزى, كما يتضح ذلك من خلال تاريخ الكنيسة.
هناك رأى آخر يتبين من خلال التقاليد الخاصة بإيبارشية الفيوم, وهو أن خشبة الصليب المقدس قد قسمت على الكراسى الخمسة أيام الامبراطور قسطنطين. وأن الجزء الخاص بكنيسة مصر نقل فى عصر فتح العرب لمصر (ويبدو ذلك مع مجىء البابا بنيامين الـ38 إلى الفيوم) إلى إيبارشية الفيوم, ووضع بدير الملاك غبريال بجبل النقلون. وقد تعود المسيحيون الاحتفال بعيد الصليب (سبتمبر) من كل عام بالتجمع بدير العزب بالفيوم.
نشأة وتأسيس الدير
يرجع تاريخ دير الملاك غبريال بجبل النقلون إلى بداية القرن الرابع الميلادى. ومما لاشك فيه أن المعلومات التاريخية عن أديرة الفيوم والمنطقة المحيطة بها محدودة إذا قورنت بتاريخ الأديرة التي فى نتريا والقلالى والأسقيط والصحراء الشرقية. ومن الواضح والبديهى أن دير برية النقلون كان له القيادة الروحية والرهبانية بين أديرة الفيوم نظراً لإزدهارالحياة الرهبانية فى برية النقلون فى النصف الثانى من القرن الثالث الميلادى. وقد وجد مخطوطاً بدير الأنبا أنطونيوس يحمل قوانين رهبانية أرسلها القديس الأنبا أنطونيوس إلى أولاده رهبان دير النقلون بالفيوم. ومن المؤكد أن القديس الأنبا أنطونيوس زار هذه البرية أكثر من مرة قبل نياحته وذلك فى بداية القرن الرابع الميلادى.
القديس العظيم الأنبا أنطونيوس ودير النقلون
لقد حظيت التجمعات الرهبانية الكبيرة بإقليم الفيوم (دير النقلون وما يتبعه) برعاية واهتمام أبى الرهبان القديس العظيم الأنبا أنطونيوس الذى زار الإقليم أكثر من مرة. والتى يرجح أنها تمت إما فى عام 311 أو فى عام 338م. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن هذه الجماعات الرهبانية ارتبطت بأطوار الرهبنة الأنطونية ومن ثم فهى امتداد للتنظيمات الكثيفة التى شهدتها منطقة نتريا، ووادى النطرون. وهناك شواهد ودلائل تؤكد وتؤيد رجاحة هذا الاعتقاد.
من خلال تتبع العرض التاريخى لرهبنة الفيوم نجد أن القديس الأنبا ببنوده وهو الملقب بأب أديرة الفيوم هو أحد تلاميذ الأنبا أنطونيوس وكان يعتبر القديس الأنبا ببنوده شخصية دينية كبيرة التف حولها الرهبان بالإقليم . كما أنه كان يوجد واحد آخر من أبرز الأباء الرهبان الذين تنسكوا فى إقليم الفيوم وكان رئيساً لعدة أديرة ومدبراً لعشرة آلاف راهب وهو الأب سرابيون.
نظراً لاهتمام الأنبا أنطونيوس بهذه البرية ولما رآه من فضائل عظيمة من قديسيها أرسل لهم رسالة حسب طلبهم, قوانينها فقط التى لم يتم طبعها منفردة فى كتاب منفصل.وهى عبارة عن قوانين رهبانية ووصايا لأولاده الرهبان بدير النقلون.
من ثم يمكن القول أن الحياة الرهبانية فى صحراء الفيوم بجبل النقلون كان لها نفس الازدهار الذى كان فى كل من وادى النيل والمراكزالرهبانية الديرية الأخرى.
يرتبط نشأة وتأسيس الدير(ديرالملاك غبريال ببرية النقلون) فى ذلك الوقت بالقديس العظيم الأنبا أورابن ابنة ملك بلاد المشرق وأبوه ابراشيت كما تذكر لنا سيرته المقدسة. وقد ذكر أيضاً تكريس كنيسته (كنيسة الملاك غبريال ببرية النقلون) فى السنكسارين القبطى فى 26بؤونة والأثيوبى فى 26سانى SANE.
من الإشارات الواضحة عن دير الملاك بجبل النقلون, هو ما ورد فى عصر الأنبا صموئيل المعترف حيث جاء فى الترجمة الأثيوبية لحياته(الأنبا صموئيل) :” أن الأخوة الذين كانوا يسكنون بجبل النقلون, عندما عرفوا أن القديس الأنبا صموئيل يعيش بجبل القلمون, قدم منهم أربعة عشر راهباً, من أجل أن يكونوا تحت اشراف الأنبا صموئيل, فاستقبلهم بفرح”.
مرة أخرى يعتقد الدكتور فتحى خورشيد أن قصة نشأة الدير وتأسيس كنيسة السيدة العذراء به, كما حددتها العذراء مريم والملاك ميخائيل وغبريال هى قصة أسطورية مثل العديد من القصص القبطية.
نحن لا نتفق مع الدكتور فتحى خورشيد لأن كل دين له تقاليده وتراثه ولا يمكن أن تعتقد الكنيسة وتتمسك بأساطير غير أصلية, فهذا لا يتمشى مع المبادىء الدينية المسيحية.
