بساطة تعاليم السيد المسيح

بساطة تعاليم السيد المسيح
 
قال السيد المسيح “الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة” (يو6: 63). فبالرغم من سمو تعاليم السيد المسيح، وبالرغم من أنه هو الله الكلمة الذي تجسد لكى يخلِّصنا ويفدينا، إلا أنه قد استخدم وسائل بسيطة فى شرح الحقائق الكبيرة التى يريدها الله للإنسان.
 
وقد استطاع السيد المسيح بأسلوب بسيط أن يعبِّر عن حقائق في منتهى العمق. فأعطى مثلاً يفهمه كل إنسان، وعلَّم تعاليماً عملية لها معانٍ كبيرة. فيقول فى إنجيل معلمنا لوقا البشير “متى دُعيت من أحد إلى عرس فلا تتكئ فى المتكأ الأول لعل أكرم منك يكون قد دعي منه. فيأتي الذي دعاك وإياه ويقول لك أعط مكاناً لهذا. فحينئذ تبتدئ بخجل تأخذ الموضع الأخير. بل متى دعيت فاذهب واتكئ في الموضع الأخير حتى إذا جاء الذي دعاك يقول لك يا صديق ارتفع إلى فوق. حينئذ يكون لك مجد أمام المتكئين معك. لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع” (لو14: 8-11)0
المثل بسيط جداً؛ أي إنسان يمكنه أن يفهمه، وهو أسلوب عملي في تعليم الاتضاع. لابد أنك مررت في موقف شبيه في حياتك اليومية، أو رأيته حادثاً مع آخرين. لابد أنك رأيت أناساً يحاولون تصدُّر المتكآت الأولى، ويكونون مصدراً للمشاكل والمضايقات للآخرين، حتى أن الداعين يندمون أنهم قد دعوا أولئك الناس محبي المتكآت الأولى، لأنهم يضايقون غيرهم. أو يضطرون أن يعملوا معهم ما ذُكر في المثل الذي قاله السيد المسيح
 
سمو تعليم السيد المسيح
وراء هذا المثل البسيط تكمن معان كبيرة جداً. فبعدما ذُكر المثل، أعطى السيد المسيح التعليم الأعمق وجوهر الفكرة فقال “لأن من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع”
هذا مبدأ كبير وحكمة عميقة. هناك من يرتفع إلى تحت وهناك من ينخفض إلى فوق. لو أن السيد المسيح قال هذا من البداية لما فهم أحد، لكن حينما قال المثل وشرحه حينئذ فُهم المعنى. وفى نفس المعنى قال القديسون [من يجرى وراء الكرامة تهرب منه، ومن يهرب منها تجرى خلفه وترشد جميع الناس إليه] وتقول هذا هو المستحق }أكسيوس{، تشير إليه وتقول ألحقوا به ولا تتركوه “لأن من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع” (لو14: 11)0
 
الاتضاع هو الأساس
حينما تريد أن تبنى بناءً عالياً لابد أن تنقب الأرض إلى عمق كبير. وكلما يزداد الأساس عمقاً كلما يرتفع البناء ويكون ثابتاً لا يتزعزع
كلما يضع الإنسان نفسه كلما ارتفع برج فضائله إلى فوق. بمعنى أنه قد وضع أساساً حقيقياً لحياة الفضيلة، تلك الفضيلة التي لا تبحث عن مجد الناس بل التي يمجّدها الله لأن “ليس من يمدح نفسه هو المزكَّى بل من يمدحه الرب” (2كو10: 18) ويتكّلم الرب في قلوب الناس من أجله لكي يمدحوه.. يوقظهم من نومهم ويرشدهم إليه
 
