أولا : ماهى المسيحية
هى الإنتساب للسيد المسيح القدوس، فهى الدخول فى حياة القداسة.
والمسيحية ليست مجرد موقف عابر بل هى إتجاه كيانى داخلى، ينعكس على الإنسان المسيحى مظهرا وسلوكا وعلاقات.
ثانيا : ماالمقصود بحياة القداسة ؟ هل المقصود السلوك بلا خطية ؟ وهل هناك إنسان لا يخطىء ؟
المقصود أن يحيا الإنسان المسيحى بلا لوم. فنحن فى الجسد ضعاف. التعثر ممكن، لكن العبودية مرفوضة. طبيعى أن نخطىء نتيجة الضعف، رغم الجهاد، ولكن لاينبغى أن نخطىء نتيجة استهتار ولا مبالاة، أو نتيجة تحدى.
فى القداسة يفرز المسيحى نفسه عن أسلوب أهل العالم ويخصص أو يكرس قلبه وكل حبه للرب ( لا تشاكلوا أهل هذا الدهر )
هل حياة القداسة فى العصر الحالى أصعب منها فى العصور الماضية ؟ عصور القديسين والقديسات الذين عاشوا حياة القداسة والعفة والطهارة فى أنقى وأروع صورها ؟
وهل نستطيع أن نطبق فى هذه الأيام كلمات وخبرات القديسين على حياتنا ؟
الحقيقة أنه وإن كانت تغيرات كثيرة قد طرأت، وتطرأ بين العصور المختلفة، إلا أن هذه التغيرات تظل قاصرة على النواحى الفكرية والإجتماعية والسياسية..ألخ إلا أنها لاتمس الحياة الروحية الداخلية، حيث الروح خالد لايخضع للزمن ولا للتطور.
بالإضافة إلى أن جوهر الإنسان لا يتغير، فالغرائز والتطلعات والضمير أمور لا تتغير من جيل إلى جيل، وإن كانت تختلف من إنسان إلى إنسان بحسب مدى أمانته فى حياته الخاصة.
وإن كانت الحروب فى هذا الزمان فإن النعمة تزداد أيضا.
فى السلوك فى القداسة جهادات وتداريب على ضبط النفس، فالمسيحى الذى يسلك فى القداسة يضبط نفسه فى كل شيء، أصوام، وصلوات، وجهادات متنوعة وتداريب..وضبط النفس من أقوى
+ لقد خلق الإنسان لحياة القداسة والطهارة، وفى هذا يظهر سمو الإنسان على الحيوان.
ويقول القديس باسيليوس فى هذا ( إن البهائم أرضية تجنح إلى الأرض، أما الإنسان، هذه الغرسة الأرضية فإنه يختلف عنها بهيئة جسمه وسمو روحه، لذلك هو يفوقها عظمة ورفعة. كيف ترى هيئة ذوات الأربع ؟ إن رأسها منحن صوب الأرض، وهى تنظر إلى بطنها مفتشة عن الأشياء التى تلذ له.
أما أنت أيها الإنسان فرأسك مرتفع نحو السماء، وعيناك تنظران إلى العلى، فإذا كنت أنت تتلطخ بشهوات الجسد، وتتعبد للذات الجوف، وللذات السفلى، فأنت بهذا تقترب من الحيوانات التى لا تعقل وتتشبه بها.
إنى أعرض عليك الإهتمام بأمر آخر يليق بك، أطلب الأشياء السامية حيث، حيث المسيح. وارتفع فوق أعراض الدنيا الفانية وتعلم من تكوينك الجسدى واجعله قانونا لحياتك : فمدينتك هى السماء، ووطنك الحقيقى هو أورشليم العليا، ومواطنوك هم الأبكار، الذين كتبت أسماؤهم فى السموات )
ومن الضرورى أن يكون الجهاد فى أيام الشباب واسمع مارفيلوكسينوس يقول فى هذا ( ليس لك قتال كل أيام حياتك فادخر لك معونة فى أيام شبابك لزمان الشيخوخة لأن الذى يضعف الشهوة فى شبابه يوجد شجاعا فى نفسه فى الشيخوخة وإذا انتهى قتاله تتم قوته فإن قتالك ليس فى الأول والآخر لأن الجسد يضعف أما النفس فلن تطفىء حرارتها أبدا إلا إذا عرض لها مرض من الشر أو من الخطية فإنها تضعف وتنطفىء حرارتها )
إلا أن الجهاد وحده لايوصلنا إلى الطهارة وإنما نعمة الله
ولذلك يقول الشيخ الروحانى أيضا : ( لا يطهر إلا الذى يقوم ذاته كل حين، هذا يطهره الرب..)
ويقول مارفيلوكسينوس ( إن كان ذكر الله هو النور الوحيد الذى يمنع النفس من الفساد فيجب علينا أن نتمسك به فى كل وقت ليكون مشرقا دائما بالنفس لأنه مادام ذكر الله ونور نظرته يتحركان بها فإنها لا تنزل للمفاوضة مع الشهوات)
كما يقول ( لايمكننا أن نغلب هذه الشهوة بدون المعين فإنا كثيرا مانغلب لأننا لا نطلب معونة الله لأن نعمة الروح تعطى المعونة للنفس وتجذب أفكارها اترتفع إلى الروحانيات إن وافقته إرادتها الجيدة وتدبرت حسب مشيئة الروح )
ويقول الدرجى فى هذا ( لا ينسبن أحد طهارته لنفسه، إذ لا يمكن أن يقهر أحد طبيعته، فحيث يكون قهر للطبيعة هناك دلالة على حضور الفائق الطبيعة، (لأن الأكبر يغلب الأصغر بدون منازعة).
