Other books

ابائيات

رسالة إكليمندس الرومانى

رسالة إكليمندس الرومانى أقسام الرســالـــة : أ – تتألف من خمسة وستين فصلا. ب – بعد أن يعتذر أسقف روما للتأخر عن إرسال الرسالة … يعبر عن أسفه للموقف الشائن الذى وقفه بعض الأشخاص المتهورين الذى أضر بإسمهم المحترم بين كل الناس والحبيب الى الجميع. جـ – ثم تنقسم الرسالة إلى الآتى : 1- يذكرهم بأضرار الحسد كما ورد فى الكتاب المقدس بعد أن يذكرهم برسوخ إيمانهم وغنى فضائلهم قبل الأزمة (1 ـ 6). 2- علاج الحسد والغيرة …….. ( 7 ــ 58 ) * بالتوبة والإيمان العملى          ( 7 ، 8 ) * بالطاعة                         ( 9 ـ 12 ) * بالاتضاع                       ( 13 ـ 21 ) * تذكر الدينونة وقيامة الأموات   ( 22 ـ 29 ) * بالجهاد كأبناء لله               ( 30 ـ 36 ) * بالخضوع للنظام والترتيب      ( 37 ـ 47 ) * بالحب الذى هو باب البر        ( 48 ـ 58 ) 3- ثم يختم بصلاة طويلة من أجل أن يعطى الله نعمة للذين سقطوا ويثبت القائمين فى الوحدة ( 59 ــ 61 ) 4- وتنتهى الرسالة بملخص لأهم ما ورد….     ( 62 : 65)   أولاً: جمال ملامح الكنيسة قبل الانقسام (1) من كنيسة الله المتغربة في روما إلى كنيسة الله المتغربة في كورنثوس. فيض نعمة وسلام من الله القدير خلا ل يسوع المسيح إليكم أيها المدعوين والمقدسين بإرادة الله خلال ربنا يسوع المسيح. من جهة الضيقات والمصائب الفجائية المتزايدة التي نعاني منها(2) فإننا نخضع لها أيها الأحباء الأعزاء، لكننا نتطلع بالأكثر مهتمين بأمر منازعاتكم، نقصد بالانقسام الممقوت الشرير الذي هو غريب وبعيد عن مختاري الله. فقد أثار قلة من الأخوة المتهورين والعنيدين جنوناً مطبقاً، حتى أن اسمكم الحسن الذي كان قبلاً مشهوراً بيننا وعزيزاً علينا نحن جميعاً، قد تلطخ وانحدر في هوة السمعة  الرديئة. حقاً من كان يمكث بينكم ولا يشهد لإيمانكم السامي الثابت؟! أو لا يعجب بورعكم المسيحي المعتبر والمملوء شعوراً؟! أو لا يذيع بروح كرمكم غير المحدود؟! أو لا يمدح معرفتكم الكاملة المستحقة كل ثناء؟! إذ كنتم تعملون  دوماً بغير تحزب وتسلكون في وصايا الله. لقد أطعتم رؤساءكم، وأكرمتم شيوخكم كما يليق. ودربتم أذهان الأحداث باعتدال ولياقة. وعلمتم نساءكم أن يفعلن كل شيء بضمير نقي بلا عيب، مقدمات الحب اللازم لأزواجهن. وعلمتم إياهن أن يخضعن طائعات، ويعملن في بيوتهن بلياقة وفطنة. (2) كنتم جميعاً متواضعين، ليس فيكم رياء. تريدون طاعة الأوامر لا إصدارها، مغبوطين بالعطاء أكثر من الأخذ(راجع أع 35:20). كنتم قانعين بما عينه المسيح، ومشغولين به، تخزنون كلماته في قلوبكم، واضعين آلامه  نصب أعينكم. من أجل هذا وهبتم جميعاً سلاماً عميقاً وفيراً، وشوقاً غير محدود نحو عمل الصلاح، بينما انسكب الروح القدس عليكم بفيض. كنتم مملوئين بالمشورات المقدسة، وبالغيرة نحو الثقة الصالحة الورعة، بسطتم أيديكم لله القدير طالبين منه الرحمة لغفران خطاياكم اللاإرادية. كنتم مخلصين وطاهرين، لا تحملون ضغينة، وتمقتون كل تمرد وانقسام، تبكون من أجل خطايا الغير كأنها سقطاتكم أنتم ولم تتأسفوا من أجل خير صنعتموه ” مستعدين لكل عمل صالح”(تي1:3). وإذا كانت شخصيتكم سامية وورعة،فقد صنعتم كل شيء في مخافة الله. لقد نقشت وصايا الله وتعاليمه على ألواح قلوبكم.   