الله يكرم رجاله
أحياناً يريد الإنسان أن يخفى فضائله فتكون النتيجة أنها تنكشف بأكثر قوة. يُحكى أن أحد الآباء الرهبان كانت له موهبة شفاء الأمراض وإخراج الشياطين، فحينما كانوا يطلبون منه الصلاة لأجل مريض ليشفى كان يرفض ذلك، لأنه لم يكن يرد أن أحداً يعرفه. لو عرف أن من يطلب منه الصلاة لأجله هو إنسان مريض كان يرفض الصلاة عليه لئلا يشفى المريض ويقول الناس عنه أنه قديس. ففي إحدى المرات كان لرجل ابنة بها روح شرير وحاولوا إخراجه بطرق كثيرة لكنها فشلت جميعها، فقيل له لن يستطيع أحد أن يخرج هذا الروح الشرير من ابنتك سوى هذا الراهب، لكنك إن طلبت إليه سوف يرفض ذلك. ثم نصحوه أن يطلب شراء عمل يدي هذا الأب الذي كان ينزل كل أسبوع إلى القرية ليبيعه. وقالوا له حينما يدخل بيتك سيباركه وقد تستطيع أن تطلب منه حينئذ أن يصلي على ابنتك دون أن تعلمه أن بها شيطان وسيشفيها الله بصلواته. فعمل الرجل هكذا وصعد إلى سطح المنزل ونادى على الأب الراهب وطلب إلى الأب الراهب أن يدخل إلى بيته، وما أن دخل الراهب إلى البيت حتى صفعته الابنة التي بها الروح الشرير صفعة شديدة على خده. فما كان منه إلا أن حوَّل لها الخد الآخر. وفى هذه اللحظة صرخ الشيطان قال له [أحرقتني باتضاعك وبتنفيذ وصية إلهك]. وخرج الروح الشرير، فعلم الجميع أن هذا الراهب استطاع أن يخرج الشيطان بقوة الاتضاع، بدون صلاة خاصة بإخراج الشيطان، وهو لم يكن يعلم شيئاً عن الأمر. وهكذا كلما حاول الإنسان أن يهرب من الكرامة فإنها تلاحقه لأن الله يريد أن يكرّمه
قال السيد المسيح “إن كان أحد يخدمني يكرمه الآب” (يو12: 26)0
وكرامة الله تختلف عن كرامة أهل العالم. رجال الله يكرمهم الله بأشياء ليس في قدرة البشر أن يعملوها
 
كلمات قوية
يقول الله عن صموئيل النبي “كان الرب معه ولم يدع شيئاً من جميع كلامه يسقط إلى الأرض” (1صم3: 19). فالكلمة التي كان صموئيل النبي يقولها لم يكن ممكناً أن تسقط حتى إذا قالها وهو لا يقصد
الناس الذين من هذا النوع يخافون من الكلام لأنهم يعلمون أن أية كلمة يلفظونها سوف ينفِّذها الله على الفور. لذلك كان أولئك الناس قليلي الكلام. وكلمة واحدة من كلامهم، كانت تساوى عشرات الآلاف من الكلمات. وينطبق على كلامهم قول الكتاب “تفاح من ذهب في مصوغ من فضة كلمة مقولة في محلها” (أم25: 11).. فليس بكثرة الكلام يعمل الله عمله
هناك إنسان حينما يتكلّم ينطق فمه بالحكمة وبكلام الله وينطبق عليه قول السيد المسيح في سفر النشيد “شفتاك يا عروس تقطران شهداً” (نش4: 11)
لماذا تقطر هذه الشفاه شهداً بمجرد أن تنفتح؟!.. تقطر شهداً لأن الله يتكلّم عن لسانه فيكون لكلامه تأثير في حياة الناس ويستطيع أن يغيِّر حياة الكثيرين بكلمة من كلامه
في أثناء مرور السيد المسيح وجد لاوي (متى الإنجيلي) جالساً عند مكان الجباية، وقد كان عشاراً منهمكاً كل حياته في المال والخطية، “فقال له اتبعني” (لو5: 27). قال هذه الكلمة الواحدة فقط، ويقول الكتاب: “فترك كل شئ وقام وتبعه” (لو5: 28). وآخر يتكلم لسنوات طويلة وكلامه ليس له أي تأثير. الكلام الذي يصدر من فم الله ويُمسح بالروح القدس يستطيع أن يغِّير قلوب السامعين
 
لماذا الاتضاع
الكبرياء هي السبب الأصلي للخطية. حينما أراد الشيطان أن يصير مثل الله كما هو مكتوب عنه “وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السماوات أرفع كرسيّ فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العليّ” (أش14: 13-14). حينما ارتفع قلب الشيطان بالكبرياء سقط من رتبته. وهكذا أيضاً آدم وحواء حينما أرادا أن يصيرا مثل الله طُردا من الفردوس
قال الشيطان لحواء “لن تموتا” (تك3: 4) إذا أكلتما من الشجرة إنما “تكونان كالله عارفين الخير والشر” (تك3: 5). فلما ارتفع قلباهما وأرادا أن يصيرا مثل الله سقطا. هكذا “يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة” (يع4: 6). وهذا ما قالته السيدة العذراء فى تسبحتها “أنزل الأعزاء عن الكراسيّ ورفع المتضعين. أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين” (لو1: 52-53)
المياه حينما تتحرك تتجه دائماً إلى أسفل، ولا تتجه أبداً إلى أعلى. جريان الماء دائماً يتجه من العالي إلى المنخفض. فالأنهار تنحدر إلى أسفل
إذا أردت أن تشرب من صهريج يجب عليك أن تنزل تحته فتأخذ مياهاً بقوة وغزارة، أما إذا صعدت فوقه فلن يصل إليك تيار الماء. هكذا فإنك إذا أردت أن ترتفع لن تصل إليك مياه النعمة الإلهية. إذا أردت أن تتدفق نعمة الله في قلبك يجب عليك أن تتواضع، لأن الكتاب يقول “تواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه” (1بط5: 6)0
 
