ملخص من كتاب رحلات مع المسيح للقمص بيشوي كامل
الخماسين ليست انتهاء لجهاد الصوم واسبوع الالام بل بداءة جديدة للجهاد الروحي الايجابي للثبات في المسيح. فالتوبة جهاد مستمر في الصوم للوصول لنقاوة القلب، والثبات في المسيح القائم جهاد ايجابي مستمر للحياة في المسيح.
ورحلة الخماسين في كل مراحلها تدور حول اعلان شخص رب المجد يسوع في حياتنا والثبات فيه. وأول الرحلة هو الايمان بالمسيح الذي قام ليقضي نهائيا على اي اثر للشك فينا، وبعد ذلك يصير المسيح خبزنا، وماء حياتنا، ونورنا، وطريقنا، وغلبتنا – حتى نصل في النهاية الي الامتلاء بروح الله القدوس الذي ارسله المسيح لنا. فالمسيحية ليست مجرد وصايا سامية، ولكنها حياة بالمسيح، “فالمسيح يحيا في”، وروحه القدوس يسكن في، وجسده ودمه هما طعامي، والمسيح الحال في هو قوتي وغلبتي – وليست الغلبة امر يأتي لي من الخارج. فالكنيسة رتبت لنا قراءات اَحاد الخماسين في حكمة الروح القدس، لكيما تكون مراحل عملية للجهاد الروحي للثبات في المسيح، كاستمرار لجهادنا في الصوم المقدس:
الاحد الاول: الرب يسوع هو ايماننا وقيامتنا من الشك. (يو20: 19-31)
الاحد الثاني: الرب يسوع هو خبز حياتنا. (يو6 :54-58)
الاحد الثالث: الرب يسوع هو ماء حياتنا. (يو4: 1-42)
الاحد الرابع: الرب يسوع هو نور حياتنا. (يو12 :35-43)
الاحد الخامس: الرب يسوع هو طريق حياتنا. (يو14: 1-11)
الاحد السادس: الرب يسوع هو غالب العالم. (يو16: 23-33)
الاحد السابع: الرب يسوع هو مرسل لنا روحه القدوس. (يو15: 26 ، يو16: 1-15)
الاسبوع الاول:
ثبت الرب يسوع في الاسبوع الأول ايمان تلاميذه، فدخل والابواب مغلقة ليعلمهم ان القيامة هي خروج من قبر مغلق، هي خلق حياة من الموت،هي نجاح من الفشل، هي ايمان بعد يأس، هي خروج من ضعف الانسان، هي الايمان المطلق … هي كل حياتنا كمسيحيين.
والايمان المسيحي مبني على وجود الله في حياتنا، معنى ذلك أننا بالايمان نحصل على امكانيات غير محدودة لله الحال فينا فنستطيع كل شئ في المسيح الذي يقوينا ونكتشف ان لنا في المسيح قامة اكبر بلا مقارنة من قامتنا البشرية، فنتقدم الي وصية الانجيل ونجدها بسيطة جدا لاننا بالله الحال فينا نستطيع ان ننقل الجبل … نحن في المسيح اكثر بكثير جدا جدا من ذواتنا …!!!
وفي نهاية الاسبوع ازال الرب شك توما عن طريق لمس جراحاته المشفية وهكذا يا اخوتي في الاسبوع الاول علينا ان نثبت انظارنا في الرب القائم وفي جراحاته في قوة ايمان انه سيقيمنا … سيقيمنا … سيصنع بنا المستحيل، انه اسبوع الايمان.
الاسبوع الثاني:
ان الشعب في القديم لمحتاج للطعام في هذه البرية القاحلة، وهكذا أرسل لهم الرب المن النازل من السماء، وهنا يؤكد انجيل الاحد الثاني ان من ياكل جسد الرب فله حياة، ولا حياة لانسان بدون جسد الرب. المن يصلح لاعالة الشعب، ولكنه لا يضمن لهم دوام الحياة “اباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا”، اما القيامة المسيحية فليس فيها موت أبدا بل كما ان المسيح حي بالاَب كذلك نحن نأكله ونحيا به للأبد.
ما قيمة الحديث عن القيامة لو كان الشخص القائم لابد ان يموت فيما بعد!!. ان القيامة تعني غلبة الموت، تعني الحياة الدائمة، وغذاؤنا فيها جسد الرب الدائم الحياة.