ثانياً: ملامح الكنيسة بعد الانقسام (3) لقد وهبتم شهرة عظيمة، وازددتم في العدد، وتحقق فيكم القول : حبيبي أكل وشرب وشبع وسمن وبدأ يرفس (أم3:7) من هنا ثارت الغيرة والحسد، والصراع والتمرد والاضطهاد والفوضوية،والحرب والسبي، وهكذا قام ” الدنيء على الشريف ” (تث 15:32) والذي بلا كرامة على النبيل، والغبي على الحكيم، والصبيان على شيوخهم(أش 5:3). لقد فارقكم البر والسلام، وهجركم  خوف الله، وصار كل منكم كليل البصر في إيمانه، عاكفاً عن السير في أحكام وصايا (الرب) أو السلوك في طريق المسيح اللائق. بالحرى سار كل منكم وراء شر قلبه باعثاً تلك الغيرة الشريرة غير المقدسة، والتي بها “دخل الموت إلى العالم”(حك24:2) .   ثالثاً: الغيرة والحسد هما الدافع (4) لأن الكتاب يقول : “وحدث  من بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض قرباناً للرب وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قايين  جداً وسقط وجهه. فقال الرب لقايين لماذا اغتظت؟! ولماذا سقط وجهك؟! إن أحسنت … أفلا رفع؟!” وكلم قايين أخاه هابيل” لندخل في الحقل”وحدث لما كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله”(تك 4: 3ـ 8). انظروا أيها الاخوة كيف أن الغيرة والحسد مسئولان عن قتل الأخ لأخيه؟! وبسبب الغيرة هرب أبونا يعقوب من حضرة عيسو  أخيه وبسببها اضطهد يوسف بطريقة إجرامية وبيع عبداً. الغيرة ألزمت موسى أن يهرب من حضرة فرعون ملك مصر، عندما سمع زميله من بني  جنسه يقول له : من جعلك رئيساً وقاضياً علينا؟ أمفتكر أنت بقتلي  كما قتلت المصري؟! (خر14:2). بسبب الغيرة استبعد هرون  ومريم من المحلة. بسببها طرح داثان وأبيرام حيين في الهاوية لأنهما تمردا على موسى خادم الله. بسببها لم يسقط داود تحت حسد الغرباء فحسب، بل اضطهده  شاول. (5) وإذ نترك أمثلة  العهد القديم، نتكلم عن الأبطال (المصارعين)  المعاصرين لنا … فبسبب الغيرة  أضطهد  عظماء  الكنيسة وأبر أعمدتها(غلا 9:2 …اكليمنضس اعتبر بولس عموداً في الكنيسة) وصارعوا حتى الموت. لنضع نصب أعيننا بطرس الذي بسبب الغيرة الشريرة احتمل الآلام  لا مرة ولا مرتين بل مرات ، حاملاً شهادته، ذاهباً إلى المكان المجيد الذي استحقه. وأظهر بولس كيف ينال المكافأة محتملاً  بصبر ما ناله بسبب الغيرة والمنازعة. سبع مرات كان مقيداً في سلاسل. فقد سجن ورجم وصار كارزاً (بالإنجيل) شرقاً وغرباً، وربح صيتاً حسناً يستحقه  إيمانه. وعلم العالم كله البر، وببلوغه حدود الغرب حمل شهادته أمام الحكام. وهكذا إذ انطلق من هذا العالم ذهب إلى موضع مقدس وصار مثلاً للاحتمال بصبر. (6) لقد جذب هؤلاء الذين عاشوا حياة مقدسة جموع غفيرة من المختارين، لكن بسبب الغيرة صاروا فريسة للمعتدين والمضطهدين وبذا أصبحوا أمثلة لنا. بسبب الغيرة تحملت النسوة الاضطهاد في دور danaids&dirace (يشير القديس إلى مسارح للألعاب ارتكبت فيها فواحش وجرائم بشعة). وقبلن أن يكن فريسة على أيدي المجدفين الخطيرين بإيمان أكيد، بأن هذا سينتهي، مزدرين بالضعف الجسماني لينلن الإكليل الثمين. بسبب الغيرة استبعدت نسوة من رجالهن، مبطلين قول أبينا آدم “هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي”(تك24:2). الغيرة والانقسام أهلكا مدناً  عظيمة، واقتلعا أمماً قديرة! رابعاً : علاج الموقف 1ـ بالتوبة والإيمان العملي (7) ونحن نكتب في هذا أيها الأحباء الأعزاء ليس فقط لكي ننصحكم أنتم، بل ولأجل تذكيرنا نحن أيضاً… لهذا يلزمنا أن نكف عن كل الأمور الفارغة العقيمة، مهتمين بأحكام تقليدنا المجيد المقدس. لنراعي ما هو صالح ومرضي ومقبول لدى