فى القرن السابع الميلادى يذكر التاريخ أنه حدث بعد طرد القديس الأنبا صموئيل من برية وادى النطرون, ومن دير أبو مقار أنه أقام فى دير النقلون ثلاث سنين ونصف, تؤكد مخطوطة بدير الأنبا أنطونيوس أنه عند وصول الأنبا صموئيل المعترف إلى برية النقلون وجد بها حوالى مائة وسبعون ديراً منتشرة حول البرية وذكر أنه كان فى استقباله حوالى ألف راهب وكانوا يحترمونه جداً حيث أنهم كانوا يقدرونه. وعندما أحس الأنبا صموئيل باقتراب أعوان المقوقس لمهاجمة دير النقلون وأجبارهم على الخضوع لعقيدة طومس لاون أقنع الرهبان أن يختفوا خارج الدير حتى ينجيهم الرب من اضطهاد المقوقس. وعندما وصل المقوقس لم يجد أحداً بدير النقلون سوى البواب الذى اعترف تحت وطأة التعذيب بأن الأنبا صموئيل هو الذى أقنع الرهبان بالهرب. وبعدها استدعى المقوقس الأنبا صموئيل وكاد أن يقتله لولا تدخل عناية الله لانقاذه فأمر المقوقس بطرد الأنبا صموئيل من دير النقلون.
حتى بداية القرن العاشر الميلادى لم تكن هناك معلومات كثيرة عن دير النقلون وخاصة بعد زمن الأنبا صموئيل. وقد ذُكِر دير النقلون لأول مرة بعد ذلك فى وثيقة تاريخية ضمن ثلاث وثائق باللغة العربية عثر عليها معهد الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو ترجع إلىالعصر الأخشيدى (323 هـ/935م- 358 هـ/969م) أى فى القرن العاشر. حيث ذكر بالوثيقة الأولى أن (توسانه بنت بسنت) تصدقت (وهبت) بعض ممتلكاتها لديرى النقلون وشلا الديرين اللذين فى الصحراء من كورة الفيوم.
وقد ذكر تقرير البعثة البولندية بجامعة وارسو لأبحاث الآثار فى حوض البحر المتوسط بالقاهرة أنه عند بداية القرن العاشر الميلادى احترقت مبانى الدير بدأت فى هذا القرن تزداد شهرة دير القلمون لتصل إلى شهرة دير النقلون وتفوقها من منتصف القرن السابع الميلادى. وترتبط شهرة القلمون فى هذه الفترة ارتباطاً وثيقاً بالقديس الأنبا صموئيل المعترف. وقد وجد أثناء الحفريات والتنقيب فى مغائر الدير رسالة من البابا خائيل لرئيس الدير بخصوص طالب رهبنة فى سنة992م وهذه تؤكد ازدهار الرهبنة ببرية النقلون فى القرن العاشر الميلادى.
فى القرن الحادى عشر الميلادى وجدت وثيقة ثانية هى عبارة عن خطاب قبطى باللهجة القبطية البحرية بخط يد جميل, عبارة عن رسالة من مكروبيوس إلى مكاريوس الذى يبدو أنه بقى وحده فى النقلون. وقد أرسل له مكروبيوس حماراً (كوسيلة انتقال) إلي الأب الراهب مكاريوس يترجاه أن يأتى شمالاً ويمكث معه حتى ينتهى البناء وأن يحضر معه بعض مهماته. والوثيقة بدون تاريخ ولكن نظراً لأنها تحوى كلمة أمير فربما ترجع إلى العصرالإسلامى. نظراً لما يتضح من الرسالة من أن الدير هجر وكانت تجرى محاولة إعادة بنائه يرجح أن يكون زمنها هوالجزء الأول من القرن الحادى عشر. والسطور التالية هى ماأمكن قراءتها من الرسالة
Neklwpi `mmautk aipo ic piiw aitabof nak amou e’ht ‘atwn ]aten ;bw enkwt ]an\wl erhc throu ani `cnau `nkorou `nat\wl pe nemak anok pai makrob pekcon ;]ini erok `nkalwc .. .. sip`cmou anipa .. .. bwc ne .. k;]ini `erok oujai P_ ani pekaboc pekenkot `n’htf .
“كما يذكر تقرير بعثة الآثار البولندية إنه فى الفترة ما بين القرنين العاشر والحادى عشر تم بناء كنيسة جديدة, وعدد من المبانى السكنية والإدارية فى الجهة الشمالية والشرقية من الدير. أما على الناحية الغربية من الكنيسة وعلى منطقة بقايا الدير المحترق فقد أقيمت مدافن خصصت للسكان المدنيين الذين كانوا مرتبطين بالدير, ويتراوح تاريخها ما بين القرن الحادى عشر والرابع عشر. ولم يوجد بينها أى قبر لراهب “.