أنت تراب
السيد المسيح وهو الكائن في حضن الآب منذ الأزل “أخلى نفس آخذاً صورة عبد.. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت” (في 2: 7-8). فالسيد المسيح وهو ابن الله الذي هو في مجد أبيه منذ الأزل أخلى نفسه من المجد.. وحينما صار إنساناً تواضع وأطاع حتى الموت
لكن الإنسان ماذا كان؟.. كان مجرد حفنة من التراب لذلك قال الله لآدم عن الأرض “شوكاً وحسكاً تنبت لك.. بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التى اُخذت منها لأنك تراب وإلى تراب تعود” (تك3: 18-19). الإنسان هو حفنة من التراب: أين الكرامة والعظمة، أين الجاه والملابس الفخمة؟ اعمل ما تشاء في النهاية سوف تصير حفنة من التراب “لأنك تراب وإلى تراب تعود”
إذا عرفت “أنك تراب وإلى تراب تعود”، أي إذا عرفت حقيقة نفسك، حينئذ تنال الكرامة التي يعطيها الله لك وليست الكرامة التي تغتصبها. إذا كنت تريد الكرامة سوف يعطيك الله الكرامة. فليست الكرامة بكسر الوصية يا آدم، وقد أوصاك الله “أنك يوم تأكل منها موتاً تموت” (تك2: 17). هل تريد أن تصير إلهاً؟ ها قد صرت حفنة من التراب يأكلك الدود، وصرت هزءاً للذباب الأزرق وللحشرات الآكلة، تهزأ بك الطبيعة وتتسلى بك الحشرات. ولم يتوقف الأمر على ما حدث للجسد، وإنما الروح أيضاً ساقها الشيطان لسوق العبيد مغللة بالسلاسل الروحية إلى بيت السجن في الظلمة هناك في الجحيم. ها قد فقدت مجدك وبهاءك وسعادتك. هذه نتيجة السعي وراء العظمة والكرامة الزائفة بدافع من الكبرياء
 
 
الاتضاع هو بداية الطريق
بداية المسيرة هي أن تعرف أنك تراب. متى بلغت في نظر نفسك أنك لا تزيد عن كونك مجرد حفنة تراب، سوف ينفخ الله حينئذ في أنفك نسمة حياة فتصير نفساً حية
إذا أردت أن تعيش مرة أخرى يجب أن تصير حفنة تراب. لن تدب الحياة فيك من جديد، ولن تخلق خلقة جديدة، إلا إذا صرت في نظر نفسك مجرد حفنة من التراب. فالكتاب يقول “إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة” (2كو5: 17)
لذلك عندما خلق السيد المسيح عينين للأعمى أخذ حفنة من تراب الأرض، “وتفل على الأرض وصنع من التفل طيناً وطلى بالطين عيني الأعمى. وقال له اذهب اغتسل فى بركة سلوام.. فمضى واغتسل وأتى بصيراً” (يو9: 6-7). وهذا ما كان الرب يريده: أن تبدأ القصة من التراب، ثم تذهب إلى المعمودية. لذلك رتبت الكنيسة أن يُقرأ إنجيل المولود أعمى يوم أحد التناصير، لأن الخليقة الجديدة تبدأ فى المعمودية، وفي إنجيل المولود أعمى نرى كيف صارت الخليقة الجديدة.. كيف صنع الرب عينين للمولود أعمى
 