ابائيات

التسليم الرسولى

التسليم الرسولى   تشتق الكلمة اليونانية Παραδοσις من فعل  (اسلم)Παραδιδωμι الذي يعني فاعلية النقل والإرسال بعيداً من يد إلى يد، ومن فمّ إلى فمّ، والتسليم المباشر من شخص لآخر. أما موضوع هذا النقل فيمكن أن يكون كلمات قيلت وأعمالاً شوهدت وعوائد عمل بها. وهكذا نجد أن الكلمة اليونانية والتي ترجمت إلى العربية بكلمة تقليد، لا تعني تقليد الأقدمين أي مجاراتهم ومحاكاتهم، بل هو الاستلام منهم بالتسلسل الوديعة التي سلمت اليهم. على هذا الأساس تصبح كلمة “تسليم” أصح وأقرب بكثير إلى المعنى الأساسي من كلمة تقليد. وإن شئنا الاحتفاظ بكلمة “تقليد” فيجب فهمها على أساس اشتقاقها من فعل قلّد بمعنى قلّده السيف أي جعل حمالته في عنقه، وقلّده العمل: فوض أمره إليه. أما فعل “أتسلّم” فيقابله باللغة اليونانية فعلΠαραλαμβανω “” التسليم من الناحية العقائدية إذا بحثنا عن تعريف للتقليد في الكتب اللاهوتية الأرثوذكسية فسنجد تعابير عدة تسلط عليه الضوء من زوايا  مختلفة هناك: “النقل الشفهي للحق المعلن” و”الذاكرة الحية للكنيسة” و”حياة الروح في الكنيسة”. التعريف الأول يشدّد على أساس (مصدر) التقليد الذي هو تعليم الرسل القديسين المنقول في البداية شفاها. الثاني يؤكد ملاصقة التقليد العضوية لحياة الكنيسة على الأرض وتطوره معها عبر العصور. الثالث يظهر المبدأ الفاعل في المحافظة على جوهر التقليد والمساعدة على استمرار حيويته وهو الروح القدس العامل في الكنيسة.   وعلى وجه العموم فالتقليد والتسليم هو الإعلان الإلهي والبشارة المسيحية التي تسلمتها الكنيسة بالروح القدس، كتابات مقدسة وصلوات، وفنونا، ومناهج حياة. ولنعد الآن إلى البداية لنحاول أن نتعرف على التقليد منذ نشأته. تسليم إعلانات الله في العهد القديم إن كان التقليد هو النقل الشفهي للحق المعلن، فهذا يعني أنه كان هناك تقليد وتسليم منذ أقدم الأزمان، لأنه يرافق بصورة حتمية إعلانات الله للبشر: المخفيات للرب إلهنا والمعلنات لنا ولبنينا إلى الأبد لنعمل بجميع كلمات هذه الشريعة (تثنية 29: 29). فالمعلنات إي ما أعلنه الرب من مجد وأفعال ومشيئة وشرائع ووصايا ليست فقط للجيل الذي تم الإعلان فيه بل ولجميع الأجيال التي تعقبه. وجميع رجال الله هم مسؤولون عن تسليم ما تسلموه من إعلانا إلهية لآخرين كي يحفظوها ويعملوا بها: “وتخبر ابنك في ذلك اليوم قائلاً من أجل ما صنع إليّ الرب حين أخرجني مصر، ويكون لك علامة على يدك وتذكارا وبين عينيك لكي تكون شريعة الرب في فمك” (خروج 13: 9).   التقليد إذن بالنسبة للإعلان الإلهي هو نقل هذا الإعلان أفقيّاً وعمودياً، أي للمعاصرين هؤلاء بدورهم إلى أبنائهم بالتسلسل من جيل إلى جيل. وهذا النقل قد تمّ أولاً بصورة شفهية وحياتية ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم واربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك وأكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك (تثنية 6: 6-9).   وأكبر دليل على هذا هو أن ما أعلنه الله بدء الخليقة حتى عهد موسى قد تمّ نقله بالتسليم الشفوي: “لأني (الله) عرفته (إبراهيم) لكي يوصي بنيه وبيته وبعد أن يحفظ طريق الرب ليعملوا برا وعدلاً لكي يأتي الرب لإبراهيم بما تكلّم به”.   