الصوم هو أقدم وصية عرفتها البشرية. فقد كانت الوصية التي أعطاها الله لأبينا آدم، هي أن يمتنع عن الأكل
،بينما يمكن أن يأكل من باقي الأصناف. ، من صنف معين بالذات، من شجرة معينة (تك ٢)
وبهذا وضع الله حدودًا للجسد لا يتعداها.
فهو ليس مطلق الحرية، يأخذ من كل ما يراه، ومن كل ما يهواه… بل هناك ما يجب أن يمتنع عنه، أي أن
يضبط إرادته من جهته. وهكذا كان علي الإنسان منذ البدء أن يضبط جسده.
ومع ذلك يجب الامتناع عنها. : فقد تكون الشجرة “جيدة للأكل، وبهجة للعيون، وشهية للنظر” (تك ٣)
وبالإمتناع عن الأكل، يرتفع الإنسان فوق مستوى الجسد، ويرتفع أيضًا فوق مستوى المادة. وهذه هي
حكمة الصوم.
ولو نجح الإنسان الأول في هذا الاختبار، وانتصر على رغبة جسده في الأكل، وانتصر علي حواس جسد ه
التي رأت الشجرة فإذا هي شهية للنظر… لو نجح في تلك التجربة، لكان ذلك برهاًنا على أن روحه قد غلبت
شهوات جسده، وحينئذ كان يستحق أن يأكل من شجرة الحياة…
ولكنه انهزم أمام الجسد. فأخذ الجسد سلطاًنا عليه.
وظل الإنسان يقع في خطايا عديدة من خطايا الجسد، واحدة تلو الأخرى، حتى أصبحت دينونة له أن يسلك
حسب الجسد وليس حسب الروح (رو ٨)
وجاء السيد المسيح، ليرد الإنسان إلى رتبته الأولى.
ولما كان الإنسان الأول قد سقط في خطية الأكل من ثمرة محرمة خاضعا لجسده، لذلك بدأ المسيح تجاربه
بالانتصار في هذه النقطة بالذات، بالانتصار على الأكل عموما حتى المحلل منه.
بدأ المسيح خدمته بالصوم، ورفض إغراء الشيطان بالأكل لحياة الجسد، أظهر له السيد المسيح أن الإنسان
ليس مجرد جسد، إنما في عنصر آخر هو الروح. وطعام الروح هو كل كلمة تخرج من فم الله، فقال له:
“ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (متى ٤)
ولم تكن هذه قاعدة روحية جديدة، أتى بها العهد الجديد، إنما كانت وصية قديمة، أعطت للإنسان في أول
شريعة مكتوبة (تث8)