يذكر أبو المكارم 1209م (القرن الثالث عشر الميلادى) عن دير النقلون
” Neklwne ” : الدير المعروف بدير النقلون وهو دير الملاك غبريال قرب عزبة قلمشاه وهذا الدير يحوى كنيسة على اسم الملاك ميخائيل وبهذه الكنيسة عمود من الرخام يبدو وكأن المياه تتدفق منه. كما يوجد به حصن كبير يطل على جبل. كما يذكر أن الذى وضع أساس هذه الكنيسة فى 13 هاتور وكرسها الرب يسوع وتلاميذه فى 18أبيب. كما يوجد بالقرب من الدير كنيسة للملاك غبريال محاطة بسور]أنشىء قبل الكنيسة[ فى13 أمشير. كما يذكر أبو المكارم أيضاً أن جبل النقلون هو المكان الذى استراح فيه يعقوب ابن اسحق ابن ابراهيم, وقدم فيه العبادة والذبائح لله فى أيام يوسف ابن يعقوب وهذا يعطى أهمية خاصة للدير. والكنيسة تم تكريسها فى زمن أسقفية الأنبا اسحق أسقف الفيوم.
يذكر أبوعثمان النابلسى الصفدى الشافعى فى كتابه عن تاريخ الفيوم وبلاده سنة 1245م أن دير النقلون ودير القلمون ضمن ثلاثة عشر ديراً فى الفيوم.
من منتصف القرن الخامس عشر بدأت شهرة النقلون تتناقص. ولم يذكر المقريزى شيئاً عن كنيسة الملاك ميخائيل ولكنه يذكر فقط دير الخشبة أو دير الملاك غبريال فيقول ” دير الملاك غبريال هو تحت مغارة فى الجبل الذى يقال له طارف الفيوم. وهذه المغارة تعرف عندهم بمظلة يعقوب. ويزعمون أن يعقوب عليه السلام لما قدم إلى مصركان يستظل بها. وهذا الجبل مطل على بلدين يقال لها أطفيح شيلا وشلا. ويملأ الماء إلى هذا الدير من بحر المنهى ومن تحت دير سدمنت. ولهذا الدير عيد يجتمع فيه النصارى من الفيوم وغيرهم وهو على الطريق الذى ينزل إلى الفيوم ولا يسلكه إلا القليل من المسافرين”. وبمقارنة ما ذكره أبو المكارم والنابلسى عن النقلون والقلمون يمكن أن نلاحظ بوضوح أنه بالرغم من الشهرة القديمة والتاريخ العريق لدير النقلون نجد أنه فى المرتبة التالية بعد القلمون لأن به فقط كنيستين ومنارة, بينما القلمون به اثنتا عشر بيعة وأربع منائر.وأما المقريزى فلم يصف إلا القليل كما سبق ذكره.
يعتبر الوصف الذى ذكره العلامة الأب فانسليب أثناء زيارته إلى مصر, هو أول وصف دقيق لكنيسة الملاك غبريال بجبل النقلون, حيث يذكر أن دير النقلون يبعد عن الفيوم مسيرة ساعتين فى الطريق, وهو من الأديرة القديمة العهد ولكنه تخرب كله تقريباً عدا الكنيسة الملحقة به. والمكرسة على اسم الملاك غبريال. وهى بديعة الشكل منقوشة كلها من الداخل بصور تاريخية مأخوذة من الكتاب المقدس. وسقف صحن الكنيسة محمول على أعمدة مكونة من أعمدة بأحجار أسطوانية الشكل ويوجد بأسفل هذه الكنيسة كنيسة أخرى مستعملة لحفظ مؤونة الدير بها. وقد بنيت هذه الكنيسة بمعرفة من يدعى (أور) ابن ابراشيت المشهور الذى رزق به من ابنة ملك المشرق. ولقد اندفع القديس أور فى طريق الصلاح والتقوى حتى أصبح بعد ذلك أسقفاً للفيوم. فقام ببناء هذه البيعة المقدسة. وتقول التقاليد أن العذراء مريم القديسة الطاهرة البتول هى التى وضعت أساس الكنيسة وأساس مذبحها. وأن رئيس الملائكة ميخائيل هو الذى خطط الخورس مع باقى أجزاء الكنيسة. ويشاهد على الجبل القائم خلف هذه الكنيسة من الجهة القبلية خرائب قديمة صغيرة كانت متصلة بها. ويقول القبط أن يعقوب أب الآباء كان يسكنها, لذلك يسمون هذه الخرائب الآن باسم مظلة يعقوب. وفى أعلى الجبل المذكور توجد عدة مغائر كانت مستعملة لسكنى المتعبدين وهى صغيرة الحجم . . . .
فى خلال الفترة من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر الميلادى لم يذكر أحداً من الرحالة سواء كان السائح بوكوك Pococke الذى زار إقليم الفيوم عام 1745م, أوغيره, أى شىء عن دير النقلون.
فى القرن العشرين ذكر الرحالة سومركلارك 1912م, أن دير الملاك ضمن قائمة بأديرة وكنائس إيبارشية الفيوم والجيزة. ومن المرجح أنه تم تجديد كنيسة الملاك غبريال فى عهد القديس الأنبا ابرآم أسقف الفيوم والجيزة المتنيح فى 10/6/1914م. وهذا يتأكد من زيارة السائح جوهان جورج 1927ـ 1928م الذى زارالديربعد التجديد فى كنيسة دير النقلون فقال :” تظهر الكنيسة كأى كنيسة أخرى. تدخل الكنيسة وتجدها جميلة جداً وترجع إلى القرن السابع تقريباً. بها تيجان الأعمدة الكورنثية ومنبر القراءة “المنجلية” ترجع إلى القرن السابع الميلادى. وهى جميلة جداً والسقف الخشبى للكنيسة جميل أيضاً “.
