كيف اشهد للمسيح ؟!
نشعر بكثير من الخزى ونتساءل: “هل من الممكن أن نصير شهداء؟” وهنا يجيبنا القديس يوحنا ذهبى الفم: “هل تظن أن الصلب على خشبة فقط هو طريق الشهادة؟ لو كان الأمر كذلك لحرم أيوب من إكليله، لكنه تألم أكثر من شهداء كثيرين، لقد قاس الآلام من كل جانب: من جهة ممتلكاته وأولاده وشخصه وزوجته وأصدقائه وأعدائه وحتى خدمته، لأجل هذا أقول أن أيوب كان شهيداً”.
وارجوا أن أضع أمامك يا رفيقى الشاب بعض مواقف على طريق الشهادة، لنمتحن أنفسنا معاً أمامها:
أولاً: أشهد للمسيح فى حياتك الخاصة (ج1)
ثانياً: أشهد للمسيح أمام أصدقائك (ج1)
ثالثاً: أشهد للمسيح أمام أولاد العالم :
فى البداية يلزمنى أن اشهد للمسيح أمام الجماعة التى كنت ارتبط بها فى أرض الخطيئة ولكن فى الطريق نتقابل كل يوم مع أناس ذوى مبادئ مختلفة، بل أن المبادئ نفسها اهتزت بعنف فى ما لم القرن العشرين. لقد اختلط كل شئ وذابت القيم الأخلاقية والدينية، أمام طوفان الاعتداء الإنسانى والتحرر المتطرف، والمادية والإباحية والإلحاد. ولقد أدرك الرسول بولس بالروح ما سيحدث فى هذه الأيام فحذرنا قائلاً: “سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل بحسب شهواتهم خاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم يصرفون مسامعهم عن الحق” (2تس 4:3). “فلا يسلكوا فيما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضاً ببطل ذمتهم، إذ هم مظلموا الفكر، ومتجنبون عن حياة الله بسبب الجهل الذى فيهم بغلاظة قلوبهم، الذين هم إذ فقدوا الحس اسلموا أنفسهم للدعارة ليعلموا هل نجاسة فى الطمع وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا” (أف 17:4-19)، “فلا تكونوا شركاءهم.. اسلكوا كأولاد نور..” (أف 7:5،8).
إذن فليس جديد تحت السماء، وكل إنحرافات هذا العالم ومبادئهم الخاطئة معروفة من قبل فى علم الله. وحيثما كثرت الخطيئة ازدادت النعمة جداً (رو 20:5) أما الشباب الذى يتعلل بعلل الخطايا مع الناس فاعلى الإثم (مز 4:140)، فيحتاج إلى وقفة صدق أمام ضميره وأمام الله وأمام تعليمات الكلمة.
هنا الشهادة وهنا صبر القديسين، كان (لوط) البار بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم يعذب يوماً فيوماً نفسه البارة بالأفعال الأثيمة، ولنثق من النصرة إذ يستطرد الرسول قائلاً: “ويعلم الرب إن ينقذ الأتقياء من التجربة ويحفظ الاثمة إلى يوم الدين معاقبين” (2بط 8:2،9).
فلنقف مواقف الشهادة أمام الإنحرافات التى تسود العالم، ولا نشترك فى أعمال الظلمة غير المثمرة، بل بالحرى نوبخها، فلا نختلس مع المختلسين، ولا نهمل مع المهملين، ولا نهادن الخطأ فى أى موقع بل ننبه أخوتنا فى حب، لا فى تزمت وكبرياء، ولا فى سلبية وإنطواء، وما أكثر مواقف الشهادة فى التعامل مع الناس ذوى الإتجاهات المنحرفة، فليكن شعارنا قول الرسول: “جميع الذين يريدون أن يعيشوا فى التقوى فى المسيح يسوع يضطهدون” (2تى 12:3). فلا نندمج أذن فى عالم شرير وزملاء منحرفين، ولا نهادنهم على أخطائهم بل نشهد للحق مهما كانت الخسارة.
رابعاً: أشهد للمسيح أمام الجميع :
نحتاج كأولاد للمسيح إلى دراسة واعية لحقائق الإيمان المسيحى، خصوصاً فى موضوعات: الثالوث القدوس – ضرورة التجسد – فكرة الفداء – إثبات صلب المسيح – قيامة الرب – صحة الكتاب المقدس وهكذا. ويجب على الشباب المسيحى أن يستوعب هذه الموضوعات ليكون مستعداً لمجاوبة من يسأله بوداعة وخوف أو تحزب أو خصام.
فأشهد للمسيح أمام أخوتك فى حياتك المقدسة ووداعتك وحبك وخدمتك الباذلة، وبكلماتك المشحونة وداعة وهدوءاً. لا تجادل فى مناقشات عقيمة تسبب الخصومات، بل أجب على هذه الأسئلة التى تقدم إليك فى روح الاستطلاع الهادئ والهادف، لا تتحوصل حول أخوتك من دينك، بل انسجم فى حب وروح جماعية مع أخوتك فى الديانات الأخرى، “ليضئ نوركم قدام الناس” (مت 16:5).
خامساً: أشهد للمسيح فى خدمتك :
وهذا مجال أخير للشهادة، فحين نتأمل حياة الرب يسوع وخدمته، ثم حياة تلاميذه الرسل وأباء الكنيسة، نعرف أن منهم من باع نفسه عبداً ليتمكن من دخول مدينة ما، ومنهم من غير معالم شخصيته ليدخل مدينة أخرى. وليس مثل الرسول بولس بعيداً عنا، حين نقرأ انه جال بين القارات المختلفة يؤسس عدداً ضخماً من الكنائس، ويسعى وراء النفوس فى حب ودموع، وفى أتعاب وأسهار، وضربات وسجون وميتات وجلدات ورجم، فى أخطار فى البحر والبرية، وجوع وعطش وبرد وعرى.
حين نقرأ هذه القائمة الجبارة من آلام الخدمة نعرف أننا لم نصر بعد خداماً. فالخادم الحقيقى قد جهز قلبه للألم، وأعد نفسه لدفع ضريبة الخدمة، وقد امتلأ فرحاً بهذه الآلام بسبب المجد الذى يعقبها.
هل نبذل دمائنا لأجل الخدمة؟ وهل نعطى الرب من أوقاتنا ما نحن فى حاجة إليه؟ ومن أموالنا ما لا نستطيع الاستغناء عنه، ومن جهدنا رغم قلته وضعفه؟
هنا الشهادة.. فالخادم الذى يكتفى برفاهية الخدمة، ومظهريتها وأمجادها، يجب أن يقف أمام نفسه ليقدمها مطوبة ومذبوحة حباً.
فليعطنا الرب أن نبذل أنفسنا فى مجالات الشهادة المختلفة فيشهد لنا الروح القدس أننا شهداء بلا دماء.