أما التوراة فهي ذاتها تسليم، وقد كانت جزءاً من التسليم الشفهي حتى أواخر عهد موسى حين أصبحت تسليماً مكتوباً. يطبق عليه ما يطبق على التسليم الشفهي من مسؤولية في حفظه وتطبيق تعاليمه: “وكتب موسى هذه التوراة وسلّمها للكهنة بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب ولجميع شيوخ إسرائيل. وأمرهم موسى قائلاً في نهاية السبع السنين في ميعاد سنة الابراء في عيد المظال… أجمع الشعب الرجال والنساء والأطفال والغريب الذي في أبوابك لكي يسمعو ويتعلموا أن يتقوا الرب إلهكم ويحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة” (تثنية 31: 9- 12). التسليم في العهد الجديد نشأت كنيسة العهد الجديد وانتشرت، كما هو واضح من شهادة أسفار العهد الجديد، بفعل الكرازة الشفهية في جهات عديدة، وقبل أن تكتب هذه الأسفار: “وقال لهم اذهبوا في الأرض كلها، وأعلنوا البشارة للخليقة كلها… فذهب أولئك يبشرون في كل مكان والرب يعينهم…” (مرقس 16: 15- 19). هذا يعني، أنه كما حدث في العهد القديم، فإن التسليم الشفهي في العهد الجديد، وهو البشارة ذاتها المنقولة شفاها، وجد قبل الكتاب المقدس، لا بل قبل الكنيسة نفسها، إن جاز التعبير، حيث كان هو الواسطة المباشرة لتأسيسها وامتدادها.   الرب يسوع المسيح لم كتب شيئاً، بل كان كانت شخصيته غير المنفصلة عن كلامه وأعماله الإعلان الأعظم عن الله، ولذلك كان الإيمان قائماً بالدرجة الأولى على رؤيته وسماعه، “تعال وأنظر” (يو 1: 46) ثم فيما بعد بقبول شهادة الذين رأوه وسمعوه: “الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به” (1 يو 1: 3).   التقليد نشأ قبل الكتاب، لأن الله أراد بحكته أن يجعل حقائق الإعلان الإلهي تعطى شفاها لكي يسهل قبولها وتمثلها، لأنه لو أعطيت حقائق الإيمان منذ البداية كتابة لما انتشرت بهذه السهولة والقوة: “الإيمان بالسّماع بينما السماع بكلمة الله” (رو 10: 17).   المخلص نفسخ أمر رسله أن يكرزوا شفاها: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به”(متى 28: 19- 20) ولكن بمعنونة الروح القدس الذي سيلبسهم قوة من الأعالي (لوقا 24: 49) وهو روح الحق الذي يمكث معهم ويكون فيهم (يو 14: 17) ويعلمهم كل شيء ويذكرهم بكل ما قاله يسوع لهم (يو 14: 26).   هكذا لم تكن كتابات الرسل وحدها بالهام الروح القدس بل أيضاً كلامهم المنطوق: “وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة” (1كو 2: 4) “… ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله. التي نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس” (1كو 2: 12-13).   وهذه الفكرة يؤكدها كون كل الكنائس الأولى قد تأسست بناء على تبشير الرسل لها بفم ولســان.   ثم بعد ذلك حين كان الرسل يتركونها ليبشروا في مكان آخر كانوا يرسلون إليها رسائل مكتوبة إذا اقتضت الحاجة. الرسائل نفسها تظهر بوضوح أن الرسل لم يكتبوا سوى قسم ضئيل مما يريدون إعلام الكنائس به، مثلاً يوحنا الإنجيلي يعلن :”إذ كان لي كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون بورق وحبر لأني أرجوا أن آتي إليكم وأتكلم فماً لفم لكي يكون فرحنا كاملاً” (3 يو 1: 12) و(3 يو 1: 13) أما بولس فيظهران اموراً كثيرة لا ترتب إلا بحضوره الشخصي: “وأما الأمور الباقية فعندما أجيء ارتبها” (1كو 11: 34). هذه القضية صريحة أيضاً في الأناجيل. يوحنا الحبيب يقول في إنجيله: “وآيات أخرى صنع يسوع لم تكتب في هذا الكتاب”(يو 20: 30) وهو

