ما هى الروح ؟
الروح هى العنصر الذى وضعه الله فى الإنسان، والذى من خلاله يتصل الإنسان بالله، وبالإيمانيات، وعالم الروح.
فإذا كان الإنسان يشترك مع النبات فى الجسد ومع الحيوان فى الجسد والنفس، إلا أنه يتميز بعد ذلك بالعقل والروح، لذلك يقول البعض عن الإنسان أنه حيوان عاقل ومتدين.
ومنذ فجر التاريخ الإنسان متدين، حتى وإن ضل الطريق الصحيح، إلا أن أحشاءه تؤكد له وجود الخالق، والخير، والثواب والعقاب، والخلود. وما شابه ذلك من عالم – الماورائيات – أى ماذا وراء المادة؟ وماذا وراء الموت؟ وماذا وراء الزمن؟ وماذا وراء الطبيعة؟ وأحياناً يسمونه عالم – الميتافيزيقيا – أى ما وراء الطبيعة المحسوسة!
لقد استلم آدم معرفة الله من الله مباشرة، ثم تعاقبت الأجيال بعد السقوط، وتشتت البشر بعد بلبلة الألسنة، وبدأنا نسمع عن عبادات كثيرة، كعبادة الشمس والقمر والنجوم والعجل والبقرة والتماثيل.
ولكن هذه جميعاً كانت مجرد تعبيرات عن القوة والخير والعدل والسلطان.. وقد أختار الله فى القديم بعض أسرار الشريعة والفهم والإيمان، ومع ذلك كثيراً ما ضلوا وعبدوا الأوثان التى تعبدت لها الأمم فى مختلف حقب الزمان.
ولنا أن نفخر كمصريين بأخناتون العظيم الذى نادى بالإله الواحد، وقدم له العبادة والسجود، وتحدث عن بعض صفاته الإلهية، وكيف أنه جل إسمه – روح بسيط خالد خالق، يرعى الكون بحبه، ويشرق عليه بشمسه: ويضمه إليه بحنانه الفائق.
ومع أن الروح هى عنصر الإيمان فى الإنسان، إلا أنها ما أنفصلت قط
عن العقل عنصر التفكير.. لهذا رأينا فى الفلاسفة اليونان وفى الحضارات الشرقية القديمة، عقولاً استنارت بالروح القدس، واستشرقت من بعيد آفاق الألوهة الفائقة للعقل والمعرفة، حتى أستحق الفلاسفة أن يسميهم القديس كليمنضس الإسكندرى أنبياء الوثنية.
إن الروح – أيها القارئ الحبيب هى العنصر الذى يوصلنا إلى الله، ويوحدنا
به، فأحذر أن يضمر هذا العنصر فى حياتك: حينما تهمل خلاص نفسك، أو حينما تجعل المادة أو الغرائز تتحكم فيك.
فأنت مخلوق إلهى، فوق المادة والتراب، وإتجاهك نحو الخلود والأبدية، فأنتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى.
2- وسائل أشباع الروح
أ- الصلاة :
الصلاة هى الحبل السِرى – بكسر السين – الذى من خلاله نتصل بالرب سراً ولا رقيب. وهى أيضاً الحبل السُرى – بضم السين – الذى من خلاله ننال الغذاء الروحى من السماء لحظة بلحظة، كالجنين فى بطن أمه. والصلاة تفتح عالم الله علينا، كما تفتح عالمنا على حبه وفعله الإلهى، لذلك فهى الفرصة الأساسية التى فيها يشكلنا الله، ويبنينا، ويقدسنا ويشبعنا.
+ “الصلاة هى رفع العقل إلى الله” (الأب يوحنا الدمشقى)
“الصلاة سلاح عظيم وكنز لا يفرغ، غنى لا يسقط أبداً” (القديس يوحنا ذهبى الفم).
+ “حينما تصلى ألا تتحدث مع الله؟ أى امتياز هذا” (القديس يوحنا ذهبى الفم).