+ وإذا كان فم الذهب يقول ( أن الفضائل المسيحية ليست مجموعة مرصوصة بجانب بعضها البعض، يمكن سحب إحداها والإستغناء عنها، وإنما هى سلسلة مترابطة ) فإن اقتناء الطهارة يسهل اقتناء الفضائل الأخرى
وأخيرا :
لاتجادل مع الشيطان :
يقول الدرجى ( لا تعمد إلى صد شيطان الزنى بمحاجتك إياه لأنه هو الذى يمتلك الحجج المعقولة إذ يحاربنا بطبيعتنا )
ولا تيأس :
يقول الدرجى أيضا ( إن إمام الزنى، عدو البشر، يهمس لنا أن الله محب للبشر وأنه يولى هذا الهوى رأفة كثيرة لكونه متماشيا مع الطبيعة. أما إذا رصدنا حيل الشياطين فنجدهم، بعد وقوع الخطية، يدعون الله قاضيا عادلا لا يشفق، لأنهم إنما أوحوا لنا أولا بما أوحوا ليستميلونا إلى الخطية وأما الأن فليغرقونا فى اليأس )
ويقول أيضا ( أقص عنك المجرب الذى يقطعك بعد إقتراف الخطيئة عن الصلاة والتقوى والسهر واذكر القائل: ( لأجل أن النفس المتوجعة لذكر خطاياها تذعجنى فسأنصفها من أعدائها ).
لا تنخدع :
يقول الدرجى أيضا ( لقد جربت أنا مرة وشعرت بهذا الذئب يّحدث فى نفسى فرحا مبهما ودموعا وتعزية كاذبة فظننت فى سذاجتى أننى قد احتنيت ثمرا لا فسادا )
ويقول ( يتظاهر الثعلب بالنوم والشيطان الكامن فى الجسد بالعفة: الأول ليخدع دجاجة والثانى ليهلك نفسا )
إقتن فضيلة التمييز والإفراز :
يقول الدرجى ( إن هاجس الخطيئة فى تحديد الأباء ذوى التمييز يختلف عن محاورتها، والمحاورة عن القبول، والقبول عن الأسر، والأسر عن الصراع، والصراع عما يسمونه بالهوى المستقر فى النفس. فالأباء المغبوطون يحددون الهاجس بأنه مجرد الفكرة الخاطرة أو الصورة الأولى التى ترتسم فى القلب عن شىء ما جديد، والمحاورة بأنها مخاطبة تلك الفكرة الخاطرة أو الصورة الظاهرة فى القلب سواء بإنفعال أو بدون إنفعال، والقبول بأنه رضى النفس بها، والأسر بأنه انقياد القلب قسرا وكرها لها، أو وصال بها مستمر يطيح بسلامنا. أما الصراع فيعرّفونه بأنه قوة تقابل القوة التى تقاتلنا وتساويها فإما أن نقهرها أو أن ننهزم لها بحسب اختيارنا. وأما الهوى الكامل فيقولون أنه داء معشش فى النفس منذ أمد بعيد وقد آلت بها هذه الالفة إلى العادة فأصبحت تخلد إليه طوعا وتستسلم له. فالحالة الأولى(الهاجس) بين هذه الحالات كلها تخلو من الخطية، والثانية (المحاورة) ليست دائما بريئة من الخطيئة، والثالثة (القبول) تختلف الخطيئة فيها بحسب حال المجاهد. أما الصراع فيسبب للمرء الاكاليل أو العقوبات. وأما الأسر فيُحكم عليه إذا حدث وقت الصلاة بخلاف ما يحكم عليه فى حدوثه خارج وقت الصلاة. وحكمه فى الأفكار الاثيمة غير حكمه فى الأفكار الأقل أثما. وأما الهوى فلا مناص من أن تقابله توبة تعادله أو أن يعاقب عليه. فمن يلقى الهاجس الاول بفكر خال من أى هوى يقطع بالتالى الحالات الأخرى كلها دفعة واحدة )
وأيضا ( إن بعض الأهواء تبدأ فى النفس وتسرى فى الجسد، أما الأهواء الأخرى فتدخل بالعكس من الجسد إلى النفس. وتلازم الثانية أهل العالم، أما الأولى فالعائشين فى العزلة، وذلك لفقدان الأسباب المادية للخطية فى العزلة. غير أنى أقول فى هذا الشأن ما قاله الحكيم: ( تطلب عند الأشرار إنتظاما فلا تجد ).
واعلم :
يقول الدرجى ( إن الرب يسر بطهارة أجسادنا وعدم فسادها بقدر ما هو غير فاسد وبلا جسد. أما الشياطين، على حد قول البعض، فلا يفرحون بشىء كفرحهم بنتانة الزنى ولا يسرون بهوى كسرورهم بدنس الجسد )
وأيضا ( الطهارة تجعل المرء أليف الله ونظيره بقدر ما يستطاع هذا للناس )