مبدأ الدفن في الطريق الروحي
المعمودية هي دفن. وفى المعمودية نحن نقبل أن تُدفن أنفسنا: “فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة” (رو6: 4)، حيث الخليقة الجديدة
فى المعمودية يُدفن إنساننا العتيق “عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه” (رو6: 6)، نموت عن الخطايا السالفة قابلين الموت بإرادتنا “احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية” (رو6: 11)0
معنى المعمودية هي أننا نُعلن أننا نستحق الموت والدفن.. وأنا أُدفن “لأن لي الحياة هي المسيح” (فى1: 21). ولأن حكم الموت علىَّ. في ذلك قال القديس بولس الرسول بلسان الإنسان العتيق السابق للمعمودية “ويحي أنا الإنسان الشقي. من ينقذني من جسد هذا الموت” (رو7: 24). هذا الجسد الذي يتبهرج ويكتسي ويشتهي ويتعظَّم يقول عنه القديس بولس الرسول إنه جسد الموت. فإذا قبلنا الصليب والموت؛ ينطبق علينا قول بولس الرسول “أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” (غل2: 20). هناك تكون نقطة البداية في الحياة مع الله
الصليب هو البداية “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ” (غل2: 20). هذه الذات -التي حاولت أن تتأله وتغتصب الألوهة- لابد لها أن تتحطم على صخرة المسيح. “يا بنت بابل الشقية طوبى لمن يكافئك مكافئتك التي جازيتنا. طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة” (مز137: 8-9). بعد المعمودية “أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىَّ”.. أنا ما أنا.. أنا إنسان جديد لأن المفروض أن الإنسان العتيق انتهى. “احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية” (رو6: 11). “أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية؟ حاشا” (1كو6: 15)0
 
النصرة بالاتضاع
الإنسان المتواضع هو الذى يغلب الشيطان بتواضعه
فالاتضاع والانتصار على الخطية هما جناحان لمعادلة واحدة: لأن الإنسان لن يستطيع أن يغلب الشيطان إلا بالتواضع لذلك فإن القديس مكاريوس الكبير حينما ظهر له الشيطان وقال له: ويلاه منك يا مقارة؛ أنت تصوم أما نحن فلا نأكل وأنت تسهر وأما نحن فلا ننام، لكن بشئ واحد تغلبنا. فلما سأله القديس عن هذا الشئ قال له: باتضاعك تغلبنا. هذا هو السلاح الذي نغلب به الشيطان
وهذا الشيطان لا يأخذ هدنة فهو خدَّاع ومكَّار، فهولم يترك القديس مكاريوس بعد أن قال له أنك غلبتني. وكان القديس يعلم أن الشيطان بذلك يدبِّر له مؤامرة جديدة، لكنه علم أن الانتصار على الشيطان هو دائماً بمزيد من الاتضاع. وحتى حينما تمّم القديس مكاريوس جهاده بسلام وكانت روحه في طريق دخولها إلى الفردوس. ففي طريق إنطلاقها إلى السماء قال له الشيطان [طوباك يا مقاره فقد غلبت] قال له: [لا يمكن تغويني بكلماتك المعسولة إلى أن أصل إلى داخل الفردوس]. كان يعلم أنه لن يحتمي إلا في أحضان السيد المسيح، في حضن ذاك الذي غلب الشيطان وسحق سلطانه
 
الاتضاع نقطة البداية
المثل الذي قاله السيد المسيح كان بسيطاً جداً، لكن فيه تكمن كل اختبارات المسيحية. لأنك إذا لم تستطع أن تجلس في المتكأ الأخير لن تفلح في الطريق الروحي إذ أن هذه هي أساسيات الحياة الروحية وهى نقطة البداية. “إن جريت مع المشاة فأتعبوك فكيف تُبارى الخيل” (إر12: 5). أى أنك إذا لم تستطيع أن تجلس في المتكأ الأخير فلن تستطيع أن تحارب الشيطان وتغلبه
 
تداريب على الاتضاع
قال السيد المسيح “الأمين في القليل أمين أيضاً في الكثير” (لو16: 10). فإذا أردت أن تختبر حياة التواضع ابدأ بالأشياء البسيطة التي يستطيع أي إنسان أن يعملها. فأنت تستطيع مثلاً أن تقدم غيرك على نفسك في أشياء بسيطة في الحياة اليومية: فمثلاً تجعل غيرك يسبقك في الدخول إلى المكان، أو تقف أنت لتُجلِس شيخاً احتراماً لكبار السن، أو لا تقاطع غيرك أثناء كلامه؛ فهي أمور بسيطة لكنها تداريب تعلِّمك الاتضاع
السيد المسيح لا يعتبر المسيحية مجرد وصايا كبرى وفلسفات لاهوتية هائلة لكنه أعطانا المسيحية كحياة عملية معاشة. ومن خلال التصرفات البسيطة التي يستطيع الإنسان أن يتعلمها سوف يتعلم الفضائل الكبيرة التي تجعله يصل إلى قمة الحياة الروحية
 