ابائيات

آباء الكنيسة

آباء الكنيسة ” مدخل عام ”                    الأب بسّام آشجي   مقدمة “علم الآباء” هو دراسة النتاج اللاهوتيّ في القرون الأولى للمسيحيّة، أي البحث في التراث الفكري حول الإيمان المسيحيّ، وعيشه، وممارسته، وطقوسه، وأخلاقياته، خلال هذه الحقبة التي سُمّي رعاتها بـ”الآباء”.  لقد نشأ هذا النوع من النتاج الفكري المسيحي مباشرة بعد تدوين الإنجيل والعهد الجديد عموماً، وقد أعطت كنيسة القرون الأولى لبعضٍ منه مكانةً تكاد توازي مكانة العهد الجديد. أ‌- من هم آباء الكنيسة ( 1 ) أُطلق لقب “الأب” في نشأة الكنيسة على الأسقف، يقول بولس الرسول: “لست أكتب هذا لإخجالكم، وإنما لأنبّهكم كأولادي الأحباء. لأنّه لو كان لكم ربوات من المعلمين في المسيح، ليس لكم آباء كثيرون؛ إذ إني أنا ولدتكم في المسيح يسوع، بالإنجيل. فأطلب إليكم أن تكونوا بي مقتدين” (1كور4:14-16). أما تعبير “آباء الكنيسة” فأطلق أولاً على آباء المجامع المسكونيّة. وأول من وضع لائحةً بأسمائهم هو القديس باسيليوس الكبير (القرن الرابع) لكي يدعم تفسيره للعقيدة “ببراهين ترتكز على الآباء” بحسب تعبيره. وابتداءً من القرن الخامس اتسع هذا اللقب ليشمل أناساً لم يكونوا أساقفة. وصار هذا اللقب علامة تدلّ على مرجعيّة موثوقة تأتي بعد الكتاب المقدّس. ب‌- تاريخيّة “علم الآباء” إنّ تعبير “علم الآباء” (Petrology – Patrologie) هو حديث العهد نسبياً في الأوساط العلمية، استنبطه لأوّل مرّة اللاهوتي اللوثري يوحنا جرهارد (+ 1637) في كتاب عنوانه “بترولوجيا”، نشر سنة 1653 (2) . بيد أنّ أوسابيوس المؤرّخ أسقف قيصرية (+ 339، 340) سبقه في ذلك بأجيال، إذ جمع في كتابه الشهير “التاريخ الكنسي” سيرة الآباء والكتّاب المسيحيين وتعاليمهم، من مستهلّ القرن الأوّل حتى منتصف القرن الرابع تقريباً. وعلى غراره راح القدّيس إيرونيمس (418) يعبّ من تعاليم الآباء وإرشاداتهم، فوضع كتاباً في هذا الحقل دعاه “مشاهير الرجال”. وكتب جناديوس البلاجي سنة 480 كتاباً يحمل العنوان نفسه “مشاهير الرجال”. كما كتب في الموضوع نفسه كلّ من إيسدوروس الشعلي (618) وإيلفونس التوليدي (667)، وكتب فوسيوس سنة 855 كتاباً عرّف عن 280 مؤلف بينهم مسيحيين سمّاه “المكتبة” (3) . توقفت الكتابة عن الآباء مدّة خمسة قرون لتعود مع سيجبرت دو جمبلوكس وهونوريوس دارتون. وأخذت الكتابة عن الآباء بعداً نقدياً وعلمياً ابتداءً من القرن الثامن عشر مع ريمي سيليه تليمونت. واكتشف في القرن التاسع عشر الكثير من المخطوطات السريانيّة والأرمنيّة والجيورجيّة والقبطيّة، جمعت إلى تراث الآباء اليوناني واللاتيني الكبير. كما أدرجت الجامعات الكبرى مادة “علم الآباء” في عداد المواد اللاهوتيّة الأساسيّة، فأخذ هذا العلم أبعاده التخصصيّة. أخذت حركة نشر تراث “الآباء” ودراسته وتدريسه ونقده علميّاً تتوسّع، اعتباراً من القرن العشرين، خصوصاً بعد أن نشر الأب جاك بول مين Mige مجلدات ضخمة جمعت الكثير الكثير من نصوص الآباء التي سمّيت باسمه (مجموعة مين)، ويرمز لها عادة بـ P.G للآباء اليونان و P.L للآباء اللاتين. ولعل أهم مجموعة علميّة ونقديّة هي مجموعة ودراسة “الينابيع المسيحيّة” Sources chrétiennes التي تضمّ حتى الآن أكثر من 300 مجلّد. يضم كلّ مجلّدٍ مقدّمة واسعتين عن النص باللغة الفرنسيّة، مع النص نفسه بلغته الأصلية وفي الصفحة المقابلة ترجمته بالفرنسيّة، كما يضم، في آخره، مجموعة فهارس علميّة منوّعة. ت‌- تصنيف الآباء ومدارسهم تمتد فترة آباء الكنيسة عند الشرقيين حتى القرن الثامن مع يوحنا الدمشقي (+ 749)، وحتى القرن السابع عند الغربيين مع ايسيدورس أسقف إشبيلية (+636). غير أن بعض العلماء الأرثوذكس، كالأب ميشيل نجم، العميد السابق لمعهد القديس يوحنا الدمشقي في البلمند، يقول أن عصر الآباء مستمرّ إلى يومنا ولا يمكن أن نحدّد سنة ينتهي فيها هذا العصر، هناك سلسلة متتابعة (continuité) في