يصف أوتومناردس Otto Meinardus فى سنة 1968م كنيسة الملاك غبريال فى دير النقلون قائلاً أنها كنيسة تتبع إيبارشية الفيوم. وكان كاهنها الذى يخدمها فى ذلك الوقت يسكن فى عزبة قلمشاة. ولا تقام الخدمة بها بانتظام. وفى وقت عيد الملاك غبريال يجتمع عدد كبير من الأقباط من الفيوم وغيرها إلى دير النقلون ويسكنون الأماكن المحيطة بالدير المبنية التى كانت مخصصة لهذا الغرض. وقد ذكر المقريزى هذا العيد. وبذلك يمكننا القول اليقين أن دير الملاك غبريال الشهير بدير الخشبة بجبل النقلون هو من الأديرة القديمة التابعة لإيبارشية الفيوم, ويرجع تاريخه إلى القرن الرابع الميلادى, وبذلك يعد من أقدم الأديرة فى الكرازة المرقسية.
الفريسكات والأيقونات الأثرية بكنيسة الملاك غبريال بجبل النقلون
فكنيسة الملاك غبريال بالدير مليئة بالفريسكات الجدارية الأثرية وهذه الفريسكات تدل على قدم الكنيسة. الفريسكات يمكن أن ترسم على الحائط بعد أعمال المحارة مباشرة, (جديدة) بحيث تثبت الألوان (تنشف) مع المحارة والصورة تثبت فى الحائط. أويمكن أن ترسم بالحفر أولاً وبعد ذلك تعمل الألوان بالمحارة وتملأ الخطوط للتلوين وتكمل الصورة.
تاريخ الفريسكات الموجودة فى الكنيسة
يوجد بعض الفريسكات الجدارية من القرن التاسع أو العاشر. ففى شرقية هيكل الملاك غبريال (الهيكل الأوسط الرئيسى) توجد ثلاث فريسكات فوق البعض هى صورة للصليب رسمت فى القرن الثامن أثناء بناء الكنيسة للمرة الثانية. ثم رُسم فوقها صورة أخرى لبعض القديسين ترجع إلى القرن التاسع أو العاشر الميلادى. ورسم فوقها مرة ثالثة صورة للسيدة العذراء مريم تحمل الرب يسوع على ذراعيها ترجع إلى القرن الحادى عشر. وبداخل الهيكل تحت فريسكة الرسل يوجد تاريخ باللغة القبطية وهو (749 للشهداء ـ 1033ميلادية), وتاريخ اخر فى الحائط الجنوبى للهيكل (899 ش ـ 1083م) يشير إلى دفن أسقف فى هذا المكان. على الحائط الغربى للكنيسة توجد كتابة للشماس يؤانس الأقفهصى (1022 ـ1033م) تشير إلى نهاية العمل بالفريسكات.
يرجع رسم الكنيسة بالفريسكات إلى القرن الحادى عشر للشماس يوحنا الأقفهصى ما بين (1022- 1033م) أى بداية القرن الحادى عشر. وكل فريسكات الكنيسة تم اكتشافها فى الفترة الأخيرة فى عام 1991م وبذلك عرف أنه يوجد صور على الحوائط وكان ذلك أثناء الترميمات حيث وجدت تحت البياض السطحى للكنيسة, بعد أن كانت مطموسة (مغطاة) بطبقة خفيفة من المحارة. وتم إظهار هذه الفريسكات بمساعدة البعثة البولندية ـ التى تأتى إلى الدير كل عام ـ وقاموا بترميمها.
الفريسكات الموجودة داخل الهيكل الأوسط (هيكل الملاك غبريال)
يوجد أيقونة جدارية فى أعلى قبة الهيكل وهى تمثل صورة Pantokratwr (ضابط الكل) ولكن ليست كاملة وهى فى انحناء قبة الهيكل. كما توجد صور أيقونة جدارية توضح التلاميذ الأثنى عشر وإن كان أحد التلاميذ غير كامل. ويوجد أسماء أحد التلاميذ باللغة القبطية. واسم أحد البطاركة وهو البابا زخارياس. ويوجد أيضاً اسم أسقفان مكتوبان باللغة القبطية وهما الأنبا يؤانس والأنبا سلوانس.
فى جوانب الهيكل
فى الجانب البحرى للهيكل أيقونة جدارية للقديس مارمرقس الرسول, وفى الجانب القبلى مقابلها أيضاً أيقونة جدارية للقديس البابا أثناسيوس الرسولى. ولمشابهة هاتين الأيقونتين مع الأيقونتين اللتين بهيكل كنيسة الأنبا انطونيوس بالبحر الأحمر يتضح أن رسم الأيقونات فى كل منهما كان فى قرن واحد تقريباً هو القرن الحادى عشر.
