الوداعه

هي واحدة من ثمار الإنسان المسيحي الحق، إذا فهي عمل للروح القدس داخل الإنسان الخاضع لسلطان الروح. وتظهر هذه الثمرة في ملامح الوجه، وفي نبرات الصوت وفي التعبيرات … والشخص الوديع يجسد المسيحية المفرحة والعبادة المبهجة، والوداعة هي واحدة من الأثني عشر فضيلة التي يتحلّى بها الأب البطريرك (لحن الإثنا عشر فضيلة) وهو المثل الأعلى لنا لأنه هو المسيح المنظور. وعندما سأل تلاميذ القديس باخوميوس معلمهم عن أفضل المناظر الإلهية التي رآها، أجابهم قائلاً:

” من كان خاطئاً مثلي فإنه لا يرى مناظر، ولكن إن أردتم أن أدلكم على منظر تنتفعون به، فهو منظر الإنسان الوديع المتواضع القلب، وعن أفضل من هذا المنظر لا تطلب أن تنظر” وقد كان الشيء الذي طلب السيد المسيح منا أن نتعلّمه منه هو الوداعة ” تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم (متى 11: 29).

ويستطيع الخادم اللطيف أن يكسب للمسيح بوداعته أكثر مما يكسب بعلمه وحزمه ووعظه أو جمال صوته، وكذلك أي مسئول في أي موقع ومن أي نوع يستطيع أن يجعل مرؤوسيه يبذلون أقصى جهد لهم متى عاملهم بوداعة، في حين أنه بالعنف يحصل على المقرر بل وأقل منه. غير أن هناك فرقاً بين شخص يتصنع الوداعة لكي يمتدحه الآخرون، وشخص آخر تنبع وداعته من فرحه الداخلي بالمسيح ونقاوة قلبه فينعكس ذلك على مظهره وسلوكه. بالوداعة نطفئ ثورة غضب الآخرين وسهام العدو الملتهبة ونسحب سموم الكراهية والبغضة. “غير مخاصمين حلماء مظهرين كل وداعة لجميع الناس” (تي 3 : 2).

جاء في سيرة القديس مقاريوس الكبير أنه كان عائدا في طريقه إلى الدير وكان تلميذه يسير أمامه فتقابل مع كاهن وثن فبادره بالقول: إلى أين أنت ذاهب يا خادم الشيطان ! وهنا استدار الكاهن ناحيته وانهال عليه ضربا ثم تركه ملقى على الأرض وسار في طريقه، فتقابل بعد قليل مع القديس مكاريوس الذي قال له ببشاشة: فلتصحبك السلامة يا رجل النشاط .. حينئذ أجابه الكاهن متعجباً: ماذا رأيت فيّ حتى حييتني هكذا ؟! أجابه القديس : إني أراك تكد وتتعب وإن كنت لا تدري لماذا، فقال الكاهن: وأنا إذ قد تأثرت بتحيتك علمت أنك تنتمي للإله الواحد، ولكن راهباً قبلك قابلني وشتمني فضربته ضرباً موجعاً، فعرفه الأب أنه تلميذه فعاد معه وحملاه إلى الدير. أما الكاهن فقد تعمد وصار راهبا. وكان القديس مكاريوس يروي لأولاده قصة ذلك الكاهن قائلاً: ” إن الكلمات الجيدة تحول الأشرار إلى أخيار، والكلمات الرديئة تحول الأخيار إلى أشرار” ويقول الكتاب “من هو حكيم و عالم بينكم فلير اعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة (يع 3 : 13).

Scroll to Top