ب- الكتاب المقدس :
“بدون القراءة فى الكتب الإلهية، لا يمكن للذهن أن يدنو من الله” (مارأسحق السريانى).
“فى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً” (مز 2:1).
“والهذيذ فى الشريعة لا يعنى قراءة كلماتها أو تلاوتها، بل يتسع إلى تتميم أحكامها بالتقوى” (الأسقف ايلارى).
“ليكن لك محبة بلا شبع لتلاوة المزامير لأنها غذاء الروح” (مارأسحق السريانى).
“ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله”
(مت 4:4).
“وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لى لفرح ولبهجة قلبى” (أر 16:15).
الكتاب المقدس هو بالحقيقة مائدة دسمة، فيها تشبع أرواحنا وحواسنا، وتستريح نفوسنا، فقراءة الكتاب بإنتظام وحرارة قدام المسيح، فإذا كان السيد المسيح هو الكلمة الذاتية، فالكتاب هو الكلمة المكتوبة لخلاصنا، أنه ببساطة: السيد المسيح متكلماً!!
ج- الأفخارستيا :
لقد أعطانا الرب جسده ودمه ذبيحة يومية على مائدته المقدسة، لكى كل من يأكل منه يحيا إلى الأبد. إنه – خبز الحياة النازل من السماء – واهباً حياة للعالم، “مأكل حق ومشرب حق”.
+ “من يأكلنى يحيا بى”، “يثبت فىّ وأنا فيه” (يو 48:6-57).
من هنا تدعونا الكنيسة إلى الأغتذاء اليومى من هذا السر المبارك، الذى من خلاله نتحد :
أ- بالسيد المسيح.
ب- بالقديسين.
ج- بأخوتنا المؤمنين.
د- ونصلى من أجل العالم كله.
د- القراءات الروحية :
القراءة فى الكتب الروحية أساسية للشبع الروحى، لذلك أوصى الآباء القديسون أولادهم بها…
أنت مخلوق إلهى، فوق التراب والمادة، وإتجاهك نحو الخلود والأبدية، فأنتبه خشية أن يضمر هذا العنصر فى حياتك بسبب الإهمال الروحى.
“أتعب نفسك فى قراءة الكتب، فهى تخلصك من النجاسة” (القديس الأنبا أنطونيوس).
“كن مداوماً، لذكر سير القديسين، كيما تأكلك غيرة أعمالهم” (القديس موسى الأسود).
“كتبى هى شكل (سيرة) الذين كانوا قبلى، أما إن أردت القراءة ففى كلام الله أقرأ” (القديس أنطونيوس).
لهذا أوصى الآباء بأن نكرم القراءة كما نكرم الصلاة، حيث أنهما تكملان إحداهما الأخرى… ونحن نشكر الله من أجل فيض الكتب والمجلات والنبذات الروحية التى أعطاها الرب لنا فى هذه الأيام.
هـ- الإجتماعات الروحية :
يوصينا الرسول بولس أن لا نترك إجتماعاتنا، بل أن نحرص على الحضور، لما فى ذلك من بركة روحية وتعليمية هامة..
“غير تاركين إجتماعنا كما لقوم عادة” (عب 25:10)..
“حينما تجتمعون معاً ليس هو لأجل عشاء الرب” (1كو 20:11)، يقصد الأغابى التى تسبق القداس الإلهى، أى العشاء معاً فى المساء، قبل تسبيح نصف الليل..
“متى إجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور له تعليم..” (الإجتماعات التعليمية).. (1كو 26:14).
والإجتماعات الروحية تحقق أهدافاً كثيرة… فهى مثلاً :
أ- تعطى التعاليم الأساسية للخلاص.. “هلك شعبى من عدم المعرفة” (هو 6:4).
ب- تشبع نفوسنا روحياً بكلمة الله.
ج- تحمينا من إنحرافات الفكر وحيل الشيطان.
د- ترد على أية مطاعن فى إيماننا المسيحى القويم.