فى شرقية الهيكل (حضن الآب) وجد ثلاثة صور مرسومة فوق بعضها, الأولى وهى صورة الصليب المقدس مع بناء الكنيسة فى القرن الثامن. والثانية (فوقها) رسم لصورة السيد المسيح أو أحد القديسين (غير مؤكد حتى الآن). والثالثة (فوق الصورة الثانية) رسم صورة للسيدة العذراء مريم وهى تحمل السيد المسيح. وقد قامت البعثة البولندية مؤخراً بإخراج الصورة الثالثة هذه على لوح خشب على ثلاث أجزاء كما هى بالمحارة المرسومة عليه, وبذلك تم إظهار الصورة التى كانت خلفها وهى موجودة حالياً فى حضن الآب (ترجع إلى القرن العاشر).
هناك رأى لأحد العلماء الذين زاروا الدير مؤخراً وهو اليكسندر(يعتبر أفضل خمس علماء فى العالم فى فن ورسم الأيقونات) يقول ” أن الصورة هى لأحد الأساقفة القديسين الذين تربطهم علاقة قوية بالدير أو على الأرجح أنه من مؤسسى الدير”.
قامت البعثة البولندية بترميم صورة السيدة العذراء ووضعت فى الجانب الغربى للكنيسة فوق الباب القبلى المغلق للكنيسة فى الدكسار. وفى الحائط القبلى الشرقى من ناحية هيكل العذراء مريم توجد صورة لثلاث من الآباء والكتابة المكتوبة ترجع للقرن الحادى عشر وتعرفنا أنهم من الآباء السواح غالباً. وتحت هذه الصورة توجد صورة للسيد المسيح ومعه أحد الآباء وترجع للقرن التاسع أو العاشر.
بالنسبة لحوائط الكنيسة
وجد على الحائط الغربى للكنيسة (فى الدكسار), فى الجانب البحرى له صورة للأنبا انطونيوس أبو الرهبان والحائط نفسه ملىء بالفريسكات. كما توجد صورة للسيد المسيح البانطوكراطور تحمله الأربع الحيوانات (الكائنات) الغير متجسدين وهو علىالصليب يمنح البركة وداخل الكرة الأرضية. وهذه الأيقونة لها عدة معانى. نرى السيد المسيح جالس أو مالك على خشبة بمعنى مالك الكل, والكرة الأرضية تشير إلى العالم كله بمعنى أن السيد المسيح هو ضابط الكل ومالك العالم كله. كما توجد صورة للقديس بتشوشو (والاسم مكتوب على الصورة بالقبطى). حيث أنه توجد مثل هذه الصورة بدير الأنبا انطونيوس, ويذكر القديس بتشوشو خلال تسبحة شهر كيهك فى مجمع القديسين. كما توجد أيضاً توجد صورة للسيدة العذراء وهى جالسة على الكرسى وتحمل السيد المسيح وحولهم رؤساء الملائكة (الملاك ميخائيل – الملاك غبريال).
هذا هو ما تبقى من الفريسكات بهذا الجانب لأن الحوائط كانت مليئة بالأيقونات الجدارية الأثرية والكثير منها خرج مع طبقة المحارة, والجزء الآخر خلال الترميمات وأثناء عمل شباك فى أعلى الكنيسة. وفى جزء من الحائط الغربى فريسكات من القرن الحادى عشر وقد رسمها الشماس يوحنا (كما هو مكتوب على هذا الحائط).
على الحائط البحرى للكنيسة, وجدت أيقونات جدارية لرئيس الملائكة الجليل ميخائيل, وبجواره القديس مرقوريوس أبى سيفين وهو يطعن يوليانوس الكافر بالحربة وحولهم اثنين من القديسين.
الأيقونات الأثرية الموجودة بالدير
يوجد أربعة أيقونات أثرية داخل الكنيسة
1- أيقونة أثرية لرئيس الملائكة الجليل غبريال ويرجع تاريخها لبداية القرن التاسع عشر.
2- أيقونة أثرية للسيدة العذراء تحمل السيد المسيح بتاريخ 1573ش/1857م وقد قام برسمها
أنسطاسى الرومى.
3- أيقونة للسيد المسيح بعد إنزاله من على الصليب وهى أيقونة الدفنة وتوضح الأيقونة العذراء
والمريمات والملاك ميخائيل والملاك غبريال ونيقوديموس ويوسف الرامى. ويرجع تاريخها
إلى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. وهى من القدس بأورشليم.
4- أيقونة نادرة أثرية بها 34 صورة توضح أحداث من العهدين القديم والجديد وتتكلم عن
الفداء والدينونة, ومحاسبة النفس. وهى أيضاً من القدس بأورشليم, ويرجع تاريخها إلى نهاية
القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادى , وكل هذه الأيقونات مرسومة على
قماش من الكتان الملصق على أخشاب قديمة.
ثانياً : كنيسة الملاك ميخائيل بجبل النقلون
توجد هذه الكنيسة بجوار الكنيسة الرئيسية للدير التى على اسم الملاك غبريال. وهى صغيرة الحجم نسبياً, وتحوى أجساد الآباء الشهداء (شهداء الفيوم). وهذه الكنيسة تم اكتشافها حديثاً لأنها كانت متهدمة من قبل وبدون سقف.