يا اخوتي هذا هو اسبوع الثبات في المسيح القائم… كلوا جسده، واثبتوا في قوة قيامته، اثبتوا في الحياة، اثبتوا في الحياة واحيوا به.
ومن ناحية أخرى فكل طعام عالمي سوف لا يورثنا الا الموت… فعلام التهافت على اطعمة العالم المسمومة.. على ملذاته ومراكزه وأمجاده الذائلة.
الاسبوع الثالث:
ومن الامور الضرورية للشعب في البرية هو الماء لأن بدونه يهلكون عطشاًُ، لذلك أرسل لهم الرب ماء من الصخرة ليشربوا. اننا نتعجب كيف يمكن ان يعيش المسيحي في هذا العالم بدون مياه الروح القدس. الانسان له عواطف ومشاعر واحاسيس لابد ان تشبع، فان لم يصل الي الامتلاء بالروح القدس فانه سيعطش الي العالم ومياهه التي كل من يشرب منها يعطش. هذا هو موضوع انجيل الاحد الثالث عن المرأة السامرية.ان ربنا يسوع المسيح كشف لنا عن طبيعة روحه القدوس فقال انه انهار ماء حي يفيض الي حياة ابدية، فطبيعته الحياة، والحركة، والارواء، والفيض على الاخرين. فلابد ان المسيحي هذا الاسبوع يختبر الامتلاء من الروح بالصلاة، والتأمل في الانجيل، والزهد في هذا العالم… حتى يحس بحركة روحية باطنية تشبع وتروي كل احتياجاته العاطفية والنفسية والروحية. والكنيسة تنادي “الروح والعروس يقولان تعال ومن يسمع فليقل تعال ومن يعطش فليأت ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجاناً” (رؤ 22 :17).
ففي القيامة ينبغي ان نحس بالحركة الباطنية للروح القدس في حياتنا ونفيض على الاَخرين ايضاً. ان اي انسان يتكلم عن القيامة بدون احساس بجريان الماء الحي من بطنه لهو انسان يعيش الموت وهو لا يدري ان كل مسيحي في الكنيسة يجري من بطنه انهار ماء حي … اين هي … اين هي!!. الانسان يريد ان يأخذ من خارج دائماً… وفي جهله يظن انه لا يملك انهارا في داخله، ان القديسين قد اكتشفوا هذه الينابيع… هيا بنا يا اخوتي الي الداخل الي ينابيع الحياة… لنذوق قوة القيامة ونرتوي بمياه روحها الفياضة، لنذوق ينابيع الحب المتفجرة من الجنب الالهي على الصليب. فلا نعود ابداً، ابداً ان نعطش الي مياه العالم.
الاسبوع الرابع:
ان الامر الرابع الهام جدا للشعب في البرية هو عمود النار الذي يضئ لهم الطريق وسط ظلام البرية. وهذا هو موضوع انجيل الاحد الرابع حيث يقول يسوع: “سيروا مادام لكم النور… أنا جئت نوراً الي العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة”.
القيامة هي مسيرة في النور لأن الذي يسير في الظلام يعثر ويسقط ويموت. يا اخوتي يجب ان نعيش هذا الاسبوع في بركات النور، نور الانجيل، نور الروح القدس، نور الكنيسة وتعاليمها… ونحذر من التخبط في ظلمات تيارات العالم الفكرية وانحرافاته الشهوانية واهتماماته باللبس، ونحذر من ظلمات الجسد والنفاق والمداهنة والمراوغة والحقد والكراهية… لنسير في نور الحب الالهي والبساطة … هذا هو اختبار القيامة في هذا الاسبوع.