تقديم الإيمان المسيحي بلغة كل عصر وزمان. يمكن تصنيف نتاج “الآباء” بحسب الفترة الزمنيّة كأن نقول “آباء القرن الثاني” و”العصر الذهبي للآباء”، أو بحسب نوعيّة الحقبة فنسمي تلاميذ الرسل “الآباء الرسوليين”، أو بحسب المكان ونوعيّة الفكر كالمدرسة الإسكندريّة والمدرسة الأنطاكيّة، أو بحسب اللغة: “الآباء السريان” و”الآباء اللاتين”، أو بحسب الموضوع: الآباء المدافعين… إذ لا توجد طريقة واحدة لتصنيف هذا التراث. ولقد اخترنا طريقة جمعت بعضاً من سابقاتها في تصنيف هذا التراث: 1 – حقبة الآباء الرسوليين : كتب أعلامها باللغة اليونانية في القرن الثاني الميلادي خصوصاً في النصف الأول منه. أشهر مؤلفاتها كتابات إقليمس (اكلمنضس) أسقف روما، واغناطيوس الانطاكي، وبوليكاربوس أسقف إزمير، وبابياس أسقف هيرابوليس، ورسالة برنابا، وكتاب “الراعي” لـ هرماس، وكتاب الذيذاخيه (تعليم الرسل). إضافةً لمجموعة من “قوانين الإيمان” والوثائق الإيمانيّة، وعدد كبير من المؤلفات “الأبوكريفيّة” (المنحولة) كالأناجيل والرسائل والرؤى… 2 – حقبة الآباء المدافعين: كتب أعلامها باللغة اليونانية في القرن الثاني الميلادي خصوصاً في النصف الثاني منه. أشهر مؤلفاتها كتابات كوادراتوس (كتب أول رسالة دفاعية)، وارستيذس الأثيني (ترجمته الأرمنية فقط)، وارسطون البلاوي الفلسطيني، ويوستينوس الفيلسوف (فلسطين)، وتتيانوس السوري، وميلتياس (آسيا الصغرى)، وأبوليناريوس أسقف هيرابوليس، وأثيناغوراس الأثيني، وثيوفيلوس الأنطاكي، ومليطون البتول (آسيا الصغرى)، ورسالة ذيوغنيتس، وذيونيسيوس الكورنثي، وسيرابيون الأنطاكي، وهيغيسيبوس الفلسطيني، وإيرناوس أسقف ليون. 3 – مدرسة الإسكندرية: كتب أعلامها أيضاً باللغة اليونانية وتقسم إلى مرحلتين: أ- القرن الثالث الميلادي: بانتنوس، إقليميس (اكلمنضس)، أوريجانوس، أمونيوس، ديونيسيوس الإسكندري، ثيوغنوستس، بطرس الإسكندري، وهيسيخيوس. ب- المشكلة الخريستولوجية (القرنين الرابع والخامس): أثناسيوس الكبير وكيرلس الأسكندري. 4 – مدرسة أنطاكية والآباء السوريون: كتب أعلامها باللغة اليونانية في القرون الثلاثة الأولى: لوكيانوس مؤسس المدرسة، ودوروثيوس، وديودوروس الطرسوسي، وبولس السمساطي، وساويروس. وفي القرن الرابع: ثيوذورس المبسوسطي، ويوحنا الذهبي الفم، وكيرلس الأورشليمي. وبعد ذلك: رومانوس المرنم (الحمصي) ومكسيوس المعترف ويوحنا الدمشقي وقزما المنشئ.   5 – الآباء الكبادوكيون: كتبوا باللغة اليونانية في القرن الرابع وهم: باسيليوس الكبير، وغريغوريوس النزينزي، وغريغوريوس النيصي. 6 – الآباء السريان: كتبوا باللغة السريانية وهم: برديصان (154 – 222)، أفرهات ( القرن الرابع)، مار أفرام السرياني (القرن الرابع)، مار اسحق السرياني، ساويروس الأنطاكي (+538)، فيلوكسينس أسقف منبج (+523)، يعقوب السروجي (451 – 521)، وغيرهم. 7 – الآباء اللاتين وشمال أفريقيا: كتبوا باللغة اللاتينية وهم: ترتوليانوس القرطاجي (160 -00)، كبريانوس القرطاجي (200 – 258)، هيلاريون أسقف بواتيه (310- 367)، أمبروسيوس أسقف ميلانو (239 – 397)، ايرنيموس (347 – 420)، لاون الكبير بابا روما (440 – 461)، يوحنا كاسيانوس (360- 00)، أغسطينوس (354 – 430)، بندكتوس (485 – 580)، والبابا غريغوريوس الكبير (+604). 8 – الآباء الأرمن: كتبوا باللغة الأرمنية وهم: غريغوريوس المنور (240 – 323)، نرسيس شنورهالي، غريغوريوس الناريكي، وغيرهم. 9 – الآباء الأقباط والأحباش: أهمهم: شنوده (القرن الخامس). ث‌ – خصائص آباء الكنيسة تعتبر الكنيسة في عداد “الآباء القديسين” بشكل رسمي، فتبرز سيرتهم، وتجلّ كتاباتهم، وتقيم لهم الأعياد المناسبة، كلاً من الذين توفّرت لديهم الشروط الأربعة التالية  (4):  1-  استقامة العقيدة doctrina orthodoxa  2-  قداسة السيرة santitas vitae  3- اعتراف الكنيسة approbation Ecclesiae  4-  قدم العهد antiquitas غير أن الدراسات