يرجع تاريخ بناء الكنيسة إلى القرن الخامس عشر الميلادى. ويؤكد ذلك مخطوطة بالمتحف القبطى تذكر أن تكريسها كان فى عهد البطريرك البابا يؤانس الـ11, الذى تولى البطريركية عام 1427م. وبعد مرور الزمن سقط سقف الكنيسة ورُدِمت بالتراب ولكن شاء الرب باكتشافها. فمع بدء إزالة التراب من الكنيسة ظهرت أراشى وحوائط أثرية للكنيسة كما هى بالطوب القديم, فتم ترميم الكنيسة وعمل سقف لها, وتم تدشينها فى 26 بؤونة الموافق 3/7/1994م. ويحتفل بهذا العيد (عيد تكريس الكنيسة) فى نفس يوم تكريس كنيسة الملاك غبريال 26 بؤونة من كل عام.
المعمودية
كانت المعمودية ـ قبل التجديدات ـ توجد مكان هيكل الملاك ميخائيل(الكنيسة القديمة). ولكن بعد اكتشاف الكنيسة والصلاة فيها وتدشينها, نقلت المعمودية إلى الجزء الغربى الشمالى للكنيسة وهو الوضع الأصلى للمعمودية.
شهداء الفيوم وكيف تم اكتشافهم مع وصف لهم
لم يكن هناك تدبيرا بشريا للبحث عن أجساد شهداء الفيوم. بل هو ترتيب وتدبير إلهى, الذى قال ” أكرم الذين يكرمونني” فهو الذى أراد إظهار واكتشاف هذه الأجساد المقدسة, وبرغم الاختلاف الذى حدث بين كل من مفتش الآثار, وخادم الدير على اختيار المكان الذى يتم فيه عمل خزان صرف صحى, تم اختيار هذا المكان الذى وجد فيه أجساد هؤلاء الشهداء القديسين ولذا نعتبر ذلك بتدبير من الله.
تمت عملية الحفر, وبدأت أولى اكتشافات هذه الأجساد فى يوم 28/7/1991م, حيث وجد في ذلك اليوم ثلاثة أجساد. كان أحدهم مدفون ببرنس مطرز بالصلبان, كما وجدت المنطقة الجلدية, بالإضافة إلى ملابسهم التى تدل على إنهم من الآباء الرهبان.
استمر العمل مرة أخرى, في يوم 25/8/1991م, تم اكتشاف المزيد من الأجساد بعضهم موضوع فى صناديق قديمة مصنوعة من الجريد, والبعض الآخر مدفون بدون صناديق. وهنا نجد ملاحظة لقوة عمل الله مع قديسيه وشهداءه اللذين ماتوا من أجله واحتملوا كل العذابات. أن الصناديق الخشب تآكلت متأثرة بالزمن وعوامل الطبيعة, أما الأجساد التى وجب تحللها وفنائها قاومت الزمن واتخذت أمراً إلهياً لكى تكون شاهدة على عمق وحقيقة الإيمان مدى الأجيال. وقد وجد بأحد الصناديق جسدين متجاورين داخل صندوق واحد, كان أحدهم بدون رأس والأخر رأسه منفصلة عن جسده.
في يوم 1/9/1991م تم اكتشاف جسد لطفل داخل صندوق ويبدو أن طريقة استشهاده كانت الخنق, لخروج لسانه من فمه. وصار هذا اليوم عيد استشهاد هؤلاء الشهداء القديسين تذكاراً لظهور أجسادهم, ويطلق عليه (عيد شهداء الفيوم) الموجودة أجسادهم بدير الملاك الجليل غبريال ببرية النقلون.
يجب ملاحظة أنه لم يوجد أى دليل كتابى يعرفنا أسماء هؤلاء الشهداء, أو قصة حياتهم أو على يد مَن مِن الحكام نالوا الشهادة. ولكن من خلال ملابسهم الخاصة والتى توضح أنهم من الآباء الرهبان اللذين عاشوا فى هذه البرية. وأيضاً من خلال آثار التعذيب تم التعرف على إنهم شهداء لأنه يوجد بأجسادهم عذابات مختلفة. فأحد الأجساد مطعون طعنات كثيرة بآلة حادة مثل سيف أو سكين. وآخر بطنة محروقة, وآخر رأسه مقطوعة. وكانت ملابسهم متشبعة بالدماء رغم أنهم نالوا الشهادة من آلاف السنين. ومن أكثر العذابات الواضحة عذابات الطفل الصغير الذى يتراوح عمره ما بين 6 أو 7 سنين فنجد أن لسانه بارز وكذلك عينيه بارزة للأمام, وهذا يدل على أنه تم استشهاده بالخنق. كما لا توجد أذنه اليسرى, ولا شفايف فمه بل مقطوعين. كما نجد أصابع يده اليسرى واضح عليها آثار التعذيب والحرق فهي مكوية بالنار ومقطوع منها ثلاث أصابع ولا يوجد إلا صابعين فقط. وأيضاً كل أصابع رجله اليمنى مقطوعة وواضح آثار التعذيب بالحرق والكى عليها مع عذابات أخرى كثيرة.