النصرة بقوة الله
حينما تحارب الشيطان بقوة المسيح لابد أنك سوف تنتصر، لكن إذا حاربته بقوتك الشخصية فلن تكلل بالنصرة على الإطلاق: قال أحد الآباء [إن الشيطان في أحد المرات قال لله العبارة الآتية: دع الأقوياء لي فانتصر عليهم أما الضعفاء فلا أستطيع أن أحاربهم ولا أقوى عليهم لأنهم يحاربونني بقوتك أنت]. وفى نفس المعنى يقول القديس بولس الرسول “لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوى” (2كو12: 10) ويقول أيضاً “أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني” (فى4: 13). الإنسان الذي يشعر بضعفه يطلب معونة الله باستمرار، فمعونة الله تعطيه النصرة والغلبة على الشيطان أما من يعتز بقوته ويعتمد عليها فمهما كان قوياً، فالشيطان أقوى منه. لذلك إذا أتتك مشاعر الكبرياء فاعمل بنصيحة قداسة البابا شنودة الثالث، وقل لنفسك دائماً: }أنا لست أطهر من داود ولا أقوى من شمشون ولا أحكم من سليمان{، والثلاثة سقطوا في خطية الزنا. لأن هذه الخطية “طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء” (أم 7: 26)0
 
اعرف حقيقة ذاتك فيكرمك الله
بالنسبة للسيد المسيح كان الاتضاع هو أنه بعدما أخلى ذاته ونزل من مجده السماوي وارتضى أن يكون في صورة عبد مخفياً مجده الإلهي فإنه وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. أما بالنسبة إلينا فالاتضاع هو أن نعرف حقيقة أنفسنا. ولا يُعتبر هذا اتضاعاً حقيقياً. السيد المسيح وحده هو الذي اتضع اتضاعاً حقيقياً لأنه بعدما أخلى نفسه من المجد الذي كان له مات عن الخطاة وهو برئ إذ حمل خطايا كثيرين وشفع في المذنبين. لكن ما الذي أُخلى أنا نفسي منه؟ لا شئ على الإطلاق ‍‍‍‍‍‍‍
هل يستطيع الدود أن يفتخر؟! هل يستطيع النتن أن يفتخر؟! هل يستطيع المذنب المحكوم عليه بالموت أن يفتخر؟! لذلك بالنسبة للإنسان هو لا يسمى اتضاعاً بل مجرد معرفة لحقيقة النفس. لذلك حينما قال السيد المسيح “حينئذ يضئ الأبرار كالشمس فى ملكوت أبيهم” (مت13: 43). كان هذا على سبيل نعمة لأن الله سوف يكرّم قديسيه
في ليلة الصلب قال السيد المسيح للآب السماوي “أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي” (يو17: 24). هو يريدنا معه.. بل أن السيد المسيح قال أكثر من ذلك إذ قال “وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني” (يو17: 22). ما هذه الروعة‍‍‍‍‍؟!! لذلك قال “من يهلك نفسه من أجلى يجدها” (مت16: 25)0
 
هل تريد المجد
إذا كنت تريد المجد، ابدأ الطريق من بدايته. هناك حيث تقول “أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” (غل2: 20). وحينما تضع نفسك سوف يعطيك السيد المسيح الكرامة الحقيقية: كرامة الأبدية وكرامة الملكوت.. ليس الكرامة والعظمة العالمية الزائلة التي نهايتها الدمار والضياع التي قال عنها السيد المسيح “من وجد نفسه يضيعها”.. راجع نفسك وافحصها واعلم هل أنت تقف لهذه الذات بالمرصاد. هل هي محتاجة لبعض المسامير. “الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غل5: 24)0
قصة حياة الإنسان مع المسيح هي قصة إنسان تتجدد فيه مفاعيل الموت مع المسيح باستمرار. لذلك قال “احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية لكن أحياءً لله بالمسيح يسوع ربنا” (رو6: 11). اصحوا لأنفسكم، لأن أي غرور أو أي افتخار أو أي كبرياء معناه أن الذات المتعالية تريد أن تعيش من جديد لتضيّع حياة الإنسان. قل لها لماذا تعودين أيتها الشقية العتيقة إلى الحياة مرة أخرى؟
رسالة الإنسان هي أن يظل متيقظاً ساهراً لنفسه بالمرصاد. المشكلة ليست فقط في الشيطان إنما ذاتك أيضاً يجب عليك أن تحترس منها، فكن يقظاً مع هذه الذات. لذلك حينما قال القديس بولس الرسول “مع المسيح صلبت” (غل2: 20) وقال “قد صُلب العالم لي وأنا للعالم” (غل6: 14) كان هذا يعنى ضمناً أن مفعول المعمودية متجدد في حياته باستمرار
فليعطنا الله أن نسلك في هذا الاتضاع الحقيقي لكي نستحق أن نكلل في ملكوته الأبدي ولإلهنا المجد دائماً أبدياً آمين
Scroll to Top