ابائيات

فيلون الأسكندرى

فيلون الأسكندرى (30 ق.م ـ50 ب.م) د. ميشيل بديع   يعتبر أنه أكبر ممثل للفكر اليهودى المثقف باليونانية في ذلك العصر (أى الأول المسيحى). وقد كان بين اليهودية والوثنية اتصال وتفاعل. فمن جهة، كان بعض الوثنيين يخصّون “العامى” إله اليهود بعبادة إلى جانب عبادتهم لآلهتهم، وكان آخرون يعتنقون عقائد اليهودية، وآخرون يدخلون في الديانة اليهودية. ومن جهة أخرى كان اليهود يتأثرون بالفلسفة اليونانية، اعلاهم شأنًا وأعظمهم نفوذًا بين بقية إخوانهم هم يهود الأسكندرية، وكانوا يؤلفون جالية غنية زاهرة آخذة بحظ كبير من الثقافة اليونانية حتى أنهم لم يكونوا يقرأون التوراة إلاّ في الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية، ولكن كان منهم الملحدين الذين أضلتهم الفلسفة اليونانية فاعرضوا عن الله وشريعته. وكان آخرون متمسكين بعقائدهم ويتحللون من قيود الشريعة بالتأويل المجازى. على أن كثرتهم بقيت متمسكة بديانتها القومية وأمينة لتعاليمها. وكانوا كثيروا التأليف يذيعون باليونانية، معتقداتهم وآمالهم في كتتب يعزونها إلى أسماء لامعة من قدماء الشعراء والفلاسفة. وقد ضاع معظم هذه الكتب، غير أن ما بقى منها يحمل الدلالة الكافية على أهم التيارات الدينية والفلسفية بينهم. أشهر هؤلاء المؤلفين هو “فيلون”. فما يذكر عنه انه في اواخر أيامه ذهب مع وفد إلى روما ليشكو معاملة الحاكم الرومانى على مصر لأهل دينه. ولم يكن يعرف العبرية، فقرأ التوراة باليونانية وشرحها بهذه اللغة، قاصدًا أن يبين لليونانيين أن في التوراة فلسفة أقدم وأسمى من فلسفتهم، على أنه كان قد حاول ما كان قد حاوله غيره من اخوانه في الدين. وهو يدمج في شرحه الضخم آراء الفلاسفة مبعثرة من غير ترتيب، ولا يعنى بتلخيص آرائه وتحديد معانى ألفاظه، بل لا يحجم أحيانًا كثيرة عن الجمع بين آراء متنافرة. كما أنه يقارب بين بعض الأفكار اليونانية وأقوال التوراة، ولكنه يعترف للمفكرين اليونان بالابتكار والعبقرية. ومن بعده صارت فكرة أخذ اليونان عن التوراة مألوفة بين اليهود والممسيحيين. وهو لا يفصل بين الفلسفة والدين ولكنه يتخذ الدين أصلاً ويشرحه بالفلسفة. كما أنه دون بعض الكتب الفلسفية البحتة، مثل كتاب: “في دوام العالم”، وأيضًا كتاب “في العناية”.   الشرح الرمزى كان يهود الأسكندرية يفسرون الأسفار الخمسة تفسيرًا رمزيًا على غرار شرح الفيثاغوريين والأفلاطونيين والرواقيين لقصص الميثولوجيا الإغريقية والعبادات السرية. فالتوراة في جملها عبارة عن تاريخ بنى إسرائيل وما نالهم من نِعَمْ حين كانوا يحفظون شريعة الله، وما أصابهم من سخط حين كانوا يعصونها: فقال إنها تمثل قصة النفس مع الله، فتقترب النفس من الله بقدر ابتعادها عن الشهوة فتنال رضاه، وتبتعد عنه بقدر انسياقها للشهوة فينزل بها سخطه وغضبه. وكانوا يؤولون الفصل الأول من التكوين مثلاً بأن الله خلق عقلاً خالصًا في عالم المثل هو الإننسان والمعقول، ثم صنع على مثال هذا العقل عقلاً آخر أقرب إلى الأرض (هو آدم) وأعطاه الحس (وهى حواء) معونة ضرورية له، وأطاع العقل الحس وانقاد للذة (الحية) فولدت النفس في ذاتها الكبرياء (قابيل) وجميع الشرور، وانتفى منها الخير (هابيل) وماتت موتًا خلقيًا. وعبور البحر الأحمر يشير إلى أنه رمز لخروج النفس من الحياة الحسية. وسبعة أغصان الشمعدان بأنها رمز للسيارات (الكواكب) السبع. والحجران الكريمان اللذان يحملهما الكاهن الأكبر، بأنهما رمز للشمس والقمر أو لنصفى الكرة الأرضية. والآباء الذين يعود إليهم إبراهيم، بأنهم رمز الكواكب، أو للعناصر الأربعة. والفصح بأنه رمز لترك النفس للجسم وشهواته، وشجرة الحياة في الفردوس الأرضى بأنها رمز لأعم الفضائل وهى