هناك طفل آخر صغير. نجد أنه يغيب عن جسده أحد قدميه, وأن كفة يده اليسرى مطبقة على ذراعه والكفة الأخرى مطبقة إلى الخارج. ورغم أنهم شهداء أطفال لكنهم احتملوا كل هذه العذابات من أجل اسم ربنا يسوع المسيح كباقى الأطفال الشهداء فى تاريخ الكنيسة.
كما وُجِد أحد الآباء فى صندوق جريدى وبيديه حلقات من الحديد والمعدن. أحدهما مثل طوق مطبقة على بعضها وأخرى عبارة عن حلقة حديدية مفتوحة من الجنب. وقد تكون من بقايا سلاسل. وكان هو الوحيد الذى يلبس برنس مطرز بالصلبان وعلى كتفيه شال ولحيته كبيرة. لذلك من المحتمل أن يكون هو رئيس الدير أو أحد الأساقفة. وقد استشهد بكسر فى رقبته وهذا يعرفنا بأن الشهداء نالوا الشهادة تقريباً فى القرن الثامن الميلادى. والدليل على ماسبق ذكره أن هذه الكنيسة (كنيسة دير الملاك غبريال ببرية النقلون) تم إعادة بناؤها فى القرن الثامن الميلادى بعد أن تهدمت الكنيسة الأولى التى بناها القديس أور فى القرن الرابع الميلادى. فلذلك نجد أن الأعمدة الموجودة بالكنيسة ترجع للقرن الرابع والخامس وعليها تيجان مركبة تركيب. وأيضاً داخل حوائط الكنيسة يوجد قواعد عمدان وحجارة وبعض الحجارة واضح عليها النقوش. وكذلك داخل الحوائط طوب أحمر وطوب لبن قديم. ونستشعر من ذلك أن الاضطهاد الذى حدث فى القرن الثامن كان اضطهاداً شديداً للدير, وأن عدداً كبيراً من الرهبان قد نالوا أكليل الشهادة وآخرين لم ينالوا الشهادة وقتها فقاموا بدفن أجساد الشهداء, وبنوا الكنيسة مرة أخرى فى نفس المكان. ويبدو إنهم أخذوا من المبانى والحجارة والأعمدة القديمة وغيرذلك, وقاموا ببناء الكنيسة مرة أخرى فى أسرع وقت لكى لا تندثر مثل غيرها ولاسيما أنها الكنيسة الرئيسية بالدير.
دير السيدة العذراء والشهيد أبى سيفين والقديس الأنبا أبرآم بالعزب
مصدر كلمة العزب ترجع الكلمة إلى أنها كانت تعرف بناحية العزب أو بعرب دموشيه وقد غير اسمها بوضع نقطة على الراء فى “العرب” فصارت العزب. ولذلك رؤى وقت مساحة هذه الناحية فى تاريع عام 1230هـ تغيير اسمها من العرب إلى العزب لإزالة اللبس.
يبعد دير السيدة العذراء والشهيد أبي سيفين والقديس الأنبا أبرآم مسافة 5كم تقريباً جنوب مدينة الفيوم بالطريق المؤدى إلى بنى سويف. يقول محمد رمزى فى قاموسه الجغرافى: أنه يقع بأرض العزب الواقعة بين أرض دموشيه (الحادقة حالياً) من الناحية البحرية، وبين قلهانه من الناحية القبلية, كما يذكر عن بلده دموشيه أنها تقع قبلى مدينة الفيوم، شمال دير العزب وقلهانة ويضيف أنها اندثرت, ومكانها يعرف اليوم باسم تل ابو خوصة, بأراضي ناحية الحادقه بمركز الفيوم. ويقرر أن دير دموشيه مازال موجوداً ويعرف بدير العزب.
وحدده الرحالة فانسليب الذى زار الفيوم وأديرتها وكنائسها سنة 1672م. حيث يذكر أن دير العزب يقع فى منتصف الطريق بين مدينة الفيوم ودير الخشبة. يذكر المؤرخ عثمان النابلسى (1244م) فى أواخر العصر الأيوبى دير العزب فى كتاباته اسم دير دموشيه.
نلاحظ أن كل من محمد رمزى وعثمان النابلسى قد خلطا بين ديردموشيه ودير العزب.
ويقول العالم جاييه فى كتابه عن الفن القبطى سنة 1902م, تخطيط لقطاع فى كنيسة الدير الذى أسماه دير العزام Deir El-Azam , ويذكر أنه واحد من أهم ديرين موجودين بأقليم الفيوم ويرجح جابيه أن عمارة كنيسة الدير ترجع إلى القرن السابع أو الثامن الميلادى.
كما أشار العالم جوهان جورج Johann Georg إلى الدير باسم دير العزرابDeir El-Azrab وتحدث عن وجود كنيستين بالدير. أحداهما قديمة يرجع تاريخها إلى القرن 12م،
والأخرى حديثة يرجع تاريخها إلى مائة وعشرين عاماً.