الاسبوع الخامس:
ان الاربعة اعمدة السابقة (الايمان، المن، مياه الصخرة، وعمود النور) لكافية جدا لكي ترسم لنا طريقا واضحا يوصل الي كنعان. وهذا هو موضوع انجيل الاحد الخامس حيث يقول الرب يسوع: “انا هو الطريق” وقوله انا هو الطريق يعني انه لم يأت ليرسم لنا الطريق، بل قال انا هو الطريق. وتوضيحا لذلك نذكر كلمات الرسول: “لاننا اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه” (اف5 :30). وبقدر ما تثبت الاعضاء فيه، بقدر ما يصبح طريقنا مضمونا. الاحد الخامس هو الاحد الذي يسبق خميس الصعود من أجل ذلك تشرح لنا الكنيسة كيفية الصعور للسماء فيسوع هو رأس الكنيسة صعد الي السماء – ونحن اعضاؤه ثابتين فيه، من هنا نقول: “اما نحن فسيرتنا في السماويات”. وعندما صعد الرأس الي السماء وجلس عن يمين الاَب والجسم والاعضاء ثابتة فيه، من هنا يحق للكنيسة على الارض في غربة البرية ان تقول: “أقامنا معه واجلسنا معه في السماويات” (أف2: 6). خلاصة القول اننا لا نبحث عن طريق لأن يسوع هو طريقنا… فلنثبت فيه وليكن فكرنا محصورا في الذي اصعدنا الي السماء وأعد لنا مكانا عن يمين الاَب فنعيش السماء معه على الارض. اَمين.
الاسبوع السادس
ان الشعب العابر في البرية السائر في الطريق عليه ان يستعد بالله الغالب لمحاربة عماليق، وبالاحتراس من الاشتياق لقدور اللحم والبصل والكرات والعجل الذهبي… لقد انتصر موسى على شهواتهم بالتطلع لكنعان. ان موضوع الكنيسة هذا الاحد هو “انا قد غلبت العالم، في العالم سيكون لكم ضيق”. عندما يتأكد المؤمنون الثابتون في المسيح انه قد غلب (فعل ماضي) العالم… عندئذ يتشددون في جهادهم، وبعلامة الصليب يهزمون عماليق، وبالهذيذ في الامور الالهية السماوية يكفون عن شهوات العالم، والثبات في المسيح: “وانا لست وحدي لأن الاَب معي” … اننا نتعامل الان مع شيطان مغلوب، وعالم مغلوب وخطية مدانة في الجسد.
اننا لا نبحث عن نصرة من الخارج لأن الغلبة في داخلنا هي يسوع. هو غلب لنا ونحن غالبون به في داخلنا… وهو ينادينا في انجيل هذا الاحد قائلا… الي الاَن لم تطلبوا شيئاً باسمي اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاَ… ام الحياة في قوة القيامة لا تعرف الا الغبة، والفرح، واحتقار اباطيل هذا العالم.
الاسبوع السابع:
هو ما لا نجد له مقابل في برية العهد القديم، انه عطية الاَب المرسلة لنا بواسطة ابنه الحبيب… انه روحه. بأي اشتياق وبأي التهاب قلب تعيش الكنيسة هذا الاسبوع في ذكريات الروح المعزي الذي نزل في شكل السنة نار. المسيحي بدون الروح القدس يعيش يتيماً “لن اترككم يتامى”… ان موضوع هذا الاسبوع هو الامتلاء من الروح القدس. والامتلاء يبدأ اولا بالتوبة “ولا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء، ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث، وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين ومتسامحين كما سامحكم الله ايضا في المسيح” (أف4: 30-32). “ولنهرب من الزنا والنجاسة والطمع والقباحة وكلام السفاهة…” (أف2 :5). والخطوة الثانية في الامتلاء بالروح القدس تكون: “بالصلاة والاختلاء، والشكر، والتسبيح، والطاعة مع الخضوع…” (أف5: 15).
+ + +
وبهذا الاحد تنتهي الخماسين المقدسة، وهكذا تدرجت بنا الكنيسة من القيامة الي الثبات الي السير في الطريق واخيرا الي الامتلاء، حيث تنفتح حياتنا لتفيض، حيث تجري من حياتنا انهار ماء حي تفيض من الكنيسة وعلى الكنيسة وهنا يبدأ صوم الرسل الأطهار، وهو صوم مقدم منا للكنيسة لأجل الكرازة وانتشار ملكوت الله.
ان النفوس التي وصلت للامتلاء، تقدم أصوامها وصلواتها في انسحاق ذبيحة حب من أجل الكنيسة التي اشتراها بدمه: من اجل سلامتها، من اجل اَبائها، من أجل اجتماعاتها، من اجل الكرازة وانتشارها، من أجل وحدانية القلب التي للمحبة … من أجل الكنيسة كلها