الطيبة والخلق. واقتران إبراهيم بسارة، بأنه رمز لاتحاد الإنسان الصالح بالفضيلة … الخ. يصطنع فيلون هذا النوع من الشرح، غير أنه يتوقف فيه عند حد، ويقبل المعنى الحرفي، لإيمانه الوطيد بالله وشريعته وبالتقاليد. وإن كان يلتجئ إلى الفلاسفة أحيانًا. كما أنه يصطنع أيضًا الرمز العددى المأثور عن الفيثاغورية القديمة والجديدة، فيقول مثلاً إن الواحد غير منقسم، فهو صورة العلة الأولى وموجد النفس والحياة، وأن الاثنين منقسم، فهو أصل الشقاق وأخو الشر، … الخ. واتجاهه العام في شرحه للشريعة هو وضع المعنى الخلقي في مقابل المعنى الحرفى، أو نقل الثانى إلى الأول أحيانًا. فيرى في الطقوس علامات على الشروط الخلقية اللازمة للعبادة. ففي تحريم الحيوانات النجسة وجوب قمع الشهوات الرديئة. ومثل هذا النوع ينزع عن الشريعة صفتها الظاهرية أو المدنية ويحولها إلى قانون باطنى. وقد استبعد فيلون من اليهودية كل طموح سياسى، وقال إن “اليهودى” هو يهودى دينًا لا جنسية أو قومية، ويجب عليه أن يكون مواطنًا في البلد الذي يقيم فيه. ويحوّل الوعود الإلهية الواردة في التوراة بخيرات دنيوية ومستقبل سعيد لشعب إسرائيل إلى وعود بخيرات روحية للنفس الصالحة وبسيادة الشريعة على العالم. حتى التئام شمل اليهود في بلد واحد بعد توبتهم، يفسره بمعنى اجتماع الفضائل في النفس وتناسقها بعدما تحدثه الرذيلة من تشتت. والمسيح عند فيلون بمثابة الملك الحكيم عند الأفلاطونية والرواقية، يفرض سلطان بصفاته الخلقية من وقار يوحى بالإحترام، وهيبته توحى بالخوف، وإحسانه يوحى بالمحبة.   الوجود تصور فيلون للوجود مزيج من العقيدة اليهودية والفلسفة اليونانية، فالله عنده مُفارِق للعالم، خالق له ومهتم به، ولكنه بعيدًا تمامًا عما يدركه العقل بحيث لا نستطيع أن نعلم عنه شيئًا آخر. فكل ما ورد في التوراة من تشبيه يجب أن يُفسر بحسب هذا الاعتبار. وليس الله ـ بالنسبة لفيلون ـ هو إله إسرائيل فحسب وإنما هو إله العالم أجمع. وأسماؤه تدل على الكلية، فهو الكائن، والكائن حقًا، وهو العلة الأولى، وأبو العالم. فإن صادف قول العهد القديم “إله إبراهيم واسحق ويعقوب” فيشير ذلك إلى أن إبراهيم هو العالم، واسحق الطبيعة، ويعقوب هو الزهد، بحيث لا تدل الأسماء الثلاثة إلاّ على مصادرنا الثلاثة لمعرفة الله. وهو يسمى الله شمس الشمس، والشمس المعقولة للشمس المحسوسة، آخذًا عن أفلاطون، ويتابع قول أفلاطون إن الله صنع العالم لمحض خيريته، ثم يجاوز جميع الفلاسفة اليونانيين فيقول: لو أراد الله أن يدين الناس بلا رحمة لقضى عليهم بالهلاك، لأن أحدصا منهم لا يستطيع بنفسه أن يجرى شوطه كاملاً دون أن يسقط ولو عن غير قصد. لذا يجمع الله الرحمة إلى العدالة لكى يخلص الناس وهو لا يرحم بعد الإدانة، ولكنه يدين بعد الرحمة لأن الرحمة عنده سابقة على العدالة. غير أن علة الله عنده نوعان: علة مطلقة وعلى نسبية، كما تظهران من هذه العبادة: “إن الله لم يخرج الأشياء إلى النور فحسب، ولكنه صنع أيضًا الأشياء التي لم تكن من قبل، وهو ليس صانعًا فقط، ولكنه خالق” بمعنى أن العالم المعقول قد خُلق من العدم، وأن الأرواح خالية من المادة، وقد ولدها الله كما يلد العقل أفكاره، أما العالم المحسوس فنتيجة تنظيم الله لمادة سابقة أو نتيجة فعل وسطاء بين الله والمادة، كما يذهب إليه أفلاطون. ويعلل فيلون هذه التفرقة بأن الخلق صادر عن قدرة الله وعن صلاحه، فلا يُخلق من الله وحده إلاّ الموجود الكفيل

Other books

Other prayer books

أبصلموديه كيهكيه انجليزى الرسامات والتدشين انجليزى السجده انجليزى خدمه الشماس انجليزى ج 2 خدمه الشماس انجليزى دلائل اسبوع الآلام انجليزى لقان الرسل انجليزى لقان الغطاس انجليزى

Scroll to Top