أشار مرقس سميكة باشا إلى كنيسة العذراء بالعزب مركز أطسا. كذلك أوردها بيتر جروسمان ضمن ثلاث كنائس أثرية قديمة بأقليم الفيوم وهم : كنيسة دير الملاك ـ كنيسة دير الحمام ـ كنيسة دير العزب. يذكر أوتوميناردوس Otto. F.A Meinardus أن الكنيسة القديمة تقع فىالركن الجنوبى الشرقى للفناء وبها ثلاثة مذابح مكرسة (السيدة العذراء, الملاك ميخائيل, الأنبا أنطونيوس). يرجح جوهان جورج نسبة عمارة كنيسة العزب الأثرية لحدوث تعديل فى تخطيط الكنيسة نتيجة إعادة تجديدها عدة مرات منذ القرن الثانى عشر الميلادى مما جعل السيدة (نبيا آبوت) ترجع نسبة عمارتها إلى مطران الفيوم الأنبا بطرس سنة 1180م وأشار إليه أبو صالح الأرمنى كشخصية بارزة. شارك أربع مرات فى تكريس ثلاث كنائس ودير بمصر. أو أنها ترجع إلى زمن رئاسة البطريرك كيرلس الثالث الـ75 (سنة1235 ـ1243م) ويورد ميناردوس مارجحته السيدة (نبيا آبوت) مضيفاً أن الدير منذ القرن الثامن عشر الميلادى لم يعد يسكنه أحد من الرهبان.
لا يوجد أى آثار قديمة بالدير سوى كنيسة السيدة العذراء. وقد استخدم الدير بعد انقطاع الحياة الرهبانية فيه كمدافن لأقباط الفيوم. وأصبح مزاراً عالمياً لكل مسيحى العالم بعد نياحة القديس الأنبا ابرآم أسقف الفيوم والجيزة ووضع جسده بالدير.
اهتم الأنبا أيساك أسقف الفيوم (1925ـ1951م) ببناء بعض الحجرات لأستقبال الزوار كذلك الأنبا ابرآم الثانى (1951ـ1984م) أعاد بناء كنيسة أبى سيفين وبناء المطرانية القائمة بالدير ووضع أساس مبنى (حالياً هو بيت المكرسات).
ثم بدأ التعمير الحالى لأستخدام الدير كمركز للخدمات لإيبارشية الفيوم ولإيبارشيات الكرازة كلها وهذا ماتحدثنا عنه فى الفصل الثانى من الباب الثانى من البحث.
كنائس الدير القديمة
1- كنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية
تقع فى الركن الجنوبى الشرقى لفناء الدير وبها ثلاث مذابح. الأوسط باسم السيدة العذراء, البحرى باسم الملاك ميخائيل, القبلى باسم الأنبا أنطونيوس ، يرجع تاريخ الكنيسة إلى القرن الثالث عشر للميلاد. وقد زارها فانسليب فى سنة 1672م وهى كنيسة السيدة العذراء الذى وصفها فانسليب بأنها منخفضة عن مستوى الأرض وهى تقارن فى شكلها المعمارى كنيسة دير الأنبا هدرا بأسوان من حيث القبتان العاليتان على الصحن وحمولتان على حنيات ركنية مزخرفة والهيكل الذى يتزين بحنيات على دائرته.
شكل الكنيسة من الداخل كانت الكنيسة مستطيلة الشكل20× 16 م تقريباً مقسمة من الداخل إلى أربعة أروقة طولية ترتكز على ثلاثة أعمدة مستديرة ودعامة مستطيلة الشكل. كان يفصل الهياكل عن الأروقة حجاب خشبى يمتد بطول الناحية الغربية، وقد تم رفع هذا الحجاب الخشبى عام 1985م. ويغطى الرواق الثانى من الناحية الجنوبية قبتان كبيرتان متماثلتان كما يوجد بها أمبل حديث بُنى أثناء تجديد الكنيسة عام 1970م.
تجديد الكنيسة تم تجديدها لأول مرة رممت فى عهد صاحب النيافة مثلث الرحمات الأنبا ابرآم الثانى أسقف الفيوم ثم أُعيد تجديدها مرة أخرى عام 1985م وعام 1996م.
2- كنيسة أبى سيفين والأنبا ابرآم
تقع غرب كنيسة السيدة العذراء, وهى كنيسة قديمة يرجع تاريخها إلى منتصف القرن الثامن وكان جسد القديس الأنبا ابرآم محفوظاً تحت مذبحها القبلى الذى تسمى باسمه. تهدمت جدران الكنيسة بعوامل الزمن وقام بتجديدها عام1960م مثلث الرحمات الأنبا ابرآم الثانى أسقف الفيوم الذى قام بترميم حوائطها. ثم أعيد تجديدها مرة أخرى وتوسيعها عام 1989م. وفى 28/4/1996م شب حريق أتلف مافى الكنيسة من أخشاب, إلا أن رفات الشهداء والقديسين الأبرار لم تتأثر, وقد تم تجديدها عام 1996م.
رابعاً : بعض الأديرة تستخدم كنائس للشعب فى الوقت الحاضر
1 – دير سنورس
2 – دير دسيا
3 – دير أبي سيفين- فيديمين
4 – دير النزلة
وسوف نتناول الحديث عن تاريخ هذه الكنائس بالفصل الثانى من الباب الثانى من البحث، (تاريخ كنائس وأديرة إيبارشية الفيوم).